منتديات زنقتنا-منتديات شباب ليبيا الأحرار

عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
يرجي التكرم بتسجبل الدخول إذا كنت عضو معنا
أو التسجيل إن لم تكن عضو وترغب في الإنضمام إلي أسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك

إدارة المنتدي


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات زنقتنا-منتديات شباب ليبيا الأحرار

عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
يرجي التكرم بتسجبل الدخول إذا كنت عضو معنا
أو التسجيل إن لم تكن عضو وترغب في الإنضمام إلي أسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك

إدارة المنتدي
منتديات زنقتنا-منتديات شباب ليبيا الأحرار
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

التدرج غى الدعوة

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

GMT + 7 Hours التدرج غى الدعوة

مُساهمة من طرف ابو عمر المصرى الإثنين 25 يوليو - 2:32

الفصل الأول

التدرج في الدعوة باعتبار الموضوع

وفيه تمهيد ومبحثان :

المبحث الأول : التوحيد

المبحث الثاني : الشريعة

تمهيد

بينت في تعريف الموضوع أن المدعو إذا كان غير مسلم فموضوع دعوته الإسلام توحيدًا وشريعة ، وقد بُعِثَ صلى الله عليه وسلم في أمة جاهلية تعبد الأوثان وتشرك بالله الملِك الديَّان ، فكان موضوع دعوتهم الإسلام مبتدئًا بالتوحيد ، ثم الشريعة ، وقد قسَّمت هذا الفصل إلى مبحثين :

المبحث الأول : التوحيد .

المبحث الثاني : الشريعة .

وفيما يلي تفصيل هذين المبحثين :

المبحث الأول

التوحيد

أولًا : مفهوم التوحيد :

1 - تعريف التوحيد :

سُمِيَ دين الإسلام توحيدا لأن مبناه على أن الله واحد في ملكه وأفعاله ، لا شريك له ، وواحد في ذاته وصفاته ، لا نظير له ، وواحد في إلهيته وعبادته ، لا ندّ له (1) ، وهذا الأخير هو الذي دعت إليه الرسل ، فالتوحيد إذًا هو إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة ، وهو دين الرسل الذين أرسلهم الله به إلى عباده (2) ، وهو العلم والاعتراف بتفرد الرب بصفات الكمال والجلال والعظمة ، وإفراده وحده بالعبادة (3) .

_________

(1) الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ ، تيسير العزيز الحميد ، ص 32 ، 33 .

(2) الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ، القول السديد في شرح كتاب التوحيد ، ص 12 ، 13 .

(3) انظر : الشيخ السعدي المرجع السابق ص 10 .



فتوحيد الله معناه : اعتقاد أن الله واحد لا شريك له ، ونفي المثيل والنظير عنه ، والتوجُّه إليه وحده بالعبادة (1) .

وهذا المفهوم للتوحيد هو الحق الموافق للصواب ؛ لشموله لتوحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات ، ولموافقته لما كان يعتقده السلف الصالح رضي الله عنهم .

2 - أنواع التوحيد :

التوحيد نوعان :

النوع الأول : توحيد في المعرفة والإثبات ، ويشمل توحيد الربوبية ، وتوحيد الأسماء والصفات .

النوع الثاني : توحيد في الطلب والقصد ، وهو توحيد الألوهية والعبادة .

أما توحيد الربوبية فهو : توحيد الله بأفعاله ، مثل الخلق ، والرزق ، والإحياء والإماتة ونحوها ، وهو الذي أقر به المشركون في زمنه صلى الله عليه وسلم ، ولم يدخلهم في الإسلام ، بل قاتلهم الرسول صلى الله عليه وسلم واستحلَّ دماءهم وأموالهم (2) ، ويدل عليه قوله تعالى : { قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ } (3) .

_________

(1) الشيخ خالد محمد علي الحاج ، مصرع الشرك والخرافة ، ص 18 .

(2) عبد الرحمن بن قاسم ، الدرر السنية في الأجوبة النجدية 2 / 45 .

(3) سورة يونس ، الآية : 31 .

فقريش ومن قبلهم من الأُمم مقرّون بهذا النوع من التوحيد ، ولم تقع بينهم وبين أنبيائهم خصومة فيه ، ومع ذلك لم يدخلهم في الإسلام ، ولم ينجهم من نقمة الله تعالى وعذابه (1) .

أما توحيد الأسماء والصفات : فهو أن يوصف الله بما وصف به نفسه ، وبما وصفته به رسله نفيًا وإثباتًا ، فيثبت لله ما أثبته لنفسه ، وينفي عنه ما نفاه عن نفسه (2) .

