حرية التعبير بين معاداة السامية وإزدراء الأديان ..
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
حرية التعبير بين معاداة السامية وإزدراء الأديان ..
حرية التعبير حق أصيل من حقوق الإنسان ناضلت كل شعوب العالم طويلا قبل أن تحصل عليه وتتمكن من إقراره، فى دساتيرها وقوانينها المحلية أولا، ثم فى الوثائق والإعلانات والمعاهدات الدولية بعد ذلك. ولأنه حق يتيح لكل إنسان القدرة على إظهار مواهبه الإبداعية، والتعبير عنها بكل الأشكال الفنية الممكنة، وتمكينه أيضا من الدفاع عن جميع حقوقه الأخرى والتنديد بمن ينتهكها، تعد حرية التعبير واحدة من «أمهات» الحقوق الإنسانية إن جاز التعبير. لذا يصعب فى الواقع تصور الحياة البشرية المعاصرة دون كفالة هذا الحق لكل مواطن، وهو ما يفسر لماذا تستميت النظم الديمقراطية فى التمسك به ووضع الآليات الكفيلة بحمايته والتوسع فى تفسيره إلى أقصى حد ممكن.
ورغم إدراك النظم الديمقراطية المعاصرة المخاطر التى قد تترتب على إساءة استخدام هذا الحق، فإنها تقاوم بشدة كل المحاولات الرامية للحد منه، ومن ثم لا تتجاوب مع هذه المحاولات، إلا فى أضيق الحدود ولضرورات قصوى تتعلق بحماية الحقوق الفردية والجماعية الأخرى. ومع ذلك يلاحظ أن دولا ديمقراطية أقدمت منذ سنوات على سن قوانين تجرم «معاداة السامية»، وتعاقب كل من يحاول التشكيك فى «المحرقة» التى تعرض لها يهود ألمانيا إبان الحكم النازى. ففى أكتوبر عام 2004 أقر الكونجرس الأمريكى «قانون معاداة السامية»، وصدق عليه الرئيس جورج بوش الابن فور صدوره، وراح العديد من الدول الأوروبية يحذو حذو الولايات المتحدة ويسن تباعا قوانين مشابهة.
كانت قوانين معاداة السامية قد بُررت عند ظهورها بالرغبة فى وقاية البشرية من شرور العنصرية ومنع التميير ضد أقليات دينية أو طائفية أو إثنية بعينها، غير أنه ما لبث أن تبين أن الغرض الأساسى من هذه التشريعات، التى صدرت فى الواقع تحت ضغط اللوبى المؤيد لإسرائيل، هو تحصين السياسات الإسرائيلية، مهما بدت مخالفة للقوانين الدولية، والتعامل مع أى انتقادات توجه لها، باعتبارها شكلا من أشكال «معاداة السامية»، ومن ثم تستحق التجريم والعقاب. وفى سياق كهذا، بدت الدول الغربية، ربما بسبب شعور عميق بعقدة الذنب عن مسؤوليتها عن المحرقة اليهودية، مستعدة للتضحية بقيمة أساسية من قيم ديمقراطية وبحق أساسى من حقوق الإنسان، وتم تقييد حرية التعبير إلى الدرجة التى طالت كتابا وصحفيين وفلاسفة كباراً قدموا للمحاكمة، بسبب كتابات تعبر عن وجهة نظر تؤكد استخدام إسرائيل «المحرقة» أداة للابتزاز، وتدين إسرائيل بسبب إمعانها فى انتهاك حقوق الإنسان الفلسطينى والقوانين الدولية.
لقد انحسرت ظاهرة معاداة السامية فى الغرب وحلت محلها ظاهرة «الإسلاموفوبيا» أو الخوف من الإسلام، حيث راح كثيرون يتعاملون مع كل من يحمل اسما لمسلم وكأنه مشروع إرهابى. وقد عبرت هذه الظاهرة عن نفسها من خلال نصوص كتبت وصور وأشكال رسمت وأفلام أخرجت، تندد كلها بالإسلام وتتهجم على رسوله، كان آخرها ذلك الفيلم الذى ظهر فى الولايات المتحدة، ليعرض فى ذكرى أحداث الحادى عشر من سبتمبر. وفى كل مرة يعبر المسلمون عن غضبهم، ويطالبون بمنع أشكال التعبير المسيئة لدينهم ولنبيهم يقال لهم: «نحن حكومات ديمقراطية تكفل حرية التعبير للجميع».
