منتديات زنقتنا-منتديات شباب ليبيا الأحرار

عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
يرجي التكرم بتسجبل الدخول إذا كنت عضو معنا
أو التسجيل إن لم تكن عضو وترغب في الإنضمام إلي أسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك

إدارة المنتدي


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات زنقتنا-منتديات شباب ليبيا الأحرار

عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
يرجي التكرم بتسجبل الدخول إذا كنت عضو معنا
أو التسجيل إن لم تكن عضو وترغب في الإنضمام إلي أسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك

إدارة المنتدي
منتديات زنقتنا-منتديات شباب ليبيا الأحرار
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

التدرج

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

GMT + 7 Hours التدرج

مُساهمة من طرف ابو عمر المصرى الإثنين 25 يوليو - 2:43

المبحث الرابع

أسلوب التأليف

من الحكمة التي يراعيها الداعية إلى الله أن يسلك سبلًا تربطه بالناس ، وتؤثِّر في قلوبهم ، فالنفوس قد جعل الله لها مداخل وخاصية ، وذلك أنها تفتح قلوبها لمن يأتيها من الزوايا التي تريحها ، وتقترب لمن يتألفها ويستميلها (1) ، ومهمة الداعية الحكيم أن يمتلك مفاتيح تلك القلوب ليعرف من أين يدخل إليها ليجد الاستجابة ، ومن هذه السبل أن يوثق الدّاعية علاقاته بأصحاب الرأي والتوجيه من الناس لما في ذلك من أثر نفسي لكلمة الداعية ، وسرعة لقبول دعوته ، وكل هذه السبل مجتمعة في إحسان الداعية إلى مدعويه ، فالقلوب مجبولة على حب من أحسن إليها ، وقد اجتمعت هذه السبل في دعوته صلى الله عليه وسلم ، فقد كان يتعامل مع كل بحسبه فيعطي محبي المال شيئًا يتألف به قلوبهم ، ويتعامل مع حديثي العهد بالإسلام بما يرسخ الإيمان في قلوبهم (2) فتجده صلى الله عليه وسلم يؤلف القلوب ببذل العطاء العظيم ، كما فعل صلى الله عليه وسلم في حنين ، بعد أن أغنمه الله أموال هوازن فآثر أناسًا من المؤلفة قلوبهم من صناديد قريش وغيرهم ممتثلًا قول الله عز وجل : { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا

_________

(1) انظر : جمعة أمين عبد العزيز ، الدعوة قواعد وأصول ، ص 123 .

(2) انظر : عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني ، الأخلاق الإسلامية وأسسها 1 / 196 .

وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } (1) فكان يعطيهم صلى الله عليه وسلم ترغيبًا لهم واستمالة لقلوبهم ، فالترغيب يكون بكل ممكن مثل أن يبذل الراعي لرعيته ما يرغبهم في العمل الصالح من مال وغيره (2) .

فأعطى صلى الله عليه وسلم أناسا ما زالوا على شركهم ، مثل صفوان بن أمية إذ أعطاه صلى الله عليه وسلم عطاء عظيما ، فقد روى مسلم عن ابن شهاب قال : « غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحنين فنصر الله دينه والمسلمين ، وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ صفوان بن أمية مائة من النعم ثم مائة ثم مائة » (3) فكيف كان أثر هذا العطاء في هذا الرجل ؟

يصف بنفسه رضي الله عنه هذا الأثر فيقول : « والله لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إليّ ، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي » (4) ، وهذا هو السر في ترغيبه صلى الله عليه وسلم بعض الكفار بالمال لاعتناق الإسلام (5) .

_________

(1) سورة التوبة ، الآية : 60 .

(2) انظر : ابن تيمية ، مجموع الفتاوى 28 / 369 ، 370 .

(3) مسلم ، صحيح مسلم ، كتاب الفضائل ، باب ما سئل النبي صلى الله عليه وسلم قط فقال لا ، وكثرة عطائه (ك 43 ح 2311) 4 / 1806 .

(4) المرجع السابق (ك 43 ح 2313) 4 / 1806 .

(5) أحمد عبد الرحمن البنا ، الفتح الرباني 9 / 60 .

