9/9/1999 ذكرى وذكريات

بقلم الدكتور / سالم عمر الزبيدي
مولد الاتحاد الإفريقي العظيم يوم 9/9/1999 يعيد لذهني شخصيا ذكرى عزيزة يشاطرني فيها العديد من إخوتي في حركة اللجان الثورية، حيث شرفني اخوتي وأخواتي في شعبة العمل الخارجي بإصدار ثلاثة أعداد من صحيفة الزحف الأخضر باللغة الإنجليزية لتغطية الحدث. أذكر أنني وجدت نفسي أمام تجربة جديدة، فأنا لا تشكل اللغة الإنجليزية ولا حتى الطباعة باللغة الإنجليزية لدي مشكلة؛ ولكن الدخول على النشر المكتبي بنظام "الأبل" (desktop publishing) والإخراج الصحفي مسألة أخرى وتحدٍ جديد قررت أن لا أتراجع أمامه. وهكذا انطلقت إلى مركز ألوان للأعمال الفنية للقاء بالفنيين الذين استهوت بعضهم الفكرة فانطلقوا يداعبون مفاتيح أجهزة الحاسوب، وإذا بالفأرة تنتقل من نافذة إلى أخرى في بيئة الناشر المكتبي لتتكشف أمامي إمكانات البرمجيات اللازمة للطباعة والتحرير والإخراج والنشر.
ثلاثة أيام بلياليها من العمل الدؤوب قضيناها بين استكتاب أعضاء الحركة من الوطنيين والعالميين، وتصفح أدبيات الحركة باللغة الإنجليزية لاختيار ما يمكن تضمينه في هذه الأعداد، واستطلاع غيابات ذاكرة الحاسوب بحثا عن صور تليق بالمقام، والمراجعة اللغوية، فالطباعة، ثم التحرير، وأخيرا الإخراج حتى إذا جن الليل وأوشكت الديكة على إعلان نهايته كان العدد جاهزا للنقل إلى المطبعة.
مضى يوم 9 من شهر الفاتح متثاقلا وكانت قلوب أعضاء حركة اللجان الثورية على أكفها في انتظار ما يسفر عنه النداء الذي وجهه القائد الأممي معمر القذافي للزعماء الأفارقة في قمة منظمة الوحدة الإفريقية بالجزائر في شهر ناصر 1999 ف بضرورة العمل على تفعيل المنظمة الرئاسية الشكل بتحويلها إلى اتحاد يقوم على مؤسسات سياسية وعسكرية واقتصادية ومالية واجتماعية فاعلة. نعم حضر الزعماء الأفارقة استجابة للنداء ولدعوة قائد الثورة بعقد قمة استثنائية في سرت بالجماهيرية العظمى لإطلاق شرارة الاتحاد، ولكن هل سيكون هؤلاء القادة أهلا للثقة والمسؤولية وفي مستوى آمال وتطلعات شعوبهم نحو غد أفضل لهم ولأجيالهم؟كان أعضاء حركة اللجان الثورية يتطلعون أن يعلن المجتمعون قيام الولايات المتحدة الإفريقية ككيان اندماجي يحقق لإفريقيا استقلالها السياسي والاقتصادي والعسكري، ولكن لا بأس أيضا من أن يعلن القادة ميلاد اتحاد يكون لبنة لقيام النظام الأمثل محط آمال وطموحات الشعوب الإفريقية.
ومع حلول ظلام ذلك اليوم بدأت خفقات القلوب تتسارع وبدأ نبضها يزداد شدة وبدأت الشكوك تتسرب فانطلقت الألسن تلهج بالدعاء أن يلهم الله الزعماء الأفارقة على مختلف دياناتهم الرشاد والحكمة كي يضعوا مصالح شعوبهم قبل مصالحهم الشخصية وأن تكون خشيتهم من شعوبهم أعظم من خوفهم من مصاصي دمائهم العابثين بخيرات قارتهم. وفجأة جاء الخبر اليقين: إعلان سرت بقيام الاتحاد الإفريقي. لقد قام الاتحاد، وتحقق الحلم، أفل نجم منظمة الوحدة الإفريقية وبزغت شمس الاتحاد الإفريقي.
كان العدد الختامي جاهزا وفي انتظار مقررات القمة وها قد أذيعت. لم يبق إلا ترجمة الخبر الرئيس الذي نشرته وكالة الجماهيرية للأنباء وإعداد مقال عن القمة وطباعتهما، وإلحاق ما توفر من الصور، فالإخراج ومن ثم الإحالة للمطبعة، وأخيرا العودة للمنزل في ساعات الصباح الأولى.
كانت تجربة فريدة بالنسبة لي أتذكر معها مولد الاتحاد الإفريقي العظيم يوم 9/9/1999، وأتذكر معها رحلات القائد المكوكية عبر الصحارى لتحريض الجماهير الإفريقية على الضغط على رؤساء دولهم لتفعيل مؤسسات الاتحاد الإفريقي وتطويره إلى دولة اندماجية تأخذ مكانها الذي يليق بها فوق الأرض وتحت الشمس، وأتذكر المرحوم محمد سعود المجدوب منسق مكتب الاتصال باللجان الثورية الذي ما انفك يعمل ويحرض على تحقيق أهداف ثورة الفاتح من سبتمبر محليا وقوميا وقاريا وعالميا، وأتذكر زملاءنا في حركة الجان الثورية الذين وهبوا حياتهم دفاعا عن وطنهم وقائدهم وثورتهم في معارك الشرف ضد أعداء الأمة في ساحات الوغى وآخرها معارك الصمود ضد قوات الناتو والرجعية العربية. فطوبى لإفريقيا بالاتحاد الإفريقي وطوبى لشهداء الواجب بجنة الخلد < مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا> صدق الله العظيم.