مقال رصين لحامد شاكر بالحوار السياسى الليبى: ليبيا و شبح التقسيم
صفحة 1 من اصل 1
مقال رصين لحامد شاكر بالحوار السياسى الليبى: ليبيا و شبح التقسيم
لا أشك في أن المواطنين البسطاء، في مدن
ليبيا وقراها، كانت لديهم الرغبة في التغيير نتيجة ما كان سائداً من تدهورٍ في
الخدمات العامة، وتدنٍ في الأداء الإداري، وانخفاضٍ في مستوى الوعي نتيجة محاولة
تركيز العقلية الجماعية في اتجاه واحد يصنف بأنه سياسي، وإهمال باقي الاتجاهات
الثقافية والأخلاقية والدينية.
لكنّ هؤلاء البسطاء لم تكن لديهم الرغبة
في التغيير بالطريقة التي حدثت.. فهؤلاء بفطرتهم السليمة التي لم يشوهها عمق
التفكير في قضايا الأمة والعالم.. ولم تدنسها تحليلات السياسيين وتكهنات المفكرين،
يعلمون علم اليقين، عن طريق الموازنة، أن التغيير في ليبيا إن لم يأت (بالهادي
الله) فإنه سيكون نقمةً على البلاد والعباد.. وأن التغيير إن لم يكن تلقائياً في
المجتمع، فإنه سيؤدي إلى ضرب أهم مقومات هذا المجتمع ألا وهو الوحدة الوطنية التي هي
عامل استقرار مهم وبدونها لا شئ. والتغيير الذي حدث، يعلم القاصي والداني أن وراءه
دولاً لا يهمها حرية ليبيا ولا مصلحة الليبيين، وساستها عموماً لا يرقبون في مسلم
إلَّا ولا ذمة، وهذا ما يُفسر انخراط الشباب بالآلاف في صفوف القذافي الذي كانت
معركته الحقيقية مع الغرب.. فالمتطوعون في صفوف الكتائب عددهم أكبر من (الثوار)
الذين بقوا طيلة تسعة أشهر في أماكنهم تحت حماية طائرات النيتو.. ولم يتقدموا إلا
بعد أن أباد النيتو إخوانهم في الطرف الآخر..
إن الرّغبة الشعبية في زوال القذافي
قبل الأحداث.. نتيجة ظروف المعيشة.. وعدم التجديد.. ونتيجة الفساد والمحسوبية..
ونتيجة التهميش الذي عانت منه مدنٌ كاملةٌ، وبخاصة في المنطقة الشرقية.. هذه
الرغبة لم تكن وحدها سببا في ما حدث في ليبيا.. بل إن ما حدث كان سببا في إقلاع
60% على الأقل من الليبيين عن رغبتهم في زوال القذافي.. حتى أن (بني وليد) التي
مثلت في التسعينات من القرن الماضي بؤرة قلاقل ضد النظام.. وهي من أكثر المدن
تهميشاً وتضرراً.. وكان متوقعاً أن تكون من أولى المدن المنتفضة على النظام بعد 17
فبراير.. كانت من أكثر المناطق وقوفاً مع النظام في حربه الأخيرة.. لماذا؟ لأن
أهلها الذين قارع أسلافهم قوات الاحتلال الإيطالي أيقنوا أن هذه الحرب ليست بين
النظام وبين الشعب، وإنماهي بين ليبيا وبين الغرب الذي استعمل فيها جزءا من الشعب كبيادق
واستعمل لعبة الإعلام لغسل أدمغة الناس وتأليبهم على النظام وفصلهم نفسياً عما
كانوا عليه قبل الأحداث..