ودليل هذا القول قوله تعالى : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ }{ اللَّهُ الصَّمَدُ }{ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ }{ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } (3) .

وقوله تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } (4) ، وهذان هما النوع الأول وهو التوحيد في المعرفة والإثبات .

أما توحيد الألوهية : فهو إخلاص العبادة لله وحده من جميع الخلق (5) ، فلا يعبد إلا الله وحده ، ولا يشرك معه في العبادة أحدًا ، لا ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ، فضلًا عمّن دونهما ، وهذا الذي يدخل الرجل في الإسلام (6) ، ودليله قوله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } (7) .

_________

(1) عبد الرحمن قاسم ، المرجع السابق ص 45 .

(2) ابن تيمية ، مجموع الفتاوى 3 / 3 .

(3) سورة الإخلاص .

(4) سورة الشورى ، الآية : 11 .

(5) الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، القسم الثالث ، الفتاوى ، ص42 .

(6) الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، المرجع السابق ، ص 42 .

(7) سورة الأنبياء ، الآية : 25 .

وقوله تعالى : { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } (1) .

وقوله تعالى : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } (2) .

وهذا التوحيد هو النوع الثاني وهو التوحيد في الطلب والقصد ، وهو الذي وقعت فيه الخصومة بين الأمم ورسلهم ، من لدن نوح إلى محمد عليه الصلاة والسلام ، وهو الذي أرسل الله الرسل من أجله ، وأنزل الكتب ، ومن أجله خلق الله الجن والإنس ، كما قال سبحانه : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } (3) .

وهذا النوع من التوحيد هو الذي سأبين أهمية البدء به في الفقرة التالية .

_________

(1) سورة الجن ، الآية : 18 .

(2) سورة آل عمران ، الآية : 31 .

(3) سورة الذاريات ، الآية : 56 .

ثانيا : أهمية البدء بالتوحيد :

الدعوة إلى التوحيد هي غاية بعثة الرسل عليهم السلام ، لذا كان كل واحد منهم يستفتح دعوته بقوله (1) : { اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } (2) .

فمن أجله خلق الله الخلق وأنزل الكتب وأرسل الرسل (3) ، قال تعالى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } (4) ، فدلَّت الآية على أن التوحيد هو أصل الدِّين الذي لا يقبل الله من الأولين والآخرين دينًا سواه (5) ، فرسل الله عليهم السلام كلهم متفقون على البدء بالدعوة إليه وإن اختلفت شرائعهم (6) ذلك أنه أوجب حقوق الخالق على المخلوقين ، قال تعالى : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } (7) .

وحين تأملي للسيرة العطرة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم تبيَّن لي أهمية البدء بالدعوة إلى هذا النوع من التوحيد من وجوه :

_________

(1) انظر : ابن تيمية ، مجموع الفتاوى 1 / 154 .

(2) سورة الأعراف ، الآيات : 59 ، 65 ، 73 ، 85 .

(3) انظر : ابن تيمية ، مجموع الفتاوى ، 1 / 154 .

(4) سورة النحل ، الآية : 36 .

(5) انظر : ابن تيمية 1 / 154 .

(6) انظر : ابن سعدي ، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان 4 / 202 .

(7) سورة الإسراء ، الآية : 23 .

الأول : بقاؤه صلى الله عليه وسلم ما يقارب نصف عمره بعد الرسالة يدعو إلى هذا التوحيد ، ويركز عليه دون غيره ، يدل على ذلك ما رواه الإمام مسلم عن أبي أمامة قال : « قال عمرو بن عبسة السلمي : كنت ، وأنا في الجاهلية ، أظن الناس على ضلالة ، وأنهم ليسوا على شيء ، وهم يعبدون الأوثان ، فسمعت برجل بمكة يخبر أخبارًا فقعدت على راحلتي ، فقدمت عليه ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفيا جرآء عليه قومه ، فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة فقلت له : ما أنت ؟ قال : " أنا نبي " ، فقلت : ما نبي ؟ قال : " أرسلني الله " ، فقلت : وبأي شيء أرسلك ؟ قال : أرسلت بصلة الأرحام ، وكسر الأوثان ، وأن يوحد الله لا يشرك به شيء . . . » الحديث (1) . وروى البخاري عن الزهري قال : أخبرني سعيد بن المسيب عن أبيه ، قال : « لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل ، وعبد الله بن أبي أمية ، فقال : أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله . . » الحديث (2) .

