منتديات زنقتنا-منتديات شباب ليبيا الأحرار

عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
يرجي التكرم بتسجبل الدخول إذا كنت عضو معنا
أو التسجيل إن لم تكن عضو وترغب في الإنضمام إلي أسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك

إدارة المنتدي


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات زنقتنا-منتديات شباب ليبيا الأحرار

عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
يرجي التكرم بتسجبل الدخول إذا كنت عضو معنا
أو التسجيل إن لم تكن عضو وترغب في الإنضمام إلي أسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك

إدارة المنتدي
منتديات زنقتنا-منتديات شباب ليبيا الأحرار
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

معركة صفين :الفتنة الكبرى...

اذهب الى الأسفل

معركة صفين :الفتنة الكبرى... Empty معركة صفين :الفتنة الكبرى...

مُساهمة من طرف nabil الإثنين 12 نوفمبر - 8:39

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد.

أقدم بين يديكم بحث بعنوان "معركة صفين عند المؤرخين"، والذي يتناول أحداث معركة صفين، وآراء المؤرخين والعلماء فيها، وقد ضمت جنبات هذا البحث أربعة مباحث، تناول المبحث الأول، مقدمات وأسباب معركة صفين، والمبحث الثاني تناول تفاصيل المعركة، والمبحث الثالث، نهاية القتال والدعوة للتحكيم، والمبحث الرابع، آراء المؤرخين في أحداث معركة صفين ونقد بعض الروايات.
وقد واجهت الباحث عدة صعوبات كان منها صعوبة الوصول للمكتبات بسبب الأحداث الجارية على الساحة، ولكن الباحث أفاد كثيراً من الاسطوانات الالكترونية والكتب المصورة على المواقع الالكترونية.
والدراسة في هذا الموضوع صعبة جداً لأنها تتناول مرحلة هامة في التاريخ الإسلامي كان لها ما بعدها، حيث أن جروح معركة صفين لم تندمل حتى يومنا هذا، وبقيت تشكل مرحلة مؤلمة في التاريخ الإسلامي، خاصة وأن أبطال هذه المعركة المتصارعين هم من كبار الصحابة وفاتحي الأمصار، وممن قام الإسلام على أيديهم وانتشر في أصقاع المعمورة، ولهذا كان لزاماً على الباحث أن يكون موضوعياً في قراءة الأحداث وأن يتحدث عن هؤلاء الصحابة باحترام وإجلال، لأن ديننا الحنيف يحثنا على احترام هذا الرعيل الأول من الصحابة والبعد عن القدح بهم، فقد قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ". ( )
ولهذا فقد اعتمد الباحث على حسن الظن بالصحابة الكرام، وأن قتالهم كان بسبب الخلاف في وجهات النظر حول الاقتصاص من قتلة الخليفة عثمان رضي الله عنه، خاصة وأن جميع الروايات التي انتقصت من أحد الطرفين لصالح الطرف الآخر، كانت روايات ضعيفة رواها إخباريون ضعاف من غلاة الشيعة من أمثال أبي مخنف، ونصر بن مزاحم المنقري.
وحاول الباحث أن ينوع في مصادره التي استقى منها البحث، فكان منها الكتب التاريخية، وكتب الحديث، وكتب الرجال، وكذلك بعض المراجع الحديثة.
وأسأل الله تعالى أن يوفقني في بحثي هذا، وأن أكون قد قدمت شيئاً مفيداً لمن يقرأه.
والله ولي التوفيق.
الباحث
عبد الرؤوف جبر القططي
الجامعة الإسلامية غزة- فلسطين








المبحث الأول


مقدمات وأسباب معركة صفين

صِفَّينُ:
موضع بقرب الرقة على شاطئ الفرات من الجانب الغربىِ بين الرَقة وبالس( ). وهي صحراء ذات كدى وأكمات، وبها كانت الوقيعة العظيمة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما ( )، في غرة صفر سنة 37هـ والتي جاء فيها الحديث المتفق على صحته: "لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتلة عظيمة دعواهما واحدة" ( )، وقُتل في الحرب بينهما سبعون ألفاً، منهم من أصحاب علي خمسة وعشرون ألفاً ومن أصحاب معاوية خمسة وأربعون ألفاً، وقُتل مع علي خمسة وعشرون صحابياً بدرياً ( )، وكان معه منهم سبعون رجلاً، وممن بايع تحت الشجرة سبعمائة، وما لا يحصى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن خيار التابعين، وكان مع علي رضي الله عنه رايات رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كان يغزو بها، وقد شكك البعض بأنه لم يشهد مع علي من أهل بدر غير خزيمة بن ثابت، وهو قول مردود عليه، فإن من أهل بدر عمار بن ياسر رضي الله عنه وقد قتل معه، وبه عرفت الفئة الباغية في قوله صلى الله عليه وسلم لعمار في حفر الخندق: "ويح عمار تقتله الفئة الباغية"( ). ( )

مقدمات وأسباب المعركة:

شكل استشهاد الخليفة عثمان رضي الله عنه صدمة كبيرة للمسلمين، فانطلقت الأصوات تطالب بالثأر من قتلة الخليفة عثمان، فخرج النعمان بن بشير ومعه قميص عثمان مضمخ بدمه، ومعه أصابع نائلة التي أصيبت حين دافعت عنه بيدها، فقطعت مع بعض الكف فورد به على معاوية بالشام، فوضعه معاوية على المنبر ليراه الناس، وعلق الأصابع في كم القميص، وندب الناس إلى الأخذ بهذا الثأر والدم وصاحبه، فتباكى الناس حول المنبر، وجعل القميص يرفع تارة ويوضع تارة، والناس يتباكون حوله سنة، وحث بعضهم بعضا على الأخذ بثأره، وقام في الناس معاوية وجماعة من الصحابة معه يحرضون الناس على المطالبة بدم عثمان، ممن قتله من أولئك الخوارج: منهم عبادة بن الصامت، وأبو الدرداء. ( )
كان معاوية بن أبي سفيان والياً على الشام في عهد عمر وعثمان –رضي الله عنهما، ولما تولى عليّ الخلافة أراد عزله، وتولية سهل بن حنيف بدلاً منه، إلا أنه ما كاد سهل يصل مشارف الشام حتى لقيته خيل معاوية عليها حبيب بن مسلمة الفهري، فقالوا له: إن كان بعثك عثمان فحيهلا بك، وإن كان بعثك غيره فارجع، فرجع.( )
لقد امتنع معاوية وأهل الشام عن البيعة ورأوا أن يقتص علي من قتلة عثمان ثم يدخلون البيعة، وقالوا: لا نبايع من يؤوى القتلة ( ), واستشهد معاوية ومعسكره بأحاديث وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، منها: عن النعمان بن بشير، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان من آخر كلمة أن ضرب منكبه، فقال: "يا عثمان إن الله عسى أن يلبسك قميصاً، فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني". ( )
وهناك حديث آخر له تأثيره في طلب معاوية القود من قتلة عثمان وكان منشطًا ودافعًا قويًا للتصميم على تحقيق الهدف، وهو: عن النعمان بن بشير عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان: "يا عثمان إن الله عسى أن يلبسك قميصًا، فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني" ثلاثًا، فقال لها النعمان بن بشير: يا أم المؤمنين فأين كان هذا عنك؟ قالت: نسيته والله ما ذكرته ( ) قال: فأخبرتُه معاوية بن أبى سفيان فلم يرضَ بالذي أخبرته حتى كتب إلى أم المؤمنين أن اكتبي إليّ به، فكتبتْ إليه به كتابًا. ( )
بعث الإمام علي رضي الله عنه كتباً كثيرة إلى معاوية رضي الله عنه، ولم يرد عليها، واستمر ذلك الأمر إلى الشهر الثالث من مقتل عثمان، ثم بعث معاوية رسالة مع رجل، فدخل به على عليّ فقال له عليّ: ما وراءك؟ قال: جئتك من عند قوم لا يريدون إلا القود، كلهم موتور، تركت ستين ألف شيخ يبكون تحت قميص عثمان، وهو على منبر دمشق، فقال علي: اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان. ( ) ثم عزم الإمام عليّ على قتال أهل الشام، فكتب إلى قيس بن سعد بمصر يستنفر الناس للقتال، وإلى أبي موسى الأشعري بالكوفة، وبعث إلى عثمان بن حُنيف بذلك، وخطب الناس فحثهم على ذلك، وعزم على التجهز، وخرج من المدينة، ورتّب الجيش، فدفع اللواء إلى محمد بن الحنفية، وجعل ابن عباس على الميمنة، وعمر بن أبي سلمة على الميسرة، وقيل: جعل على الميسرة عمرو بن سفيان بن عبد الأسد، وجعل على مقدمته أبا ليلى بن عمر بن الجراح، واستخلف على المدينة قثم بن العباس، إلا أن ظروف معركة الجمل أعاقته عن قتال أهل الشام.( )

