الجرذان...مثيرون للشفقة

من طرف brokenpen82 الأحد 17 فبراير - 22:59

كنت في السابق أنقم على الجرذان بسبب كل ما فعلوه، و كنت أنقم عليهم
بسبب تبريراتهم التي لا تمت للواقع بصلة، و كنت كلما حاولت ألتمس لهم العذر أجدهم
أفرطوا في طغيانهم و التمسك بغبائهم و التشبت بخيانتهم حتى أثاروا قرفي. لكن
أصدقكم القول، اليوم أثاروا شفقتي و لأول مرة.

يكفي أن تنظروا إليهم و هم يحتفلون. يكفي أن تنظروا إلى وجوههم. إنها
وجوه ملأها البؤس و اليأس. وجوه صارت مقاربة لوجه شلقم و بوشنة و الشمام. وجوه
أدركت أنها خانت بملء إرادتها و أدركت أن أسوأ الذنوب هو بيع الوطن مقابل سيارات
فارهة و حياة رغدة و مطاعم ماكدونالد و كي اف سي، و إدراكها لذلك لم يردعها من
المضي قدما في بيع أكبر قدر ممكن من البلاد و دم العباد.

اليوم رأيت وجوها تم منحها وعودا بالجنة، بمنح المال و الأمان. كانت
وجوها تنتظر تحقق حلم أن ينال كل مواطن مرتبا لا يقل عن 7000 دينار ليبي، و أن
ينال كل الشباب شققا فخمة و سيارات فارهة و مساعدات مالية مدى الحياة و امتيازات
مادية عن كل طفل مولود في العائلة، و أن يتجول الليبيون داخل أبراج
"دبي" في ليبيا، و أن يتمتع كل مواطن بخدمات فندقية في تعاملاته
الإدارية، بل حتى أنهم جلبوا العمالة الآسيوية التي تستخدمها دول الخليج
"كخطوة أولى" في التشبه ب"دبي".

اليوم و هم "يحتفلون" بسنتهم الثانية، اكتشفوا أنهم رحبوا و
هللوا بالصليب كي تمتليء روائح النفايات في شوارع عروس البحر، و كي يتحول الشرق
الليبي إلى مكب نفايات غذائية في أسواقه، و كي تتحكم مصراتة في مصير طرابلس، و كي
تستاء بنغازي من تجبر مصراتة و صمت طرابلس فتطالب بالانفصال، و كي يئن الجنوب في
صمت و هو ينحدر إلى عصر الظلمات حيث لا كهرباء و لا اتصالات و حتى لا صرف صحي.

اليوم اكتشفوا أن أحدا من حكامهم لم يضع حجر أساس و لم يحرك المشاريع
و لم يتمكن من جمع السلاح من "ثوارهم" و لم يستطع حتى أن يعالج
"ثوارهم" بل لم يستطع حتى أن يزرع شجرة واحدة في اي مكان. نظروا بقهر
إلى أرقام فلكية تخرج من خزينة الدولة كميزانية سنوية و لم يكن نصف المبلغ يمثل
ميزانية للدولة حتى عام 2011.

اليوم يحتفلون بالذكرى الثانية لندمهم على ما فعلوه و لمكابرتهم حتى
لا يشمت بهم "الطحالب". عليهم أن "يرقصوا و يغنوا و يفرحوا"
حتى لا تشمت "أبلة ظاظا" بهم. عليهم الصراخ ملء حناجرهم بأن "ليبيا
حرة" حتى يضيع صوتهم على أمل أن يضيع جزء من بؤسهم، و أن يتقافزوا و يحركوا
العدد الأكبر من الأعلام فوق رؤوسهم علهم ينسون تاورغاء المشردة "التي اغتصبت
مصراتة"، و علهم ينسون بني وليد التي أمضت عيد الأضحى الماضي مشردة في
الوديان بفضل "حملة خير" القائد الأعلى للقوات المسلحة كما يحب المقريف
أن يسمي نفسه في الأوراق الرسمية. عليهم أن يصيحوا ملء حناجرهم "الله أكبر و
لله الحمد" كي يمحوا من ذاكرتهم مواطنين شردوا داخل ديارهم في بدر و تيجي و
درج و الشقيقة و مزدة و جنوب مزدة كله. ليس هذا فحسب، بل يجب أن يملؤوا الدنيا
أغاني و مفرقعات حتى يكبتوا غيضهم من حكومة قدمت وعودا و لم تنجز شيئا، من حكومة
اتخذت أرقى فنادق العاصمة سكنا لها و لكل أحبابها و تناست جرذانها الذين صلوا على
طرف أمريكا و رفعوا أيديهم داعين أبابيل فرنسا و هاتفين خلف إلاه الحرب الصهيوني
الحاقد على سيد الخلق. عليهم أن يفعلوا أي شيء كي ينسوا و لو للحظات ضحك حكومتهم
عليهم، و هل يوجد أفضل من الصراخ و الرقص في ذكرى بيعهم لذممهم؟ هل يوجد أفضل من
أن يردد كل منهم في قهر و مرارة و ابتسامة الأسى تمزق الشفاه "نعم! تحررنا و
حررنا الوطن من الطاغية".

اخواني و أخواتي، إن لم يشاهد منكم أحدا الجهاز المرئي لمتابعة
احتفالاتهم، فأرجو منكم أن تفعلوا و أن تفحصوا وجوههم جيدا. لقد ظنوا أن إغلاق
قناة "الطحالب" سيشفي غليلهم، لكن وجوههم تزداد قبحا و سوادا بسبب مزيج
الحقد و الندم. الكل يصيح ملء شدقيه "أنا سعيد" و كلنا يعرف أنه كلما
علا الصراخ بشيء، كلما دل ذلك على وجود عكس ذلك الشيء.

هذا أقل ما سيعانيه الجرذان في يوم نكبتهم، و قد شهدنا و سنشهد
مستقبلا تساقطهم أمام دعوات الثكالى و المظلومين في بقاع الجماهيرية في حوادث سير
مروعة و أمراض و علل لا علاج لها (جسدية كانت أو نفسية) دون الحديث عن من يصابون
بعيار ناري قاتل عن طريق الخطأ، و لا سيما أن من يسلم من الأذى قد لا يسلم فلذة
كبده منه. لا تكونوا مثلهم، و لا تنسوا أبدا أن الله في الوجود و أنه لا يرد دعوة
مظلوم فقد عزيزا من دون ذنب و ضاع رزقه الذي جمعه بعد عناء عمر كامل و فقد حق أن
يشم عبير وطنه...و ما أكثرهم.

احتفلوا يا جرذان، يعلم الله أنكم جعلتموني اليوم فقط أكتشف أنكم مثار
شفقة و حسب، و أن كل السوء الذي نبع منكم في كلامكم و في أفعالكم هو انعكاس للسوء
الذي تشعرون به في قلوبكم. احتفلوا كل يوم و كل ساعة، علكم تخففون من ذلك السوء ان
قدرتم، و ألحوا في قول "أن البلد بخير و أن الخير قادم"، سأقول: إنها
بخير لوجود القلوب الخضراء النابضة، و أن الخير قادم لا محالة مهما طال الزمن، و
كما يقول المثل: المليح يبطا.