الإسراء والمعراج.. رحلة العِبَر والمعجزات
صفحة 1 من اصل 1
الإسراء والمعراج.. رحلة العِبَر والمعجزات
تُعتبر حادثة الإسراء والمعراج محطة تاريخية ذات أهمية قصوى للمسلمين، لمّا تضمّنته من معاني وقيم، إلى جانب أنّها معجزة خَرَق الله تعالى بها نواميس الكون، وكرامة إلهية حمَلت بين طيّاتها ملامح البُشرى والفرج لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يقول الحق جلّ شأنه: {سُبحان الّذي أسرى بعبده ليْلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الّذي باركنا حوله لِنُرِيَه مِن آياتنا إنّه هو السّميع البصير}.
وعند التأمل في تفاصيل هذه الرحلة المباركة تتجلّى لنا المعاني والدلالات الآتية:
أوّلاً: إنّما يأتي الفرج مع الصبر الجميل
لقد كانت حادثة الإسراء والمعراج خاتمة أحداث مكة وما فيها من قسوة وإيذاء لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتعرّضه وهو في مكة إلى صنوف مختلفة من الاضطهاد، وقبل الإسراء بزمن يسير فقد، عليه السّلام، ركنين من أركان دعوته، هما زوجته خديجة رضي الله عنها وعمُّه أبي طالب، وقد كانَا يعينانه ويحميانه من أذى قريش، إلاّ أن هذا لم يمنعه صلّى الله عليه وسلّم من الصبر والثبات. حتّى جاءت حادثة الإسراء تكريما وتسلية له عليه السّلام، وجاء الفرج من الله الكريم، وكأنّه تعالى يقول لنبيّه: إذا أدار لك أهل الأرض ظهورهم، فها هي السّماء تفتح لك الأبواب، والأنبياء فيها يقدّمون لك الترحاب.
ثانيًا: لماذا كانت الرحلة إلى بيت المقدس أوّلاً؟
لقد أخبر القرآن الكريم أنّ المغزى من ذلك جعل سيّدنا رسول الله يرى طرفًا من آيات ربّه، ولعلّ من هذه الآيات إعلان انتقال النّبوة من أمّة إلى أمّة، من ذرية إسرائيل إلى ذرية إسماعيل. أجل لقد ظلّت النّبوات دهورا طوالاً وقفا على بني إسرائيل، فلمّا أهدر اليهود كرامة الوحي حلّت بهم لعنة الله، وتقرّر تحويل القيادة الروحية عنهم إلى الأبد، كما يقول الشيخ الغزالي، ويظهر هذا جليًا في صلاته عليه السّلام بالأنبياء ركعتين في المسجد الأقصى، وكأن هذه الإمامة إقرار مبيّن بأنّ الإسلام كلمة الله الأخيرة في خلقه، ومحمّدا صلّى الله عليه وسلّم خاتم المرسلين. وكان حضوره عليه السّلام إلى بيت المقدس، بمثابة حفل تسليم لمفاتيح المدينة المقدسة، لتصير أمانة في عنق كلّ مسلم ومسلمة.
أجل إنّ مرور النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالمسجد الأقصى ينبّهنا إلى المكانة العظيمة والقيمة الحضارية الّتي يتبوأها هذا المسجد في تاريخنا. وإلى العلاقة الوثيقة الّتي تربط أمّة الإسلام بثالث الحرمين. إنّ حادثة الإسراء والمعراج تنبّه كلّ مسلم إلى المسؤولية الملقاة على عاتقه تجاه المسجد الأقصى.
ثالثًا: الصّلاة هدية الإسراء إلى الأمّة
فرض الله على هذه الأمّة، ليلة المعراج، فريضة الصّلاة، وفي هذا تنبيه إلى فضلها حيث لم تُفرض إلاّ في الحضرة القدسية المطهّرة، وهذا لتكون معراجا يرقى بالنّاس كلّما تدلّت بهم شهوات النُّفوس وأعراض الدنيا. ومنذ رحلة الإسراء صارت الصّلاة منهاج حياة للمسلم، فهي أوّل ما يبدأ به يومه في صلاة الفجر وآخر ما يختم به يومه في صلاة العشاء. وإذا حَزَبه أمرٌ صلّى، وإذا احتار في أمر صلّى صلاة الاستخارة، وإذا وافته المنية كان آخر عهده بالدنيا صلاة الجنازة. فهي منهاج حياة من الميلاد إلى ما بعد الممات، وهي النُّور في القبر، وأوّل ما يحاسب عنه العبد يوم القيامة.