لو لم يكن هذا الغرب هو نفسه الذى قام بإصدار قوانين تجرم معاداة السامية، ولم يتردد فى تقديم رجال من أمثال روجيه جارودى إلى المحاكمة، لكنت أول المدافعين عن موقفه، انطلاقا من قناعتى التامة بأن الأضرار الناجمة عن سوء استخدام حرية التعبير، خصوصا على المدى البعيد، ربما تكون أقل بكثير من الأضرار الناجمة عن تقييدها. أما وأن الغرب قد أقدم بالفعل على تقييد الحرية، بحجة منع التمييز ضد اليهود، فمن باب أولى أن يقدم على تقييدها مرة ثانية لمنع التمييز ضد المسلمين. والأفضل فى هذه الحالة أن يكتفى بتعديل قوانين معاداة السامية، لتصبح قوانين تجرم ازدراء الأديان السماوية كلها. أما إذا أصرت الحكومات الغربية على موقفها الراهن فلن يكون لذلك سوى معنى واحد وهو أن الحكومات الغربية شريك، إن لم تكن المحرض الأساسى، فيما يجرى الآن!
أليس من المفارقة أن يكون العرب والمسلمون هم المتضرر الرئيسى، وربما الوحيد، من القوانين التى تجرم معاداة السامية ومن القوانين التى تكفل حرية التعبير فى الوقت نفسه؟ فبينما تتكفل قوانين معاداة السامية بمنح إسرائيل الضوء الأخضر لانتهاك الحقوق الجماعية للفلسطينيين، تتكفل قوانين حرية التعبير بمنح الضوء الأخضر للسخرية من العرب ومن رسول الإسلام.
فيا سادة الغرب: إما أن تقوموا فورا بإصدار قوانين تجرم ازدراء الأديان السماوية كلها، أو تقوموا فورا بإلغاء قوانين معاداة السامية، لضمان حرية التعبير، وتضغطوا فى الوقت نفسه بكل قواكم على إسرائيل، لحملها على وقف الاستيطان وقيام دولة فلسطينية مستقلة، أما استمرار الوضع الحالى فلن يقود إلا إلى كارثة.
للدكتور / حسن نافعة .. أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
ورغم إدراك النظم الديمقراطية المعاصرة المخاطر التى قد تترتب على إساءة استخدام هذا الحق، فإنها تقاوم بشدة كل المحاولات الرامية للحد منه، ومن ثم لا تتجاوب مع هذه المحاولات، إلا فى أضيق الحدود ولضرورات قصوى تتعلق بحماية الحقوق الفردية والجماعية الأخرى. ومع ذلك يلاحظ أن دولا ديمقراطية أقدمت منذ سنوات على سن قوانين تجرم «معاداة السامية»، وتعاقب كل من يحاول التشكيك فى «المحرقة» التى تعرض لها يهود ألمانيا إبان الحكم النازى. ففى أكتوبر عام 2004 أقر الكونجرس الأمريكى «قانون معاداة السامية»، وصدق عليه الرئيس جورج بوش الابن فور صدوره، وراح العديد من الدول الأوروبية يحذو حذو الولايات المتحدة ويسن تباعا قوانين مشابهة.