وممن آثر صلى الله عليه وسلم بالعطاء يومئذ صناديد من العرب ، أعطاهم يتألفهم ويتألف أقوامهم ، فقد روى البخاري عن عبد الله رضي الله عنه قال : « لما كان يوم حنين آثر النبي صلى الله عليه وسلم أناسا في القسمة ، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل ، وأعطى عيينة بن حصن مثل ذلك ، وأعطى أناسا من أشراف العرب ، فآثرهم يومئذ في القسمة . . . » الحديث (1) .

وحينما وجد عليه الأنصار - رضي الله عنهم بيَّن لهم صلى الله عليه وسلم الحكمة من هذا الإيثار ، فقال : « إنِّي أعطي رجالا حديث عهدهم بكفر » (2) .

وفي رواية : « إني أعطي قريشًا أتألفهم لأنهم حديث عهد بجاهلية » (3) .

وفي حديث سعد رضي الله عنه : « إنِّي لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه مخافة أن يكبه الله في النار » (4) .

_________

(1) البخاري ، صحيح البخاري ، كتاب الخمس ، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم من الخمس ونحوه (ك 61 ح 2981) 3 / 1148 .

(2) المرجع السابق ، كتاب الخمس ، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم (ك 61 ح2977) 3 / 1147 .

(3) المرجع السابق (ك 61ح 2978) 3 / 1147 .

(4) مسلم ، صحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، باب تألف من يخاف على إيمانه لضعفه ، والنهي عن القطع بالإيمان من غير دليل قاطع (ك 1 ح 150) 1 / 132 .

يشير أنس رضي الله عنه إلى أثر هذا العطاء فيقول : « إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا ، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها » (1) ، ففي هذه النصوص بيان أنه صلى الله عليه وسلم كان يتألف أناسًا في إيمانهم ضعف ، لو لم يعطهم لكبّهم الله في النار (2) وفيه دليل على جواز بذل المال لأهل الجهالة والقسوة وتألفهم ، إذا كان في ذلك مصلحة (3) ، وتألف كل من يرجى بعطائه قوة إيمانه أو إسلامه أو إسلام قومه ، أو شيء مما يحصل به الخير للمسلمين (4) .

ومن السبل التي كان يسلكها صلى الله عليه وسلم في تأليف مدعويه الإحسان إليهم بالعفو والامتنان ، وذلك من كمال حكمته صلى الله عليه وسلم حيث كان يتألف الناس بما يعلم فيه صلاحهم ، فإن كانوا ممن يؤثر المال تألفهم بالمال ، وإن كانوا سوى ذلك تألفهم بما يتناسب وحالهم ، فكان صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يتألف بالعفو ممتثلا قول الله عز وجل : { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } (5) ، وقوله سبحانه : { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } (6) .

_________

(1) المرجع السابق ، كتاب الفضائل ، باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط فقال لا وكثرة عطائه (ك 43 ح 2312) 4 / 1806 .

(2) انظر : النووي ، شرح صحيح مسلم 7 / 148 ، 149 .

(3) انظر : المرجع السابق 7 / 146 .

(4) انظر : الفخر الرازي ، التفسير الكبير 16 / 111 ، وانظر : ابن كثير ، تفسير القرآن العظيم ، 2 / 365 ، وانظر : السعدي ، تفسير الكريم الرحمن 3 / 252 .

(5) سورة الأعراف ، الآية : 199 .

(6) سورة فصلت ، الآية : 34 .

ومما يدل على ذلك من أفعاله صلى الله عليه وسلم ما رواه البخاري « عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد ، فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم قفل معه فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق الناس في العضاه يستظلون بالشجر ، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت سمرة ، فعلق بها سيفه ، قال جابر : فنمنا نومة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا فجئناه ، فإذا عنده أعرابي جالس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم ، فاستيقظت وهو في يده صلتًا ، فقال لي : من يمنعك مني ؟ قلت : الله ، فها هو ذا جالس ، ثم لم يعاقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم » (1) .

ففي هذا العفو والمن دليل على شدة رغبته صلى الله عليه وسلم في تأليف الكفّار ليدخلوا في الإسلام (2) .

وقد كانت نتيجة هذا العفو كما يرغب صلى الله عليه وسلم ، حيث أسلم الرجل ورجع إلى قومه فاهتدى به خلق كثير (3) .

_________

(1) البخاري ، صحيح البخاري ، كتاب المغازي ، باب غزوة ذات الرقاع (ك 67 ح 3905) 4 / 1515 .

(2) انظر : ابن حجر ، فتح الباري 8 / 193 .

(3) انظر : المرجع السابق 8 / 193 .