توجه الإمام علي إلى الشام:
أرسل الإمام علي إلى معاوية رضي الله عنهما يدعوه إلى بيعته، حيث عرض جرير بن عبد الله أن يتوسط بين الطرفين، فقال جرير بن عبد الله: أنا أذهب إليه يا أمير المؤمنين فإن بيني وبينه وداً، فآخذ لك منه البيعة، فقال الأشتر: لا تبعثه يا أمير المؤمنين فإني أخشى أن يكون هواه معه، فقال علي: دعه، وبعثه وكتب معه كتاباً إلى معاوية يعلمه باجتماع المهاجرين والأنصار على بيعته، ويخبره بما كان في وقعة الجمل، ويدعوه إلى الدخول فيما دخل فيه الناس، فلما انتهى إليه جرير بن عبد الله أعطاه الكتاب فطلب معاوية عمرو بن العاص ورؤوس أهل الشام فاستشارهم فأبوا أن يبايعوا حتى يقتل قتلة عثمان، أو أن يسلم إليهم قتلة عثمان، وإن لم يفعل قاتلوه ولم يبايعوه حتى يقتل قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه، فرجع جرير إلى علي فأخبره بما قالوا، فقال الأشتر: يا أمير المؤمنين ألم أنهك أن تبعث جريراً؟ فلو كنت بعثتني لما فتح معاوية باباً إلا أغلقته، فقال له جرير: لو كنت لقتلوك بدم عثمان، فقال الاشتر: والله لو بعثتني لم يعيني جواب معاوية ولأعجلنه عن الفكرة، ولو أطاعني قبل لحبسك وأمثالك حتى يستقيم أمر الأمة، فقام جرير مغضباً وأقام بقرقيسيا، وكتب إلى معاوية يخبره بما قال وما قيل له، فكتب إليه معاوية يأمره بالقدوم عليه. ( )
جهّز أمير المؤمنين علي جيشاً ضخماً اختلفت الروايات في تقديره، فقيل كان علي في تسعين ألفاً وكان معاوية في مائة وعشرين ألفاً، وقيل كان علي في مائة وعشرين ألفاً ومعاوية في تسعين ألفاَ وهذا أصح( )، وكان مكان تجمع جند علي بالنخيلة وهو على بُعد ميلين من الكوفة، فتوافدت عليه القبائل من نواحي العراق، وبعث أمير المؤمنين علي من النخيلة زياد بن النضر الحارثي طليعة في ثمانية آلاف مقاتل، وبعث شريح بن هانئ في أربعة آلاف، ثم خرج علي بجيشه إلى المدائن، فانضم إليه فيها المقاتلة وولى عليها سعد بن مسعود الثقفي، ووجه منها طليعة في ثلاثة آلاف إلى الموصل، وسلك رضي الله عنه طريق الجزيرة الرئيسي على شط الفرات الشرقي حتى بلغ قرقيسياء ( )، فأتته الأخبار بأن معاوية قد خرج لملاقاته وعسكر بصفين، فتقدم علي إلى الرقة ( )، وعبر منها الفرات غرباً ونزل على صفين. ( )

خروج معاوية إلى صفين:

كان معاوية جاداً في مطاردة قتلة عثمان، فقد استطاع أن يترصد بجماعة ممن غزوا المدينة من المصريين أثناء عودتهم وقتلهم، ومنهم أبو عمرو بن بديل الخزاعي ( )، ثم كانت له أيد في مصر، وشيعة في أهل "خربتا" تطالب بدم عثمان، وقد استطاعت هذه الفرقة إيقاع الهزيمة بمحمد بن أبي حذيفة في عدة مواجهات عام 36هـ، كما استطاع أيضاً أن يوقع برؤوس مدبري ومخططي غزو المدينة من المصريين، مثل عبد الرحمن بن عديسي، وكنانة بن بشر، ومحمد بن حذيفة فحبسهم في فلسطين، وذلك في الفترة التي سبقت خروجه إلى صفين، ثم قتلهم في شهر ذي الحجة عام 36هـ ( )، وعندما علم معاوية بتحرك جيش العراق جمع مستشاريه من أعيان أهل الشام، وخطب فيهم وقال: إن علياً نهد إليكم في أهل العراق.( ) وكان أهل الشام قد بايعوا معاوية على الطلب بدم عثمان، والقتال. وقد قام عمرو بن العاص بتجهيز الجيش وعقد الألوية، وقام في الجيش خطيباً يحرضهم، فقال: إن أهل العراق قد فرقوا جمعهم وأوهنوا شوكتهم، وفوا حدهم، ثم إن أهل البصرة مخالفون لعلي قد وترهم وقتلهم، وقد تفانت صناديد أهل الكوفة يوم الجمل، وإنما سار في شرذمة قليلة، ومنهم من قد قتل خليفتكم، فالله الله في حقكم أن تضيعوه، وفي دمكم أن تبطلوه.( )
وسار معاوية في جيش ضخم، اختلفت الروايات في تقديره، وكلها روايات منقطعة أسانيدها، وهي الروايات عينها التي قدرها جيش علي، فقدر بمائة ألف وعشرين ألفاً ( )، وقدر بسبعين ألف مقاتل، وقد بأكثر من ذلك بكثير ( )، إلا أن الأقرب للصواب أنهم ستون ألف مقاتل، فهي وإن كانت منقطعة الإسناد إلا أن راويها صفوان بن عمرو السكسكي، حمصي من أهل الشام ولد عام (72هـ)، وهو ثبت ثقة، وقد أدرك خلقاً ممن شهد صفين، والإسناد إليه صحيح.( )
وبعث معاوية مقدمة جيشه بقيادة أبي الأعور السلمي إلى صفين، فعسكر هناك في سهل فسيح، إلى جانب شريعة في الفرات، ليس في ذلك المكان شريعة غيرها، وجعلها في حيزه.( )




