في عصر جاهليتنا اصبحت القبائل ترفع اعلاما / مقال رصين للباحث د. عبد الحي زلوم
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
في عصر جاهليتنا اصبحت القبائل ترفع اعلاما / مقال رصين للباحث د. عبد الحي زلوم
من قبيل ارجاع الفضل الى اصحابه ، فإن مقولة ” القبائل ترفع اعلاماً” كانت لمجلة الايكونومست البريطانية وليست لي، وكانت حينها تتكلم عن دول الخليج العربي والجزيرة العربية. لكني سأعمم لتشمل العبارة أكثر أن لم يكن كل الدول العربية لتصبح ” قبائل وعوائل و طوائف ترفع اعلاماً” . ما اشبه هذا الزمان بعصر الجاهلية الاولى . اصبحت القبائل ترفع اعلاماً ولها نشيد قبلي سموهُ نشيداً وطنياً وغالباً ما يمجد راس القبيلة . تم استبدال الشعراء بوزارات اعلام وملحقاتها . الكل يقاتل الكل ولا يعرف لماذا يقاتل . لا يحب أحدهم الخير لاخيه ولا تحب قبيلة الخير لقبيلة اخرى وكلهم في ضلالاتهم يعمهون .
اثناء كنت أعمل في قطاع النفط بالخليج كان لي اصدقاء من جنسيات مختلفة ومنها اليمن اثنان منهم يعملان في احد صناديق التنمية . احدهم الدكتور عبد الكريم الايراني رحمه الله ( خريج جامعة ييل الامريكية) والذي اصبح رئيساً لوزراء اليمن ثم مستشاراً لعلي عبد الله صالح ، والاخر المرحوم محمد حزام الشوحطي (خريج جامعة جوروج تاون وهارفارد) والذي أصبح وزيراً للتجارة .
في رحلتي الاولى لليمن في اواخر العقد السابع للقرن الماضي كان السيد الشوحطي وزيراً للتجارة والصناعة وخصص لي سيارة وسائقاً لارى اليمن . في طريقي الى تعز كانت بعض العربات العسكرية المصرية المحروقة ما زالت في الطريق ، أما لصعوبة أو كلفة نقلها ، او كانت من باب ‘ذكر إن نفعت الذكرى’ . فوجئت بجمال الطبيعة في تعز والتي ذكرتني بالجبال على جانبي بحيرة كومو بين ايطاليا وسويسرا . ذهبت لازور المعالم الهامة وكان احدها جامع الجَّنَدْ – حيث أخبروني أنه شُيد في صدر الاسلام بناه معاذ بن جبل الانصاري حيث بعثه النبي صلى الله عليه وسلم الى اليمن . وقفت في مكاني مشدوداً لم اتكلم خلالها فسألني مرافقي ما الامر؟ قلت له انني تساءلت بيني وبين نفسي حين شاهدت منظر العربات العسكرية المحروقة و المركونة على طريق تعز صنعاء : كيف استطاع الاسلام أن يصل الى هذه البقعة النائية الاف الاميال ليوحد شعباً أصبح يتجه في صلاته الى قبلة واحدة ، ولم تستطع جيوش عبد الناصر وطائراته ودباباته أن تأخذ حقاً ولا باطلاً معه واليوم وبعد قرابة السنة من قصف مئات الطائرات التي توجه صواريخها اقمارٌ صناعية بقيت الامور بدون أي حسم . واتساءل ما الذي فقدناه حتى اصبح العربي يقتل العربي والمسلم يقتل المسلم ، وأصبحنا اسوداً على البعض ونعامات على اعداء الامة .
بمناسبة عيد المولد النبوي استذكرت كتاب (الشخصيات المئة الاكثر تأيراً بالتاريخ ) لمايكل هارت الامريكي اليهودي خريج جامعتي كورييل وبرنستون الذي صنف النبي محمد صلى الله عليه وسلم رقم (1 ) للشخصيات الاكثر تأثيراً في التاريخ العالمي ، بينما صنف عيسى عليه السلام برقم (3) وموسى عليه السلام رقم (16) ، بعد لينين رقم (15) وماونسي تونغ رقم (20) وجورج واشنطن رقم (27) ونابليون رقم (34)… الخ .
نحن نؤمن بالاية الكريمة ” آخر سورة البقرة (الاية 285-)
“آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ” لكننا ننقل ما جاء في الكتاب المذكور اعلاه .