ويدل على تألفه بالعفو أيضا كريم عفوه وعظيم منِّه على ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة ، حيث قال : « أطلقوا ثمامة » (1) ، فانقلب بغض هذا الرجل المشرك حبًّا وعداوته صداقة ، فأسلم وحسن إسلامه ، وذلك لما أسداه إليه النبي صلى الله عليه وسلم من العفو والمنّ بغير مقابل (2) ، ويشير النووي إلى الحكمة النبوية في هذا العفو والملاطفة فيقول : " هذا من تأليف القلوب وملاطفة لمن يرجى إسلامه من الأشراف الذين يتبعهم على إسلامهم خلق كثير " (3) .

_________

(1) البخاري ، صحيح البخاري ، كتاب المغازي ، باب وفد بني حنيفة وحديث ثمامة بن أثال (ك 67 - ح 1414) 4 / 1589 ، 1590 .

(2) انظر : ابن حجر ، فتح الباري 8 / 421 .

(3) النووي ، شرح صحيح مسلم 12 / 89 .

وبعد فتح مكة أعلن عليه الصلاة والسلام العفو عن عامة أهل مكة ، وهم الذين عرفوا فيما بعد بالطلقاء لمنه صلى الله عليه وسلم عليهم فلم يعاقبهم صلى الله عليه وسلم عملًا بقوله سبحانه : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ } (1) ، فقد روى الترمذي عن أبي بن كعب قال : « لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون رجلا ومن المهاجرين ستة فيهم حمزة فمثلوا بهم ، فقالت الأنصار : لئن أصبنا منهم يومًا مثل هذا لنُرْبِيَنّ عليهم ، قال : فلما كان يوم فتح مكة فأنزل الله تعالى : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ } ، فقال رجل : لا قريش بعد اليوم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كفوا عن القوم إلا أربعة » (2) فكانت عاقبة ذلك إسلام كثير من هؤلاء الطلقاء .

_________

(1) سورة النحل ، الآية : 126 .

(2) الجامع الصحيح ، كتاب تفسير القرآن ، باب ومن سورة النحل (ح 3128) 5 / 279 .

ومن السبل التي سلكها صلى الله عليه وسلم تأليف القلوب بالمصاهرة ، فقد روى الإمام أحمد عن عروة بن الزبير « عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن الشماس ، أو لابن عم له ، وكاتبته على نفسها ، وكانت امرأة حلوة ملاحة ، لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها ، قالت : فوالله ما هو إلا أن رأيتها على باب حجرتي فكرهتها ، وعرفت أنه سيرى منها ما رأيت ، فدخلت عليه فقالت : يا رسول الله ، أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه ، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك ، فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن الشماس ، أو لابن عم له ، فكاتبته على نفسي فجئتك أستعينك على كتابتي ، قال : " فهل لك في خير من ذلك " ؟ قالت : ما هو يا رسول الله ؟ قال : " أقضي كتابتك وأتزوجك " ، قالت : نعم يا رسول الله ، قال : " قد فعلت " ، قالت : وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج جويرية بنت الحارث ، فقال الناس : أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأرسلوا ما بأيديهم ، قالت :

فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق ، فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها » (1) فأعتق الناس سباياهم إكراما لها لأنها صارت من أمهات المؤمنين (2) فظهرت حكمته صلى الله عليه وسلم في هذه المصاهرة وهي تأليف هذه المرأة وتأليف قومها على الإسلام ، فحينما سارع أصحابه رضي الله عنهم بإعتاق ما في أيديهم ، وقالوا : أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاهم ذلك إلى الإيمان بالله ورسوله لما رأوا من الكرم وحسن الخلق (3) .

_________

(1) أحمد بن عبد الرحمن البنا ، الفتح الرباني 14 / 109 ، 110 ، وانظر : ابن هشام ، السيرة النبوية ، 3 / 185 ، 186 .

(2) انظر : أحمد البنا ، الفتح الرباني 14 / 110 .

(3) انظر : الشيخ محمد محمود الصواف ، زوجات النبي صلى الله عليه وسلم الطاهرات وحكمة تعددهن ص 74 ، وانظر : د . عبد الناصر توفيق العطار ، تعدد الزوجات ص 141 . .

المبحث الأول

البدء بالأقربين

حثّ الله تعالى في كتابه الكريم على دعوة الأهل ، وخصهم بذلك في أكثر من موضع فقال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } (1) .