المبحث الثاني


تفاصيل المعركة

بداية القتال: التنازع على الماء:

وصل جيش علي إلى صفين، حيث عسكر معاوية، ولم يجد موضعاً فسيحاً سهلاً يكفي الجيش، فعسكر في موضع وعر نوعاً ما؛ إذ أغلب الأرض صخور ذات كدى وأكمات ( )
فوجئ جيش العراق بمنع جيش معاوية عنهم الماء، فأسرع البعض إلى على رضي الله عنه يشكون إليه هذا الأمر، فأرسل على إلى الأشعت بن قيس فخرج في ألفين ودارت أول معركة بين الفريقين انتصر فيها الأشعت واستولى على الماء.( )
ووردت رواية أخرى تنفى وقوع القتال مفادها أن الأشعت بن قيس جاء إلى معاوية فقال: الله الله يا معاوية في أمة محمد، هبوا أنكم قتلتم أهل العراق، فمن للبعوث والذرارى؟ إن الله يقول: "وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا" [الحجرات:9] قال معاوية: فما تريد؟ قالوا: خلوا بيننا وبين الماء. فقال لأبى الأعور: خلَّ بين إخواننا وبين الماء.( )
وقد كان القتال على الماء في أول يوم تواجها فيه في بداية شهر ذي الحجة فاتحة شر على الطرفين المسلمين، إذ استمر القتال بينهما متواصلاً طوال هذا الشهر، وكان القتال على شكل كتائب صغيرة، فكان على رضي الله عنه يخرج من جيشه كتيبة صغيرة يؤمر عليها أميرًا، فتقتتلان مرة واحدة في اليوم، في الغداة أو العشي، وفي بعض الأحيان تقتتلان مرتين في اليوم، وكان أغلب من يخرج من أمراء الكتائب في جيش على، الأشتر، وحجر بن عدى، وشبث بن ربعي، وخالد بن المعتمر، ومعقل بن يسار الرياحي، ومن جيش معاوية أغلب من يخرج، حبيب بن مسلمة، وعبد الرحمن بن خالد ابن الوليد، وعبيد الله بن عمر بن الخطاب، وأبو الأعور السلمي، وشرحبيل بن السمط، وقد تجنبوا القتال بكامل الجيش خشية الهلاك والاستئصال، وأملاً في وقوع صلح بين الطرفَين، تصان به الأرواح الدماء.( )

محاولات الصلح بين الفريقين:

ما إن دخل شهر المحرم، حتى بادر الفريقان إلى الموادعة والهدنة طمعًا في صلح يحفظ دماء المسلمين، فاستغلوا هذا الشهر في المراسلات بينهم، كان البادئ بالمراسلة أمير المؤمنين على ابن أبى طالب رضي الله عنه، فدعا بشير بن عمرو الأنصاري وسعيد بن قيس الهمداني وشيث بن ربعي السهمي فقال: إيتوا هذا الرجل فادعوه إلى الطاعة والجماعة واسمعوا ما يقول لكم، فلما دخلوا على معاوية قال له بشير بن عمرو: يا معاوية! إن الدنيا عنك زائلة، وإنك راجع إلى الآخرة، والله محاسبك بعملك، ومجازيك بما قدمت يداك، وإني أنشدك الله أن تفرق جماعة هذه الأمة، وأن تسفك دماءها بينها. فقال له معاوية هلا أوصيت بذلك صاحبكم؟ فقال له: إن صاحبي أحق هذه البرية بالأمر في فضله ودينه وسابقته وقرابته، وإنه يدعوك إلى مبايعته فإنه أسلم لك في دنياك، وخير لك في آخرتك. فقال معاوية: ويطل دم عثمان؟ لا والله لا أفعل ذلك أبدا، ثم أراد سعيد بن قيس الهمداني أن يتكلم فبدره شيث بن ربعي فتكلم قبله بكلام فيه غلظة وجفاء في حق معاوية، فزجره معاوية، ثم أمر بهم فأخرجوا من بين يديه. ( )
كما أن قراء الفريقين، قد عسكروا في ناحية من صفين، وهم عدد كبير، قد قاموا بمحاولات للصلح بينهما، فلم تنجح تلك المحاولات لالتزام كل فريق منهما برأيه وموقفه، وحاول اثنان من الصحابة، وهما أبو الدرداء، وأبو أمامة، رضي الله عنهما، الصلح بين الفريقين، فلم تنجح مهمتهما أيضًا لنفس الأسباب السابقة، فتركا الفريقين ولم يشهدا معهما أمرهما. ( )
وقد انتقد ابن كثير التفصيلات الطويلة التي جاءت في روايات أبى مخنف ونصر بن مزاحم( )، بخصوص المراسلات بين الطرفين فقال: "ثم ذكر أهل السير كلامًا طويلاً جرى بينهم وبين على، وفي صحة ذلك عنهم وعنه نظر، فإن في مطاري ذلك الكلام من على ما ينتقص فيه معاوية وأباه، وأنهما إنما دخلا في الإسلام ولم يزالا في تردد فيه، وغير ذلك، وأنه قال في ذلك: لا أقول إن عثمان قُتل مظلومًا ولا ظالما؛...وهذا عندي لا يصح من على رضي الله عنه", وموقف على رضي الله عنه من قتل عثمان واضح. ( )

استمرار القتال:

عادت الحرب على ما كانت عليه في شهر ذي الحجة من قتال الكتائب والفرق والمبارزات الفردية، خشية الالتحام الكلي إلى أن مضى الأسبوع الأول منه، وكان عدد الوقعات الحربية بين الفريقين إلى هذا التاريخ أكثر من سبعين وقعة، وذُكر أنها تسعون إلاّ أن عليًا أعلن في جيشه أن غدًا الأربعاء سيكون الالتحام الكلي لجميع الجيش، ثم نبذ معاوية يخبره بذلك, فأمر علي بن أبي طالب يزيد بن الحارث الجشمي فنادى أهل الشام عند غروب الشمس: ألا إن أمير المؤمنين يقول لكم: إني قد استأنيتكم لتراجعوا الحق، وأقمت عليكم الحجة فلم تجيبوا، وإني قد نبذت إليكم على سواء إن الله لا يحب الخائنين، فثار الناس في تلك الليلة إلى أسلحتهم يصلحونها ويحدونها، وقام عمرو بن العاص بإخراج الأسلحة من المخازن لمن يحتاج من الرجال ممن فُلّ سلاحه، وهو يحرض الناس على الاستبسال في القتال, وبات جميع الجيشين في مشاورات وتنظيم للقيادات والألوية. ( )
اليوم الأول من المعركة:
أصبح الجيشان في يوم الأربعاء قد نُظّمت صفوفهم، ووُزّعوا حسب التوزيع المتبع في المعارك الكبرى: قلب وميمنة وميسرة، فكان جيش علي -رضي الله عنه- على النحو التالي : علي بن أبي طالب على القلب، وعبد الله بن عباس على الميسرة، وعمار بن ياسر على الرجالة، ومحمد بن الحنفية، حامل الراية، وهشام بن عتبة (المرقال) حامل اللواء، والأشعت بن قيس على الميمنة. وأما جيش الشام، فمعاوية في كتيبة الشهباء أصحاب البيض والدروع على تل مرتفع، وهو أمير الجيش، وعمرو بن العاص قائد خيل الشام كلها، وذو الكلاع الحميري على الميمنة على أهل اليمن، وحبيب بن مسلمة الفهري على الميسرة على مضر، والمخارق بن الصباح الكلاعي حامل اللواء, وتقابلت الجيوش الإسلامية، ومن كثرتها قد سدت الأفق. ويقول كعب بن جعيل التغلبي أحد شعراء العرب وذلك عندما رأى الناس في ليلة الأربعاء وقد ثبتوا إلى نبالهم وسيوفهم يصلحونها استعدادًا لهذا اليوم:
أصبحت الأمةُ في أمرٍ عجب
والملكُ مجموعٌ غدًا لِمَن غلبْ
فقلتُ قولاً صادقًا غيرَ كذب
إنّ غدًا تهلك أعلامُ العربْ