كانت قوانين معاداة السامية قد بُررت عند ظهورها بالرغبة فى وقاية البشرية من شرور العنصرية ومنع التميير ضد أقليات دينية أو طائفية أو إثنية بعينها، غير أنه ما لبث أن تبين أن الغرض الأساسى من هذه التشريعات، التى صدرت فى الواقع تحت ضغط اللوبى المؤيد لإسرائيل، هو تحصين السياسات الإسرائيلية، مهما بدت مخالفة للقوانين الدولية، والتعامل مع أى انتقادات توجه لها، باعتبارها شكلا من أشكال «معاداة السامية»، ومن ثم تستحق التجريم والعقاب. وفى سياق كهذا، بدت الدول الغربية، ربما بسبب شعور عميق بعقدة الذنب عن مسؤوليتها عن المحرقة اليهودية، مستعدة للتضحية بقيمة أساسية من قيم ديمقراطية وبحق أساسى من حقوق الإنسان، وتم تقييد حرية التعبير إلى الدرجة التى طالت كتابا وصحفيين وفلاسفة كباراً قدموا للمحاكمة، بسبب كتابات تعبر عن وجهة نظر تؤكد استخدام إسرائيل «المحرقة» أداة للابتزاز، وتدين إسرائيل بسبب إمعانها فى انتهاك حقوق الإنسان الفلسطينى والقوانين الدولية.
لقد انحسرت ظاهرة معاداة السامية فى الغرب وحلت محلها ظاهرة «الإسلاموفوبيا» أو الخوف من الإسلام، حيث راح كثيرون يتعاملون مع كل من يحمل اسما لمسلم وكأنه مشروع إرهابى. وقد عبرت هذه الظاهرة عن نفسها من خلال نصوص كتبت وصور وأشكال رسمت وأفلام أخرجت، تندد كلها بالإسلام وتتهجم على رسوله، كان آخرها ذلك الفيلم الذى ظهر فى الولايات المتحدة، ليعرض فى ذكرى أحداث الحادى عشر من سبتمبر. وفى كل مرة يعبر المسلمون عن غضبهم، ويطالبون بمنع أشكال التعبير المسيئة لدينهم ولنبيهم يقال لهم: «نحن حكومات ديمقراطية تكفل حرية التعبير للجميع».
لو لم يكن هذا الغرب هو نفسه الذى قام بإصدار قوانين تجرم معاداة السامية، ولم يتردد فى تقديم رجال من أمثال روجيه جارودى إلى المحاكمة، لكنت أول المدافعين عن موقفه، انطلاقا من قناعتى التامة بأن الأضرار الناجمة عن سوء استخدام حرية التعبير، خصوصا على المدى البعيد، ربما تكون أقل بكثير من الأضرار الناجمة عن تقييدها. أما وأن الغرب قد أقدم بالفعل على تقييد الحرية، بحجة منع التمييز ضد اليهود، فمن باب أولى أن يقدم على تقييدها مرة ثانية لمنع التمييز ضد المسلمين. والأفضل فى هذه الحالة أن يكتفى بتعديل قوانين معاداة السامية، لتصبح قوانين تجرم ازدراء الأديان السماوية كلها. أما إذا أصرت الحكومات الغربية على موقفها الراهن فلن يكون لذلك سوى معنى واحد وهو أن الحكومات الغربية شريك، إن لم تكن المحرض الأساسى، فيما يجرى الآن!
أليس من المفارقة أن يكون العرب والمسلمون هم المتضرر الرئيسى، وربما الوحيد، من القوانين التى تجرم معاداة السامية ومن القوانين التى تكفل حرية التعبير فى الوقت نفسه؟ فبينما تتكفل قوانين معاداة السامية بمنح إسرائيل الضوء الأخضر لانتهاك الحقوق الجماعية للفلسطينيين، تتكفل قوانين حرية التعبير بمنح الضوء الأخضر للسخرية من العرب ومن رسول الإسلام.
فيا سادة الغرب: إما أن تقوموا فورا بإصدار قوانين تجرم ازدراء الأديان السماوية كلها، أو تقوموا فورا بإلغاء قوانين معاداة السامية، لضمان حرية التعبير، وتضغطوا فى الوقت نفسه بكل قواكم على إسرائيل، لحملها على وقف الاستيطان وقيام دولة فلسطينية مستقلة، أما استمرار الوضع الحالى فلن يقود إلا إلى كارثة.