_________

(1) مسلم ، صحيح مسلم ، كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب إسلام عمرو بن عبسة ، (6 / 294 ، 1 / 569) .

(2) البخاري ، صحيح البخاري ، كتاب التفسير ، باب قوله تعالى : « إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء » (68 / 4494) 4 / 1788 ، 1789 .

وروى الإمام أحمد « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على الناس بذي المجاز يقول لهم : يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا » (1) ، بل مما يؤكِّد أهمية البداءة بالتوحيد استمراره صلى الله عليه وسلم طيلة زمن الرسالة يبدأ بعرض التوحيد أولا ، يدل على ذلك قصة إسلام ضمام بن ثعلبة ، ووفد عبد القيس ، ومكاتبته صلى الله عليه وسلم للملوك يدعوهم إلى التوحيد (2) ، ثم إرشاده لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن أن يبدأ بالدعوة إلى التوحيد ، ونبّه الإمام ابن حجر إلى الحكمة في ذلك فقال : " ووقعت البداءة بهما - أي الشهادتين - لأنهما أصل الدِّين الذي لا يصح شيء إلا بهما " (3) .

_________

(1) أحمد بن حنبل ، مسند الإمام أحمد ح (16003) 3 / 647 .

(2) انظر : ابن حجر ، فتح الباري 15 / 301 .

(3) ابن حجر ، فتح الباري 4 / 127 .

الثاني : ولاؤه صلى الله عليه وسلم وبراؤه من أجله ، فقد أحبّ قومًا وهم من أبعد الناس عنه نسبا من أجل التوحيد ، وأبغض آخرين وهم من أقرب الناس إليه نسبًا من أجله ، مقتديًا في ذلك بأبيه الخليل عليه السلام ، إذ يقول الله عنه : { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } (1) .

_________

(1) سورة الممتحنة ، الآية : 4 .

فموالاة الله بعبادته والبراءة من كل معبود سواه هو معنى لا إله إلا الله (1) ، قال تعالى : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ }{ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ }{ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } (2) . قال المفسرون : هي كلمة التوحيد ( لا إله إلا الله ) لا يزال في ذريته من يعبد الله ويوحده ، والمعنى جعل هذه الموالاة لله والبراءة من كل معبود سواه كلمة باقية في ذرية إبراهيم يتوارثها الأنبياء وأتباعهم (3) ، ومنهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد كان يوالي ويعادي من أجل هذه الكلمة مهتديًا بقول الله تعالى : { لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ } (4) ، فدلَّت الآية على أنَّه لا يوجد مؤمن يواد المحادين لله ورسوله ذلك أن نفس الإيمان ينافي موادته كما ينفي أحد الضدين الآخر ، فإذا وجد الإيمان انتفي ضده ، وهو موالاة أعداء الله ، فإذا كان الرجل يوالي أعداء الله بقلبه كان ذلك دليلًا على أن قلبه ليس

_________

(1) انظر : محمد بن عبد الله الجلعود ، الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية 1 / 132 .

(2) سورة الزخرف ، الآيات من 26 إلى 28 .

(3) انظر : الطبري ، جامع البيان 13 / 63 ، وانظر : ابن كثير ، تفسير القرآن العظيم 4 / 126 ، وانظر : الشوكاني ، فتح القدير 4 / 553 .

(4) سورة المجادلة ، الآية : 22 .

فيه الإيمان الواجب (1) ومما يدل على هذا الولاء والبراء من سيرته العطرة عليه الصلاة والسلام هجرته من مكة - دار الشرك - إلى المدينة دار الإسلام ، فقد كانت الهجرة واجبة عليه وعلى أصحابه من أجل نصرة الإسلام وموالاة أهله (2) فهاجر صلى الله عليه وسلم امتثالًا لأمر ربه ، وبراءة من الشرك وأهله وحينما نهى عن الاستغفار للمشركين في قوله تعالى : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } (3) أي ما ينبغي لهم ذلك وهو خبر بمعنى النهي (4) فانتهى صلى الله عليه وسلم عن الاستغفار لعمه أبي طالب ، وتبرأ من الشرك وأهله .

وحينما نُهي عن الصلاة على أهل النفاق في قوله تعالى : { وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ } (5) انتهى وتبرأ منهم ؛ لأنهم فقدوا أصل الإيمان وهو التوحيد .

_________

(1) انظر : ابن تيمية ، مجموع الفتاوى 7 / 17 .

(2) انظر : ابن حجر ، فتح الباري 6 / 120 .

(3) سورة التوبة ، الآية : 113 .

