منتهى الحب .....

هناك في ذلك العالم الآخر، عالم من الاحلام، قد لا يكون موجودا في واقعنا لكننا نتمناه ونحلم به، وقد نوهم أنفسنا بأن قصصنا وحياتنا هي ذلك العالم، وأن النهاية ستكون كما هي هناك نهاية وردية نهاية معطرة نهاية مفعمة بالحياة إنها منتهى الحب..
لقد أحبها من اعماق قلبه وأعطاها كل ما يمكن أن يعطيه عاشق لمحبوبته وأكثر، إنها حياته، إنها سكنه، إنها من تقبله ناجحا كان أم فاشل، غنيا كان أم فقير، في قوته تثبته وفي ضعفه تقويه، هي نغمة تؤنس وحدته، هي نسمة تداعب سكونه، هي الوطن.
كلما أعطاها حبا .. أعطته حنانا.. كلما أهداها قلبا .. منحته السكن .. كلما أشعرها انتماءا.. وهبته الأمان.. كلما أحبها أحبته وأكرمته.. حتى صارا كعصفورين عاشقين لاتفرقهما حتى المنية فهي أرض لا تموت وهو إن مات ضمه حضنها وكان له خير قبر..
كأنني أرويها قصة من الأحلام، من هناك حيث الملاك، فلا بشر ولا خيانة ولا إهانة ولا غدر، حتى البحار في ذلك العالم هادئة حنونة لا تغدر ولا تهيج، لا رياح ولا رعود بل نسمات عليلات تنعش الدنيا فتزف السماء إلى الأرض في يوم ممطر بمطر ناعم رقيق ويولد الربيع. لكننا لسنا هناك وهذا العالم ليس هنا فهنا خيانات كثيرة وأحقاد بعضها ظاهر وأغلبها دفينة، هنا الكذب هنا الغرور هنا الحسد، المآسي هنا الظلم هنا والقسوة هنا. وكلها قضاء قدر..
سبحانك رب البشر أنخطيء ونظلم ونقول القدر. هنا سعادتك تعني تعاسة الآخرين، وهنا بسمتك تعني دموع ذلك الطفل الحزين، نعم أحَبها كما لم يحب عاشق فهي الوطن، وأحبته كما لم تحب حبيبة فهو السكن، لكن وفي غفلة من الزمن أصبح العاشق مليء بالمشاكل مغلف بالعقد يختلق الأعذار كي يكون ضحية لكنه الظالم القاسي كما تراه من كانت له الوطن، وهو يراها قاسية مغرورة متعجرفة لم تكن صبورة لم تكن كما أراد غابت كشمس آفلة لكنها لن تعود غابت بلا سبب وغابت للأبد..
بسهولة خان البلد وببساطة نكرته البلد، نسيت ما قدمه نسيت تضحياته مسحت ساعات المحبة ساعات دفع عمره كي تعيش كي يضمه صدرها قبرا فتكون معشوقته من المهد إلى اللحد، كما نسيها وكأنها لم تكن بالأمس القريب الوطن والسكن لم تعد إلا احرفا تملأ خانة الجنسية في أوراقه الرسمية فيكتبها مبعثرة كي لا يميزها أحد.