وخطب عليّ في جيشه قائلاً: "لا تقاتلوهم حتى يقاتلوكم، فأنتم بحمد الله على حجة، وترككم قتالهم حجة أخرى، فإذا هزمتموهم فلا تقتلوا مدبراً ولا تجهزوا على جريحٍ ولا تكشفوا عورةً ولا تمثلوا بقتيل، وإذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا ستراً ولا تدخلوا داراً ولا تأخذوا شيئاً من أموالهم، ولا تهيجوا امرأة وإن شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم وصلحاءكم، فإنهن ضعاف القوى والأنفس". كما أن عمرو بن العاص قد استعرض جيشه، وأمرهم بتسوية الصفوف وإقامتها. ( )
واندلعت المعركة في اليوم الأول، وكان القتال شديداً، ولم يظهر أي فريق على الآخر، واستمر القتال إلى الليل لا يحجز بين الفريقين إلا الصلاة، وقد كثر عدد القتلى من الفريقين. ( )
وسأل أحد أفراد جيش عليّ رضي الله عنه حين انصرافه من الصلاة، فقال: ما تقول في قتلانا وقتلاهم يا أمير المؤمنين؟ فقال: من قُتل منا ومنهم يريد وجه الله والدار الآخرة دخل الجنة، وقد صبر بعضهم على بعض فلم يغلب أحد أحدًا، ولم ير موليًا حتى انتهى ذلك اليوم. وفي المساء خرج علي -رضي الله عنه- إلى ساحة القتال فنظر إلى أهل الشام، فدعا ربه قائلاً: اللهم اغفر لي ولهم. ( )
اليوم الثاني:
في يوم الخميس خرج الإمام علي بصلاة الفجر واستعد للهجوم، وغيَّر بعض القيادات، فوضع عبد الله بن بديل الخزاعي على الميمنة بدلاً من الأشعت بن قيس الكندي الذي تحوّل إلى الميسرة, وزحف الفريقان نحو بعضهما، واشتبكوا في قتال عنيف أشد من سابقه، وبدأ أهل العراق في التقدم، وأظهروا تفوّقًا على أهل الشام، واستطاع عبد الله بن بديل أن يكسر ميسرة معاوية، وعليها حبيب بن مسلمة، ويتقدم باتجاه قبة معاوية، وأظهر شجاعة وحماسًا منقطع النظير، وصاحب هذا التقدم الجزئي، تقدم عام لجيش العراق، حتى إن معاوية قد حدثته نفسه بترك ميدان القتال، إلاّ أنه صبر وتمثل بقول الشاعر:
أبتْ لي عفتي وأبى بلائي
وأخذي الحمد بالثمن الربيحِ
وإكراهي على المكروه نفسي
وضربي هامةَ البطلِ المشيحِ
وقولي كلّما جشأتْ وجاشتْ:
مكانَكِ تحمدي أو تستريحي

واستحث كتيبته الشهباء، واستطاعوا قتل عبد الله بن بديل، فأخذ مكانه في قيادة الميمنة الأشتر، وتماسك أهل الشام وبايع بعضهم على الموت، وكروا مرة أخرى بشدة وعزيمة وقُتل عدد من أبرزهم ذو الكلاع، وحوشب وعبيد الله بن الخطاب، رضي الله عنهم، وانقلب الأمر لجيش الشام، وأظهر تقدمًا، وبدأ جيش العراق في التراجع، واستحرّ القتل في أهل العراق وكثرت الجراحات، ولما رأى علي جيشه في تراجع، أخذ يناديهم ويحمسهم، وقاتل قتالاً شديدًا واتجه إلى القلب حيث ربيعة، فثارت فيه الحمية وبايعوا أميرهم خالد بن المعتمر على الموت وكانوا أهل قتال.( )
وكان عمّار بن ياسر، رضي الله عنه، قد جاوز الرابعة والتسعين عامًا، وكان يحارب بحماس، يحرض الناس، ويستنهض الهمم، ولكنه بعيد كل البعد عن الغلو، فقد سمع رجلاً بجواره يقول: كفر أهل الشام. فنهاه عمار عن ذلك وقال: إنما بغوا علينا، فنحن نقاتلهم لبغيهم، فإلهنا واحد، ونبينا واحد، وقبلتنا واحدة .( )
ولما رأى عمار -رضي الله عنه- تقهقر أصحابه، وتقدُّم خصومه، أخذ يستحثهم ويبين لهم أنهم على الحق ولا يغرنهم ضربات الشاميين الشديدة، فيقول رضي الله عنه: من سره أن تكتنفه الحور العين فليقدم بين الصفين محتسبًا، فإني لأرى صفًا يضربكم ضربًا يرتاب منه المبطلون، والذي نفسي بيده، لو ضربونا حتى يبلغوا منا سعفات هجر، لعلمنا أنا على الحق وأنهم على الباطل، ولعلمنا أن مصلحينا على الحق وأنهم على الباطل . ثم أخذ في التقدم، وفي يده الحربة ترعد – لكبر سنه – ويشتد على حامل الراية هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، ويستحثه في التقدم ويرغبه ويطمعه فيما عند الله من النعيم، ويطمع أصحابه أيضًا فيقول: أزفت الجنة وتزينت الحور العين، من سره أن تكتنفه الحور العين، فليتقدم بين الصفين محتسبًا. وكان منظرًا مؤثرًا فهو صحابي جليل مهاجرى بدري جاوز الرابعة والتسعين يمتلك كل هذا الحماس وهذا العزم والروح المعنوية العالية واليقين الثابت، فكان عاملاً مهمًا من عوامل حماس جيش العراق ورفع روحهم المعنوية، مما زادهم عنفًا وضراوة وتضحية في القتال، حتى استطاعوا أن يحولوا المعركة لصالحهم، وتقدم هشام بن عتبة بن أبي وقاص وهو يرتجز بقوله:
أعور يبغي أهله مَحَلاً
قد عالج الحياة حتى ملاَّ
لا بد أن يَفلّ أو يُفلاَّ