(4) ابن حجر ، 9 / 458 .

(5) سورة التوبة ، الآية : 84 .

وكما كان براؤه من أجل التوحيد ، فقد كان ولاؤه صلى الله عليه وسلم من أجل التوحيد ، مهتديًا بقول الله تعالى : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } (1) .

وقوله سبحانه : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } (2) .

وقد جاءت السنة تبين محبته صلى الله عليه وسلم لأهل التوحيد ، فقد صرَّح صلى الله عليه وسلم بذلك لأحدهم يوم خيبر ، حيث قال : « لأعطين هذه الراية غدا رجلًا يفتح الله على يديه ، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله » (3) ، فهذا الولاء منه والبراء أصل في التوحيد مما يدل على أهمية البداءة به .

الثالث : عدم تنازله صلى الله عليه وسلم عن شيء في التوحيد ، فحينما عرضت عليه قريش أن يعبد آلهتهم سنة ويعبدون إلهه سنة (4) نزلت المفاصلة في قوله تعالى : { قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ }{ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ }{ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ }{ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ }{ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ }{ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } (5) .

_________

(1) سورة التوبة ، الآية : 71 .

(2) سورة المائدة ، الآية : 55 .

(3) البخاري ، صحيح البخاري ، كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر ، (ك 67 ح 3973) 4 / 1542 .

(4) انظر : الواحدي ، أسباب النزول ص 378 ، وانظر : ابن حجر ، فتح الباري 9 / 758 .

(5) سورة الكافرون .

وحينما طلبوا منه أن يتركهم وآلهتهم ويتركوه وإلهه لم يقبل صلى الله عليه وسلم وكان جوابه : قولوا لا إله إلا الله (1) .

وحينما طلب منه وفد ثقيف أن يدع لهم الطاغية - اللات - بعض الوقت لم يقبل صلى الله عليه وسلم ولم يأذن لهم في التوحيد شيئًا مما دلَّ على أهمية البدء به (2) .

_________

(1) انظر : القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن 14 / 150 .

(2) انظر : ابن هشام ، السيرة النبوية 4 / 137 .

المبحث الثاني

الشريعة

أولا : مفهوم الشريعة :

1 - الشريعة في اللغة :

مشرعة الماء ، وهو مورد الشاربة .

والشريعة : ما شرع الله لعباده من الدِّين ، وقد شرع لهم يشرع شرعا ، أي سن . والشارع : الطريق الأعظم ، وشرعت في هذا الأمر شروعا أي خضت (1) .

وفي المفردات : الشرع نهج الطريق الواضح .

يُقال : شرعت ، والشرع مصدر ، ثم جعل اسما للطريق النهج فقيل له : شرعٌ وشريعة واستعير ذلك للطريقة الإلهية شرعة ومنهاجا (2) .

2 - الشريعة في الاصطلاح :

عندما تطلق الشريعة في الاصطلاح يراد بها معنيان :

الأول : عام ، وذلك إذا أطلقت مفردة ، فإنَّها تشمل كل ما شرع الله من الدين عقائد وأحكاما ، قال تعالى : { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } (3) ومما وصَّى به نوحا التوحيد ، والفضائل ، وأصول الشرائع (4) .

وقد عرف الشريعة بهذا القول الدكتور محمد بن صالح عثمان حيث يقول : الشريعة : " هي النظم التي شرعها الله تعالى ، أو شرع أصولها ، ليأخذ الإنسان بها نفسه ، في علاقته بربه ، وعلاقته بأخيه المسلم ، وعلاقته بأخيه الإنسان ، وعلاقته بالحياة " (5) .

وعرفها آخر بقوله :

_________

(1) انظر : الجوهري ، الصحاح 3 / 1236 ، مادة شرع .

(2) انظر : الراغب الأصفهاني ، المفردات ص 258 .

(3) سورة الشورى ، الآية : 13 .

(4) انظر : الشوكاني ، فتح القدير 4 / 529 .

(5) المجلس العلمي ، وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية والشبهات التي تثار حول تطبيقها ص 146 .

الشريعة : ما شرعه الله لعباده من العقائد والأحكام في شؤون الحياة كلها (1) .

الثاني : خاص ، ويقصد بها ما شرع الله من الأحكام والأوامر والنواهي ، قال تعالى : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } (2) .

ومعلوم أن المقصود في الآية الشرائع دون العقائد ، لأن العقائد واحدة في كل أمة ، وعلى لسان كل نبي ، وقد خصت كل أمة بشرعة تناسبها (3) .