كتب مايكل هارت : اختياري الى النبي محمد ليتصدر قائمة الاكثر تأثيراً في التاريخ سيفاجئ البعض ويشك فيه آخرون لكنه كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي كان ناجحاً بتفوق على المستوى الديني والعلماني ، كما أنه انشأ واحدة من ديانات العالم العظمى واصبح قائداً سياسياً بارعاً … إن أكثر المؤثرين الذين هم في القائمة بهذا الكتاب جاءوا ونشأوا في مراكز المدنية من امم ذات حضارات عريقة وامم سياسية رائدة . لكنه ولد سنة 570 ميلادي في مكة بجنوب الجزيرة العربية والتي كانت منطقة متخلفة منعزلة … اصبح يتيماً في السادسة … وحسب ما يقول المسلمون كان اميّا … يضيف الكاتب أنه دعى سراً اصدقائه وأقاربه لمدة ثلاث سنوات . ثم جاهر بدعوته حتى اعتبره اهل مكة خطراً عليهم فهاجر الى المدينة سنة 622 ميلادي حيث زاد اتباعه واصبح رئيساً للدولة هناك. ثم رجع الى مكة منتصراً سنة 630 ميلادي . وفي السنتين والنصف المتبقية من حياته بعد ذلك شاهد اعتناق القبائل العربية للدين الجديد بكثافة بحيث أصبح الحاكم الحقيقي لكل جنوب الجزيرة العربية .
يقول الكاتب أن القبائل العربية كانت لها سمعة بأنها شديدة المراس الا ان عددها كان قليلاً وكانت تُمارس شدة بأسها بالاقتتال بين بعضها البعض . ولكن بعد أن قام النبي محمد صلى الله عليه وسلم بتوحيدهم للمرة الاولى في تاريخهم وبعد ان شحنهم بالتوحيد وبالاسلام استطاعت هذه الجيوش العربية قليلة العدد ان تحقق الانتصارات الساحقة على جيوش تفوقها عدداً وعدة بحيث حققت أكثر الانتصارات إثارة في التاريخ البشري . خلال قرن من الزمان استطاع المسلمون ان يُكَوُنوا أكبر امبراطورية في التاريخ من المحيط الاطلسي الى حدود الصين . يرى هارت أن هناك قادة في التاريخ قاموا بفتوحات كبيرة مثل جنكيز خان الا أن فتوحاتهم ماتت بموت قائدهم الفاتح ، فالمغول بعد جنكيز خان اصبحوا يحكمون الاراضي التي كانت تحت سيطرتهم قبل الفتح ولكن بالنسبة للفتوحات الاسلامية كان الناس يعتنقون الديانة الجديدة طوعاً وما زالوا الى يومنا هذا بعد اربعة عشر قرناً .
قال الكاتب : “قد يتساءل المرء لماذا كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم متقدما في القائمة عن المسيح في حين أن عدد اتباع المسيح يزيدون عن عدد المسلمين” ، فَيجيبُ على تساؤله :” اولاً :- قام محمد (ص) بتطوير الاسلام اكثر بكثير مما قام المسيح بتطوير المسيحية ( والقول هنا للكاتب ) وبينما كان المسيح مسؤولاً عن القواعد الاخلاقية الرئيسية للمسيحية في نقاط اختلافها مع اليهودية الا ان القديس بطرس كان المطور الرئيسي والمؤلف لجزء كبير من الانجيل ” يضيف الكاتب:” بالاضافة كان محمدٌ ( بعكس المسيح ) رئيس دولة بِقَدِر ما كان قائداً دنيوياً . وحيث ان دينه كان الحافز على الفتوحات من بعده لذلك استحق المرتبة الاولى في قائمة الاكثر تأثيراً في التاريخ .”
من البديهي ان يتساءل اي عاقل عن ذلك السر الذي حول هذه القبائل المتناحرة لتصبح امة متماسكة استطاعت على الجمل والحصان ان تقهر اقوى وأكبر حيوش العالم وتُكَون أحدى اكبر دول التاريخ ؟ الاشخاص انفسهم ، فما الذي تغيّر ؟ ما هي ومن اين اتت هذه ” الطاقة” الهائلة الجديدة التي عملت ذلك الانقلاب البشري غير المسبوق؟ ما الذي حول الفردية لا نظام لهذه القبائل الى امة عريقة تلتزم بقواعد التنظيم الاداري للدول الحديثة . فهذا عندما ارسل عمر بن الخطاب رسالته الى خالد بن الوليد بعزله من منصبه كقائدٍ للجيش الاسلامي مع انه هو الذي قاد حروب الردة وانتصر بها ، والذي هزم الفرس في بلاد ما بين النهرين ، والذي كان يقود معركة اليرموك حيث العدو يتفوق عليه عددا وعدة . عندما قرأ الرسالة والتي تبلغه فيها أن الخليفة عمر قرر استبداله بابي عبيدة بن الجراح قائداً لجحافل المسلمين كان في منتصف المعركة . انتظر حتى نهاية المعركة كي لا يحدث بلبلة بين صوف جيشه وبعد انتصاره سلم القيادة الى ابي عبيدة . هو يبعد الاف الكيلو مترات عن عمر بن الخطاب ويقود جيشاً منتصراً . فكيف ولماذا اذعن لامر قائده الاعلى ؟ فمن اين جاء كل ذلك الانضباط ؟ لو حصل ذلك اليوم لاحد الضباط الذين لم يربحوا حرباً في تاريخهم لاصدروا البيان رقم واحد وانقبلوا على النظام !