وعمار يقول: تقدم يا هشام، الجنة تحت ظلال السيوف، والموت في أطراف الأسل , وقد فتحت أبواب السماء وتزينت الحور العين: "اليوم ألقى الأحبة، محمّدًا وحزبه"، وعند غروب شمس ذلك اليوم الخميس، طلب عمار شربة من لبن ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: إن آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن , ثم تقدم واستحث معه حامل الراية هشام بن عتبة بن أبي وقاص الزهري فلم يرجعا وقتلا، رحمهما الله ورضي الله عنهما. ( )
مقتل عمّار بن ياسر -رضي الله عنه-:
كان لمقتل عمّار رضي الله عنه أثر في معركة صفين، فقد كان علمًا لأصحاب رسول الله يتبعونه حيث سار، وكان خزيمة بن ثابت حضر صفين وكان كافًا سلاحه، فلما رأى مقتل عمار سلّ سيفه وقاتل أهل الشام، وذلك لأنه سمع حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن عمار: "تقتله الفئة الباغية. واستمر في القتال حتى قُتل. ( )
وكان لمقتل عمّار أثر في معسكر معاوية، فهذا أبو عبد الرحمن السلمي دخل في معسكر أهل الشام، فرأى معاوية وعمرو بن العاص وابنه عبد الله بن عمرو، وأبا الأعور السلمي، عند شريعة الماء يسقون. وكانت هي شريعة الماء الوحيدة التي يستقي منها الفريقان، وكان حديثهم عن مقتل عَمّار بن ياسر، إذ قال عبد الله بن عمرو لوالده: لقد قتلنا هذا الرجل وقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تقتله الفئة الباغية».فقال عمرو لمعاوية: لقد قتلنا الرجل وقد قال فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما قل. فقال معاوية: اسكت فوالله لا تزال تدحض في بولك، أنحن قتلناه؟ إنما قتله من جاء به ، فانتشر تأويل معاوية بين أهل الشام انتشار النار في الهشيم.( )
وجاء في رواية صحيحة أن عمرو بن حزم دخل على عمرو بن العاص فقال: قُتل عمار وقد قال فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «تقتله الفئة الباغية». فقام عمرو بن العاص فزعًا يرجع حتى دخل على معاوية، فقال له معاوية: ما شأنك؟ فقال: قُتل عمار. قال معاوية: فماذا؟ قال عمرو: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول له: «تقتلك الفئة الباغية».فقال له معاوية: دحضت في بولك، أو نحن قتلناه؟! إنما قتله علي وأصحابه، وجاؤوا به حتى ألقوه بين رماحنا، أو قال: بين سيوفنا .( )
وفي رواية صحيحة أيضًا: جاء رجلان عند معاوية يختصمان في رأس عمّار، يقول كل واحد منهما: أنا قتلته؛ فقال عبد الله بن عمرو بن العاص: ليطب به أحدكم نفسًا لصاحبه، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «تقتله الفئة الباغية».قال معاوية: فما بالك معنا؟ قال: إن أبي شكاني إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أطعْ أباك ما دام حيًا ولا تعصه. فأنا معكم ولست أقاتل .( )
وقد أثّر مقتل عمار كذلك على عمرو بن العاص، بل كان استشهاد عمار دافعًا لعمرو بن العاص للسعي لإنهاء الحرب, وقد قال رضي الله عنه: وددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة.( )


يوم الجمعة "ليلة الهرير":

عادت الحرب في نفس الليلة بشدة واندفاع لم تشهدها الأيام السابقة، وكان اندفاع أهل العراق بحماس وروح عالية حتى أزالوا أهل الشام عن أماكنهم، وقاتل أمير المؤمنين علي قتالاً شديدًا وبايع على الموت وذكر أن عليًا -رضي الله عنه- صلى بجيشه المغرب صلاة الخوف وقال الشافعي: وحُفظ عن علي أنه صلى صلاة الخوف ليلة الهرير ( )، يقول أحد المقاتلين: اقتتلنا ثلاثة أيام وثلاث ليال حتى تكسرت الرماح، ونفدت السهام، ثم صرنا إلى المسايفة فاجتلدنا بها إلى نصف الليل حتى صرنا نعانق بعضنا بعضًا، ولما صارت السيوف كالمناجل تضاربنا بعمد الحديد، فلا تسمع إلاّ غمغمة وهمهمة القوم، ثم ترامينا بالحجارة وتحاثينا بالتراب وتعاضينا بالأسنان وتكادمنا بالأفواه إلى أن أصبحوا في يوم الجمعة وارتفعت الشمس وإن كانت لا ترى من غبار المعركة وسقطت الألوية والرايات، وأنهك الجيش التعب وكلت الأيدي وجفت الحلوق.( )
ويقول ابن كثير في وصف ليلة الهرير ويوم الجمعة: وتعاضوا بالأسنان يقتتل الرجلان حتى يثخنا ثم يجلسان يستريحان، وكل واحد منهما ليهمر على الآخر، ويهمر عليه، ثم يقومون فيقتتلان كما كانا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولم يزل ذلك دأبهم حتى أصبح الناس من يوم الجمعة وهم كذلك، وصلى الناس الصبح إيماء وهم في القتال، حتى تضاحى النهار، وتوجه النصر لأهل العراق على أهل الشام. ( )