وقد عرف الشريعة بهذا القول الإمام القرطبي حيث يقول : الشريعة في الاصطلاح الشرعي هي : الأحكام التي شرعها الله لعباده ، سواء أكان تشريع هذه الأحكام بالقرآن ، أم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، من قول أو فعل أو تقرير (4) .

وعرفها الدكتور ناصر العقل بقوله : الشريعة في الاصطلاح : فروع الدين وأحكامه الفقهية (5) .

وهذا المعنى للشريعة هو الذي أعني في بيان التدرج في الدعوة إليه في هذا البحث .

_________

(1) المرجع السابق ص 188 .

(2) سورة المائدة ، الآية : 48 .

(3) انظر : الطبري ، جامع البيان عن تأويل آي القرآن ، 4 / 270 ، وانظر : ابن كثير ، تفسير القرآن العظيم ، 2 / 66 ، وانظر : الشوكاني ، فتح القدير 2 / 48 .

(4) القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن ، 16 / 173 .

(5) د . ناصر بن عبد الكريم العقل ، التلازم بين العقيدة والشريعة ص 11 .

ثانيًا : صلة الشريعة بالتوحيد :

هناك تلازم بين الشريعة والتوحيد ، فالتوحيد مستلزم للشريعة ، والشريعة متضمنة للتوحيد (1) ، فالإيمان يطلق أحيانًا ويُراد به كل من التوحيد والشريعة ، يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس : « آمركم بالإيمان بالله وحده ، قال : " أتدرون ما الإيمان بالله وحده " ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وأن تعطوا من المغنم الخمس . . . » (2) ، ففسَّر عليه الصلاة والسلام الإيمان بالتوحيد والشرائع (3) ، ويُطلق الإسلام ويُراد به التوحيد والشريعة ، يدل على ذلك حديث جبريل : « قال : ما الإسلام ؟ قال : الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة المكتوبة ، وتؤدِّي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان . . » (4) ، ففسَّر الإسلام أيضا بالتوحيد والأعمال المشروعة من صلاة وزكاة وصيام .

_________

(1) انظر ابن تيمية ، كتاب الإيمان 1 / 30 ، وانظر : ابن حجر ، فتح الباري 1 / 158 ، وانظر : د . ناصر العقل ، التلازم بين العقيدة والشريعة ص 14 .

(2) البخاري ، صحيح البخاري ، كتاب الإيمان ، باب أداء الخمس من الإيمان (كتاب 2 / 53) .

(3) انظر : د . ناصر العقل ، التلازم بين العقيدة والشريعة ص 16 .

(4) مسلم ، صحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله سبحانه وتعالى (ك1 ح5) 1 / 39 .

فالتوحيد هو الركن الأساسي والأصل ، والشريعة تبع له وثمرة من ثمراته ، يدل على ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت » (1) ، فالتوحيد مثاله أوسط الأعمدة في بيت الشعر ، وبقية الأركان تمثل الشريعة ، فما دام الأوسط قائمًا فالبيت موجود ، ولو سقط منها ما سقط من الأركان ، فإذا سقط الأوسط سقط مسمى البيت ، فالبيت بالنظر إلى مجموعه شيء واحد ، وبالنظر إلى أفراده أشياء ، وأيضًا بالنظر إلى أسه وأركانه ، الأس هو الأصل ، والأركان تبع وتكملة (2) ، فالأس هو التوحيد وهو الأصل ، والأركان هي الشريعة .

_________

(1) البخاري ، صحيح البخاري ، كتاب الإيمان ، باب الإيمان وقول النبي صلى الله عليه وسلم : بُني الإسلام على خمس (ك 2ح Cool 1 / 12 .

(2) انظر : ابن حجر ، فتح الباري 1 / 72 ، 73 .

فأفضل شُعَب الإيمان التوحيد ، وهو الأصل والأساس ، وباقي الأعمال فروع وثمرات لا تصح إلا بعد صحته (1) يدل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام : « الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة ، فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق . . » الحديث (2) فصحة التوحيد شرط في قبول تلك العبادات ، بل إن تلك الأعمال لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد ، كما أن الصلاة لا تسمى صلاة إلا مع الطهارة ، فإذا دخل الشرك في العبادة فسدت كالحدث إذا دخل في الطهارة (3) قال تعالى : { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ } (4) ، وقال تعالى : { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا } (5) ففي هذه الآية إشارة إلى أن سبب بطلان العمل الكفر (6) والعمل الذي يقبله الله هو ما يصدر من الموحِّدين (7) ومما سبق تتبين صلة الشريعة بالتوحيد من وجوه :

1 - يشملهما مسمى الإيمان والإسلام والدين .