إننا لنعي الحقيقة يجب أن نعيَ أنّ ما
حدث في ليبيا جزءٌ من سيناريو أعد مسبقاً للمنطقة، بمعنى أن نظرية المؤامرة -التي
يستبعدها البعض ممن لا يفيدهم أن يدركوا الحقيقة- حاضرةٌ بقوة في ما يحدث في
المنطقة العربية، وفيما يحدث في ليبيا خصيصاً. فليبيا تحتل مكانا مهماً بالنسبة
إلى أوروبا، وتعد عمقاً عربياً استراتيجيا إذا ما اندلعت حرب بين إسرائيل ومصر،
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن نشاطات القذافي الأخيرة في القارة الإفريقية
سببت قلقا كبيراً لدى الغرب وخاصة لدى فرنسا التي لها مصالحها الخاصة في كثير من دول
القارة، فالقذافي الذي يعده البعض رجلاً مجنوناً
ومثيراً للضحك، هو لدى الغرب زعيماً مؤثراً في العالم الإسلامي، ولديه رؤية
استراتيجية لا يقف عند حد الحلم بها والتعبير عنها في خطاباته ومحاضراته، وإنما
يتعدى بها إلى التنفيذ، وقد نجح في أن يفرض أفكاره على دول القارة الإفريقية، ونجح
في تكوين الاتحاد الإفريقي، ودشن مؤسساته من البرلمان الإفريقي الموحد إلى المصرف
الإفريقي الذي هو نواة لاستقلال مالي واقتصادي إفريقي، إلى الجيش الإفريقي الموحد،
بالرغم من أن هذه الأفكار قبل الشروع في تنفيذها كانت مصدراً للتفكه والسخرية من
قبل محدوي الأفق. ولم تكن أفكاره المقلقة تقف عند حدود القارة، كما أنها لم تكن
خارجية فقط، فقد نجح القذافي خلال أربعين عاماً من السلطة في ليبيا في أن يحقق
لبلده نوعاً من الاستقلال السياسي والاقتصادي، وكان من بين الأمور التي لفتت نظر
المهتمين وخاصة الأكاديميين في العالم أن ليبيا تعد الدولة الوحيدة التي لا توجد
عليها ديون خارجية، ولفت نظر هؤلاء أنه استطاع أن يقيم مشروع النهر الصناعي، وهو
مشروع ضخم كان يُعد قبل تنفيذه مجرد فكرة مجنونة، ثم ما لبثت هذه الفكرة المجنونة
أن أضحت حقيقة، وتم من خلالها تأمين ليبيا من العطش لأجيال قادمة، هذا المشروع
نفذه القذافي دون أن يقترض من الخارج، أي دون أن يرتب على بلاده ديوناً تكبلها
وتجعلها أسيرة لشروط صندوق النقد الدولي.
طبعاً
الاهتمام بالأمور الاستراتيجية بعيدة المدى، وإهمال الأمور الآنية التي تمس الحياة
اليومية، ترتب عليها ما صدّرنا به هذه المقالة من وجود سلبيات مسّت المواطن بشكلٍ
مباشرٍ وأوجدت لديه شعوراً بالتذمر وعدم الرضى، وهذه الطريقة في القيادة أو في
إدارة البلاد –مع الأسف- هي طريقة الفلاسفة الذين ليس بينهم وبين الجنون سوى شعرة،
والذين لا يهتمون بالأمور الآنية قدر اهتمامهم بالمأمول، وهي السبب في تقييد حرية
الرأي في ليبيا؛ فحرية الرأي في زمن القذافي كان مسموحاً بها في حدود نقد آليات
تنفيذ الأفكار لا نقد الأفكار ذاتها التي يعتقد صاحبها، وهو فيلسوف، أنها خلاصة
فكر، وخلاصة الفكر لدى صاحبها هي عقيدة قد يموت من أجلها، وقد مات القذافي فعلاً
بسبب أفكاره وتطلعاته.