للدكتور / حسن نافعة .. أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
طبيبة القلوب الخضراء-
- الجنس :
عدد المساهمات : 7073
نقاط : 18577
تاريخ التسجيل : 09/05/2012
بطاقة الشخصية
زنقتنا: 69
رد: حرية التعبير بين معاداة السامية وإزدراء الأديان ..
لعنة الله عليهم وعلى قوانينها التي سنوها وشرعوها لخدمة مصالحهم
????- زائر
رد: حرية التعبير بين معاداة السامية وإزدراء الأديان ..
فعلا سياسية الغربية سياسة قذرة
صخور ليبيا-
- الجنس :
عدد المساهمات : 5022
نقاط : 14999
تاريخ التسجيل : 19/09/2011
مواضيع مماثلة
» اين حرية التعبير التى تدعونها ايها الظلاميون ؟اقامة حد الحرابه على المعتصمين السلميين
» حرية التعبير و ازدواجية المعايير
» يجب أيقاف ألآيفاد بالكامل من أدارة البعات وفورا .. والا الزحف عليها
» الجرذان يحاربون حرية التعبير والتفكير في العالم ويستدعون سفيرهم في الجزائر
» حرية التعبير في فرنسا تدافع عن خرافات اليهود وتهين مقدسات المسلمين
» حرية التعبير و ازدواجية المعايير
» يجب أيقاف ألآيفاد بالكامل من أدارة البعات وفورا .. والا الزحف عليها
» الجرذان يحاربون حرية التعبير والتفكير في العالم ويستدعون سفيرهم في الجزائر
» حرية التعبير في فرنسا تدافع عن خرافات اليهود وتهين مقدسات المسلمين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد 24 نوفمبر - 16:39 من طرف علي عبد الله البسامي
» نكبة بلد المشاعر
السبت 23 نوفمبر - 14:40 من طرف علي عبد الله البسامي
» الى فرسان اليمن
الأربعاء 20 نوفمبر - 20:28 من طرف larbi
» تخاذل أمّة
الجمعة 15 نوفمبر - 20:46 من طرف علي عبد الله البسامي
» ترياق الهَذَر
السبت 9 نوفمبر - 0:32 من طرف علي عبد الله البسامي
» تحية لفرسان لبنان
الجمعة 1 نوفمبر - 23:43 من طرف علي عبد الله البسامي
» أشجان عربية
الجمعة 25 أكتوبر - 22:54 من طرف علي عبد الله البسامي
» فلنحم وجودنا
الإثنين 21 أكتوبر - 22:13 من طرف علي عبد الله البسامي
» وداع الأبطال
الأحد 20 أكتوبر - 10:19 من طرف علي عبد الله البسامي
» بين الدين والاخلاق
الجمعة 18 أكتوبر - 10:36 من طرف علي عبد الله البسامي
» حول مفهوم الحضارة
الجمعة 18 أكتوبر - 10:33 من طرف علي عبد الله البسامي
» فيم تكمن قيمة الانسان ؟؟؟
الجمعة 18 أكتوبر - 10:30 من طرف علي عبد الله البسامي
» حزب المجد
الخميس 17 أكتوبر - 23:24 من طرف علي عبد الله البسامي
» نداء الإقدام
السبت 12 أكتوبر - 13:59 من طرف علي عبد الله البسامي
» نداء الى امّتنا
الخميس 10 أكتوبر - 16:49 من طرف علي عبد الله البسامي
» حقيقة الثقافة
الجمعة 20 سبتمبر - 14:56 من طرف علي عبد الله البسامي
» وجعٌ على وجع
الإثنين 16 سبتمبر - 17:28 من طرف علي عبد الله البسامي
» تعاظمت الجراح
الأحد 15 سبتمبر - 17:57 من طرف علي عبد الله البسامي
» بجلوا الابطال
الجمعة 13 سبتمبر - 17:37 من طرف علي عبد الله البسامي
» موقف عز وشرف
الثلاثاء 20 أغسطس - 0:19 من طرف علي عبد الله البسامي