يقول ابن كثير : " قال الضحّاك ومقاتل : حق المسلم أن يعلِّم أهله من قرابته وإمائه وعبيده ما فرض الله عليهم ، وما نهاهم الله عنه " (2) .

_________

(1) سورة التحريم ، الآية : 6 .

(2) ابن كثير ، تفسير القرآن العظيم ، 4 / 391 .

وقال تعالى آمرا نبيه صلى الله عليه وسلم : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا } (1) ، فأول واجبات الداعية أن يبدأ بدعوة أهله ، وهذا ما فعله عليه الصلاة والسلام ، فقد ابتدأ بعرض الدعوة على زوجته خديجة فقص عليها ما رأى من بدء الوحي ، ثم قال : لقد خشيت على نفسي ، فكان لها السبق في الاستجابة لدعوته ، وتأنيسه وتيسير الأمر عليه وتهوينه لديه (2) مما دل على كمالها ، وجزالة رأيها ، وقوة نفسها ، وثبات قلبها ، وعظم فقهها (3) رضي الله عنها ، وعرض دعوته على صديقه أبي بكر رضي الله عنه فآمن به ، وصدق برسالته دون تردد ، وقد بيَّن ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله : « إن الله بعثني إليكم فقلتم : كذبت ، وقال أبو بكر : صدقت ، وواساني بنفسه وماله . . » (4) .

وعرض دعوته على ابن عمه الغلام علي بن أبي طالب ، ومولاه زيد بن حارثة ، فآمنا وصدقا ، فكان لهؤلاء الأربعة السبق إلى الإسلام ، فعلي أول من أسلم من الغلمان ، وخديجة أول من أسلم من النساء ، وزيد بن حارثة أول من أسلم من الموالي ، وأبو بكر الصديق أول من أسلم من الرجال الأحرار رضي الله عنهم أجمعين (5) .

_________

(1) سورة طه ، الآية : 132 .

(2) ابن حجر ، فتح الباري 1 / 37 .

(3) مسلم ، صحيح مسلم ، شرح النووي 2 / 202 .

(4) البخاري ، صحيح البخاري ، كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : « لو كنت متخذا خليلًا » (ك 66 ح3461) 3 / 1339 .

(5) انظر : ابن كثير ، البداية والنهاية 3 / 28 ، 29 .

والمقصود بيانه أنه صلى الله عليه وسلم ابتدأ بعرض الدعوة على أهله أولا ، فدعا زوجته وصديقه وربيبه ومولاه ، ثم دعا الأقربين ممتثلا قول الله عز وجل : { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } (1) .

فأمره تعالى بإنذار الأقرب فالأقرب من قومه ، ويبدأ في ذلك بمن هو أولى بالبداءة ، ثم من يليه ، وأن يقدم إنذارهم على إنذار غيرهم (2) ذلك لأن الاهتمام بشأنهم أولى وهدايتهم إلى الحق أقدم (3) فهم أحق الناس بالإحسان الديني والدنيوي (4) .

وقد قدم ابن القيم رحمه الله مرتبة دعوة الأقربين فجعلها بعد النبوة ، مما دل على أهمية البداءة بهم ، وتقديم دعوتهم على الآخرين (5) .

وقد عمل صلى الله عليه وسلم جاهدًا بعد نزول هذه الآية على دعوة أقربيه وإنذارهم ، فقد روى البخاري رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : « لما نزلت { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } صعد النبي صلى الله عليه وسلم الصفا فجعل ينادي : " يا بني فهر ، يا بني عدي . . لبطون قريش . . . » الحديث (6) .

_________

(1) سورة الشعراء ، الآية : ( 214 ) .

(2) الزمخشري ، الكشاف 3 / 231 .

(3) الشوكاني ، فتح القدير 3 / 120 .

(4) ابن سعدي ، تيسير الكريم الرحمن ، 5 / 551 .

(5) انظر : ابن القيم ، زاد المعاد 1 / 86 .

(6) البخاري ، صحيح البخاري ، كتاب التفسير ، باب : « وأنذر عشيرتك الأقربين » ، 4 / 1819 .

وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : « " لما نزلت هذه الآية : { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا فعمّ وخص ، فقال : يا بني كعب بن لؤي ، أنقذوا أنفسكم من النار . . . » الحديث (1) .