المبحث الثالث


نهاية القتال والدعوة للتحكيم



لقد وصل حال الجيشين بعد ليلة الهرير إلى حد لا يطاق من القتل وإزهاق الأنفس المسلمة، وجاءت خطبة الأشعت بن قيس زعيم كندة في أصحابه ليلة الهرير فقال: قد رأيتم يا معشر المسلمين ما قد كان في يومكم هذا الماضي، وما قد فني فيه من العرب، فوالله لقد بلغت من السن ما شاء الله أن أبلغ؛ فما رأيت مثل هذا قط، ألا فليبلغ الشاهد الغائب، إن نحن تواقفنا غدًا إنه لفناء العرب، وضيعة الحرمات، أما والله ما أقول هذه المقالة جزعًا من الحرب، ولكني رجل مسن، وأخاف على النساء والذراري غدًا، إذا نحن فنينا، اللهم إنك تعلم أني قد نظرت لقومي ولأهل ديني فلم آلُ.
وجاء خبر ذلك إلى معاوية فقال: أصاب ورب الكعبة، لئن نحن التقينا غدًا لتميلن الروم على ذرارينا ونسائنا، ولتميلن أهل فارس على أهل العراق وذراريهم، وإنما يبصر هذا ذوو الأحلام والنهى، ثم قال لأصحابه: اربطوا المصاحف على أطراف القنا.( )
وهذه رواية عراقية لا ذكر فيها لعمرو بن العاص ولا للمخادعة والاحتيال، وإنما كانت رغبة كلا الفريقين، ولن يضير معاوية أو عمرًا شيء أن تأتي أحدهم الشجاعة فيبادر بذلك، وينقذ ما تبقى من قوى الأمة المتصارعة، إنما يزعج ذلك السبئية الذين أشعلوا نيران هذه الفتنة، وتركوا لنا ركامًا من الروايات المضللة بشأنها، تحيل الحق باطلاً، وتجعل الفضل – كالمناداة لتحكيم القرآن لصون الدماء المسلمة– جريمة ومؤامرة وحيلة، ونسبوا لأمير المؤمنين علي أقوالاً مكذوبة تعارض ما في الصحيح، ففي رواية أبي مخنف أن علياً قال عباد الله امضوا على حقكم وصدقكم قتال عدوكم فإن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبى معيط وحبيب بن مسلمة وابن أبى سرح والضحاك بن قيس ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن أنا أعرف بهم منكم قد صحبتهم أطفالا وصحبتهم رجالا فكانوا شر أطفال وشر رجال ويحكم إنهم ما رفعوها ثم لا يرفعونها ولا يعلمون بما فيها وما رفعوها لكم إلا خديعة ودهنا ومكيدة فقالوا له ما يسعنا أن ندعى إلى كتاب الله عز وجل فنأبى أن نقبله فقال لهم فإني إنما قاتلتهم ليدينوا بحكم هذا الكتاب فإنهم قد عصوا الله عز وجل فيما أمرهم ونسوا عهده ونبذوا كتابه فقال له مسعر بن فدكي التميمي وزيد بن حصين الطائي ثم السنبسي في عصابة معهما من القراء الذين صاروا خوارج بعد ذلك يا على أجب إلى كتاب الله عز وجل إذ دعيت إليه وإلا ندفعك برمتك إلى القوم أو نفعل كما فعلنا بابن عفان إنه علينا أن نعمل بما في كتاب الله عز وجل فقبلناه والله لتفلنها أو لنفعلنها بك قال قال: فاحفظوا عنى نهيي إياكم واحفظوا مقالتكم لي أما أنا فان تطيعوني تقاتلوا وإن تعصوني فاصنعوا ما بدالكم. ( )
ومن الشتائم قولهم عن رفع المصاحف: إنها مشورة ابن العاهرة ( )، ووسّعوا دائرة الدعاية المضادة على عمرو بن العاص – رضي الله عنه – حتى لم تعد تجد كتابًا من كتب التاريخ إلاّ فيه انتقاص لعمرو بن العاص، وأنه مخادع وماكر بسبب الروايات الموضوعة التي لفّقها أعداء الصحابة الكرام، ونقلها الطبري، وابن الأثير وغيرهما، فوقع فيها كثير من المؤرخين المعاصرين مثل حسن إبراهيم حسن في تاريخ الإسلام، ومحمد الخضري بك في تاريخ الدولة الأموية، وعبد الوهاب النجار في تاريخ الخلفاء الراشدين وغيرهم كثير، مما ساهم في تشويه الحقائق التاريخية الناصعة. ( )
إن رواية أبي مخنف تفترض أن عليًا رفض تحكيم القرآن لما اقترحه أهل الشام، ثم استجاب بعد ذلك له تحت ضغط القرّاء الذين عُرفوا بالخوارج فيما بعد, وهذه الرواية تحمل سبًا من علي لمعاوية وصحبه يتنزه عنه أهل ذاك الجيل المبارك، فكيف بساداتهم وعلى رأسهم أمير المؤمنين علي؟! ويكفى للرواية سقوطًا أن فيها أبا مخنف الرافضي المحترق؛ فهي رواية لا تصمد للبحث النزيه، ولا تقف أمام روايات أخرى لا يتهم أصحابها بهوى مثل ما يرويه الإمام أحمد بن حنبل عن طريق حبيب بن أبي ثابت قال: أتيت أبا وائل أحد رجال علي بن أبي طالب فقال: كنا بصفين، فلما استحر القتل بأهل الشام قال عمرو لمعاوية: أرسل إلى عليٍّ المصحف؛ فادعه إلى كتاب الله، فإنه لا يأبى عليك، فجاء به رجل فقال: بيننا وبينكم كتاب الله سبحانه وتعالى "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ" ( ). فقال علي: نعم، أنا أولى بذلك، فقام القُرّاء – الذين صاروا بعد ذلك خوارج – بأسيافهم على عواتقهم فقالوا: يا أمير المؤمنين، ألا نمشي إلى هؤلاء حتى يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقام سهل بن حنيف الأنصاري -رضي الله عنه- فقال: أيها الناس اتهموا أنفسكم، لقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم الحديبية، ولو نرى قتالاً لقاتلنا، وذلك في الصلح الذي بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبين المشركين، ثم حدثهم عن معارضة عمر-رضي الله عنه- للصلح يوم الحديبية ونزول سورة الفتح على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال علي: أيها الناس، إن هذا فتح، فقبل القضية ورجع، ورجع الناس. ( )
وأظهر سهل بن حنيف -رضي الله عنه- اشمئزازه ممن يدعون إلى استمرار الحرب بين الإخوة وقال: أيها الناس، اتهموا رأيكم على دينكم, وبيّن لهم أنه لا خيار عن الحوار والصلح، لأن ما سواه فتنة لا تعرف عواقبها، فقد قال: ما وضعنا بسيوفنا على عواتقنا إلى أمر إلاّ أسهلن بنا إلى أمر نعرفه قبل هذا الأمر، ما نسدّ منها خصمًا إلاّ تفجّر علينا خصم ما ندري كيف نأتي له ( ) .وفي هذه الروايات الصحيحة رد على دعاة الفتنة، ومبغضي الصحابة الذين يضعون الأخبار المكذوبة، ويضعون الأشعار وينسبونها إلى أعلام الصحابة والتابعين الذين شاركوا في صفين؛ ليظهروهم بمظهر المتحمس لتلك الحرب ليزرعوا البغضاء في النفوس ويعملوا ما في وسعهم على استمرار الفتنة.
إن الدعوة إلى تحكيم كتاب الله دون التأكيد على تسليم قتلة عثمان إلى معاوية، وقبول التحكيم دون التأكيد على دخول معاوية في طاعة علي والبيعة له، تطوُّر فرضته أحداث حرب صفين؛ إذ إن الحرب التي أودت بحياة الكثير من المسلمين، أبرزت اتجاهاً جماعيًا رأى أن وقف القتال وحقن الدماء ضرورة تقتضيها حماية شوكة الأمة وصيانة قوتها أمام عدوها، وهو دليل على حيوية الأمة ووعيها وأثرها في اتخاذ القرارات.
إن أمير المؤمنين عليًا -رضي الله عنه- قَبِل وقف القتال في صفين، ورضي التحكيم وعدَّ ذلك فتحًا ورجع إلى الكوفة، وعلّق على التحكيم آمالاً في إزالة الخلاف، وجمع الكلمة، ووحدة الصف، وتقوية الدولة، وإعادة حركة الفتوح من جديد. إن وصول الطرفين إلى فكرة التحكيم والاستجابة له ساهمت فيها عدة عوامل منها:
أنه كان آخر محاولة من المحاولات التي بُذلت لإيقاف الصدام وحقن الدماء سواء تلك المحاولات الجماعية أو المحاولات الفردية التي بدأت بعد موقعة الجمل ولم تفلح، أما الرسائل التي تبودلت بين الطرفين لتفيد وجهات نظر كل منهما، فلم تُجْدِ هي الأخرى شيئًا، وكان آخر تلك المحاولات ما قام به معاوية في أيام اشتداد القتال حيث كتب إلى علي -رضي الله عنه- يطالبه بوقف القتال فقال: فإني أحسبك أن لو علمت وعلمنا أن الحرب تبلغ بك ما بلغت لم نجنها على أنفسنا، فإنا إن كنا قد غُلبنا على عقولنا فقد بقي منا ما ينبغي أن نندم على ما مضى ونصلح ما بقي .
وكذلك تساقط القتلى وإراقة الدماء الغزيرة ومخافة الفناء، فصارت الدعوة إلى إيقاف الحرب مطلبًا يرنو إليه الجميع، والملل الذي أصاب الناس من طول القتال، حتى وكأنهم على موعد لهذا الصوت الذي نادى بالهدنة والصلح، وكانت أغلبية جيش علي في اتجاه الموادعة، وكانوا يردّدون: قد أكلتنا الحرب، ولا نرى البقاء إلاّ عن الموادعة . وهذا ينقض ذلك الرأي المتهافت الذي رُوِّج بأن رفع المصاحف كان خدعة من عمرو بن العاص، والحق أن فكرة رفع المصاحف لم تكن جديدة وليست من ابتكار عمرو بن العاص، بل رُفع المصحف في الجمل ورشق حامله كعب بن سور قاضي البصرة بسهم وقُتل.
والاستجابة لصوت الوحي الداعي للإصلاح، قال تعالى: (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) ( ) ويؤيد هذا ما قاله علي بن أبي طالب حينما عُرض عليه الاحتكام إلى كتاب الله، قال: نعم أنا أولى بذلك، بيننا وبينكم كتاب الله. ( )


