عن الضباع والإخوان

روى العالم الشيخ أبو بكر البيهقي في آخر شعب الإيمان، عن أبي عبيدة أنه سأل يونس ابن حبيب عن معنى المثل المشهور (كمجير أم عامر)، وأم عامر (هي الضبع ويقال لها نوش الخسيسة) فقال: كان من حديثه أن قوماً خرجوا إلى الصيد في يوم حار فبينما هم كذلك إذ عرضت لهم (أم عامر) وهي الضبع فطردوها فاتبعتهم حتى ألجأوها إلى خباء أعرابي فقال: ما شأنكم؟ قالوا: صيدنا وطريدتنا قال: كلا والذي نفسي بيده لا تصلون إليها ما ثبت قائم سيفي بيدي (لأنها استجارت به). قال: فرجعوا وتركوه، فقام إلى لقحة (ناقة) فحلبها وقرب إليها ذلك، وقرب إليها ماء فأقبلت مرة تلغ من هذا ومرة تلغ من هذا حتى عاشت واستراحت فبينما الأعرابي نائم في جوف بيته، إذ وثبت عليه، فبقرت بطنه، وشربت دمه، وأكلت حشوته, وتركته فجاء ابن عم له فوجده على تلك الصورة فالتفت إلى موضع الضبع فلم يرها فقال: صاحبتي والله : وأخذ سيفه وكنانته واتبعها فلم يزل حتى أدركها فقتلها وأنشأ يقول :

ومن يصنع المعروف في غير أهله

يـلاقي مـا لا قى مجير أم عامر

أدام لـها حين استجـارت بقربه

قـراها مـن ألبان اللقاح الغزائر

وأشبعهــا حتى إذا ما تملأت

فرته بأنياب لهــا وأظافر

فقل لذوي المعروف هذا جزاء من

غداً يصنع المعروف مع غير شاكر

ويعد الضبع من الثدييات التي تلد وترضع صغارها، وهو حيوان مفترس من الحيوانات التي تعتاش على أكل الجيف وبقايا صيد وفرائس الحيوانات الأخرى ، وهي تخرج للبحث عن طعامها ليلا منفردا أو بمجاميع،” كتلك التى يحشدوها قبل كل قرار لتواجه الخصوم مثل أصدقاءنا الذين سنبين أمرهم بعد قليل” إلا أنه صياد ماهر كذلك، ويتميز بقوة فكيه الهائلة، فهو يمكنه سحق العظام بأنيابه.

والضبع حيوان كريه ذو أثر سيئ في النفوس ، ويثير الريبة فيه والاشمئزاز منه. والضباع حيوانات ليلية ذات أصوات مزعجة تشيع الضحك البشع، وهي أكولة نهمة وتنبعث منها رائحة كريهة، ومشيتها عرجاء تقريباً ليس فيها ما يعجب. ولهذه الحيوانات غدد لعابية كبيرة. والأنياب في الضباع غليظة قوية وكذلك الأضراس الأمامية، لتصلح لطحن العظام. وفي تكوين أسنان الضباع ما يمكنها من أكل بقايا الغذاء التي تتخلف عن حيوانات أخرى كالعظام وغيرها، وكذلك لها من قوة عضلات الفكين ما يجعلها أقوى فكاك الحيوانات طراً.

وتلجأ الضباع دائماً إلى الانتظار حتى تصيد الأسود والنمور فرائسها ثم تنقض عليها ممسكة بالفريسة مستعينة بفكيها وأسنانها شديدة القوة لتسرق الفريسة من الصياد الذى لا يجد بداً من تركها حتى لا يدخل فى معركة مع حيوان كريه ذو رائحة مقززة مثل الضبع، ناهيك عن أن الصياد يكون فى شدة الإنهاك من معركة الصيد التى يخرج منها بغنيمته فتلتهمها الضباع.

وإذا طبقنا مع حدث مع ثورة 25 يناير وما تقوم به الضباع المقززة فيمكننا توزيع الأدوار على أرض الواقع طبقاً لما جرى فعلياً.

فالثوار هم أسود ونمور بينما جماعة الإخوان تقوم بدور الضباع ، ولا مناص من اعتبار ان الثورة الفريسة التى أتى بها الثوار فإذا بضباع الإخوان يسرقونها فى لحظات.