والنكتة في ندائه للقبائل قبل عشيرته ليكرر إنذار عشيرته ، ولدخول قريش كلها في أقاربه (2) ومما يدل على دخول قريش كلها في أقاربه ما رواه البخاري « عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن قوله تعالى : { إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } ، فقال سعيد بن جبير : قربى آل محمد صلى الله عليه وسلم فقال ابن عباس عجلت لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة . . . . » (3) .

واستمر صلى الله عليه وسلم ينذر أقربيه أولا ويدعوهم إلى الله تعالى ، والسر في ذلك أن الحجة إذا قامت عليهم تعدت إلى غيرهم ، وإلا كانوا علة للأبعدين في الامتناع (4) فلما ظهر من جملتهم الإصرار على الكفر والعناد ، ومنعوه من تبليغ دعوة ربه ، انتقل إلى الطائف ، ودعاهم إلى الله ، ثم عاد إلى مكة ، وبدأ يعرض دعوته على القبائل ، بعد أن يتعرف عليهم .

_________

(1) مسلم ، صحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، باب في قوله تعالى : « وأنذِر عشِيرتك الأقربين » (ك 1 ح 348 ) 1 / 192 .

(2) ابن حجر ، فتح الباري 9 / 452 .

(3) البخاري ، صحيح البخاري ، كتاب التفسير ، باب قوله : « إلا المودة في القربى » ، ( ك 68 ح 4541 ) 4 / 1819 .

(4) انظر : ابن حجر ، فتح الباري ، 9 / 452 .

ويستفاد من هذا التدرج مع المدعو الإلماح إلى درجات المسؤولية التي تتعلق بكل مسلم ، وبالدعاة خصوصا ، فأدنى تلك الدرجات مسؤوليته عن نفسه ، ثم عن ذوي قرباه ، ثم قومه ، وهكذا (1) .

_________

(1) انظر : د . محمد سعيد رمضان البوطي ، فقه السيرة ص 113 ، 114 .

المبحث الثاني

التعرف على المدعوين

خلق الله الناس من أصل واحد ، فأبوهم آدم وأمهم حواء عليهما السلام ، ثم جعلهم شعوبًا وقبائل ليتعارفوا (1) .

قال تعالى : { يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } (2) .

قوله : { لِتَعَارَفُوا } أي لتعلموا كيف تتناسبون ولتتعرفوا (3) ، يقول القرطبي : " خلق الله الخلق بين الذكر والأنثى ، أنسابا وأصهارا ، وقبائل ، وشعوبًا ، وخلق لهم منها التعارف ، وجعل لهم بها التواصل " (4) ، فبالتعارف يحصل التواصل ، فيرجع كل إلى قبيلته ، ويعرف قرب القرابة منه وبعدها (5) فدلت الآية على أن معرفة الأنساب مطلوبة مشروعة ؛ لأن الله جعلهم شعوبا وقبائل لأجل ذلك (6) .

ولقد حث صلى الله عليه وسلم على التعرف على المدعوين بفعله ، فقد كان يبدأ مدعويه بالتعرف عليهم قبل دعوتهم ، فلنتأمل ما ترويه لنا كتب السيرة حيال ذلك . يذكر ابن إسحاق أنه صلى الله عليه وسلم في رحلته إلى الطائف ، وحينما ألجأته ثقيف إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة التقى غلاما لهما اسمه " عدَّاس " فماذا دار بينهما من حوار (7) ؟

_________

(1) انظر : ابن كثير ، تفسير القرآن العظيم ، 4 / 217 ، وانظر : الشنقيطي ، أضواء البيان 7 / 635 .

(2) سورة الحجرات ، الآية : 13 .

(3) الزمخشري ، الكشاف 4 / 375 .

(4) القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن 4 / 217 .

(5) المرجع السابق ، وانظر : ابن كثير ، تفسير القرآن العظيم 4 / 217 ، وانظر : الجصاص ، أحكام القرآن 5 / 292 .

(6) السعدي ، تيسير الكريم الرحمن 7 / 139 .

(7) انظر : ابن هشام ، السيرة النبوية 2 / 48 ، 49 .

يقول ابن إسحاق : " فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ومن أي أهل البلاد أنت يا عداس ؟ وما دينك ؟ قال : نصراني ، وأنا رجل من أهل نينوى (1) .

فبدأه صلى الله عليه وسلم بالتعرف على بلاده وديانته ، فكان هذا التعرف نقطة البداية في تحول هذا الرجل من دينه إلى دين الإسلام (2) .