المبحث الرابع


آراء المؤرخين في أحداث معركة صفين
ونقد بعض الروايات

لقد تخللت معركة صفين أحداث، ورويت عنها روايات تناولها العلماء والمؤرخون بالنقد والتمحيص، ومن هذه الآراء:

آراء العلماء والمؤرخين في مقتل الصحابي عمار بن ياسر:
قال ابن حجر تعليقاً على مقتل عمار بن ياسر:
"وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة وفضيلة ظاهرة لعلي وعمار، ورد على النواصب الزاعمين أن عليًا لم يكن مصيبًا في حروبه. وقال أيضًا: دل الحديث: تقتل عمارًا الفئة الباغية، على أن عليًا كان المصيب في تلك الحروب؛ لأن أصحاب معاوية قتلوه".( )
ويقول الإمام النووي:
"وكانت الصحابة يوم صفين يتبعونه حيث توجه لعلمهم بأنه مع الفئة العادلة لهذا الحديث".( )
ويقول ابن كثير:
"كان عليّ وأصحابه أدنى الطائفتين إلى الحق من أصحاب معاوية، وأصحاب معاوية كانوا باغين عليهم، كما ثبت في صحيح مسلم من حديث شعبة عن أبى سملة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: حدثني من هو خير مني – يعني أبا قتادة- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لعمار: «تقتلك الفئة الباغية» , وقال أيضًا: وهذا مقتل عمار بن ياسر – رضي الله عنهما – مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، قتلة أهل الشام، وبان وظهر بذلك سر ما أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- من أنه تقتله الفئة الباغية، وبان بذلك أن عليًا محق، وأن معاوية باغٍ، وما في ذلك من دلائل النبوة". ( )
ويقول الذهبي:
"هم طائفة من المؤمنين، بغت على الإمام علي، وذلك بنص قول المصطفى صلوات الله عليه لعمار: "تقتلك الفئة الباغية".( )
ويقول ابن تيمية:
"وهذا يدل على صحة إمامة علي ووجوب طاعته، وأن الداعي إلى طاعته داعٍ إلى الجنة، والداعي إلى مقاتلته داعٍ إلى النار- وإن كان متأوّلاً- وهو دليل على أنه لم يكن يجوز قتال علي، وعلى هذا فمقاتله مخطئ – وإن كان متأوّلاً – أو باغٍ – بلا تأويل – وهو أصح القولين لأصحابنا، وهو الحكم بتخطئة من قاتل عليًا، وهو مذهب الأئمة الفقهاء الذين فرعوا على ذلك قتال البغاة المتأوّلين, وقال أيضًا: مع أن عليًا أولى بالحق ممن فارقه، ومع أن عمارًا قتلته الفئة الباغية –كما جاءت به النصوص– فعلينا أن نؤمن بكل ما جاء من عند الله ونقر بالحق كله، ولا يكون لنا هوًى، ولا نتكلم بغير علم، بل نسلك سبل العلم والعدل، وذلك هو اتباع الكتاب والسنة، فأما مَن تمسّك ببعض الحق دون بعض، فهذا منشأ الفرقة والاختلاف". ( )

نقد تهويل عدد القتلى:

تضاربت أقوال العلماء في عدد القتلى: فتذكر الروايات أنه قتل بصفين سبعون ألفاً: من أهل الشام خمسة وأربعون آلفا، ومن أهل العراق خمسة وعشرون ألفاً، وكان المقام بصفين مائة يوم وعشرة أيام.( ) وشهدت صفين تسعين وقعة بين الجيشين.( )
وأعتقد أن هذه الأرقام غير دقيقة، بل أرقام خيالية، فالقتال الحقيقي والصدام الجماعي استمر ثلاثة أيام مع وقف القتال بالليل إلاّ مساء الجمعة فيكون مجموع القتال حوالي ثلاثين ساعة، ومهما كان القتال عنيفًا، فلن يفوق شدة القادسية التي كان عدد الشهداء فيها ثمانية آلاف وخمسمائة، وبالتالي يصعب عقلاً أن نقبل تلك الروايات التي ذكرت الأرقام الكبيرة.

نقد الروايات الشيعية التي مجدت الإمام علي، وانتقصت من قدر معاوية:

تقدم الروايات صورة واحدة لعلي، يبدو التأثير الشيعي واضحاً فيها، فهو المحارب المقدام، والبطل الذي لا ينازع، ذو القوة الجسدية الخارقة، ورجل المآثر والمواقف الصعبة، وهو الصحابي الزاهد، والرحيم والعالم، وهو الأديب والشاعر الذي يمتلك اللغة الرصينة، والأسلوب الرائع. وقدم البلاذري واليعقوبي تفاصيل دقيقة لهذه الصورة، فعلي لديهما هو بطل العقيدة والعدل والحرب، وهو صاحب الحق والعلم والتقوى، والصدق دائماً، وعزز صاحب الإمامة والسياسة هذه الصورة، ويبدو دفاعه أقل حرارة من البلاذري واليعقوبي، وهو لا يتورع عن انتقاد علي أو معسكره.
وأما الطبري، المؤرخ والفقيه، فقدم صورة أقرب إلى التواضع على صفات علي وبطولته وقدرته، إذ حرص على التعامل معه كأحد الصحابة الأوائل، الذين وقع على كاهلهم انتشار الإسلام وانتصاره.
أما معاوية فشخصيته لا تحافظ على دماء المسلمين وترفض الاستجابة لدعوات علي المتكررة للمصالحة، وتحث قواتها على القتل والتنكيل، وهو رجل لا يمتلك من المزايا الحربية ما يؤهله ليكون قائداً، فهو يخاف مبارزة علي وقتاله، وهو سرعان ما يفكر بالهرب من ساحة المعركة عندما يشتد ضغط الجبهة العراقية على قواته، ولا يشارك معسكره القتال، بل "يجلس وعلى رأسه رجل قائم معه ترس ذهب يستره من الشمس"، وهو إنسان مخادع عديم الرحمة، يمنع الماء عن جند العراق العطاش، ويعرض الرشوة باستمرار على قيادات علي وجنده، بهدف إغوائهم للانضمام له، كما أنه يرفض دفن جثث القتلى العراقيين، ويدعو إلى قتل الأسرى، وتتسم قيادات جيشه بالجبن والخداع، وفي مقدمته عمرو بن العاص، أما قبائل الشام؛ فهي مترددة في قتالها، لأنها لا تقاتل عن الإيمان أو الهدف، إنما تقاتل حمية، ولذلك فإنها إن حققت مكاسب قتالية، فذلك ناجم عن أخطاء طارئة من الجانب العراقي. ( )
وعلى هذا فيجب التمعن جيداً في أخذ الروايات الشيعية التي رواها أبو مخنف، ونصر بن مزاحم، والتي وردت في الكثير من الكتب التاريخية، لأنها تعبر عن انحياز واضح لصالح علي ضد معاوية رضي الله عنهما.