درس الاستعماريون كيف يمكنهم أن ” يحيدوا ” هذه الطاقة ليرجع العرب اعراباً وليستطيعوا بعد ذلك من نهب ثرواتهم وادخالهم في جاهلية جديدة يقتتلون فيها حتى يوم الدين .
وهكذا رجعنا الى الجاهلية الاولى وصرنا قبائل وطوائف وعوائل تحمل اعلاماً تقتل بعضها بعضاً . والقاتل والمقتول في النار . نار الدنيا ونارالاخرة .
مستشار ومؤلف وباحث
د.محمد جبريل-
- الجنس :
عدد المساهمات : 872
نقاط : 8621
تاريخ التسجيل : 25/12/2014
. :
. :
خالد الانصاري يعجبه هذا الموضوع
رد: في عصر جاهليتنا اصبحت القبائل ترفع اعلاما / مقال رصين للباحث د. عبد الحي زلوم
حقيقة مؤلمة بالفعل
ـــــــ-ــــــ-ـــــ-ـــــ-ــــــ-ـــــــ-ـــــ-ــــ-ــــــ-ــــــ-ـــــــ-ـــــــ-ـــــــ-
التوقيع
صامد ياباتي معمر-
- الجنس :
عدد المساهمات : 318
نقاط : 6606
تاريخ التسجيل : 06/12/2015
. :
مواضيع مماثلة
» مقال رصين لكاتب قومي ينصح السعوديين باخلاص
» د. مصطفي علي الزاوي : مصراته هي مصراته
» مقال تحليلى رصين عن ما يجرى فى ليبيا
» عام على اعتاب نفق /مقال رصين يستحق القرأه
» إعلام الكراهية / مقال رصين للاخ محمد اقميع
» د. مصطفي علي الزاوي : مصراته هي مصراته
» مقال تحليلى رصين عن ما يجرى فى ليبيا
» عام على اعتاب نفق /مقال رصين يستحق القرأه
» إعلام الكراهية / مقال رصين للاخ محمد اقميع
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت 4 مايو - 0:33 من طرف علي عبد الله البسامي
» أحلاس الصّهينة
الأحد 7 يناير - 7:55 من طرف علي عبد الله البسامي
» النفير المقدس
الخميس 4 يناير - 1:50 من طرف علي عبد الله البسامي
» الى شيوخ ومثقفي الخليج
الأحد 31 ديسمبر - 17:26 من طرف علي عبد الله البسامي
» .سجل حضورك ... بصورة تعز عليك ... للبطل الشهيد القائد معمر القذافي
الإثنين 25 ديسمبر - 17:43 من طرف chlih
» أملٌ زمنَ القهر
الأحد 24 ديسمبر - 18:07 من طرف علي عبد الله البسامي
» أملٌ زمنَ القهر
الأحد 24 ديسمبر - 18:06 من طرف علي عبد الله البسامي
» عملاق الردى
الأحد 24 ديسمبر - 17:15 من طرف علي عبد الله البسامي
» إجرام الغرب
السبت 16 ديسمبر - 16:40 من طرف علي عبد الله البسامي
» فضبدة الخذلان
الجمعة 8 ديسمبر - 9:06 من طرف علي عبد الله البسامي
» شرف المقاومة
الأحد 3 ديسمبر - 23:43 من طرف علي عبد الله البسامي
» زمرة العز في زمن الهوان
السبت 2 ديسمبر - 13:22 من طرف علي عبد الله البسامي
» دليل التّردِّي
الثلاثاء 28 نوفمبر - 0:26 من طرف علي عبد الله البسامي
» الخذلان المذل
الأحد 26 نوفمبر - 11:55 من طرف علي عبد الله البسامي
» أحرارُ الخَلَف
الخميس 23 نوفمبر - 17:06 من طرف علي عبد الله البسامي
» وثبة الابطال في اليمن
الأربعاء 22 نوفمبر - 17:11 من طرف علي عبد الله البسامي
» هان العرب
الأربعاء 22 نوفمبر - 6:32 من طرف علي عبد الله البسامي
» الى ابي عبيدة
الإثنين 20 نوفمبر - 23:03 من طرف علي عبد الله البسامي
» الى ابي عبيدة
الإثنين 20 نوفمبر - 23:02 من طرف علي عبد الله البسامي
» شعب الاباء في غزة
السبت 18 نوفمبر - 0:42 من طرف علي عبد الله البسامي