وحينما عاد صلى الله عليه وسلم إلى مكة ، وأمره الله بعرض نفسه على القبائل ، كان يأخذ معه نسابة قريش أبا بكر الصديق (3) رضي الله عنه ليقوم بمهمة تعريفه بالمدعوين ، فالتقيا وفدًا فسألهم أبو بكر : من القوم ؟ قالوا : من ربيعة (4) فتعرفا عليهم أولا ثم عرض عليهم إيواء النبي صلى الله عليه وسلم ثانيا ، ومما يدل على بداءته صلى الله عليه وسلم بالتعرف ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس بالموقف فيقول : " ألا رجل يحملني إلى قومه ، فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي " ، قال : فأتاه رجل من بني همدان ، فقال : " ممن أنت " ؟ قال : من همدان ، قال : " فعند قومك منعة ؟ " قال : نعم . . » (5) .

فبدأ بالتعرف عليه ، ثم طلب منه المنعة ، لكن الرجل خشي أن يخفره قومه ، فوعده قابلًا .

_________

(1) ابن هشام ، السيرة النبوية 2 / 49 .

(2) انظر : المرجع السابق 2 / 49 .

(3) انظر : ابن كثير ، السيرة النبوية 1 / 437 .

(4) انظر : ابن حجر ، فتح الباري 7 / 624 .

(5) أحمد ، المسند ح 15173) 3 / 495 .

وحينما التقى صلى الله عليه وسلم وفد يثرب ، بدأهم بسؤاله : " من أنتم ؟ " قالوا : من الخزرج ، قال : " أفلا تجلسون أكلمكم ؟ ! " ، قالوا : نعم " (1) .

فكان هذا التعرف مبدأ الحوار معهم ، حيث عرض عليهم دعوته المباركة ، فأسلموا ودعوا أقوامهم ، فلم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكره صلى الله عليه وسلم (2) .

وبعد أن هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة استمر يتعرف على مدعويه من الوفود وغيرهم قبل عرض الدعوة عليهم ، من ذلك « قوله صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس حين قدموا عليه : " من القوم أو من الوفد ؟ " قالوا : ربيعة ، قال : " مرحبا بالقوم أو بالوفد غير خزايا ولا ندامى » (3) .

وحين قدم عليه مبعوث " هرقل " بجواب رسالته صلى الله عليه وسلم وهو في تبوك بدأه بقوله : " ممن أنت ؟ يقول : فقلت : أنا أحد تنوخ ، قال : " هل لك في الإسلام ، الحنيفية ملة أبيك إبراهيم " (4) .

فتعرف عليه صلى الله عليه وسلم قبل أن يعرض عليه الإسلام ، فلما عرفه دعاه إلى الإسلام .

هذه الشواهد بينت مدى حرصه صلى الله عليه وسلم على التعرف على من يدعوهم قبل أن يعرض الدعوة عليهم ، فما الحكمة يا ترى من هذا التعرف ؟

_________

(1) انظر : ابن هشام ، السيرة النبوية 2 / 54 .

(2) انظر : ابن حجر ، فتح الباري 7 / 624 .

(3) البخاري ، صحيح البخاري ، كتاب الإيمان ، باب أداء الخمس من الإيمان (ك 2 ح 53 ، 1 / 29) .

(4) أحمد البنا ، الفتح الرباني 21 / 199 .

المدعو هو الإنسان في قديم الزمان وحديثه ، ولكل إنسان بلا شك خصائصه وطبيعته وتقاليده ، فالمدعوون ليسوا سواء في ملكاتهم العقلية ، واستعدادتهم الفطرية ، ولا في أخلاقهم وطباعهم وتصوراتهم ، ولا في مكاناتهم الاجتماعية (1) .

فمن الحكمة في التعرف على المدعوين إنزالهم منازلهم ، وقد أشار ابن حجر إلى هذه الحكمة بقوله : " قال ابن أبي جمرة : في قوله : " من القوم ؟ " دليل على سؤال القاصد عن نفسه ، ليعرف فينزل منزلته " (2) .

ومن الحكمة في التعرف على المدعوين تطييب نفوسهم ، وإزالة الوحشة عنها ، وذلك بالترحيب بهم ، وملاطفتهم ، والثناء عليهم في وجوههم ، إذا أمنت الفتنة (3) ، ويدل على هذه الحكمة « قوله صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس : " مرحبًا بالقوم غير خزايا ولا ندامى » (4) . قال صاحب الفتح الرباني : " قال ابن أبي جمرة بشرهم بالخير عاجلًا وآجلًا ، لأن الندامة إنما تكون بالعاقبة فإذا انتفت ثبت ضدها " (5) .