2 - أحدهما مستلزم والآخر متضمن .

3 - التوحيد هو الأصل والأساس ، والشريعة فرع وثمرة .

_________

(1) انظر : النووي ، صحيح مسلم ، شرح النووي ، 2 / 4 ، وانظر : السعدي ، بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ص 199 ، 200 .

(2) مسلم ، صحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها ، وفضيلة الحياء ، وكونه من الإيمان (ك1 ح 35) (1 / 63) .

(3) الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم ، الدرر السنية في الأجوبة النجدية 2 / 17 .

(4) سورة التوبة ، الآية : 17 .

(5) سورة الفرقان ، الآية : 23 .

(6) انظر : القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن ، 13 / 22 .

(7) انظر السعدي تيسير الكريم الرحمن ، 5 / 472 .

4 - صحة التوحيد شرط في قبول الشريعة .

ثالثا : التدرج في الدعوة إلى الشريعة :

اقتضت حكمة البارئ جلَّ وعلا في دعوة عباده إلى الشريعة أن يتدرج معهم على وجه لا يشق عليهم ، مراعيا البدء بالأهم فالمهم (1) ، من هذه الشريعة أركان الإسلام ، فقد تدرج الشارع في الدعوة إليها بدءًا بالأهم ثم المهم ، فافترض عليهم أول شيء بعد التوحيد الصلاة ، وذلك لعظيم أهميتها ، يدل على ذلك ما رواه البخاري في كتاب الصلاة ، باب كيف فرضت الصلاة في حديث الإسراء الطويل ، وفيه يقول : قال النبي صلى الله عليه وسلم : « ففرض الله على أمتي خمسين صلاة ، فرجعت بذلك ، حتى مررت على موسى ، فقال : ما فرض الله على أمتك ؟ قلت : فرض خمسين صلاة ، قال : ارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك ، فراجعته فوضع شطرها ، فرجعت إلى موسى ، قلت : وضع شطرها ، فقال : راجع ربك ، فإن أمتك لا تطيق ، فراجعته فوضع شطها ، فرجعت إليه ، فقال : ارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك ، فراجعته ، فقال : هي خمس ، وهي خمسون ، لا يبدل القول لدي . . . » الحديث (2) فكان فرض الصلاة متقدمًا قبل بقية أركان الشريعة ، يدل على ذلك حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حيث قالت : « فرضت الصلاة ركعتين ، ثم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم ففرضت أربعًا ، وتركت صلاة

_________

(1) انظر : ابن سعدي ، المرجع السابق ، 1 / 272 .

(2) البخاري ، صحيح البخاري ، كتاب الصلاة ، باب كيف فرضت الصلوات في الإسراء (ك 8 ح342) 1 / 135 ، 136 .

السفر على الأولى » (1) ، ففي قولها " ثم هاجر " دليل على تقدم فرض الصلاة ، وأنها فرضت قبل هجرته صلى الله عليه وسلم مما يدل على مزيتها على سائر الفرائض والعبادات ، يؤكد هذه الأهمية أنه صلى الله عليه وسلم كان يبايع عليها بعد التوحيد ، يدل على ذلك ما رواه البخاري ، عن جرير بن عبد الله قال : « بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والنصح لكل مسلم » (2) ، يقول ابن حجر مبينًا البدء بالصلاة بعد التوحيد : " وكان النبي صلى الله عليه وسلم أول ما يشترط بعد التوحيد إقامة الصلاة لأنها رأس العبادات البدنية ، ثم أداء الزكاة لأنها رأس العبادات المالية ، ثم يعلم كل قوم ما حاجتهم إليه أمس " (3) .

_________

(1) المرجع السابق (8 / 343) 1 / 137 .

(2) البخاري ، صحيح البخاري ، كتاب مواقيت الصلاة ، باب البيعة على إقام الصلاة (ك 13 ح501) 1 / 196 .

(3) ابن حجر ، فتح الباري 2 / 188 .