رابعًا: التيسير ورفع الحرج من مقاصد الشّريعة الغرّاء
ورد في خاتمة حديث البخاري في المعراج قوله تعالى: ''أمضيتُ فريضتي وخفّفتُ عن عبادي''، وفي هذا إشارة إلى مقصد التّخفيف والتّيسير، فقد فُرضت الصّلاة في بداية الأمر خمسين صلاة في اليوم، ثمّ خُفّفت فصارت خمسًا في الأداء وخمسين في الثواب.
فالحرج مرفوع والتّخفيف مشروع، بقوله تعالى: {وَما جعل عليكُم في الدِّين مِن حَرَج}، وقد وردت أحاديث نبوية كثيرة تنوّه بالتّيسير والسّماحة، وأنّها أوصاف للشّريعة ومقاصد لها.
وعليه فالنّاس عمومًا، وأهل الإجتهاد خصوصًا، مطالبون بمراعاة هذا المقصد في اجتهاداتهم تأسيًا بالشّريعة الغرّاء، وبرسولها خاتم الأنبياء. الأستاذ: خليفة بشاطة*إمام مسجد بلال - حي الرياض بقسنطينة
nabil-
- الجنس :
عدد المساهمات : 1568
نقاط : 12531
تاريخ التسجيل : 11/05/2011
مواضيع مماثلة
» ما الحكمة أن الله جعل الإسراء والمعراج فى الليل
» الإسراء والمعراج صفاء القلوب وطهارة النفوس
» لماذا كان الإسراء ليلاً ولم يكن نهاراً
» عاااجل .... الليلة الاسراء والمعراج...
» ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا [الإسراء:36]
» الإسراء والمعراج صفاء القلوب وطهارة النفوس
» لماذا كان الإسراء ليلاً ولم يكن نهاراً
» عاااجل .... الليلة الاسراء والمعراج...
» ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا [الإسراء:36]
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 20:46 من طرف علي عبد الله البسامي
» ترياق الهَذَر
السبت 9 نوفمبر - 0:32 من طرف علي عبد الله البسامي
» تحية لفرسان لبنان
الجمعة 1 نوفمبر - 23:43 من طرف علي عبد الله البسامي
» أشجان عربية
الجمعة 25 أكتوبر - 22:54 من طرف علي عبد الله البسامي
» فلنحم وجودنا
الإثنين 21 أكتوبر - 22:13 من طرف علي عبد الله البسامي
» وداع الأبطال
الأحد 20 أكتوبر - 10:19 من طرف علي عبد الله البسامي
» بين الدين والاخلاق
الجمعة 18 أكتوبر - 10:36 من طرف علي عبد الله البسامي
» حول مفهوم الحضارة
الجمعة 18 أكتوبر - 10:33 من طرف علي عبد الله البسامي
» فيم تكمن قيمة الانسان ؟؟؟
الجمعة 18 أكتوبر - 10:30 من طرف علي عبد الله البسامي
» حزب المجد
الخميس 17 أكتوبر - 23:24 من طرف علي عبد الله البسامي
» نداء الإقدام
السبت 12 أكتوبر - 13:59 من طرف علي عبد الله البسامي
» نداء الى امّتنا
الخميس 10 أكتوبر - 16:49 من طرف علي عبد الله البسامي
» حقيقة الثقافة
الجمعة 20 سبتمبر - 14:56 من طرف علي عبد الله البسامي
» وجعٌ على وجع
الإثنين 16 سبتمبر - 17:28 من طرف علي عبد الله البسامي
» تعاظمت الجراح
الأحد 15 سبتمبر - 17:57 من طرف علي عبد الله البسامي
» بجلوا الابطال
الجمعة 13 سبتمبر - 17:37 من طرف علي عبد الله البسامي
» موقف عز وشرف
الثلاثاء 20 أغسطس - 0:19 من طرف علي عبد الله البسامي
» نداء الوفاق
الخميس 8 أغسطس - 18:27 من طرف علي عبد الله البسامي
» رثاء الشهيد اسماعيل هنية
الأربعاء 31 يوليو - 18:37 من طرف علي عبد الله البسامي
» هدهد الجنوب
الجمعة 26 يوليو - 20:41 من طرف علي عبد الله البسامي