وبتتبع ما حدث منذ الإعلان عن نية الشباب التجمع يوم 25 يناير 2011 للمطالبة بالتغيير والحرية والعدالة الإجتماعية من جماعة الإخوان هو نفس سلوك الضباع التى لا تحب الدخول فى معارك الصيد الكبيرة وتفضل أكل الجيف والقاذروات أو سرقة الصيد والغنم من الأسود والنمور. فقادة الإخوان يستنكرون قرار الشباب بالنزول يوم عيد الشرطة ، فهذا لا يليق وعيب أن يتظاهر الشباب يوم عيد الشرطة وهذا كلام عصام العريان بالحرف ، أما الدكتور محمد مرسى فكان توجيهه المباشر للشرنوبى رئيس تحرير موقع إخوان أون لاين : ليس لنا أى علاقة بهذا اليوم ولانشارك فى تلك المظاهرات ودول شوية عيال مجانين، ودا بنص كلام الشرنوبى. وهذا الكلام بالطبع بعد أن خرج عبد الجليل الشرنوبى من عباءة الإخوان فخرجت معه الأسرار

والمتابع لوقائع الأحداث يجد فكراً ضبعياً من طراز متقدم ، “ليس لنا علاقة بما يجرى ودعنا نتفرج ونشاهد لأى الكفتين تميل الغلبة” ، فإن كانت مع مبارك نكون قد رفضنا عداوته والمشاركة فى التظاهر ضده عله يمنحنا نظرة رضا، وإن كانت لخصومه من الشباب فنحن أولى بهم فهم ليسوا أصحاب خبرات ولا تجمعهم رابطة او تنظيم وتتشتت مشاربهم الفكرية بل وتتنافر ولدينا تنظيمنا القوى نواجه به.

وعندما حضر مرسى أول إجتماع مع الراحل عمر سليمان فى القصر الجمهورى لم تكن الصورة قد اتضحت فى ذهنه أو مخيلته وأراد أن يزايد بين الحضور على ضرورة البحث عن طريق للخروج من الأزمة وبقاء الرئيس وإخلاء الميدان، واستمرت ألعاب الضباع بينما الأسود –الثوار – فى الميدان يقولون بعلو الصوت ” إرحل يعنى إمشى “

وفجأة رحل مبارك عن السلطة وهبطت الضباع على الفريسة لتبدأ أولى مراحل سرقة الثورة بإستفتاء 19 مارس الذى أنهى عملياً الثورة ومطالبها وأحل محلها نظاماً يمتاز بخصائص طائر “البطريق” الذى وقف فى منتصف المسافة بين الطائر والحيوان فلا يطير ولا يجرى!

وكانت هذه “الثورة المبتورة” البطريق الذى أراده الإخوان وشركاءهم فى المجلس العسكرى، وظلت البلاد تخرج من نفق لتدخل فى دوامة ، وكما يقول المثل ” تخرج من حفرة لتقع فى دحديرة” حتى انتهت الثورة يوم أعلنت لجنة الانتخابات الرئاسية أن جولة الإعادة بين شفيق ومرسى، أى على المصريين الاختيار بين نظام مبارك ونظام المرشد فى ثنائية عجيبة جعلت 25 مليون مصرى يصوتون بطريقة احتجاجية نصفهم يصوت ضد مرشح و الباقى يصوت ضد مرشح منافسه، وهذه حالة غير مسبوقة فى تاريخ الانتخابات أن يكون التصويت كله احتجاجياً. كانت الضباع تحاول وتسعى للإجهاز على بقية الفريسة فاستعملت ما طاب لها من دعاوى الكذب والإدعاء بالثورية حتى اقتسم الطرفان أصوات من خرجوا إلا قليلاً ميزت مرسى عن شفيق.

وفى خلال أيام قليلة اكتشف المصريون أن الضباع التهمت الثورة ومطالبها فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية ، ولم يبقى لهم سوى كلام من عينة : “أن الرئيس يصلى الفجر ويخطب الجمعة ويحفظ القرأن” ، وهذا كله رغم حسنه لصاحبه إلا أنه لا يفيد الناس بشىء.

وهكذا غلبت طباع الضباع كل ماحاول الثوار أن يمنعوها عن ما تعودت عليه، ومثلما أكل الضبع “مُجيره” فى أول المقال أكل الإخوان كل من وقف معهم وأزرهم فى الانتخابات الرئاسية ناهيك عن أكلهم الثوار أصحاب الثورة من البداية ولله فى خلقه شئون.

فيبدو أنه كما للضباع فوائد بيئية فلابد أن يكون للإخوان فوائد أيضاً بوجودهم فى الحياة السياسية، حتى يتبين للناس الغث من السمين والصالح من الطالح والنافع من الضار .. وعلى الله قصد السبيل

كتبه : ناصر أبو طاحون

ومن يصنع المعروف في غير أهله

يـلاقي مـا لا قى مجير أم عامر

أدام لـها حين استجـارت بقربه

قـراها مـن ألبان اللقاح الغزائر

وأشبعهــا حتى إذا ما تملأت

فرته بأنياب لهــا وأظافر

فقل لذوي المعروف هذا جزاء من

غداً يصنع المعروف مع غير شاكر