وكما كان صلى الله عليه وسلم يشترط بعد التوحيد الصلاة قبل غيرها ، فقد كان صلى الله عليه وسلم يقدمها على غيرها في فعله ، يدل على ذلك حديث عتبان رضي الله عنه قال : « أصابني في بصري بعض الشيء ، فبعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنِّي أحب أن تأتيني فتصلي في منزلي فأتخذه مصلى ، قال : فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ومن شاء الله من أصحابه . . . » (1) ، وقد فطن الإمام النووي لفائدة عظيمة في هذا الحديث الكريم حيث يقول : " وفيه البداءة بالأهم فالأهم ، فإنه صلى الله عليه وسلم في حديث عتبان هذا بدأ أول قدومه بالصلاة ثم أكل " (2) ، فدل هذا العمل النبوي الكريم على أهمية التدرج ومراعاة البدء بالأهم فالأهم في الدعوة إلى الشريعة ، وقد نبه الإمام القرطبي إلى هذا التدرج الحكيم ، فقال : " قال ابن عباس : « بعث النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة أن لا إله إلا الله ، فلما صدقوه فيها زادهم الصلاة ، فلما صدقوه زادهم الزكاة ، فلما صدقوه زادهم الصيام ، فلما صدقوه زادهم الحج ، ثم أكمل لهم دينهم » (3) .

_________

(1) مسلم ، صحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا ، (ك 1ح 33) 1 / 61 .

(2) النووي ، صحيح مسلم ، شرح النووي ، 2 / 245 .

(3) القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن ، 16 / 264 .

يدل على ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما حيث يقول : « لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى نحو أهل اليمن ، قال له : إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب ، فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى ، فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم ، فإذا صلوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم ، تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم ، فإذا أقروا بذلك فخذ منهم وتوقّ كرائم أموال الناس » (1) ، فقرر صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث التدرج في الدعوة إلى هذه الأركان ، والبدء بالأهم فالمهم ، وإلى هذا يشير النووي بقوله : " ولأنه صلى الله عليه وسلم رتب ذلك في الدعاء إلى الإسلام وبدأ بالأهم ، ألا تراه بدأ بالصلاة قبل الزكاة " (2) ، فدل على أهمية مراعاة التدرج في الدعوة والتعليم والبدء بالأهم فالأهم (3) .

_________

(1) البخاري ، صحيح البخاري ، كتاب التوحيد ، باب ما جاء في دعاء النبي أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى (ك100 ح 6937 ) 6 / 2685 .

(2) النووي ، شرح صحيح مسلم 1 / 198 .

(3) انظر : الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، كتاب التوحيد ، ص 35 .

وكما تدرج الشارع في الدعوة إلى أركان الإسلام مراعيًا بالبدء بالأهم ثم المهم ، فقد راعى هذا الجانب في الدعوة إلى أخلاق الإسلام حيث ابتدأ بالدعوة إلى أصول الأخلاق من الصدق والعدل وأداء الأمانة والعفة (1) مراعيًا في ذلك جانب التدرج في الوجوب والعلو (2) حيث حاجة الفرد إليها أمس ، وأداؤها عليه أوجب ، وقد جاءت الأدلَّة تؤكد اهتمامه صلى الله عليه وسلم في هذا الجانب في عهد مبكر من دعوته ، من ذلك ما رواه البخاري ، عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله ، أن عبد الله بن عباس أخبره أن أبا سفيان أخبره : « أن هرقل أرسل إليه ، فقال : فما يأمركم يعني النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يأمرنا بالصلاة والصدقة ، والعفاف والصلة » (3) ، فدل هذا على أن هذه حاله صلى الله عليه وسلم مع الناس في ابتداء دعوته (4) ، يؤيد هذا حديث جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه مع النجاشي ، وفيه قوله : « فأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء . . . » (5) ، فلما هاجر صلى الله عليه وسلم وطبق المسلمون الإسلام وامتد ميدان الدعوة واتسعت البيئة أصَّل الرسول صلى الله عليه وسلم الدعوة إلى ركائز أخرى في أخلاق

_________

(1) انظر د . محمد عبد الله دراز ، الأخلاق في القرآن ص 88 ، وانظر : د . أحمد عبد الرحمن إبراهيم ، الفضائل الخلقية في الإسلام ص 119 ، وانظر : د . أحمد غلوش ، الدعوة الإسلامية ص 28 .

(2) انظر : د . أحمد إبراهيم ، الفضائل الخلقية في الإسلام ، ص 138 ، 139 .

(3) البخاري ، صحيح البخاري ، كتاب الأدب ، باب صلة المرأة أمها ولها زوج (ك81 ح5635) 5 / 2230 .

(4) انظر : ابن حجر ، فتح الباري 1 / 64 .

(5) أحمد بن حنبل ، مسند الإمام أحمد ح (1739) 1 / 250 .

المسلم من التآخي والتراحم والتعاون وترك التباغض والتحاسد حيث حاجة الأمة المسلمة إلى هذه الأخلاق أشد ممتثلًا قول الله تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } (1) ، وقوله سبحانه : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ } (2) .