نقد رواية باطلة تناولت عمرو بن العاص بصفين:
قال نصر بن مزاحم الكوفي: وحمل أهل العراق وتلقَّاهم أهل الشام فاجتلدوا وحمل عمرو بن العاص.. فاعترضه علي وهو يقول:
قد علمت ذاتُ القرونِ الميل والخصر والأنامل الطفول
إلى أن يقول: ثم طعنه فصرعه واتقاه عمرو برجله، فبدت عورته، فصرف علي وجهه عنه وارتُثَّ. فقال القوم: أفلت الرجل يا أمير المؤمنين. قال: وهل تدرون من هو؟ قالوا: لا. قال: فإنه عمرو بن العاص تلقّاني بعورته فصرفت وجهي. ( )
وذكر القصة ابن الكلبي كما ذكر ذلك السهيلى في الروض الأنف. وقول عليّ: إنه اتقاني بعورته فأذكرني الرحِمَ إلى أن قال:... ويُروى مثل ذلك عن عمرو بن العاص مع علي -رضي الله عنه- يوم صفين، وفي ذلك يقول الحارث بن النضر السهمي كما رواه ابن الكلبي وغيره:
أفي كلِّ يومٍ فارسٌ غيرُ منتهٍ وعورتُه وسط العجاجةِ باديـةْ
يكف لهـا عنـه علـيٌّ سنـانَهُ ويضحكُ منه في الخلاءِ معاويةْ ( )

والرد على هذا الافتراء والإفك المبين كالآتي:

أن راوي الرواية الأولى نصر بن مزاحم الكوفي صاحب وقعة صفين شيعي جلد لا يستغرب عنه كذبه وافتراؤه على الصحابة، قال عنه الذهبي في الميزان: نصر بن مزاحم الكوفي رافضي جلد، تركوه ، قال عنه العقيلى: شيعي في حديثه اضطراب وخطأ كثير، وقال أبو خيثمة: كان كذابًا ( ) وقال عنه ابن حجر: قال العجلي: كان رافضيًا غاليًا..ليس بثقة ولا مأمون. ( )
وأما الكلبي؛ هشام بن محمد بن السائب الكلبي؛ فاتفقوا على غلوه في التشيع، قال الإمام أحمد: من يحدث عنه؟ ما ظننت أن أحدًا يحدث عنه. وقال الدار قطني: متروك ( ), وعن طريق هذين الرافضيْن سارت هذه القصة في الآفاق وتلقفها من جاء بعدهم من مؤرخي الشيعة، وبعض أهل السنة ممن راجت عليهم أكاذيب الرافضة, وتُعدّ هذه القصة أنموذجًا لأكاذيب الشيعة الروافض وافتراءاتهم على صحابة رسول الله؛ فقد اختلق أعداء الصحابة من مؤرخي الرافضة مثالب لأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وصاغوها على هيئة حكايات وأشعار لكي يسهل انتشارها بين المسلمين، هادفين إلى الغضّ من جناب الصحابة الأبرار– رضي الله عنهم– في غفلة من أهل السنة الذين وصلوا متأخرين إلى ساحة التحقيق في روايات التاريخ الإسلامي، بعد أن طارت تلكم الأشعار والحكايات بين القصّاص، وأصبح كثير منها من المسلمات، حتى عند مؤرخي أهل السنة للأسف.( )

مرور أمير المؤمنين عليّ بالمقابر بعد رجوعه من صفين:
لما انصرف عليّ أمير المؤمنين -رضي الله عنه- من صفين مرّ بمقابر، فقال: «السلام عليكم أهل الديار الموحشة، والمحال المقفرة من المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، أنتم لنا سلف فارط، ونحن لكن تبعٌ، وبكم عمّا قليل لاحقون، اللهم اغفر لنا ولهم، وتجاوز بعفوك عنا وعنهم، الحمد الله الذي جعل الأرض كفاتًا، أحياءً وأمواتًا، الحمد لله الذي خلقكم وعليها يحشركم، ومنها يبعثكم، وطوبي لمن ذكر المعاد وأعدّ للحساب، وقنع بالكفاء.( )


الخاتمة

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم:
من خلال هذا البحث نستدل إلى أن معركة صفين كانت مفصلاً في تاريخ الأمة الإسلامية، حدث خلالها وبعدها خلاف سياسي أثر على التاريخ الإسلامي، وما زال تأثيرها ماثلاً للعيان حتى يومنا هذا، فانبثقت الاتجاهات والجماعات المختلفة مثل الشيعة والخوارج بعد هذه المعركة.
والدارس لهذه المعركة لابد أن يلتزم بشروط بمحددات معينة قبل أن يستنتج النتائج ومن هذه المحددات، أنه يدرس حياة رجال ليسوا كباقي الرجال، فمنهم رجال الصحابة الذين عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم، وتتلمذوا على يديه، علاوة على أن طرفي الصراع كانوا من المسلمين، حيث يقول الله عز وجل في حقهم: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين . إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم".
فلهذا نستنتج أن الفريقين اجتهدا لمصلحة الأمة والدين، ولم تكن أهدافهما دنيوية، فالإمام علي كان الخليفة الشرعي الذي تجب طاعته، ومعاوية أراد الثأر من قتلة عثمان، ولكن الإمام علي كان أحق من معاوية، وقد دلّ استشهاد الصحابي عمار بن ياسر وأكد أن معسكر علي كان أصوب من معسكر معاوية، وأن معسكر معاوية كان هو الباغي، والحديث هو "ويح عمار تقتله الفئة الباغية".
كما نستنتج أن كثير من الروايات كانت خاطئة وردت من مصادر شيعية متطرفة مثل أبي مخنف ونصر بن مزاحم، وهدفها تمجيد الإمام علي ومعسكره على حساب معاوية ومعسكره، فجاء في بعض الروايات أن عمرو كشف عن سوأته ليمنع الإمام علي من قتله، لأن الإمام علي كان معروفاً بالحياء، وهذه الرواية مغالية في الاتهام، فهي تنال من أحد كبار الصحابة ....


عدل سابقا من قبل nabil في السبت 17 نوفمبر - 3:34 عدل 1 مرات
nabil
nabil
 
 

الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 1568
نقاط : 12123
تاريخ التسجيل : 11/05/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

معركة صفين :الفتنة الكبرى... Empty رد: معركة صفين :الفتنة الكبرى...

مُساهمة من طرف ???? الثلاثاء 13 نوفمبر - 13:42

بارك الله بك اخي نبيل
Anonymous
????
زائر


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى