عبقرية المفكر معمر القذافي للدكتور خالد سعيد
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
عبقرية المفكر معمر القذافي للدكتور خالد سعيد
هذا مقال للدكتور خالد سعيد بتاريخ 2009/09/12 تحت عنوان: "عبقرية المفكر معمر القذافي" يعرض فيه السيرة الذاتية للمفكر المناضل الشهيد معمر القذافي. من خلال هذه القراءة و مطالعتي للكتاب الأخضر تبين لي كيف أن معمر القذافي ــ فكرا و ممارسة ــ كان يشكل تهديدا حقيقيا لمصالح الإمبريالية الغربية و يفتح أفق الإنعتاق من العبودية و هيمنة الإستعمار و وهم الديمقراطية البرمانية المزيفة.
عبقرية المفكر معمر القذافي
د. خالد سعيد
تميز القائد معمر القذافي بعبقرية منذ صباه بثقافته الشاملة وسعة مداركه، وقدرته على القراءة العميقة والصائبة لمختلف الأحداث والقضايا والتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية الإستراتيجية، مما جعله يمتلك درساً قوياً، وقدرة كبيرة على التنبؤ بمستقبل العلاقات الدولية، وفتح أمامه مجالاً رحباً للتعبير عن رؤاه وأفكاره بطريقة متحضرة ومعاصرة ونادرة ساهمت بصورة مباشرة في تكوين شخصية القائد معمر القذافي (السياسية الثقافية) الفريدة في العالم.
فشخصية القائد معمر القذافي، تقدم لنا نموذجاً فريداً للإنسان والقائد المثقف، وقد لعبت الثقافة دوراً كبيراً وهاماً في تكوين شخصية القائد أثناء التخطيط والإعداد للثورة، وهذا اتضح من خلال دوره الكبير في رسم معالم الثورة، خاصة خلال الـ 4000 يوم من العمل السري إعداداً لهذا الحدث العظيم في تاريخ الشعب الليبي.
فنموذج القائد معمر القذافي المثقف، جسد للعالم أهمية الثقافة في تكوين شخصية القائد والزعيم ولعبت الثقافة دوراً هاماً في تشكيل وعي ورؤى وتوجيهات القائد معمر القذافي منذ صباه أنه شاب مختلف عن أقرانه في التفكير والتدقيق في الأمور، وحسن التصرف والتدبير، وكانت قراءته للقضايا والأحداث المختلفة تنم عن وعي وإدراك شديدين، وبحر بلا حدود من الثقافة، ومن هذا تميز معمر القذافي الشاب عن رفاقه وزملائه بثقافته وحسن قراءاته والتي امتزجت بكفاحه وممارساته السياسية، فعلى امتداد مراحل دراساته حتى الثانوية العامة بمدينة مصراتة، أثرت هذه المراحل في وجدان معمر القذافي بالتراث الفكري والنضالي لشعبه وأمته، فقد كان معمر القذافي كثير الاهتمام بالأوضاع السياسية والاجتماعية التي كانت عليها ليبيا، وكذا الأوضاع التي عليها الأمة العربية.
الدور السياسي.
وقد اتضح الدور السياسي لمعمر القذافي منذ كان طالباً يافعاً حيث قاد الطالب معمر القذافي في الخامس من شهر التمور (أكتوبر) من العام 1961مسيحي المسيرة الوحدوية ضد جريمة الانفصال للوحدة بين مصر وسوريا في الثامن والعشرين من شهر الفاتح (سبتمبر) من العام 1961مسيحي وأسس الطالب معمر القذافي عندما كان يدرس في مدرسة مصراتة الثانوية عام 1962مسيحي صحيفة أطلق عليها اسم (الشمس) واختيار هذه التسمية له أكثر من مدلول عند معمر القذافي في ذلك الوقت، الذي كانت فيه ليبيا تحت حكم النظام الملكي، وما كانت تشهده آنذاك من تراجع عن الصف العربي، ودعم للقوى الاستعمارية، حيث فتحت أراضيها لتكون قاعدة عسكرية لأمريكا وبريطانيا وإيطاليا، ومنها انطلقت الطائرات الأمريكية والبريطانية لتشارك في العدوان الثلاثي على مصر عبد الناصر عام 1956مسيحي، الأمر الذي آلم معمر القذافي كثيراً، كما لعب معمر القذافي دوراً بارزاً في إعداد وقيادة الانتفاضة الطلابية ضد النظام الملكي في ليبيا قبل الثورة13-14 أي النار (يناير) عام 1964مسيحي، وهكذا كانت الأحداث السياسية هي المحرك لمعمر القذافي في الدفع بعجلة الثورة إلى الأمام، كما أثرت هذه الأحداث في توجيهه نحو الشكل الملائم لكل مرحلة من مراحل الإعداد للثورة أثناء فترة العمل السري لها، وتشكيل خلاياها فكانت لكل مرحلة متطلباتها ومعطياتها.. ورغم دقة كل مرحلة وما تحتاج من جهد ووقت فقد كان معمر القذافي كثير الاطلاع والقراءة من الكتب السياسية والتاريخية والاجتماعية والعسكرية وكذلك الروايات والقصص القصيرة والطويلة إلى الحواريات المسرحية، وما يؤكد انفتاح معمر القذافي وعمق ثقافته منذ الصغر واستيعابه لكل الأمور التي كانت تحدث من حوله، هو عمق فهمه اللامتناهي للأحداث السياسية وكان بعد لم يتجاوز العقد الثاني من عمره، وهو ما يؤكد تأثير السياسة في ثقافته وحواراته مع رفاقه وزملائه.
ومع تفتح وعيه تدخلت قراءات وخطب الزعيم الراحل جمال عبد الناصر لتلعب دوراً مهماً في تكوين شخصيته القيادية، غير أن ثقافة معمر القذافي تكونت من مركب تمتزج فيه الثقافة السياسية بهموم المواطن الليبي البسيط الحالم بالثورة والتغيير في الداخل.
وهكذا تنبه معمر القذافي بوعيه المبكر إلى أهمية الثقافة والأدب والفكر في التغيير الثوري والسياسي والاجتماعي في ليبيا، وتدل هذه البدايات الواعدة لمعمر القذافي المثقف على جديته منذ التفكير الأول للإعداد لقيام الثورة في ليبيا، كما تدل على تميزه بالحرص على القراءة، وبالنهم إلى المعرفة.
فمعمر القذافي لم يكن مراهقاً تشغله نزوات الشباب المعتادة، بل كان في صباه شاباً جاداً في حمل هموم وطنه وأمته، وفي تنمية ثقافته، كما كان حريصاً على صلاته، فكانت استقامته الأخلاقية وحرصه على الإطلاع والتثقيف هما مفتاح شخصيته الفريدة والمتميزة، وفي السنوات الثلاث الأخيرة قبل قيام الثورة كان للأحداث السياسية والعسكرية التي مرت بها المنطقة العربية خاصة بعد نكسة العرب في حرب 1967مسيحي الأثر الكبير في شخص معمر القذافي وبضرورة التعجيل والدفع بالثورة في ليبيا إلى النور إزاء ضغوط الوضع السياسي العربي بعد هزيمة 1967مسيحي ونظراً للدور السلبي الذي كانت عليه في تلك الفترة في ظل النظام الملكي.
ومن هناك يمكن لنا القول: إن الثقافة السياسية لعبت دوراً في تكوين شخصية معمر القذافي القيادية وفي سبيل الثورة وانقاد ليبيا وتحقيق حلم رجل الشارع في ليبيا نأى معمر القذافي بطموحاته الفردية عن الهموم العامة، وضرب مثلاً فريداً في تكوين شخصية القائد الشعبي المثقف، فالوعي السياسي، والقراءة التاريخية ميّزت شخصيته القيادية والمعاصرة وثقافته الواسعة، ومن ثم توظيف هذه الثقافة من أجل رصد الواقع التاريخي والاجتماعي لليبيا قبل الثورة، ولإثارة الوعي والدعوة إلى التغيير في الوطن العربي والعالم..
بعد الثورة
وبعد قيام ثورة الفاتح في ليبيا في الأول من شهر الفاتح (سبتمبر) 1969مسيحي بقيادة العقيد معمر القذافي، كان واضحاً الدور المؤثر لشخصية القائد الثقافية من البيان الأول للثورة، ففي هذا البيان ارتفع القائد معمر القذافي في كفاحه السياسي المعبر عن هموم وتطلعات المواطن الليبي وعن روح الأمة العربية.
وبثورة الفاتح خرجت ليبيا من السذاجة السياسية ومن تسلية الحكم الملكي، ومن الزخرفة والتقعر إلى الثورة، إلى الشمس والحرية والانتشار والتأثير في الساحتين العربية والدولية.
وقد أثمرت ثقافة معمر القذافي القائد الشاملة للفكر والآداب المتفتحة المتمثلة في فكر مفتوح على كل التجارب، وحق المواطن في ثقافة حرة، وقومية الثقافة وتأكيد دور الثقافة الاجتماعية في النهوض وبناء الإنسان المؤمن بحقه في الحياة والحرية والعدل والمساواة مع مجانية التعليم ونجح القائد معمر القذافي في تحقيق حلمه قبل الثورة وبعدها في الخروج للثقافة من دائرة الأثرياء المترفة المحدودة إلى ثقافة كل الجماهير، في المدن والقرى والأرياف لتشكل وجدان الإنسان الجديد في عصر الثقافة الجماهيرية، وإتاحة الفرصة للمواطن الليبي البسيط في أن يتعلم وأن يتثقف، وأن يبدع، وكان خطاب زوارة التاريخي للقائد في الخامس عشر من شهر الطير ابريل عام 1973مسيحي المرشد والمؤكد على توجهات القائد الثورية نحو الثقافة الشعبية الجماهيرية.
وقد عبر القائد معمر القذافي في البدايات الأولى للثورة عن مفاهيمه وأدائه وانتماءاته السياسية والفكرية والثقافية، والتي تتمثل في إيمانه المطلق بالعدالة وبالديمقراطية والاشتراكية وقد جسد القائد معمر القذافي هذه الأفكار والرؤى في (النظرية العالمية الثالثة) التي قدمها في العام 1976مسيحي للعالم.. في (الكتاب الأخضر) بفصوله الثلاثة: الديمقراطي، والاقتصادي، والاجتماعي والذي يعكس عمق ثقافة القائد، وقراءاته التاريخية ومراحلها ولتطلعاته نحو مجتمع فاضل.
إن النظرية العالمية الثالثة هي خلاصة فكر وتجربة تاريخية عميقة وفريدة، ما كان لأحد أن يصل إليها غير معمر القذافي، وسعة ثقافته ومداركه، وفي الثاني من شهر الربيع (مارس) 1977مسيحي قدم قائد ثورة الفاتح في ليبيا فكرته وأطروحته السياسية الجديدة في العالم، وذلك بقيام سلطة الشعب في ليبيا ومولد أول جماهيرية في التاريخ حيث يمتلك الشعب سلطته ويمارسها في نظام حر وبديع عن طريق المؤتمرات الشعبية الأساسية واللجان الشعبية، وبذلك قدمت الجماهيرية الليبية الحل الجذري لمشكلة الديمقراطية في العالم، والصراع على السلطة، وهذا يدل على مدى عظمة الأفكار والثقافة التي يتمتع بها القائد معمر القذافي والتي تمكنه من تقديم الحلول المستعصية والعقيمة برؤية معاصرة ومتحضرة.
- الأدب والتراث
ورغم تعد مسؤوليته كقائد للثورة، وإعادة ترتيب البيت الليبي من الداخل، ومشاغله في محيطه الإفريقي والعربي والدولي، لم تتوقف قراءات القائد معمر القذافي بل استمرت واتسعت، وظهرت آثارها واضحة في مناقشاته مع القادة وزعماء العالم، ومع المفكرين أو من خلال خطاباته وتصريحاته وحتى مع زملائه ورفاقه الضباط الوحدويين الأحرار، فكان القائد يرفع مستوى جلساته معهم وتتحول إلى ندوات فكرية، كما كان القائد يوجه زملائه إلى توسيع دائرة القراءة والإطلاع وكان يقوم بتوزيع الكتب المهمة عليهم.
إن القائد معمر القذافي قائد متميز بثقافته، يحب الكتب ويقدر ضروراتها وفوائدها الفكرية والروحية والاجتماعية، كما أن القائد معمر القذافي محب للفنون الأصيلة ومحافظ على التراث (إن الشعوب لا تنسجم إلا مع فنونها وتراثها)، وهي مقولة تلازم القائد معمر القذافي في حياته اليومية من خلال لباسه المتمثل في الزى الليبي الأصيل والزى الإفريقي الأصيل، والخيمة التي تلازمه أينما حط به الترحال في الداخل والخارج على حد سواء، وحب القائد للفكر والثقافة لا يتوقف عند حدود ثقافته الشخصية، أو نشر الثقافة الجماهيرية داخل حدود الجماهيرية الليبية، بل إن اهتماماته بالثقافة والمثقفين تعدت إلى العالمية، وقد قدم القائد معمر القذافي في مطلع التسعينيات هديته إلى المثقفين والكتّاب والأدباء العرب المتمثلة في إنشاء المكتبة القومية ومقرها بالجماهيرية الليبية لتعطي دفعاً لحركة الثقافة العربية، فالمكتبة القومية هدية ثقافية ثمينة لكل المثقفين العرب من قائد محب للثقافة.
- تنبؤات وواقع
ولقد اعترف كل المفكرين والأدباء والسياسيين وغيرهم بأن القائد معمر القذافي يملك حساً وفكراً وثقافة نادرة ويملك إبداعاً وأدباً لا مثيل له ويحرص في كل ظهور له أن يوضح أفكاره وآراءه على نحو مدعم ومقنع دون أن ينسى كيف يستخدم حدسه السياسي الخلاق والصارم ومعرفته التاريخية والجغرافية النادرة، ورؤاه أو تنبؤاته بمستقبل العلاقات الدولية، فالقائد معمر القذافي هو مفكر العالم الأول، وكلما تحدث أنصت له الجميع دون استثناء نظراً لما يحمله في أحاديثه من مقترحات وقراءة لما وراء الأحداث.
القائد معمر القذافي هو أول من دق ناقوس حرب المياه في الشرق الأوسط والعالم، ومنذ أن شرع في بناء النهر الصناعي وهو يوضح في الاجتماعات والقمم العربية والدولية أن حرب الشرق الأوسط القادمة هي حرب مياه وأن إسرائيل يتقاسم العرب مياه دجلة والفرات والليطاني والنيل، وهي مضطرة إلى أن تفعل ذلك لأن بلاد العرب جافة، وحين كان القائد معمر القذافي يتكلم عن حرب المياه كان معظم زعماء العرب يقللون من شأنها، غير أن الأحداث القريبة المتعاقبة في الشرق الأوسط أثبتت قوة تلك التنبؤات.
وقد اعتبر الكل في تلك اللحظة أن ما يقوله القائد معمر القذافي ضرب من الخيال ومستحيل التحقيق، ولكن الأحداث التي تسارعت بعدما قاله القائد في قمة عدم الانحياز ببلغراد، كشفت أن رؤية القائد جد صادقة ومتطورة وفوق توقعات الجميع، وأنه يملك حدساً سياسياً نادراً فقد انتهت الحرب الباردة، وانهار جدار برلين وتوحدت ألمانيا من جديد وأن الإسرائيليين قبلوا الدخول في سلام مع العرب، وأن ما يشهده العالم من تحولات كبيرة وتغيرات عظيمة كان القائد معمر القذافي سباقاً إليها وتنبأ بحدوثها سواء في الكتاب الأخضر أو من خلال حواراته ومقترحاته وطرح أفكاره فالقائد معمر القذافي قارئ نادر في شؤون الساعة، فكل ما شهدته وتشهده الساحة العربية والساحة الدولية من تطورات سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية كان القائد تطرق إليها من قبل حدوثها.
فالكتاب الأخضر مثلاً أكد على ضرورة استقلال كل قومية على حدة وأن أي جمهورية أو دولة تتكون من قوميات مختلفة مصيرها إلى الانفكاك، واستقلت كل قومية على حدة، وهو ما يحدث في النصف الثاني من العقد الأخير من القرن الماضي، إلى بدايات القرن الحالي وحتى الآن فقد استقلت جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق كل جمهورية على حدة وانحل الاتحاد اليوغسلافي واستقلت كل قومية على حدة، وما تشهده المنطقة العربية من حروب وتفرق وانقسامات وضياع واحتلال جديد كان القائد قد حذر منه قبل وقوعه وهي اليوم واقع ملموس، فالخليج العربي محتل والعراق محتل، ولبنان تعرض لحرب تدمير شاملة وسوريا تحاصر والسودان يتعرض لمؤامرة أمريكية جديدة، وقد قدم القائد أكثر من مشروع وحدة للعرب كان آخرها مشروع الاتحاد العربي ولكنهم لم يدركوا الحقيقة إلا بعد فوات الأوان.
ولم يتوقف القائد معمر القذافي عن التواصل الثقافي بينه وبين الآخر من الأحداث السياسية التي تعصف بالعالم وحتى في أصعب الظروف التي واجهتها ليبيا خصوصاً في عقد التسعينيات من القرن الماضي المتمثل في أزمة لوكربي والحظر والحصار الذي فُرض عليها منذ عام 1992مسيحي.. كان القائد معمر القذافي يعطي القراءة والاطلاع وقتاً حتى أنه أصدر كتابين أدبيين (القرية القرية، الأرض الأرض، وانتحار رائد الفضاء) والأخر (تحيا دولة الحقراء) يعكسان اختياراته لأشكاله الأدبية إلى السياسية.
وقد أدت شخصية القائد المثقف معمر القذافي دوراً مهماً في قيادة الجماهيرية إلى بر الأمان وسط عاصفة التحولات الدولية بعد نهاية الحرب الباردة، وبعمق ثقافة القائد وسعة قراءاته للتاريخ قاد الجماهيرية الليبية بحكمة وبصيرة متميزة إلى الأمان وكسب الرهان، وأصبحت الجماهيرية مثابة العالم للأمن والسلام.
تلك هي أهم ملامح ومنطلقات ورؤى القائد معمر القذافي المثقف للثقافة، وهي لم تكن تجريدات نظرية أو شعارات سياسية، ولكنها ككل أعمال القائد تجمع بين الفكر والفعل، وتصدر عن رؤية عامة متكاملة تتغذى بالتجارب الواقعية والتاريخية، وبهذه الرؤية أحدث القائد معمر القذافي تحولاً كبيراً في القارة الإفريقية وقادها نحو الوحدة والنهوض والتقدم والتنمية من خلال الاتحاد الإفريقي الذي ولد بمدينة سرت الليبية في 1999مسيحي وهو اتحاد جوهري يساهم بفاعلية في بنية المجتمع الأفريقي السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
* الاتحاد الافريقي
اعلان الاتحاد الافريقي العظيم حلم وامال الشعوب الافريقية
انها لحظات القدر العظيم. انها لحظات ينتظر فيها احرار افريقيا منذ سنيين مريرة انها لحظات تحققت فيها حلم وامال الشعوب الافريقية. انها لحظات القدر العظيم. تفجرت فيها ثورة عالمية افريقية. جاء بإعلان الاتحاد الإفريقي العظيم في 9/9/99 بمدينة الرباط الأمامي سرت استجابة لرغبة احرارافريقياء وتتويجا لنضالها وكفاحها العظيم وضرورة فرضتها معطيات الحاضر واستحقاقات المستقبل.
وإذا كان إعلان الاتحاد الإفريقي قد اقترح وظهر مندو سنيين قليلة بفضل المجهودات الجبارة للقائد الافريقي معمر القذافي الذي دائما مساعيه اتجاهه باخلاص ووفاء، فإن مسيرة العمل الوحدوي الإفريقي تمتد بجذورها التاريخية إلى عدة عقود مضت بل وإلى مراحل موغلة في القدم حيث أنشأ الأفارقة في الأزمنة الغابرة العديد من الممالك والسلطانات القوية التي لا تزال آثار ومعالم بعضها تقف إلى يومنا هذا شاهداً على عظمة تلك الممالك والسلطانات كممالك وسلطانات تمبكتو وصنغاي ومالي وكانم وغيرها التي كانت صروحا لحضارة القارة السمراء ورمزا لوحدتها وتماسك بنيانها. وعندما قدم الاستعمار الأوروبي واحتل القارة وأطبق سيطرته عليها استهدف أول ما استهدف القضاء على تلك المعالم والآثار وعمل علي تقويض وقتل الأفكار والجهود الإفريقية التي تدعو للتعاون والتكاتف والوحدة. وحاول بشتى الوسائل والطرق تكريس الفرقة والتشتت بين الأفارقة.
ان الشعوب الافريقية على طول العقود الماضية لم يركعوا لسياسة الاستعمار الهمجي، بل كانوا حاملين في انفسهم المشاعر القوية للوحدة ة والالتحام مأججة في نفوسهم ولم تنطفئ جذوتها رغم القبضة الاستعمارية التي حاصرتهم وحاولت قتل فيهم روح الوطنية والمبادي الوحدوية. فقد بدأت دعوات ومطالب الأفارقة لتحرير القارة ولم شملها تظهر وتعلن في وقت مبكر من الاحتلال وذلك من خلال الملتقيات والمؤتمرات التي عقدت خارج القارة وكان أولها المؤتمر الذي عقده بلندن مجموعة من السياسيين والمثقفين السود دوي الأصول الإفريقية عام 1900 دعوا فيه إلي حرية أفريقيا ومنحها حقوقها ثم تلاه مؤتمري باريس عام 1919 ونيويورك عام 1927 ليؤكدا علي نفس المطالب.
في عام 1945 عقد في مدينة مانشستر البريطانية المؤتمر الخامس للوحدة الأفريقية بمشاركة مجموعة من المناضلين الأفارقة البارزين أمثال كوامي نكروما وجومو كنياتا وقد شكل هدا المؤتمر نقطة التحول الجوهرية في مساعي الدعوة لتحرير القارة وانبثقت عنه فكرة الجامعة الأفريقية.
في عام 1958 عقد المؤتمر السابع في العاصمة الغانية أكرا وهذا المؤتمر أضاف للعمل الأفريقي الموحد تطورا ايجابيا فاعلا من خلال تبني استراتيجية جديدة تقوم على إعادة هيكلة أفريقيا بالكامل وجاء المؤتمر في أساسه رداً علي مؤتمر برلين عام 1885 الذي قرر تقسيم القارة إلي مناطق نفوذ استعماري وكان الرد الحاسم لنكروما أنداك هو إنشاء الولايات المتحدة الإفريقية. إن المناضلين والسياسيين الأفارقة كانوا يقظين للمخططات الاستعمارية منذ البداية وعملوا علي مقاومتها ورفضها في الداخل والخارج دون توقف لأنهم كانوا يوقنون ويعرفون أن تلك المقاومة هي التي تجبر الاستعمار علي الرحيل من بلادهم يوما ما وأن أهدافهم وآمالهم في الوحدة لابد أن تبصر النور وتتحقق وتتحول إلى واقع ملموس طال الزمن أم قصر.
وبالفعل فإن حدس الأفارقة لم يخطئ وتضحياتهم لم تضع سدىً إذ انه وبمجرد أن بدأ الاستعمار يندحر من القارة الإفريقية تحت ضربات ومقاومة أبنائها الموجعة حتى وجدت البلدان الإفريقية التي تحصلت على حريتها واستقلالها تباعاً نفسها أمام مناخ وواقع جديد يفرض عليها إحياء وتفعيل الأفكار والتصورات الوحدوية بينها لمواجهة التحديات المحدقة بها ولم تتأخر هذه البلدان وتضيع الوقت في تحقيق هذا الهدف بل كان على سلم أولوياتها، واستطاعت في هذا المضمارأن تؤسس العديد من الإتحادات والمنظمات الثنائية والجماعية على أسس جغرافية وثقافية وسياسية وكان من بين أبرز هذه الاتحادات والمنظمات التي أقيمت بعد فترة الاستقلال مباشرة الاتحاد بين مصر والإقليم السوداني عام 1951مسيحي والذي ساعد على استقلال السودان عام 1956مسيحي والاتحاد بين غانا وغينيا عام 1957مسيحي وقد ترك ذلك الاتحاد في ميثاق تأسيسه الباب مفتوحاً لانضمام الدول الإفريقية المستقلة إليه واقتصر هذا الاتحاد على التعاون والتكامل الاقتصادي بين البلدين.. ثم جاء اتحاد مالي عام 1958مسيحي وضم مجموعة من بلدان غرب إفريقيا وهي آنذاك السنغال "وفولتا العليا" سابقاً وبوركينا حالياً و"داهومي" سابقاً بنين حالياً و"السودان الفرنسي "سابقاً مالي حالياً وقد نص ميثاق ذلك الاتحاد على تشكيل وزارة اتحادية وبرلمان اتحادي ومحكمة دستورية اتحادية.
في عام 1961مسيحي تشكل الاتحاد الثلاثي بين غانا ومالي وغينيا وقامت فكرته على أن يكون هذا الاتحاد نواة لاتحاد إفريقي أكبر يضم دول غرب إفريقيا جميعها ويفسح المجال لانضمام دول إفريقية أخرى ومن أهم البنود الأساسية لميثاق ذلك الاتحاد التعاون في مجالات السياسة والاقتصاد ومناصرة البلدان الإفريقية التي لم تنل استقلالها ومساعدتها ودعمها على تحقيق حريتها واستقلالها..
وفي عام 1961مسيحي أيضاً تأسست منظمة الدار البيضاء التي كانت أكثر شمولية واتساعاً وأهمية من سابقاتها لكونها ضمت دولاً من شمال الصحراء وجنوبها حيث استطاع رؤساء كل من غانا وغينيا ومالي والمغرب ومصر والحكومة الجزائرية المؤقتة أن يجتمعوا في الدار البيضاء عام 1961مسيحي وأن يوقعوا على ما عرف بميثاق الدار البيضاء الإفريقي الذي تضمن عدة مبادئ وأهداف في مقدمتها مساعدة الدول الإفريقية المستعمرة للحصول على استقلالها والتعاون بين أعضاء هذه المنظمة لاستغلال الثروات الاقتصادية الإفريقية وتوزيعها على أبناء القارة.. ثم جاءت بعد ذلك منظمة الاتحاد الإفريقي التي تأسست عام 1962مسيحي وضمت كل من الكونغو الديمقراطية حالياً "زائير" سابقاً وتشاد والسنغال وإفريقيا الوسطي والكونغو برازافيل والغابون وموريتانيا و"داهومي "بنين حالياً وساحل العاج والنيجر والكاميرون وتأسست في نفس الفترة مجموعة منروفيا وقد ضمت أكبر عدد من الدول الإفريقية الحاصلة على استقلالها آنذاك ومن أهم المقررات التي اتخذتها تلك المجموعة عند إنشائها تعزيز التعاون بين بلدان المجموعة ومساعدة الدول الغير مستقلة على تحقيق استقلالها وبالرغم من كل هذه الاتحادات والمنظمات التي لم تعمر طويلاً بسبب العديد من العوائق والتراكمات التي خلفها الاستعمار في القارة إلا أنها في واقع الحال نمت الشعور الوحدوي لدى أبناء القارة وأكدت لهم أهمية التفكير في إقامة وحدتهم بجدية وكان لتلك التجارب والمحاولات أيضاً الفضل الأول في ميلاد منظمة الوحدة الإفريقية وإظهارها للوجود في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا عام 1963مسيحي كرمز للوحدة الإفريقية ومنبر يتحدث باسم الأفارقة كوحدة واحدة في التعامل مع القوى والتجمعات الإقليمية والدولية الأخرى في الماضي.
إن حلقات سلسلة الوحدة الإفريقية ظلت متواصلة ولم تنقطع منذ أقدم العصور واستطاع حكماء إفريقيا بمواقفهم الصادقة والمخلصة أن يؤججوا الإحساس بأهميتها في نفوس وأذهان وعقول الأفارقة جميعاً لأنهم كانوا يؤمنون بأن قوة إفريقيا في وحدتها وأنه لا حلف لإفريقيا إلا مع نفسها وأن إفريقيا للإفريقيين.
واستمر الأفارقة في النضال من اجل تجسيد العمل الأفريقي المشترك والموحد واستطاعوا فيما بعد أن يضعوا منطلقات وأرضية جديدة ومتكاملة للوصول إلى الوحدة الأفريقية وذلك من خلال إنشاء الجماعة الاقتصادية الأفريقية المعروفة باتفاقية ابوجا بجمهورية نيجريا الاتحادية في 3 من شهر الصيف يونيو 1991. وهكذا عندما أعلن عن ميلاد الاتحاد الإفريقي العظيم في 9/9/99 بقمة سرت بمبادرة من الأخ قائد الثورة معمر القدافي كان يستند علي أسس وقواعد راسخة وقوية فوجد لذلك كل الاستجابة والترحيب من شعوب وقادة القارة بأسرها لأنهم يدركون أن هذا الإنجاز الإفريقي المتميز هو سبيلهم الوحيد للاعتماد على الذات والتخلص من ترسبات ومخلفات الماضي والانطلاق نحو آفاق التطور وإيجاد المكانة المناسبة لإفريقيا وسط المعتركات الدولية الجديدة التي تتصارع وتتلاطم أمواجها العاتية في محيط العلاقات الدولية المتشابكة والمتداخلة.وكانت هذه الروح الأفريقية المعززة بالتصميم والإرادة هي الرد العملي علي المشككين الذين ظنوا أن إعلان الاتحاد الإفريقي وما تضمنه من مبادئ وأهداف سيظل كغيره من الإعلانات الأخرى حبيسة الأدراج والرفوف.
فالإتحاد الإفريقي استطاع أن يرسي قواعد وأسس بنائه المتين وأن يخطو خطوات سريعة وواثقة ومثمرة في استكمال بناء هياكله وأجهزته ومؤسساته وان يبدأ في تنفيذ طموحات وأهداف شعوب القارة وأن يوفر كل العناصر والضمانات والظروف المناسبة للنجاح وأن يرقي إلى مصاف الاتحادات والتجمعات الدولية والقارية الأخرى ويجعل من نفسه نداً قوياً لها ويرغمها على الاعتراف به والتعامل معه بتقدير واحترام.. فالسنوات القليلة الماضية من عمر الاتحاد كانت فترة إعداد وترتيب لأسس وبناء وهيكلية هذا الاتحاد ووضعه على القضبان وها هو هذا الاتحاد يتحرك ويشق مسيرته بثقة.
إن إفريقيا بإنجازها للاتحاد الأفريقي تكون قد تجاوزت وتغلبت على كل مخلفات وتراكمات وسلبيات الماضي وتركتها وراءها وأصبحت مظاهر التعاون والتكامل والوحدة بين بلدانها وشعوبها في المواقف والسياسات حقائق غير قابلة للتبديل والتغيير ولا يمكن أن تؤثر فيها التحديات والتدخلات الخارجية مهما بلغ حجمها وشراستها.. فالشعوب الإفريقية هي شعوب وحدوية بطبعها منذ أقدم العصور وعندما خضعت هذه الشعوب للاستعمار الذي احتل أرضها وحاول أن يسلخها من هويتها وتاريخها انتفضت ضده وقاومت مخططاته بضراوة ولم تستسلم لجبروته وطغيانه وانخرط أبناؤها في حركات تحرير واسعة تضامنت وتكاثفت وتوحدت من خلالها إرادة الأفارقة جميعاً حتى تمكنوا من التغلب عليه وهزيمته وتحرير قارتهم من احتلاله واتجهوا فيما بعد لبناء قارتهم وإصلاح ما أفسده المستعمرون.
وإذا كانت تداعيات ونتائج الحقبة الاستعمارية قد ألقت بظلالها القاتمة فيما بعد على القارة وألحقت بها أضراراً جسيمة فإن الأفارقة لم يفقدوا الأمل في الخروج من تلك الظروف السيئة إلى ظروف آمنة ومستقرة وتمسكوا بمواقفهم الثابتة في المطالبة بالوحدة والإصرار علي إنجازها.
فالشعوب الأفريقية التي عانت في الماضي من تصدع جدران وحدتها وتسلط واستنزاف المستعمرين والمحتكرين لها تسعى اليوم جاهدة للقضاء على كل هذه الظواهر بقوة وتصميم وتستعد لمواجهة المستقبل ولن تسمح للمتربصين بها بالعودة إلى القارة من جديد بل ستكون وحدتها الصخرة التي تتكسر عليها المخططات التي تريد من القارة الإفريقية أن تظل دائماً البقرة الحلوب.. فقطار الاتحاد الإفريقي ألان هو الخيار الوحيد الذي يقود القارة إلى بر الأمان وينقذها من الغرق في بحر تتلاطم أمواجه وتترصد فيه الحيتان الكبيرة لاصطياد وابتلاع الأسماك الصغيرة التي لا تقدر على المقاومة والصمود.
إن الاتحاد الإفريقي الذي حل محل منظمة الوحدة الإفريقية آمن القارة وحماها من كل تدخل واستعمار جديد وأكد على أنه نتاج لقراءة متأنية ومتفحصة لكل المتغيرات والتقلبات الجديدة وتتويج لنضال وكفاح شعوب إفريقيا وسعيها الدؤوب والمتواصل لتحقيق وحدتها ونيل مكانتها الريادية في هذا العالم بجدارة واستحقاق.. فالظروف والأجواء الإيجابية التي تعيش في كنفها الشعوب الإفريقية الآن فتحت الأبواب أمام هذه الشعوب للكشف عن قدراتها وإمكانياتها الهائلة والانطلاق بكل حيوية وحماس لإيجاد آفاق جديدة من التعاون والتكامل المشترك في كل الميادين وبناء قاعدة اقتصادية واستراتيجية تمكن الأفارقة من الاعتماد على أنفسهم والاكتفاء ذاتياً والاستغناء عن التبعية للغير والإسراع باستكمال البناء الوحدوي وهذا ما أكدت عليه الجماهير الأفريقية التي طالبت وتطالب بإقامة الحكومة الاتحادية الأفريقية كخطوة لإنجاز مشروع الولايات المتحدة الأفريقية. ها هو الاتحاد الإفريقي الذي كان القائد وراء إنطلاقه يتجذر في وجدان الناس البسطاء أولا، كما النخب السياسية والفكرية والثقافية والمجموعات الاجتماعية والاقتصادية وكل الشرائح والطبقات العابرة للوحدات السياسية الإفريقية التي تحتضنها القارة السمراء، بكل تنوعها وثرائها الإنساني، ليتأسس بذلك وعي فردي وجمعي يمثل الحاضنة السياسية والفكرية والثقافية والاجتماعية للولايات المتحدة الإفريقية. ذلك الوعي وتلك الذاكرة التي دأب القائد الافريقي معمر القذافي على التماس معها بشكل مباشر من خلال سعيه إلى تلك الجماهير العريضة الممتدة على مساحة القارة، لأولئك الناس البسطاء ونخبهم السياسية والاجتماعية والثقافية في النجوع والقرى والمدن البعيدة، من أجل صياغة الغد الإفريقي المشترك، لتكون تلك الجماهير التي آمنت بالوحدة وانتظرتها، هي حاملة مشروع الولايات المتحدة الإفريقية، لأنها تعي أن ذلك الطريق هو خيار المستقبل، وأن القائد معمر القذافي هو خير معبر عن آمالهم وطموحاتهم، ولذلك كان من الطبيعي أن يكون معهم وبينهم من أجل الانطلاق نحو الغد معاً وبقيادة القائد معمر القدافي.
وإدراكا من القائد أن الخطوات الكبرى، تحتاج إلى إرادة وعزم، يتجاوز كل حالات العجز والركون، ويتطلب ثورة على الواقع السياسي والفكري والثقافي لصالح مشروع المستقبل، حتى يمكن تجاوز أي كوابح من شأنها أن تعيق أو تعرقل الانطلاق بالحلم حتى نهاياته المقررة، باعتباره الحلم الأكثر واقعية رغم أي مظاهر توحي بغير ذلك، لأن مهمة الابطال التاريخيين هي باشتقاق الحلول التاريخية، التي يعجز الكثير عن رؤيتها أو إدراكها، وذلك لأن هؤلاء الابطال يمتلكون البصيرة القادرة على القراءة الموضوعية للتاريخ في حركته ومن تقديم الحلول لمشكلات الحاضر والمستقبل..
إدراكا لكل ذلك جاءت هذه الرؤية الواضحة لمستقبل إفريقيا، إفريقيا القوية القادرة الموحدة الغنية بأهلها وخيراتها ودأب القائد على العمل الجاد والدعوة إلى الولايات المتحدة الإفريقية، لأنه كان يعي أن الاتحاد الإفريقي هو خطوة على الطريق باتجاه الحلم الكبير والنهائي، الذي يحفظ ويحافظ على إفريقيا في مواجهة التحديات الكبرى، في ظل عوالم الفضاءات العملاقة، بعد كل ذلك التغيير الدراماتيكي الذي جرى على الخريطة الجيوسياسية في العالم بعد انتهاء الحرب الباردة، ولجوء الدول كبيرها وصغيرها، قويها وضعيفها، إلى البحث عن تكتلات أو تجمعات أو فضاءات تشكلها أو تنظم إليها لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين السياسية والاقتصادية والعسكرية والعلمية بعد أن أصبح العالم أشبه بالقرية الصغيرة في ظل ثورة المعلومات التي اختصرت الزمن والمسافات بين الدول والشعوب بشكل قياسي غير مسبوق.
وحتى لا يبقى الاتحاد الإفريقي يراوح مكانه بعد انطلاقته، باعتبار أن الاتحاد كشكل سياسي ليس هو الهدف النهائي، لأن الهدف النهائي هو الولايات المتحدة الإفريقية، كان من الطبيعي أن يعمل القائد بدأب ومثابرة ثورية، على أن ينقل العمل الإفريقي خطوة متقدمة إلى الأمام...الى الامام...، عبر إنشاء حكومة لعموم إفريقيا، باعتبارها الخطوة المركزية التي لا غنى عنها من أجل التهيئة للنقلة النوعية الموعودة، التي تنتظرها كل الشعوب الإفريقية، عندما تصبح إفريقيا كياناً فيدرالياً واحداً، بجهاز تنفيذي واحد وهيئة مشرعين واحدة وجيش واحد وجهاز قضائي واحد، يحتويهم ذلك الكيان والحلم الواقعي بامتياز.
لقد نجح القائد الافريقي معمر القذافي في جعل هذه الرؤية لإفريقيا تتسع لتشمل كل تلك الجماهير الواسعة على امتداد القارة، وهو ما جعل العديد من الدول الإفريقية، تتبنى تلك الرؤية التي تريد لإفريقيا أن تكون قوية بوحدتها وبقدراتها الذاتية، متجاوزة في ذلك تعقيدات دور الدولة الوطنية، التي أدت ما عليها في مرحلة تاريخية معينة كانت لها شروطها، لتفتح المجال من بعد للفضاء الإفريقي الواحد.
إن إفريقيا التي أنجزت محطة الاتحاد الإفريقي من خلال البناء على كل التجربة الإفريقية التي مثلتها منظمة الوحدة الإفريقية، لا زالت معنية اليوم وغدا وبشكل غير مسبوق أن تترجم الحلم الإفريقي الإنساني الكبير إلى واقع ملموس، كي تنتصر لأحلامها، وأن تحقق النقلة النوعية حيث تذوب الكيانات الوطنية في الكيان الواحد الجامع /الولايات المتحدة الإفريقية/، حتى تدخل العصر من أوسع أبوابه.
إنه يوم الفرح الإفريقي بامتياز يوم التاسع من الشهر التاسع للعام التاسع والتسعين من العقد الأخير للألفية الثانية، إنه يوم إفريقيا وشعوبها، ويوم الشعب الليبي الحر وقائده معمر القدافي مفجر الثورة الافريقية محقق حلم وامال الشعوب الافريقية الذي عمل دون كلل او ملل على تحقيق ذلك الإنجاز التاريخي لشعوب القارة الافريقية، الذي ستحفظه ذاكرة التاريخ الإنساني على مر الأجيال القادمة كأحد الأيام البارزة في تاريخ البشرية.
لقد مات القائد شهيدا شامخا و لكن فكره سيظل خالدا الى الأبد، رغم كيد الأعداء
الله يرحمك يا معمر ابو منيار
عبقرية المفكر معمر القذافي
د. خالد سعيد
تميز القائد معمر القذافي بعبقرية منذ صباه بثقافته الشاملة وسعة مداركه، وقدرته على القراءة العميقة والصائبة لمختلف الأحداث والقضايا والتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية الإستراتيجية، مما جعله يمتلك درساً قوياً، وقدرة كبيرة على التنبؤ بمستقبل العلاقات الدولية، وفتح أمامه مجالاً رحباً للتعبير عن رؤاه وأفكاره بطريقة متحضرة ومعاصرة ونادرة ساهمت بصورة مباشرة في تكوين شخصية القائد معمر القذافي (السياسية الثقافية) الفريدة في العالم.
فشخصية القائد معمر القذافي، تقدم لنا نموذجاً فريداً للإنسان والقائد المثقف، وقد لعبت الثقافة دوراً كبيراً وهاماً في تكوين شخصية القائد أثناء التخطيط والإعداد للثورة، وهذا اتضح من خلال دوره الكبير في رسم معالم الثورة، خاصة خلال الـ 4000 يوم من العمل السري إعداداً لهذا الحدث العظيم في تاريخ الشعب الليبي.
فنموذج القائد معمر القذافي المثقف، جسد للعالم أهمية الثقافة في تكوين شخصية القائد والزعيم ولعبت الثقافة دوراً هاماً في تشكيل وعي ورؤى وتوجيهات القائد معمر القذافي منذ صباه أنه شاب مختلف عن أقرانه في التفكير والتدقيق في الأمور، وحسن التصرف والتدبير، وكانت قراءته للقضايا والأحداث المختلفة تنم عن وعي وإدراك شديدين، وبحر بلا حدود من الثقافة، ومن هذا تميز معمر القذافي الشاب عن رفاقه وزملائه بثقافته وحسن قراءاته والتي امتزجت بكفاحه وممارساته السياسية، فعلى امتداد مراحل دراساته حتى الثانوية العامة بمدينة مصراتة، أثرت هذه المراحل في وجدان معمر القذافي بالتراث الفكري والنضالي لشعبه وأمته، فقد كان معمر القذافي كثير الاهتمام بالأوضاع السياسية والاجتماعية التي كانت عليها ليبيا، وكذا الأوضاع التي عليها الأمة العربية.
الدور السياسي.
وقد اتضح الدور السياسي لمعمر القذافي منذ كان طالباً يافعاً حيث قاد الطالب معمر القذافي في الخامس من شهر التمور (أكتوبر) من العام 1961مسيحي المسيرة الوحدوية ضد جريمة الانفصال للوحدة بين مصر وسوريا في الثامن والعشرين من شهر الفاتح (سبتمبر) من العام 1961مسيحي وأسس الطالب معمر القذافي عندما كان يدرس في مدرسة مصراتة الثانوية عام 1962مسيحي صحيفة أطلق عليها اسم (الشمس) واختيار هذه التسمية له أكثر من مدلول عند معمر القذافي في ذلك الوقت، الذي كانت فيه ليبيا تحت حكم النظام الملكي، وما كانت تشهده آنذاك من تراجع عن الصف العربي، ودعم للقوى الاستعمارية، حيث فتحت أراضيها لتكون قاعدة عسكرية لأمريكا وبريطانيا وإيطاليا، ومنها انطلقت الطائرات الأمريكية والبريطانية لتشارك في العدوان الثلاثي على مصر عبد الناصر عام 1956مسيحي، الأمر الذي آلم معمر القذافي كثيراً، كما لعب معمر القذافي دوراً بارزاً في إعداد وقيادة الانتفاضة الطلابية ضد النظام الملكي في ليبيا قبل الثورة13-14 أي النار (يناير) عام 1964مسيحي، وهكذا كانت الأحداث السياسية هي المحرك لمعمر القذافي في الدفع بعجلة الثورة إلى الأمام، كما أثرت هذه الأحداث في توجيهه نحو الشكل الملائم لكل مرحلة من مراحل الإعداد للثورة أثناء فترة العمل السري لها، وتشكيل خلاياها فكانت لكل مرحلة متطلباتها ومعطياتها.. ورغم دقة كل مرحلة وما تحتاج من جهد ووقت فقد كان معمر القذافي كثير الاطلاع والقراءة من الكتب السياسية والتاريخية والاجتماعية والعسكرية وكذلك الروايات والقصص القصيرة والطويلة إلى الحواريات المسرحية، وما يؤكد انفتاح معمر القذافي وعمق ثقافته منذ الصغر واستيعابه لكل الأمور التي كانت تحدث من حوله، هو عمق فهمه اللامتناهي للأحداث السياسية وكان بعد لم يتجاوز العقد الثاني من عمره، وهو ما يؤكد تأثير السياسة في ثقافته وحواراته مع رفاقه وزملائه.
ومع تفتح وعيه تدخلت قراءات وخطب الزعيم الراحل جمال عبد الناصر لتلعب دوراً مهماً في تكوين شخصيته القيادية، غير أن ثقافة معمر القذافي تكونت من مركب تمتزج فيه الثقافة السياسية بهموم المواطن الليبي البسيط الحالم بالثورة والتغيير في الداخل.
وهكذا تنبه معمر القذافي بوعيه المبكر إلى أهمية الثقافة والأدب والفكر في التغيير الثوري والسياسي والاجتماعي في ليبيا، وتدل هذه البدايات الواعدة لمعمر القذافي المثقف على جديته منذ التفكير الأول للإعداد لقيام الثورة في ليبيا، كما تدل على تميزه بالحرص على القراءة، وبالنهم إلى المعرفة.
فمعمر القذافي لم يكن مراهقاً تشغله نزوات الشباب المعتادة، بل كان في صباه شاباً جاداً في حمل هموم وطنه وأمته، وفي تنمية ثقافته، كما كان حريصاً على صلاته، فكانت استقامته الأخلاقية وحرصه على الإطلاع والتثقيف هما مفتاح شخصيته الفريدة والمتميزة، وفي السنوات الثلاث الأخيرة قبل قيام الثورة كان للأحداث السياسية والعسكرية التي مرت بها المنطقة العربية خاصة بعد نكسة العرب في حرب 1967مسيحي الأثر الكبير في شخص معمر القذافي وبضرورة التعجيل والدفع بالثورة في ليبيا إلى النور إزاء ضغوط الوضع السياسي العربي بعد هزيمة 1967مسيحي ونظراً للدور السلبي الذي كانت عليه في تلك الفترة في ظل النظام الملكي.
ومن هناك يمكن لنا القول: إن الثقافة السياسية لعبت دوراً في تكوين شخصية معمر القذافي القيادية وفي سبيل الثورة وانقاد ليبيا وتحقيق حلم رجل الشارع في ليبيا نأى معمر القذافي بطموحاته الفردية عن الهموم العامة، وضرب مثلاً فريداً في تكوين شخصية القائد الشعبي المثقف، فالوعي السياسي، والقراءة التاريخية ميّزت شخصيته القيادية والمعاصرة وثقافته الواسعة، ومن ثم توظيف هذه الثقافة من أجل رصد الواقع التاريخي والاجتماعي لليبيا قبل الثورة، ولإثارة الوعي والدعوة إلى التغيير في الوطن العربي والعالم..
بعد الثورة
وبعد قيام ثورة الفاتح في ليبيا في الأول من شهر الفاتح (سبتمبر) 1969مسيحي بقيادة العقيد معمر القذافي، كان واضحاً الدور المؤثر لشخصية القائد الثقافية من البيان الأول للثورة، ففي هذا البيان ارتفع القائد معمر القذافي في كفاحه السياسي المعبر عن هموم وتطلعات المواطن الليبي وعن روح الأمة العربية.
وبثورة الفاتح خرجت ليبيا من السذاجة السياسية ومن تسلية الحكم الملكي، ومن الزخرفة والتقعر إلى الثورة، إلى الشمس والحرية والانتشار والتأثير في الساحتين العربية والدولية.
وقد أثمرت ثقافة معمر القذافي القائد الشاملة للفكر والآداب المتفتحة المتمثلة في فكر مفتوح على كل التجارب، وحق المواطن في ثقافة حرة، وقومية الثقافة وتأكيد دور الثقافة الاجتماعية في النهوض وبناء الإنسان المؤمن بحقه في الحياة والحرية والعدل والمساواة مع مجانية التعليم ونجح القائد معمر القذافي في تحقيق حلمه قبل الثورة وبعدها في الخروج للثقافة من دائرة الأثرياء المترفة المحدودة إلى ثقافة كل الجماهير، في المدن والقرى والأرياف لتشكل وجدان الإنسان الجديد في عصر الثقافة الجماهيرية، وإتاحة الفرصة للمواطن الليبي البسيط في أن يتعلم وأن يتثقف، وأن يبدع، وكان خطاب زوارة التاريخي للقائد في الخامس عشر من شهر الطير ابريل عام 1973مسيحي المرشد والمؤكد على توجهات القائد الثورية نحو الثقافة الشعبية الجماهيرية.
وقد عبر القائد معمر القذافي في البدايات الأولى للثورة عن مفاهيمه وأدائه وانتماءاته السياسية والفكرية والثقافية، والتي تتمثل في إيمانه المطلق بالعدالة وبالديمقراطية والاشتراكية وقد جسد القائد معمر القذافي هذه الأفكار والرؤى في (النظرية العالمية الثالثة) التي قدمها في العام 1976مسيحي للعالم.. في (الكتاب الأخضر) بفصوله الثلاثة: الديمقراطي، والاقتصادي، والاجتماعي والذي يعكس عمق ثقافة القائد، وقراءاته التاريخية ومراحلها ولتطلعاته نحو مجتمع فاضل.
إن النظرية العالمية الثالثة هي خلاصة فكر وتجربة تاريخية عميقة وفريدة، ما كان لأحد أن يصل إليها غير معمر القذافي، وسعة ثقافته ومداركه، وفي الثاني من شهر الربيع (مارس) 1977مسيحي قدم قائد ثورة الفاتح في ليبيا فكرته وأطروحته السياسية الجديدة في العالم، وذلك بقيام سلطة الشعب في ليبيا ومولد أول جماهيرية في التاريخ حيث يمتلك الشعب سلطته ويمارسها في نظام حر وبديع عن طريق المؤتمرات الشعبية الأساسية واللجان الشعبية، وبذلك قدمت الجماهيرية الليبية الحل الجذري لمشكلة الديمقراطية في العالم، والصراع على السلطة، وهذا يدل على مدى عظمة الأفكار والثقافة التي يتمتع بها القائد معمر القذافي والتي تمكنه من تقديم الحلول المستعصية والعقيمة برؤية معاصرة ومتحضرة.
- الأدب والتراث
ورغم تعد مسؤوليته كقائد للثورة، وإعادة ترتيب البيت الليبي من الداخل، ومشاغله في محيطه الإفريقي والعربي والدولي، لم تتوقف قراءات القائد معمر القذافي بل استمرت واتسعت، وظهرت آثارها واضحة في مناقشاته مع القادة وزعماء العالم، ومع المفكرين أو من خلال خطاباته وتصريحاته وحتى مع زملائه ورفاقه الضباط الوحدويين الأحرار، فكان القائد يرفع مستوى جلساته معهم وتتحول إلى ندوات فكرية، كما كان القائد يوجه زملائه إلى توسيع دائرة القراءة والإطلاع وكان يقوم بتوزيع الكتب المهمة عليهم.
إن القائد معمر القذافي قائد متميز بثقافته، يحب الكتب ويقدر ضروراتها وفوائدها الفكرية والروحية والاجتماعية، كما أن القائد معمر القذافي محب للفنون الأصيلة ومحافظ على التراث (إن الشعوب لا تنسجم إلا مع فنونها وتراثها)، وهي مقولة تلازم القائد معمر القذافي في حياته اليومية من خلال لباسه المتمثل في الزى الليبي الأصيل والزى الإفريقي الأصيل، والخيمة التي تلازمه أينما حط به الترحال في الداخل والخارج على حد سواء، وحب القائد للفكر والثقافة لا يتوقف عند حدود ثقافته الشخصية، أو نشر الثقافة الجماهيرية داخل حدود الجماهيرية الليبية، بل إن اهتماماته بالثقافة والمثقفين تعدت إلى العالمية، وقد قدم القائد معمر القذافي في مطلع التسعينيات هديته إلى المثقفين والكتّاب والأدباء العرب المتمثلة في إنشاء المكتبة القومية ومقرها بالجماهيرية الليبية لتعطي دفعاً لحركة الثقافة العربية، فالمكتبة القومية هدية ثقافية ثمينة لكل المثقفين العرب من قائد محب للثقافة.
- تنبؤات وواقع
ولقد اعترف كل المفكرين والأدباء والسياسيين وغيرهم بأن القائد معمر القذافي يملك حساً وفكراً وثقافة نادرة ويملك إبداعاً وأدباً لا مثيل له ويحرص في كل ظهور له أن يوضح أفكاره وآراءه على نحو مدعم ومقنع دون أن ينسى كيف يستخدم حدسه السياسي الخلاق والصارم ومعرفته التاريخية والجغرافية النادرة، ورؤاه أو تنبؤاته بمستقبل العلاقات الدولية، فالقائد معمر القذافي هو مفكر العالم الأول، وكلما تحدث أنصت له الجميع دون استثناء نظراً لما يحمله في أحاديثه من مقترحات وقراءة لما وراء الأحداث.
القائد معمر القذافي هو أول من دق ناقوس حرب المياه في الشرق الأوسط والعالم، ومنذ أن شرع في بناء النهر الصناعي وهو يوضح في الاجتماعات والقمم العربية والدولية أن حرب الشرق الأوسط القادمة هي حرب مياه وأن إسرائيل يتقاسم العرب مياه دجلة والفرات والليطاني والنيل، وهي مضطرة إلى أن تفعل ذلك لأن بلاد العرب جافة، وحين كان القائد معمر القذافي يتكلم عن حرب المياه كان معظم زعماء العرب يقللون من شأنها، غير أن الأحداث القريبة المتعاقبة في الشرق الأوسط أثبتت قوة تلك التنبؤات.
وقد اعتبر الكل في تلك اللحظة أن ما يقوله القائد معمر القذافي ضرب من الخيال ومستحيل التحقيق، ولكن الأحداث التي تسارعت بعدما قاله القائد في قمة عدم الانحياز ببلغراد، كشفت أن رؤية القائد جد صادقة ومتطورة وفوق توقعات الجميع، وأنه يملك حدساً سياسياً نادراً فقد انتهت الحرب الباردة، وانهار جدار برلين وتوحدت ألمانيا من جديد وأن الإسرائيليين قبلوا الدخول في سلام مع العرب، وأن ما يشهده العالم من تحولات كبيرة وتغيرات عظيمة كان القائد معمر القذافي سباقاً إليها وتنبأ بحدوثها سواء في الكتاب الأخضر أو من خلال حواراته ومقترحاته وطرح أفكاره فالقائد معمر القذافي قارئ نادر في شؤون الساعة، فكل ما شهدته وتشهده الساحة العربية والساحة الدولية من تطورات سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية كان القائد تطرق إليها من قبل حدوثها.
فالكتاب الأخضر مثلاً أكد على ضرورة استقلال كل قومية على حدة وأن أي جمهورية أو دولة تتكون من قوميات مختلفة مصيرها إلى الانفكاك، واستقلت كل قومية على حدة، وهو ما يحدث في النصف الثاني من العقد الأخير من القرن الماضي، إلى بدايات القرن الحالي وحتى الآن فقد استقلت جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق كل جمهورية على حدة وانحل الاتحاد اليوغسلافي واستقلت كل قومية على حدة، وما تشهده المنطقة العربية من حروب وتفرق وانقسامات وضياع واحتلال جديد كان القائد قد حذر منه قبل وقوعه وهي اليوم واقع ملموس، فالخليج العربي محتل والعراق محتل، ولبنان تعرض لحرب تدمير شاملة وسوريا تحاصر والسودان يتعرض لمؤامرة أمريكية جديدة، وقد قدم القائد أكثر من مشروع وحدة للعرب كان آخرها مشروع الاتحاد العربي ولكنهم لم يدركوا الحقيقة إلا بعد فوات الأوان.
ولم يتوقف القائد معمر القذافي عن التواصل الثقافي بينه وبين الآخر من الأحداث السياسية التي تعصف بالعالم وحتى في أصعب الظروف التي واجهتها ليبيا خصوصاً في عقد التسعينيات من القرن الماضي المتمثل في أزمة لوكربي والحظر والحصار الذي فُرض عليها منذ عام 1992مسيحي.. كان القائد معمر القذافي يعطي القراءة والاطلاع وقتاً حتى أنه أصدر كتابين أدبيين (القرية القرية، الأرض الأرض، وانتحار رائد الفضاء) والأخر (تحيا دولة الحقراء) يعكسان اختياراته لأشكاله الأدبية إلى السياسية.
وقد أدت شخصية القائد المثقف معمر القذافي دوراً مهماً في قيادة الجماهيرية إلى بر الأمان وسط عاصفة التحولات الدولية بعد نهاية الحرب الباردة، وبعمق ثقافة القائد وسعة قراءاته للتاريخ قاد الجماهيرية الليبية بحكمة وبصيرة متميزة إلى الأمان وكسب الرهان، وأصبحت الجماهيرية مثابة العالم للأمن والسلام.
تلك هي أهم ملامح ومنطلقات ورؤى القائد معمر القذافي المثقف للثقافة، وهي لم تكن تجريدات نظرية أو شعارات سياسية، ولكنها ككل أعمال القائد تجمع بين الفكر والفعل، وتصدر عن رؤية عامة متكاملة تتغذى بالتجارب الواقعية والتاريخية، وبهذه الرؤية أحدث القائد معمر القذافي تحولاً كبيراً في القارة الإفريقية وقادها نحو الوحدة والنهوض والتقدم والتنمية من خلال الاتحاد الإفريقي الذي ولد بمدينة سرت الليبية في 1999مسيحي وهو اتحاد جوهري يساهم بفاعلية في بنية المجتمع الأفريقي السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
* الاتحاد الافريقي
اعلان الاتحاد الافريقي العظيم حلم وامال الشعوب الافريقية
انها لحظات القدر العظيم. انها لحظات ينتظر فيها احرار افريقيا منذ سنيين مريرة انها لحظات تحققت فيها حلم وامال الشعوب الافريقية. انها لحظات القدر العظيم. تفجرت فيها ثورة عالمية افريقية. جاء بإعلان الاتحاد الإفريقي العظيم في 9/9/99 بمدينة الرباط الأمامي سرت استجابة لرغبة احرارافريقياء وتتويجا لنضالها وكفاحها العظيم وضرورة فرضتها معطيات الحاضر واستحقاقات المستقبل.
وإذا كان إعلان الاتحاد الإفريقي قد اقترح وظهر مندو سنيين قليلة بفضل المجهودات الجبارة للقائد الافريقي معمر القذافي الذي دائما مساعيه اتجاهه باخلاص ووفاء، فإن مسيرة العمل الوحدوي الإفريقي تمتد بجذورها التاريخية إلى عدة عقود مضت بل وإلى مراحل موغلة في القدم حيث أنشأ الأفارقة في الأزمنة الغابرة العديد من الممالك والسلطانات القوية التي لا تزال آثار ومعالم بعضها تقف إلى يومنا هذا شاهداً على عظمة تلك الممالك والسلطانات كممالك وسلطانات تمبكتو وصنغاي ومالي وكانم وغيرها التي كانت صروحا لحضارة القارة السمراء ورمزا لوحدتها وتماسك بنيانها. وعندما قدم الاستعمار الأوروبي واحتل القارة وأطبق سيطرته عليها استهدف أول ما استهدف القضاء على تلك المعالم والآثار وعمل علي تقويض وقتل الأفكار والجهود الإفريقية التي تدعو للتعاون والتكاتف والوحدة. وحاول بشتى الوسائل والطرق تكريس الفرقة والتشتت بين الأفارقة.
ان الشعوب الافريقية على طول العقود الماضية لم يركعوا لسياسة الاستعمار الهمجي، بل كانوا حاملين في انفسهم المشاعر القوية للوحدة ة والالتحام مأججة في نفوسهم ولم تنطفئ جذوتها رغم القبضة الاستعمارية التي حاصرتهم وحاولت قتل فيهم روح الوطنية والمبادي الوحدوية. فقد بدأت دعوات ومطالب الأفارقة لتحرير القارة ولم شملها تظهر وتعلن في وقت مبكر من الاحتلال وذلك من خلال الملتقيات والمؤتمرات التي عقدت خارج القارة وكان أولها المؤتمر الذي عقده بلندن مجموعة من السياسيين والمثقفين السود دوي الأصول الإفريقية عام 1900 دعوا فيه إلي حرية أفريقيا ومنحها حقوقها ثم تلاه مؤتمري باريس عام 1919 ونيويورك عام 1927 ليؤكدا علي نفس المطالب.
في عام 1945 عقد في مدينة مانشستر البريطانية المؤتمر الخامس للوحدة الأفريقية بمشاركة مجموعة من المناضلين الأفارقة البارزين أمثال كوامي نكروما وجومو كنياتا وقد شكل هدا المؤتمر نقطة التحول الجوهرية في مساعي الدعوة لتحرير القارة وانبثقت عنه فكرة الجامعة الأفريقية.
في عام 1958 عقد المؤتمر السابع في العاصمة الغانية أكرا وهذا المؤتمر أضاف للعمل الأفريقي الموحد تطورا ايجابيا فاعلا من خلال تبني استراتيجية جديدة تقوم على إعادة هيكلة أفريقيا بالكامل وجاء المؤتمر في أساسه رداً علي مؤتمر برلين عام 1885 الذي قرر تقسيم القارة إلي مناطق نفوذ استعماري وكان الرد الحاسم لنكروما أنداك هو إنشاء الولايات المتحدة الإفريقية. إن المناضلين والسياسيين الأفارقة كانوا يقظين للمخططات الاستعمارية منذ البداية وعملوا علي مقاومتها ورفضها في الداخل والخارج دون توقف لأنهم كانوا يوقنون ويعرفون أن تلك المقاومة هي التي تجبر الاستعمار علي الرحيل من بلادهم يوما ما وأن أهدافهم وآمالهم في الوحدة لابد أن تبصر النور وتتحقق وتتحول إلى واقع ملموس طال الزمن أم قصر.
وبالفعل فإن حدس الأفارقة لم يخطئ وتضحياتهم لم تضع سدىً إذ انه وبمجرد أن بدأ الاستعمار يندحر من القارة الإفريقية تحت ضربات ومقاومة أبنائها الموجعة حتى وجدت البلدان الإفريقية التي تحصلت على حريتها واستقلالها تباعاً نفسها أمام مناخ وواقع جديد يفرض عليها إحياء وتفعيل الأفكار والتصورات الوحدوية بينها لمواجهة التحديات المحدقة بها ولم تتأخر هذه البلدان وتضيع الوقت في تحقيق هذا الهدف بل كان على سلم أولوياتها، واستطاعت في هذا المضمارأن تؤسس العديد من الإتحادات والمنظمات الثنائية والجماعية على أسس جغرافية وثقافية وسياسية وكان من بين أبرز هذه الاتحادات والمنظمات التي أقيمت بعد فترة الاستقلال مباشرة الاتحاد بين مصر والإقليم السوداني عام 1951مسيحي والذي ساعد على استقلال السودان عام 1956مسيحي والاتحاد بين غانا وغينيا عام 1957مسيحي وقد ترك ذلك الاتحاد في ميثاق تأسيسه الباب مفتوحاً لانضمام الدول الإفريقية المستقلة إليه واقتصر هذا الاتحاد على التعاون والتكامل الاقتصادي بين البلدين.. ثم جاء اتحاد مالي عام 1958مسيحي وضم مجموعة من بلدان غرب إفريقيا وهي آنذاك السنغال "وفولتا العليا" سابقاً وبوركينا حالياً و"داهومي" سابقاً بنين حالياً و"السودان الفرنسي "سابقاً مالي حالياً وقد نص ميثاق ذلك الاتحاد على تشكيل وزارة اتحادية وبرلمان اتحادي ومحكمة دستورية اتحادية.
في عام 1961مسيحي تشكل الاتحاد الثلاثي بين غانا ومالي وغينيا وقامت فكرته على أن يكون هذا الاتحاد نواة لاتحاد إفريقي أكبر يضم دول غرب إفريقيا جميعها ويفسح المجال لانضمام دول إفريقية أخرى ومن أهم البنود الأساسية لميثاق ذلك الاتحاد التعاون في مجالات السياسة والاقتصاد ومناصرة البلدان الإفريقية التي لم تنل استقلالها ومساعدتها ودعمها على تحقيق حريتها واستقلالها..
وفي عام 1961مسيحي أيضاً تأسست منظمة الدار البيضاء التي كانت أكثر شمولية واتساعاً وأهمية من سابقاتها لكونها ضمت دولاً من شمال الصحراء وجنوبها حيث استطاع رؤساء كل من غانا وغينيا ومالي والمغرب ومصر والحكومة الجزائرية المؤقتة أن يجتمعوا في الدار البيضاء عام 1961مسيحي وأن يوقعوا على ما عرف بميثاق الدار البيضاء الإفريقي الذي تضمن عدة مبادئ وأهداف في مقدمتها مساعدة الدول الإفريقية المستعمرة للحصول على استقلالها والتعاون بين أعضاء هذه المنظمة لاستغلال الثروات الاقتصادية الإفريقية وتوزيعها على أبناء القارة.. ثم جاءت بعد ذلك منظمة الاتحاد الإفريقي التي تأسست عام 1962مسيحي وضمت كل من الكونغو الديمقراطية حالياً "زائير" سابقاً وتشاد والسنغال وإفريقيا الوسطي والكونغو برازافيل والغابون وموريتانيا و"داهومي "بنين حالياً وساحل العاج والنيجر والكاميرون وتأسست في نفس الفترة مجموعة منروفيا وقد ضمت أكبر عدد من الدول الإفريقية الحاصلة على استقلالها آنذاك ومن أهم المقررات التي اتخذتها تلك المجموعة عند إنشائها تعزيز التعاون بين بلدان المجموعة ومساعدة الدول الغير مستقلة على تحقيق استقلالها وبالرغم من كل هذه الاتحادات والمنظمات التي لم تعمر طويلاً بسبب العديد من العوائق والتراكمات التي خلفها الاستعمار في القارة إلا أنها في واقع الحال نمت الشعور الوحدوي لدى أبناء القارة وأكدت لهم أهمية التفكير في إقامة وحدتهم بجدية وكان لتلك التجارب والمحاولات أيضاً الفضل الأول في ميلاد منظمة الوحدة الإفريقية وإظهارها للوجود في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا عام 1963مسيحي كرمز للوحدة الإفريقية ومنبر يتحدث باسم الأفارقة كوحدة واحدة في التعامل مع القوى والتجمعات الإقليمية والدولية الأخرى في الماضي.
إن حلقات سلسلة الوحدة الإفريقية ظلت متواصلة ولم تنقطع منذ أقدم العصور واستطاع حكماء إفريقيا بمواقفهم الصادقة والمخلصة أن يؤججوا الإحساس بأهميتها في نفوس وأذهان وعقول الأفارقة جميعاً لأنهم كانوا يؤمنون بأن قوة إفريقيا في وحدتها وأنه لا حلف لإفريقيا إلا مع نفسها وأن إفريقيا للإفريقيين.
واستمر الأفارقة في النضال من اجل تجسيد العمل الأفريقي المشترك والموحد واستطاعوا فيما بعد أن يضعوا منطلقات وأرضية جديدة ومتكاملة للوصول إلى الوحدة الأفريقية وذلك من خلال إنشاء الجماعة الاقتصادية الأفريقية المعروفة باتفاقية ابوجا بجمهورية نيجريا الاتحادية في 3 من شهر الصيف يونيو 1991. وهكذا عندما أعلن عن ميلاد الاتحاد الإفريقي العظيم في 9/9/99 بقمة سرت بمبادرة من الأخ قائد الثورة معمر القدافي كان يستند علي أسس وقواعد راسخة وقوية فوجد لذلك كل الاستجابة والترحيب من شعوب وقادة القارة بأسرها لأنهم يدركون أن هذا الإنجاز الإفريقي المتميز هو سبيلهم الوحيد للاعتماد على الذات والتخلص من ترسبات ومخلفات الماضي والانطلاق نحو آفاق التطور وإيجاد المكانة المناسبة لإفريقيا وسط المعتركات الدولية الجديدة التي تتصارع وتتلاطم أمواجها العاتية في محيط العلاقات الدولية المتشابكة والمتداخلة.وكانت هذه الروح الأفريقية المعززة بالتصميم والإرادة هي الرد العملي علي المشككين الذين ظنوا أن إعلان الاتحاد الإفريقي وما تضمنه من مبادئ وأهداف سيظل كغيره من الإعلانات الأخرى حبيسة الأدراج والرفوف.
فالإتحاد الإفريقي استطاع أن يرسي قواعد وأسس بنائه المتين وأن يخطو خطوات سريعة وواثقة ومثمرة في استكمال بناء هياكله وأجهزته ومؤسساته وان يبدأ في تنفيذ طموحات وأهداف شعوب القارة وأن يوفر كل العناصر والضمانات والظروف المناسبة للنجاح وأن يرقي إلى مصاف الاتحادات والتجمعات الدولية والقارية الأخرى ويجعل من نفسه نداً قوياً لها ويرغمها على الاعتراف به والتعامل معه بتقدير واحترام.. فالسنوات القليلة الماضية من عمر الاتحاد كانت فترة إعداد وترتيب لأسس وبناء وهيكلية هذا الاتحاد ووضعه على القضبان وها هو هذا الاتحاد يتحرك ويشق مسيرته بثقة.
إن إفريقيا بإنجازها للاتحاد الأفريقي تكون قد تجاوزت وتغلبت على كل مخلفات وتراكمات وسلبيات الماضي وتركتها وراءها وأصبحت مظاهر التعاون والتكامل والوحدة بين بلدانها وشعوبها في المواقف والسياسات حقائق غير قابلة للتبديل والتغيير ولا يمكن أن تؤثر فيها التحديات والتدخلات الخارجية مهما بلغ حجمها وشراستها.. فالشعوب الإفريقية هي شعوب وحدوية بطبعها منذ أقدم العصور وعندما خضعت هذه الشعوب للاستعمار الذي احتل أرضها وحاول أن يسلخها من هويتها وتاريخها انتفضت ضده وقاومت مخططاته بضراوة ولم تستسلم لجبروته وطغيانه وانخرط أبناؤها في حركات تحرير واسعة تضامنت وتكاثفت وتوحدت من خلالها إرادة الأفارقة جميعاً حتى تمكنوا من التغلب عليه وهزيمته وتحرير قارتهم من احتلاله واتجهوا فيما بعد لبناء قارتهم وإصلاح ما أفسده المستعمرون.
وإذا كانت تداعيات ونتائج الحقبة الاستعمارية قد ألقت بظلالها القاتمة فيما بعد على القارة وألحقت بها أضراراً جسيمة فإن الأفارقة لم يفقدوا الأمل في الخروج من تلك الظروف السيئة إلى ظروف آمنة ومستقرة وتمسكوا بمواقفهم الثابتة في المطالبة بالوحدة والإصرار علي إنجازها.
فالشعوب الأفريقية التي عانت في الماضي من تصدع جدران وحدتها وتسلط واستنزاف المستعمرين والمحتكرين لها تسعى اليوم جاهدة للقضاء على كل هذه الظواهر بقوة وتصميم وتستعد لمواجهة المستقبل ولن تسمح للمتربصين بها بالعودة إلى القارة من جديد بل ستكون وحدتها الصخرة التي تتكسر عليها المخططات التي تريد من القارة الإفريقية أن تظل دائماً البقرة الحلوب.. فقطار الاتحاد الإفريقي ألان هو الخيار الوحيد الذي يقود القارة إلى بر الأمان وينقذها من الغرق في بحر تتلاطم أمواجه وتترصد فيه الحيتان الكبيرة لاصطياد وابتلاع الأسماك الصغيرة التي لا تقدر على المقاومة والصمود.
إن الاتحاد الإفريقي الذي حل محل منظمة الوحدة الإفريقية آمن القارة وحماها من كل تدخل واستعمار جديد وأكد على أنه نتاج لقراءة متأنية ومتفحصة لكل المتغيرات والتقلبات الجديدة وتتويج لنضال وكفاح شعوب إفريقيا وسعيها الدؤوب والمتواصل لتحقيق وحدتها ونيل مكانتها الريادية في هذا العالم بجدارة واستحقاق.. فالظروف والأجواء الإيجابية التي تعيش في كنفها الشعوب الإفريقية الآن فتحت الأبواب أمام هذه الشعوب للكشف عن قدراتها وإمكانياتها الهائلة والانطلاق بكل حيوية وحماس لإيجاد آفاق جديدة من التعاون والتكامل المشترك في كل الميادين وبناء قاعدة اقتصادية واستراتيجية تمكن الأفارقة من الاعتماد على أنفسهم والاكتفاء ذاتياً والاستغناء عن التبعية للغير والإسراع باستكمال البناء الوحدوي وهذا ما أكدت عليه الجماهير الأفريقية التي طالبت وتطالب بإقامة الحكومة الاتحادية الأفريقية كخطوة لإنجاز مشروع الولايات المتحدة الأفريقية. ها هو الاتحاد الإفريقي الذي كان القائد وراء إنطلاقه يتجذر في وجدان الناس البسطاء أولا، كما النخب السياسية والفكرية والثقافية والمجموعات الاجتماعية والاقتصادية وكل الشرائح والطبقات العابرة للوحدات السياسية الإفريقية التي تحتضنها القارة السمراء، بكل تنوعها وثرائها الإنساني، ليتأسس بذلك وعي فردي وجمعي يمثل الحاضنة السياسية والفكرية والثقافية والاجتماعية للولايات المتحدة الإفريقية. ذلك الوعي وتلك الذاكرة التي دأب القائد الافريقي معمر القذافي على التماس معها بشكل مباشر من خلال سعيه إلى تلك الجماهير العريضة الممتدة على مساحة القارة، لأولئك الناس البسطاء ونخبهم السياسية والاجتماعية والثقافية في النجوع والقرى والمدن البعيدة، من أجل صياغة الغد الإفريقي المشترك، لتكون تلك الجماهير التي آمنت بالوحدة وانتظرتها، هي حاملة مشروع الولايات المتحدة الإفريقية، لأنها تعي أن ذلك الطريق هو خيار المستقبل، وأن القائد معمر القذافي هو خير معبر عن آمالهم وطموحاتهم، ولذلك كان من الطبيعي أن يكون معهم وبينهم من أجل الانطلاق نحو الغد معاً وبقيادة القائد معمر القدافي.
وإدراكا من القائد أن الخطوات الكبرى، تحتاج إلى إرادة وعزم، يتجاوز كل حالات العجز والركون، ويتطلب ثورة على الواقع السياسي والفكري والثقافي لصالح مشروع المستقبل، حتى يمكن تجاوز أي كوابح من شأنها أن تعيق أو تعرقل الانطلاق بالحلم حتى نهاياته المقررة، باعتباره الحلم الأكثر واقعية رغم أي مظاهر توحي بغير ذلك، لأن مهمة الابطال التاريخيين هي باشتقاق الحلول التاريخية، التي يعجز الكثير عن رؤيتها أو إدراكها، وذلك لأن هؤلاء الابطال يمتلكون البصيرة القادرة على القراءة الموضوعية للتاريخ في حركته ومن تقديم الحلول لمشكلات الحاضر والمستقبل..
إدراكا لكل ذلك جاءت هذه الرؤية الواضحة لمستقبل إفريقيا، إفريقيا القوية القادرة الموحدة الغنية بأهلها وخيراتها ودأب القائد على العمل الجاد والدعوة إلى الولايات المتحدة الإفريقية، لأنه كان يعي أن الاتحاد الإفريقي هو خطوة على الطريق باتجاه الحلم الكبير والنهائي، الذي يحفظ ويحافظ على إفريقيا في مواجهة التحديات الكبرى، في ظل عوالم الفضاءات العملاقة، بعد كل ذلك التغيير الدراماتيكي الذي جرى على الخريطة الجيوسياسية في العالم بعد انتهاء الحرب الباردة، ولجوء الدول كبيرها وصغيرها، قويها وضعيفها، إلى البحث عن تكتلات أو تجمعات أو فضاءات تشكلها أو تنظم إليها لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين السياسية والاقتصادية والعسكرية والعلمية بعد أن أصبح العالم أشبه بالقرية الصغيرة في ظل ثورة المعلومات التي اختصرت الزمن والمسافات بين الدول والشعوب بشكل قياسي غير مسبوق.