فكان عليه الصلاة والسلام يدعوهم إلى هذا التآخي والمودة ، وينهاهم عن سيئ الأخلاق ، يدل على ذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إيَّاكم والظن ، فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تدابروا ، ولا تباغضوا ، وكونوا عباد الله إخوانا » (3) .

_________

(1) سورة الحجرات ، الآية : 10 .

(2) سورة الحجرات ، الآية : 12 .

(3) البخاري ، صحيح البخاري ، كتاب الأدب ، باب النهي عن التحاسد والتدابر ، (ك 81 ح 5717) 5 / 4253 .

يبين ابن حجر المقصود بهذه الإخوة بقوله : " قال القرطبي : المعنى كونوا كإخوان النسب في الشفقة والرحمة ، والمحبة ، والمواساة ، والمعاونة والنصيحة " (1) ، وكان صلى الله عليه وسلم يدعو إلى هذه الفضائل بالثناء على صاحب الخلق الحسن ، فقد « قال صلى الله عليه وسلم لأشجّ عبد القيس : إن فيك خصلتين يحبهما الله : الحلم والأناة » (2) فبين ما فيه من الأخلاق الحسنة ، وأثنى عليه بهما مبينًا أن الله يحبهما ، فالله يحب من عباده ما جبلهم عليه من خصال الخير (3) وفي ثنائه صلى الله عليه وسلم على هذا الرجل دعوة له ولغيره إلى الأخلاق الحسنة التي يحبها الله ، والتي فيها خير للمسلمين وصلاح لهم .

وكما كان صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه على التخلق بكماليات الأخلاق فقد كان يحذرهم من الأخلاق السيئة التي تفضي بهم إلى التشبّه بالمنافقين ، والتخلق بأخلاقهم (4) ، ويستفاد من هذا أنه صلى الله عليه وسلم كان يركز في هذا العهد على الدعوة إلى كماليات الأخلاق ، التي فيها خير وصلاح للأمة الإسلامية .

_________

(1) ابن حجر ، فتح الباري 12 / 105 .

(2) مسلم ، صحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وشرائع الدِّين ، والدعاء إليه ، والسؤال عنه ، وحفظه ، وتبليغه من لم يبلغه ، (ك1 ح52) 1 / 48 .

(3) انظر : ابن قيم الجوزية ، زاد المعاد 3 / 608 .

(4) انظر : النووي ، شرح صحيح مسلم 2 / 47 .
ابو عمر المصرى
ابو عمر المصرى
 
 

الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 51
نقاط : 9482
تاريخ التسجيل : 27/06/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

GMT + 7 Hours رد: التدرج غى الدعوة

مُساهمة من طرف Zico الإثنين 25 يوليو - 16:12

مشكور أخي نسأل الله أن ينفعك بما افدتنا به

ـــــــ-ــــــ-ـــــ-ـــــ-ــــــ-ـــــــ-ـــــ-ــــ-ــــــ-ــــــ-ـــــــ-ـــــــ-ـــــــ-

التوقيع
إني تذكــــرت والذكـــــرى مؤرقــة ******* مجداً تليداً بأيدينا أضعنـــــــــــــاه
ويح العروبة كان الكون مسرحهــا ******* فأصبحت تتوارى في زوايـــــــــــاه
أنّى اتجهت إلى الإسلام في بلد ******* تجده كالطير مقصوصاً جناحـــــاه
كم صرّفتنا يدٌ كنا نُصرّفهــــــــــا ******* وبات يحكمنا شعب ملكنــــــــــاه

يا من رأى عمر تكســــــوه بردته ******* والزيت أدم له والكوخ مـــــــــــأواه
يهتز كسرى على كرسيــــه فرقاً ******* من بأسه وملوك الروم تخشــــاه
سل المعاني عنا إننا عــــــــــرب ******* شعارنا المجد يهوانا ونهــــــــــواه

استرشد الغرب بالماضي فأرشـده ******* ونحن كان لنا ماض نسينـــــــــاه
إنّا مشينا وراء الغرب نقتبس مـــن ******* ضيائه فأصابتنا شظــايــــــــــــــاه
بالله سل خلف بحر الروم عن عرب ******* بالأمس كانوا هنا ما بالهم تاهوا
Zico
Zico
 
 

الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 10513
نقاط : 20540
تاريخ التسجيل : 28/05/2011
. : التدرج غى الدعوة 706078396
. : التدرج غى الدعوة 824184631572

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى