أوجاع ما بعد الربيع
صفحة 1 من اصل 1
أوجاع ما بعد الربيع
غسان شربل
الإثنين ٤ فبراير ٢٠١٣
أغلب الظن أننا لا نعرف بلداننا على حقيقتها. لا ندرك عمق الأمراض المستحكمة بها. تعلّق المواطن ببلاده يحول دون النظرة الثاقبة المتفحصة. لا يريد أن يستنتج أنه من بلد مريض. وأن الأمراض عميقة ومتجذرة. وأن المشكلة ثقافية قبل أن تكون سياسية. وأنها بدأت قبل الوقوع في قبضة المستبد الذي زادها استفحالاً.
يريد المواطن الاحتفاظ بالأمل. وإبقاء النافذة مفتوحة. لهذا يميل الى الاعتقاد أن الأزمة غيمة تعبر. وأن الحرب الأهلية كابوس سيخرج المواطنون منه بدروس تضمن عدم تكراره. وأن الشعوب تتعلم من تجاربها.
أكتب وأفكر في ملايين الشبان الذين اجتذبهم «الربيع العربي» وأوقعهم في الأحلام. رأيتهم يتدفقون كالأنهار في تونس وبنغازي والقاهرة وصنعاء ودرعا. كانت قبضاتهم مغموسة بالغضب ووجوههم طافحة بالألم. كانوا يدافعون عن حقهم في الكرامة والحرية والخبز والعمل. حقهم في وطن يكون ملعباً للفرص والتفاعل والآمال لا ساحةً للقهر والإذلال والجنازات.
سمعت صوتهم الهادر «الشعب يريد إسقاط النظام». وشاهدتهم ينهالون على تماثيل المستبد وصوره وكلّ ما يذكر بشخصه وبطانته ونهجه. ورأيتهم يرقصون حين بلغهم نبأ فراره أو اعتقاله أو مصرعه أو انكفائه. شاهدت الأعراس والآن نشم رائحة الخيبات.
إذا كان المستبد هو المشكلة الوحيدة فلماذا لم تلتقط البلاد أنفاسها غداة إزاحته؟ أعرف الجواب. المستبد ألغى الحياة السياسية. جوّفها وقتلها. زوّر كل شيء وأقام سعيداً وسط الدمى. لم يترك إلاّ فرصة التطرف وتراكم مشاعر الغضب والانتحار. إذا كان زين العابدين بن علي هو المشكلة الوحيدة فكيف نفسّر هذا الخوف المتصاعد في تونس؟ إذا كان معمر القذافي المشكلة الوحيدة فكيف نفسّر المشهد الحالي في ليبيا التي تتزايد خطورتها على نفسها وعلى جيرانها أيضاً؟ إذا كان علي عبدالله صالح المشكلة الوحيدة فلماذا لم تبدأ رحلة لملمة شظايا البلاد؟ وإذا كان حسني مبارك المشكلة الوحيدة فكيف نفهم هذا الذي يجري في مصر؟
لا شك في أن المستبدين ألحقوا ببلادهم أضراراً فادحة تحتاج معالجتها الى عقود وجهود. لكن، ما الذي يوحّد من قالوا إنهم صنّاع الثورة وأبناؤها؟ أين الحد الأدنى الضروريّ بينهم؟ ولماذا يتواجهون الآن في الشوارع أو مع الشرطة في مشاهد تذكّر بمن رقصوا يوم إطاحته؟
ثمة أسئلة مشروعة تطرح نفسها وبإلحاح. هل تكفي صناديق الاقتراع للانتقال من نظام الى آخر؟ هل تكفي نتائجها لصوغ الدساتير على عجل والذهاب في التفويض الانتخابي الى أبعد مما يتحمله المجتمع؟ وهل صحيح أن صناديق الاقتراع أنجبت منتصرين يجيدون الخونه والعملاء من اسمو نفسهم بالمعارضين .والعمل السري أو نصف السري لكنهم يفتقدون الخبرة في شؤون إدارة الدولة؟ وهل صحيح أن بعض القوى لم تكن تتوقع اقتراب الوليمة فسارعت الى الانقضاض عليها؟
لم يدخل محمد مرسي القصر على دبابة. جاء من صناديق الاقتراع. شرعيته كاملة لكنّ إدارته مرتبكة ومتسرّعة، ما سهّل لخصومه اتهامه بالاتكاء على برنامج حزبي ساعة كانت البلاد تحتاج الى توافقات واسعة. سهّل لخصومه اتهامَهُ واتهامَ فريقه وإشعالَ خطّ تماس معه. واضح أن مرسي يحتاج إلى مراجعة تجربة الشهور الماضية في ضوء التهاب الشارع والتدهور الاقتصادي. وهي مراجعة مطلوبة من كل الذين خرجوا منتصرين من انتخابات «الربيع العربي»، مع التسليم بأن الامتحان الكبير يجري في مصر وليس في سورية حيث يتعرض الربيع لقصف مكثف من طائرات النظام ويتعرض للاغتيال أيضاً على أيدي المقاتلين الجوّالين.
الإثنين ٤ فبراير ٢٠١٣
أغلب الظن أننا لا نعرف بلداننا على حقيقتها. لا ندرك عمق الأمراض المستحكمة بها. تعلّق المواطن ببلاده يحول دون النظرة الثاقبة المتفحصة. لا يريد أن يستنتج أنه من بلد مريض. وأن الأمراض عميقة ومتجذرة. وأن المشكلة ثقافية قبل أن تكون سياسية. وأنها بدأت قبل الوقوع في قبضة المستبد الذي زادها استفحالاً.
يريد المواطن الاحتفاظ بالأمل. وإبقاء النافذة مفتوحة. لهذا يميل الى الاعتقاد أن الأزمة غيمة تعبر. وأن الحرب الأهلية كابوس سيخرج المواطنون منه بدروس تضمن عدم تكراره. وأن الشعوب تتعلم من تجاربها.
أكتب وأفكر في ملايين الشبان الذين اجتذبهم «الربيع العربي» وأوقعهم في الأحلام. رأيتهم يتدفقون كالأنهار في تونس وبنغازي والقاهرة وصنعاء ودرعا. كانت قبضاتهم مغموسة بالغضب ووجوههم طافحة بالألم. كانوا يدافعون عن حقهم في الكرامة والحرية والخبز والعمل. حقهم في وطن يكون ملعباً للفرص والتفاعل والآمال لا ساحةً للقهر والإذلال والجنازات.
سمعت صوتهم الهادر «الشعب يريد إسقاط النظام». وشاهدتهم ينهالون على تماثيل المستبد وصوره وكلّ ما يذكر بشخصه وبطانته ونهجه. ورأيتهم يرقصون حين بلغهم نبأ فراره أو اعتقاله أو مصرعه أو انكفائه. شاهدت الأعراس والآن نشم رائحة الخيبات.
إذا كان المستبد هو المشكلة الوحيدة فلماذا لم تلتقط البلاد أنفاسها غداة إزاحته؟ أعرف الجواب. المستبد ألغى الحياة السياسية. جوّفها وقتلها. زوّر كل شيء وأقام سعيداً وسط الدمى. لم يترك إلاّ فرصة التطرف وتراكم مشاعر الغضب والانتحار. إذا كان زين العابدين بن علي هو المشكلة الوحيدة فكيف نفسّر هذا الخوف المتصاعد في تونس؟ إذا كان معمر القذافي المشكلة الوحيدة فكيف نفسّر المشهد الحالي في ليبيا التي تتزايد خطورتها على نفسها وعلى جيرانها أيضاً؟ إذا كان علي عبدالله صالح المشكلة الوحيدة فلماذا لم تبدأ رحلة لملمة شظايا البلاد؟ وإذا كان حسني مبارك المشكلة الوحيدة فكيف نفهم هذا الذي يجري في مصر؟
لا شك في أن المستبدين ألحقوا ببلادهم أضراراً فادحة تحتاج معالجتها الى عقود وجهود. لكن، ما الذي يوحّد من قالوا إنهم صنّاع الثورة وأبناؤها؟ أين الحد الأدنى الضروريّ بينهم؟ ولماذا يتواجهون الآن في الشوارع أو مع الشرطة في مشاهد تذكّر بمن رقصوا يوم إطاحته؟
ثمة أسئلة مشروعة تطرح نفسها وبإلحاح. هل تكفي صناديق الاقتراع للانتقال من نظام الى آخر؟ هل تكفي نتائجها لصوغ الدساتير على عجل والذهاب في التفويض الانتخابي الى أبعد مما يتحمله المجتمع؟ وهل صحيح أن صناديق الاقتراع أنجبت منتصرين يجيدون الخونه والعملاء من اسمو نفسهم بالمعارضين .والعمل السري أو نصف السري لكنهم يفتقدون الخبرة في شؤون إدارة الدولة؟ وهل صحيح أن بعض القوى لم تكن تتوقع اقتراب الوليمة فسارعت الى الانقضاض عليها؟
لم يدخل محمد مرسي القصر على دبابة. جاء من صناديق الاقتراع. شرعيته كاملة لكنّ إدارته مرتبكة ومتسرّعة، ما سهّل لخصومه اتهامه بالاتكاء على برنامج حزبي ساعة كانت البلاد تحتاج الى توافقات واسعة. سهّل لخصومه اتهامَهُ واتهامَ فريقه وإشعالَ خطّ تماس معه. واضح أن مرسي يحتاج إلى مراجعة تجربة الشهور الماضية في ضوء التهاب الشارع والتدهور الاقتصادي. وهي مراجعة مطلوبة من كل الذين خرجوا منتصرين من انتخابات «الربيع العربي»، مع التسليم بأن الامتحان الكبير يجري في مصر وليس في سورية حيث يتعرض الربيع لقصف مكثف من طائرات النظام ويتعرض للاغتيال أيضاً على أيدي المقاتلين الجوّالين.