وحتى لا يبقى الاتحاد الإفريقي يراوح مكانه بعد انطلاقته، باعتبار أن الاتحاد كشكل سياسي ليس هو الهدف النهائي، لأن الهدف النهائي هو الولايات المتحدة الإفريقية، كان من الطبيعي أن يعمل القائد بدأب ومثابرة ثورية، على أن ينقل العمل الإفريقي خطوة متقدمة إلى الأمام...الى الامام...، عبر إنشاء حكومة لعموم إفريقيا، باعتبارها الخطوة المركزية التي لا غنى عنها من أجل التهيئة للنقلة النوعية الموعودة، التي تنتظرها كل الشعوب الإفريقية، عندما تصبح إفريقيا كياناً فيدرالياً واحداً، بجهاز تنفيذي واحد وهيئة مشرعين واحدة وجيش واحد وجهاز قضائي واحد، يحتويهم ذلك الكيان والحلم الواقعي بامتياز.
لقد نجح القائد الافريقي معمر القذافي في جعل هذه الرؤية لإفريقيا تتسع لتشمل كل تلك الجماهير الواسعة على امتداد القارة، وهو ما جعل العديد من الدول الإفريقية، تتبنى تلك الرؤية التي تريد لإفريقيا أن تكون قوية بوحدتها وبقدراتها الذاتية، متجاوزة في ذلك تعقيدات دور الدولة الوطنية، التي أدت ما عليها في مرحلة تاريخية معينة كانت لها شروطها، لتفتح المجال من بعد للفضاء الإفريقي الواحد.
إن إفريقيا التي أنجزت محطة الاتحاد الإفريقي من خلال البناء على كل التجربة الإفريقية التي مثلتها منظمة الوحدة الإفريقية، لا زالت معنية اليوم وغدا وبشكل غير مسبوق أن تترجم الحلم الإفريقي الإنساني الكبير إلى واقع ملموس، كي تنتصر لأحلامها، وأن تحقق النقلة النوعية حيث تذوب الكيانات الوطنية في الكيان الواحد الجامع /الولايات المتحدة الإفريقية/، حتى تدخل العصر من أوسع أبوابه.
إنه يوم الفرح الإفريقي بامتياز يوم التاسع من الشهر التاسع للعام التاسع والتسعين من العقد الأخير للألفية الثانية، إنه يوم إفريقيا وشعوبها، ويوم الشعب الليبي الحر وقائده معمر القدافي مفجر الثورة الافريقية محقق حلم وامال الشعوب الافريقية الذي عمل دون كلل او ملل على تحقيق ذلك الإنجاز التاريخي لشعوب القارة الافريقية، الذي ستحفظه ذاكرة التاريخ الإنساني على مر الأجيال القادمة كأحد الأيام البارزة في تاريخ البشرية.
لقد مات القائد شهيدا شامخا و لكن فكره سيظل خالدا الى الأبد، رغم كيد الأعداء
الله يرحمك يا معمر ابو منيار
mektub-
- الجنس :
عدد المساهمات : 684
نقاط : 10924
تاريخ التسجيل : 25/07/2011
رد: عبقرية المفكر معمر القذافي للدكتور خالد سعيد
قرأة جـميلة ومميزة تدل على مأثر القائد رحـمه الله وأنجازاته وفـكره وعـبقريته
كل الشكر للمفكر الدكتور المفكر خالد سعيد والشكر ايضا لك اخي الكريم على هذا الموضوع
كل الشكر للمفكر الدكتور المفكر خالد سعيد والشكر ايضا لك اخي الكريم على هذا الموضوع
عدل سابقا من قبل محمد القحص في الأحد 30 أكتوبر - 2:53 عدل 1 مرات
محمد القحص-
- الجنس :
عدد المساهمات : 4359
نقاط : 14074
تاريخ التسجيل : 31/08/2011
. :
رد: عبقرية المفكر معمر القذافي للدكتور خالد سعيد
نعم رحم الله الزعيم المفكر معمر القذافى
إن الكتاب الأخضر الذى يطلق عليه المهرجين والجهلاء الأكاذيب هو فى الحقيقة ورغم أننى لا أتفق كليا مع ما جاء به
من أفضل الكتب التى فضحت الديمقراطية الغربية المزيفة التى يروج لها الببغاوات فى بلادنا كنموذج مثالى ونهائى واجب الإقتداء به !
إن تآمر القوى الإستعمارية الدائم على النظام الليبى لم يأتى من فراغ إخوان
إن الكتاب الأخضر الذى يطلق عليه المهرجين والجهلاء الأكاذيب هو فى الحقيقة ورغم أننى لا أتفق كليا مع ما جاء به
من أفضل الكتب التى فضحت الديمقراطية الغربية المزيفة التى يروج لها الببغاوات فى بلادنا كنموذج مثالى ونهائى واجب الإقتداء به !
إن تآمر القوى الإستعمارية الدائم على النظام الليبى لم يأتى من فراغ إخوان
ـــــــ-ــــــ-ـــــ-ـــــ-ــــــ-ـــــــ-ـــــ-ــــ-ــــــ-ــــــ-ـــــــ-ـــــــ-ـــــــ-
التوقيع
نعم للصمود و قتال الإستعمار و عملاؤه
لا للهروب و الإستسلام وبيع البلاد .. الله أكبر
مصرى عروبى-
- الجنس :
عدد المساهمات : 595
نقاط : 10471
تاريخ التسجيل : 22/07/2011
رد: عبقرية المفكر معمر القذافي للدكتور خالد سعيد
الى الإخوين محمد الفحص و مصري عروبي
معمر القذافي بشر ليس معصوما من الخطأ. لكني أعتقد أنه أصاب 100 % عند نقده للأنظمة البرلمانية التي ينحصر بها الحكم بين "الممثلين الذين انتخبهم الشعب" و لكنهم في الواقع ليسوا سوى جماعة أوليغارشية يشكلون طبقة تعلو على المجتمع باحتراف السياسة و يتمتعون بالحصانة السياسية رغم الفضائح الشنيعة التي يرتكبونها من اختلاس للأموال العامة و اغتصاب جنسي ... هذه الديمقراطية مزيفة و البديل هو الديمقراطية المباشرة، بلا ممثلين ينوبون عن سيادة الشعب.
و من هنا تظهر التجربة الليبية "سلطة الشعب" رغم نقائصها فريدة من نوعها وجديرة بالإهتمام في العالم
مع تحياتي
معمر القذافي بشر ليس معصوما من الخطأ. لكني أعتقد أنه أصاب 100 % عند نقده للأنظمة البرلمانية التي ينحصر بها الحكم بين "الممثلين الذين انتخبهم الشعب" و لكنهم في الواقع ليسوا سوى جماعة أوليغارشية يشكلون طبقة تعلو على المجتمع باحتراف السياسة و يتمتعون بالحصانة السياسية رغم الفضائح الشنيعة التي يرتكبونها من اختلاس للأموال العامة و اغتصاب جنسي ... هذه الديمقراطية مزيفة و البديل هو الديمقراطية المباشرة، بلا ممثلين ينوبون عن سيادة الشعب.
و من هنا تظهر التجربة الليبية "سلطة الشعب" رغم نقائصها فريدة من نوعها وجديرة بالإهتمام في العالم
مع تحياتي
mektub-
- الجنس :
عدد المساهمات : 684
نقاط : 10924
تاريخ التسجيل : 25/07/2011
مواضيع مماثلة
» لقاءات للأخ القائــد (فيديوهات)
» وأنتهت الجمعة دون دعاء ،، للكاتب المفكر العقيد معمر القذافي ...
» السياسي والصحفي التونسي الشهير صافي سعيد يتحدث عن معمر القذافي
» قصيدة للدكتور الزبيدي يحي فيها شهداء رتل العزعلى غرفة القائد معمر القذافي علي البالتوك
» خالد الزايدي محامي هانيبال معمر القذافي:ابتزاز محكمة الجنايات لموكله
» وأنتهت الجمعة دون دعاء ،، للكاتب المفكر العقيد معمر القذافي ...
» السياسي والصحفي التونسي الشهير صافي سعيد يتحدث عن معمر القذافي
» قصيدة للدكتور الزبيدي يحي فيها شهداء رتل العزعلى غرفة القائد معمر القذافي علي البالتوك
» خالد الزايدي محامي هانيبال معمر القذافي:ابتزاز محكمة الجنايات لموكله
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت 9 نوفمبر - 0:32 من طرف علي عبد الله البسامي
» تحية لفرسان لبنان
الجمعة 1 نوفمبر - 23:43 من طرف علي عبد الله البسامي
» أشجان عربية
الجمعة 25 أكتوبر - 22:54 من طرف علي عبد الله البسامي
» فلنحم وجودنا
الإثنين 21 أكتوبر - 22:13 من طرف علي عبد الله البسامي
» وداع الأبطال
الأحد 20 أكتوبر - 10:19 من طرف علي عبد الله البسامي
» بين الدين والاخلاق
الجمعة 18 أكتوبر - 10:36 من طرف علي عبد الله البسامي
» حول مفهوم الحضارة
الجمعة 18 أكتوبر - 10:33 من طرف علي عبد الله البسامي
» فيم تكمن قيمة الانسان ؟؟؟
الجمعة 18 أكتوبر - 10:30 من طرف علي عبد الله البسامي
» حزب المجد
الخميس 17 أكتوبر - 23:24 من طرف علي عبد الله البسامي
» نداء الإقدام
السبت 12 أكتوبر - 13:59 من طرف علي عبد الله البسامي
» نداء الى امّتنا
الخميس 10 أكتوبر - 16:49 من طرف علي عبد الله البسامي
» حقيقة الثقافة
الجمعة 20 سبتمبر - 14:56 من طرف علي عبد الله البسامي
» وجعٌ على وجع
الإثنين 16 سبتمبر - 17:28 من طرف علي عبد الله البسامي
» تعاظمت الجراح
الأحد 15 سبتمبر - 17:57 من طرف علي عبد الله البسامي
» بجلوا الابطال
الجمعة 13 سبتمبر - 17:37 من طرف علي عبد الله البسامي
» موقف عز وشرف
الثلاثاء 20 أغسطس - 0:19 من طرف علي عبد الله البسامي
» نداء الوفاق
الخميس 8 أغسطس - 18:27 من طرف علي عبد الله البسامي
» رثاء الشهيد اسماعيل هنية
الأربعاء 31 يوليو - 18:37 من طرف علي عبد الله البسامي
» هدهد الجنوب
الجمعة 26 يوليو - 20:41 من طرف علي عبد الله البسامي
» حماة العفن
الأربعاء 17 يوليو - 16:53 من طرف علي عبد الله البسامي