الآن
ليبيا وصلت إلى ما أراده لها الغرب، وصلت إلى المرحلة التي لا مفر فيها من
التقسيم، والتقسيم موجود الآن لكنه غير رسمي، فلدينا دولٌ داخل الدولة، ولدينا
ميليشيات أشبه بالجيوش، وهذه الميليشيات لا رابط بينها، ولا إمكان لتنظيمها في
جهاز واحد، والشعب أصبح مهيئاً للإعلان عن تقسيم البلد، فبعد أن كان الجميع يرفض فكرة
الفيدرلية، أصبحت الفيدرالية هي الاحتمال المأمول أمام احتمالٍ آخر بتجزئة ليبيا
إلى دول ثلاث أو أربع أو خمس، دولة في الشرق وثانية في الغرب وثالثة في الجنوب، ورابعة
في الوسط، وخامسة في الجبل الغربي، وربما سادسة في الجنوب الشرقي. وهذا الاحتمال
وارد، وتقوم دول الغرب -بعد أن نجحت في الإطاحة بنظام حكم القذافي في ليبيا، ونجحت
أيضاً في اغتيال هذا الرجل- بتغذيته والعمل على تنفيذه من خلال قطع أي سبيل نحو
قيام مصالحة وطنية حقيقية في ليبيا، وعن طريق إثارة الأطماع الجهوية والقبلية في
السلطة، ومخابرات هذه الدول تعمل بشكل جدي في هذا الإطار ومع كل الأطراف ومن بينها
الخونه والعملاء من اسمو نفسهم بالمعارضين .الليبية في الخارج.
أنا شخصياً أعتقد أن ليبيا التي كنا نعرفها
قد انتهت، والأسباب كامنة في التركيبة الليبية، وقد حال القذافي طيلة فترة حكمه
دون تفعيلها، فالقذافي، بغض النظر عن أي وصف يمكن أن ينعت به، طاغية ظالم عادل
فيلسوف مجنون، استطاع بشكل فعال أن يحافظ على وحدة ليبيا طيلة عقود، واستطاع أن
يذيب الخلافات القبلية، واستطاع أن يضع الشعب كاملا في بوتقة واحدة، وعندما انهار النظام
ظهر على السطح كل ما كان خافياً، وكل ما حاول هذا الرجل –طيلة فترة حكمه- الحيلولة
دون ظهوره.
جماهيري ضد الرشوقراطيه-
- الجنس :
عدد المساهمات : 3458
نقاط : 15127
تاريخ التسجيل : 28/11/2011
. :
. :
. :
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 0:48 من طرف علي عبد الله البسامي
» غائط القرن
السبت 4 مايو - 0:33 من طرف علي عبد الله البسامي
» أحلاس الصّهينة
الأحد 7 يناير - 7:55 من طرف علي عبد الله البسامي
» النفير المقدس
الخميس 4 يناير - 1:50 من طرف علي عبد الله البسامي
» الى شيوخ ومثقفي الخليج
الأحد 31 ديسمبر - 17:26 من طرف علي عبد الله البسامي
» .سجل حضورك ... بصورة تعز عليك ... للبطل الشهيد القائد معمر القذافي
الإثنين 25 ديسمبر - 17:43 من طرف chlih
» أملٌ زمنَ القهر
الأحد 24 ديسمبر - 18:07 من طرف علي عبد الله البسامي
» أملٌ زمنَ القهر
الأحد 24 ديسمبر - 18:06 من طرف علي عبد الله البسامي
» عملاق الردى
الأحد 24 ديسمبر - 17:15 من طرف علي عبد الله البسامي
» إجرام الغرب
السبت 16 ديسمبر - 16:40 من طرف علي عبد الله البسامي
» فضبدة الخذلان
الجمعة 8 ديسمبر - 9:06 من طرف علي عبد الله البسامي
» شرف المقاومة
الأحد 3 ديسمبر - 23:43 من طرف علي عبد الله البسامي
» زمرة العز في زمن الهوان
السبت 2 ديسمبر - 13:22 من طرف علي عبد الله البسامي
» دليل التّردِّي
الثلاثاء 28 نوفمبر - 0:26 من طرف علي عبد الله البسامي
» الخذلان المذل
الأحد 26 نوفمبر - 11:55 من طرف علي عبد الله البسامي
» أحرارُ الخَلَف
الخميس 23 نوفمبر - 17:06 من طرف علي عبد الله البسامي
» وثبة الابطال في اليمن
الأربعاء 22 نوفمبر - 17:11 من طرف علي عبد الله البسامي
» هان العرب
الأربعاء 22 نوفمبر - 6:32 من طرف علي عبد الله البسامي
» الى ابي عبيدة
الإثنين 20 نوفمبر - 23:03 من طرف علي عبد الله البسامي
» الى ابي عبيدة
الإثنين 20 نوفمبر - 23:02 من طرف علي عبد الله البسامي