????- زائر
مواضيع مماثلة
» الربيع الغربى
» الربيع الصهيوني
» بلخادم: الربيع العربي ليس له من الربيع إلا الاسم/والاجدى برؤساء الاحزاب الاسلامية ان يستقيوا بعد الصعقة الكهربائية
» وهم الربيع المشئوم
» أخطر فيديو لحقيقة الربيع العربي ... لكل ثائر من ( ثوار ) الربيع العربي شاهد و أحكم بنفسك و أكتشف أكبر كذبة فى التاريخ الحديث
» الربيع الصهيوني
» بلخادم: الربيع العربي ليس له من الربيع إلا الاسم/والاجدى برؤساء الاحزاب الاسلامية ان يستقيوا بعد الصعقة الكهربائية
» وهم الربيع المشئوم
» أخطر فيديو لحقيقة الربيع العربي ... لكل ثائر من ( ثوار ) الربيع العربي شاهد و أحكم بنفسك و أكتشف أكبر كذبة فى التاريخ الحديث
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد 7 يناير - 7:55 من طرف علي عبد الله البسامي
» النفير المقدس
الخميس 4 يناير - 1:50 من طرف علي عبد الله البسامي
» الى شيوخ ومثقفي الخليج
الأحد 31 ديسمبر - 17:26 من طرف علي عبد الله البسامي
» .سجل حضورك ... بصورة تعز عليك ... للبطل الشهيد القائد معمر القذافي
الإثنين 25 ديسمبر - 17:43 من طرف chlih
» أملٌ زمنَ القهر
الأحد 24 ديسمبر - 18:07 من طرف علي عبد الله البسامي
» أملٌ زمنَ القهر
الأحد 24 ديسمبر - 18:06 من طرف علي عبد الله البسامي
» عملاق الردى
الأحد 24 ديسمبر - 17:15 من طرف علي عبد الله البسامي
» إجرام الغرب
السبت 16 ديسمبر - 16:40 من طرف علي عبد الله البسامي
» فضبدة الخذلان
الجمعة 8 ديسمبر - 9:06 من طرف علي عبد الله البسامي
» شرف المقاومة
الأحد 3 ديسمبر - 23:43 من طرف علي عبد الله البسامي
» زمرة العز في زمن الهوان
السبت 2 ديسمبر - 13:22 من طرف علي عبد الله البسامي
» دليل التّردِّي
الثلاثاء 28 نوفمبر - 0:26 من طرف علي عبد الله البسامي
» الخذلان المذل
الأحد 26 نوفمبر - 11:55 من طرف علي عبد الله البسامي
» أحرارُ الخَلَف
الخميس 23 نوفمبر - 17:06 من طرف علي عبد الله البسامي
» وثبة الابطال في اليمن
الأربعاء 22 نوفمبر - 17:11 من طرف علي عبد الله البسامي
» هان العرب
الأربعاء 22 نوفمبر - 6:32 من طرف علي عبد الله البسامي
» الى ابي عبيدة
الإثنين 20 نوفمبر - 23:03 من طرف علي عبد الله البسامي
» الى ابي عبيدة
الإثنين 20 نوفمبر - 23:02 من طرف علي عبد الله البسامي
» شعب الاباء في غزة
السبت 18 نوفمبر - 0:42 من طرف علي عبد الله البسامي
» ضرُّ المذلّة في الامّة
الأحد 12 نوفمبر - 0:40 من طرف علي عبد الله البسامي