"الربيع العربي "والعدوان على غزة

تخيل البعض جهلا وغباء أن ما يسمى با "الربيع العربي " يشكل لحظة تحرر وانعتاق تخرج بمقتضاها الجماهير العربية من تحت الركام لتحقق الحرية والكرامة وذهب الخيال بالبعض إلى اعتبار أن الشعب الفلسطيني سيكون أول المستفيدين من هذا الأمر خاصة بعد أن وصلت جماعة الإخوان إلى السلطة في مصر المحاذية لقطاع غزة وليبيا وتونس والمغرب، ورغم الآلام والمآسي والحرب الأهلية والفتنة التي واكبت مايسمى با"الربيع العربي" والدماء الغزيرة التي سالت بسببه فإن أطرافا كثيرة في الأمة ظلت تصم الأذان وتؤكد على أن لحظة الإنتصار قد أزفت ويذهب البعض أبعد من ذلك فيعتبر أن إرادة الله في أن ينتصر المسلمون رجما بالغيب واستخفافا بعقول الناس قد حانت.
لكن المعطيات على الأرض والتجربة المريرة التي تعاني منها الأمة وحالة الإستهداف التي يصطف فيها الإخوان إلى جانب التكفيريين والصليبين والرجعيين لقتل المشروع القومي وذبح الأمة العربية تؤكد أن الخدعة الكبرى التي انطلت على البعض للأسف بدأت ملامحها تتكشف إن على مستوى أداء حكومات الربيع العربي على الأرض أو على مستوى تعاطيها مع القضية الفلسطينية، فعلى المستوى الأول فإن خيبة الأمل كانت محصلة الأشهر الماضية فالمئة يوم من أداء الدكتور مرسي لم تحقق ماكان رفعه من شعارات بخصوص الحاجات الماسة للمواطن المصري..
وعلى المستوى الخارجي لم تستطع الدبلوماسية المصرية أن تخرج عن الطوق المفروض عليها من طرف السعودية وقطر فتحركت مصر في الجامعة العربية وفي غيرها من المحافل بانسجام تام مع ارادة دول الخليج وتناغمت مع أجندات هذه الدول التابعة كما هو معلوم لدى الجميع لأمريكا والراعية لمصالحها في المنطقة العربية.
أما ليبيا فإن الحال فيها يغني عن السؤال فما جرى في بني وليد من قتل للأطفال والنساء وحالة الإنفلات الأمني وسيطرة الميلشيات والفوضى العارمة تؤكد أن هذا البلد فقد بوصلته وأن ما رفعه ثوار النيتو من شعارات لاعلاقة له بالحقيقة بل إن كل ماجرى كان بهدف احتلال هذا البلد والتحكم في ثروته النفطية والإجهاز على ثورة الفاتح التي رفضت على مدى عقود الإنخراط في المشروع الغربي في المنطقة.
أما الوضع في تونس فليس على ما يرام فالاقتتال بين السلفيين والشرطة وحالة الإحتراب في الشارع وتراجع الحريات الإعلامية وتقلص موارد السياحة كلها تشي بأن الوضع يتجه من سيئ إلى أسوأ، هذه اللوحة القاتمة في بلدان مايسمى با"الربيع العربي" جعلت البعض يتندر فيصفه بالخريف أو الشتاء حيث إختلطت الدماء بالأشلاء وغابت الحقيقة واختلطت الأوراق وشرعت الأبواب أمام التدخل الأجنبي لإعادة احتلال المنطقة العربية من جديد ورسم توجهاتها بما يستجيب للمصالح الغربية.
أما الخاسر الأكبر من هذا الوضع فهي القضية الفلسطينية فطيلة السنتين الماضيتين تحولت التغطية الإعلامية إلى دير الزور في سوريا ولبريقه في ليبيا وعدن في اليمن بشكل مقصود ومتعمد وهو ما مكن إسرائيل من قضم مزيد من الأراضي الفلسطينية وخلق مزيد من الحقائق عبر الإستطان، والآن وفي ظل موجة التصعيد الحالية التي بدأت اليوم بقتل قائد كتائب عز الدين القسام فإن كل الأنظار تتجه إلى أنظمة الربيع العربي وأشياخهم ومموليهم وزعماءهم الروحيين..
فهل ستكتفي هذه الأطراف ببيانات الإدانة التي كانت تعير بها الأنظمة العربية أم ستفجر الأوضاع وتقلب الطاولة على إسرائيل وتثبت بالوقائع أن ما قبل "الربيع العربي" ليس كما بعده فسياسة الهروب من العقاب التي تعودتها إسرائيل لم تعد ممكنة في ظل حكم الإخوان في المنطقة العربية ولعل السلوك المصري بالذات في هذه الأزمة هو ماسيعطي فكرة واضحة للجميع عن ما كان يرفعه الإخوان من شعارات، وحتى لانحكم على النوايا نترك للساعات القادمة الإجابة على هذه الأسئلة الحائرة التي تطرح نفسها بإلحاح على المواطن العربي في هذه اللحظات.
الشيخ سيدي محمد...موقع البديل.."موريتانيا"

بل هو نحس غربي بحت