ومن الحكمة في التعرف على المدعو إتاحة الفرصة للداعية في معرفة خصائصه ، وعرفه ، وطبائعه ، وطرق التأثير فيها ، وكيفية الوصول إلى إقناعها .

_________

(1) انظر : التهامي نقرة ، سيكلوجية القصة في القرآن 1 / 422 .

(2) ابن حجر ، فتح الباري 1 / 79 .

(3) انظر : المرجع السابق 1 / 179 .

(4) البخاري ، صحيح البخاري ، كتاب الإيمان ، باب أداء الخمس من الإيمان (ك 2 ح 53) 1 / 29 .

(5) أحمد بن عبد الرحمن البنا ، الفتح الرباني 1 / 71 .

ألا ترى « أنه صلى الله عليه وسلم ، حينما رأى سيد الأحابيش قادما عليه وهو في الحديبية ، قال : " هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له " فبعثت له واستقبله الناس يلبون » (1) .

فبمعرفته صلى الله عليه وسلم لطبيعة هذا الرجل وتقاليده استطاع إقناعه بيسر وسهولة ، حيث عاد الرجل وهو يقول : " سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت " (2) .

إذا معرفة المدعو وتقاليده وموافقته فيما يميل إليه ويهواه من المباحات عامل مهم في استمالته إلى دين الإسلام ، روت عائشة رضي الله عنها ، قالت : « رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني ، وأنا أنظر إلى الحبشة ، وهم يلعبون في المسجد ، فزجرهم عمر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " دعهم أمنا بني أرفدة " يعني من الأمن » (3) .

فلم يعنف عليهم صلى الله عليه وسلم تطييبا لنفوسهم ، واستمالة لها إلى الإسلام .

_________

(1) البخاري ، صحيح البخاري ، كتاب الشروط ، باب الشروط في الجهاد (ك 58 ح 2581 - 582) 2 / 976 .

(2) البخاري ، صحيح البخاري ، المرجع السابق 2 / 976 .

(3) البخاري ، صحيح البخاري ، كتاب المناقب ، باب قصة الحبش ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : « يا بني أرفدة » ( ك 65 ، ح 3337) 2 / 1298 ، 1299 .
ابو عمر المصرى
ابو عمر المصرى
 
 

الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 51
نقاط : 9506
تاريخ التسجيل : 27/06/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

GMT + 7 Hours رد: التدرج

مُساهمة من طرف Zico الإثنين 25 يوليو - 16:13

مشكور أخي نسأل الله أن ينفعك بما افدتنا به

ـــــــ-ــــــ-ـــــ-ـــــ-ــــــ-ـــــــ-ـــــ-ــــ-ــــــ-ــــــ-ـــــــ-ـــــــ-ـــــــ-

التوقيع
إني تذكــــرت والذكـــــرى مؤرقــة ******* مجداً تليداً بأيدينا أضعنـــــــــــــاه
ويح العروبة كان الكون مسرحهــا ******* فأصبحت تتوارى في زوايـــــــــــاه
أنّى اتجهت إلى الإسلام في بلد ******* تجده كالطير مقصوصاً جناحـــــاه
كم صرّفتنا يدٌ كنا نُصرّفهــــــــــا ******* وبات يحكمنا شعب ملكنــــــــــاه

يا من رأى عمر تكســــــوه بردته ******* والزيت أدم له والكوخ مـــــــــــأواه
يهتز كسرى على كرسيــــه فرقاً ******* من بأسه وملوك الروم تخشــــاه
سل المعاني عنا إننا عــــــــــرب ******* شعارنا المجد يهوانا ونهــــــــــواه

استرشد الغرب بالماضي فأرشـده ******* ونحن كان لنا ماض نسينـــــــــاه
إنّا مشينا وراء الغرب نقتبس مـــن ******* ضيائه فأصابتنا شظــايــــــــــــــاه
بالله سل خلف بحر الروم عن عرب ******* بالأمس كانوا هنا ما بالهم تاهوا
Zico
Zico
 
 

الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 10513
نقاط : 20564
تاريخ التسجيل : 28/05/2011
. : التدرج 706078396
. : التدرج 824184631572

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى