في كتاب له، عبدالباسط المقرحي: أنتم المحلفون: متهم، مذنب أم برئ؟
4 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
في كتاب له، عبدالباسط المقرحي: أنتم المحلفون: متهم، مذنب أم برئ؟
في كتاب له، عبدالباسط المقرحي: أنتم المحلفون: متهم، مذنب أم برئ؟
بحث
"إن
كنت إرهابيا فأنا إرهابي ساذج" هكذا يختم عبد الباسط المقرحي، كتابه،
المقرحي: انتم المحلفون ـ دليل لوكربي’، وهو الكتاب الذي أعده مع الصحافي
البريطاني جون آشتون، وفي الكتاب يحاول المتهم الوحيد- المدان في حادث
تحطم طائرة "بان ام -103 الأمريكية " فوق بلدة لوكربي في 21 كانون الأول
(ديسمبر) 1988، تقديم شهادته للعالم الذي يعتبره قاتلا بالجملة، قتل 270
راكبا على متن الطائرة التي كانت متوجها لمطار "جي اف كيندي في نيويورك.
ويقول المقرحي الذي يرقد على فراش الموت، وسيموت في أي لحظة بسبب
سرطان البروستات، انه لا يهدف من كتابة شهادته إلقاء اللوم على الآخرين
فقد حدث ما حدث له، وعانى تسعة أعوام في سجن اسكتلندي، ويعتقد نفسه بانه
بريء ومن يقرأ الكتاب يخرج بنفس النتيجة، ومعد الكتاب آشتون وان اعتذر
لعائلات الضحايا التي لا تزال تطالب بتسليمه لامريكا، يرى نفس الأمر أن
الرجل ‘بريء’ ربما من ناحية البراءة الإنسانية، اذ جاء هذا في معرض حديثه
عن شخصية المقرحي.
وفي معرض دفاعه عن نفسه يقول المقرحي ان هناك ثروة من الأدلة
كانت كافية لتبرئته في المحكمة التي عقدت على ارض محايدة عام 2000 في
كامب زيست ولكنها لم تستخدم. ويقول ان المنطق يقضي انه ان كان مجرما
ومتواطئا مع "الامين فحيمة " المتهم الآخر، وخططا للعملية ونفذاها نيابة
عن الدولة الليبية فالمنطق يقتضي تبرئة ساحته مثلما برئت ساحة فهيمة.
ويقول المقرحي انه سيموت ويحمل معه السؤال عمن ورطه وورط دولته
في عمل لم يقوما به. فهو لا يلوم الشرطة التي تابعت أدلة قادت الى تحديد
هويته ولا الادعاء الذي قام بتخييط قضية قامت على معلومات قدمها، عميل
مزدوج ومرتزق، واستعراض مثير للضحك بهدف تحديد هوية القاتل، وعميل ليبي
للمخابرات الأمريكية، ووثائق تحقيق وجمع أدلة مليئة بالفجوات. كل هذا فقد
كان مجالا للتشكيك في شهادة بائع الملابس المالطي توني، غوتشي ومعلومات
العميل الليبي ماجد غيكا الذي اتهم المقرحي قبل ان يتوصل المحققون لتحديد
اسمه، وادوين بوليير السويسري الذي تعامل معه المقرحي في مجال تجارة
الالكترونيات وعقود للجيش الليبي، فبوليير اندفع نحو اتهام المقرحي من اجل
المال.
ويعتقد المقرحي ان غوتشي الذي ‘تعرف’ على المقرحي في كامب زيست
كان يعرف ان هناك جائزة مالية كبيرة تنتظره، حيث قام بمهمة ما لصالح
المخابرات الامريكية او غيرها من الهيئات الامنية ذات المصلحة، فقد جاء
تعرفه على صورة المقرحي بعد عشرة اعوام من الحادث.
ومع ذلك يقول السجين الليبي السابق، ان غوتشي لم يكن الا بائع
البسة بسيطا وجد نفسه في وسط تحقيق دولي. مما يعني ان جهات ما استفادت منه
واغرته بالوعود، ولهذا يحرص المقرحي على توجيه رسالة لغاوتشي اكد له
مقسما بالله انه لم يزر في حياته محله ولم يشتر منه اي ملابس ‘ لم اكن في
محلك ولم ارك في حياتي حتى التقينا في قاعة المحكمة، ومثلما تلقيت انت
واخيك جائزة كبيرة على تأكيد اتهامي وجلبتما الالم على عائلتي وبلدي اريد
توجيه سؤال لكما، الا تشعران بالندم، واود القول لكما، انني اسامحكما، وفي
يوم سنلتقي امام الله واتمنى ان يكون مسامحا، وليس لدي ما اخافه’. ولكنه
يجد من الصعوبة بمكان مسامحة من قدموا له الجائزة ومن كانت امامهم الادلة
الواضحة لتبرئته ولكنهم تعاموا عن الحقيقة، فإنني’ لن اسامح من ضللوا
المحكمة بناء على معلومات الجعايكة’ (عبدالمجيد) العميل الليبي. ولم تخل
رسالة المقرحي الاخيرة من مرارة لان فريق الدفاع عنه فشل في مساءلته لغوتشي
ومواجهته وسؤاله اسئلة كانت ستكشف خداعه. ويعبر عن مرارته من القضاء
الاسكتلندي وكيف اعتبره ثلاثة من احسن العقول القانونية في اسكتلندا
مذنبا، فيما اعتبره الاسكتلنديون العاديون ممن عرفوه بريئا. وخاطب عائلات
ضحايا لوكربي قائلا انه لا يرغب في زيادة المهم خاصة انهم غاضبون على
اطلاق سراحه، وكل ما يرغب بقوله لهم انه ‘بريء’، وانه يؤيد مطالب عائلات
البريطانيين بتحقيق جديد في التفجير ‘ بالتأكيد سأموت وان احمل فوق كتفي
قرار المحكمة، لكن ضميري مرتاح، وسأصلي حتى اخر نفس ان يتم كشف قصص لوكربي
في يوم من الايام ويعرفها الجميع’.
قصة لوكربي هي شهادة من المتهم الوحيد في ايامه الاخيرة كتبها
وبحث في ظروفها الصحافي البريطاني جون آشتون حيث يحاول العودة بنا الى
الظروف التي قادت للتفجير ووضعه في سياق العلاقات الدولية، وظروف الحرب
الباردة وحرب ادارة كلينتون على الارهاب، ثم التفجير والتحقيقات التي تمت
في كل خيوط القضية من فرانكفورت الى السنغال والتوغو واليابان وليبيا
والسويد، ومالطة، والقوى التي شاركت في بناء القضية ضد الليبيين فحيمة
والمقرحي. وجون اشتون يفكك القصة من بدايتها، حيث يحاول ملاحقة النظرية
الاولى عن الدور الايراني في العملية، وعلاقة الجبهة الشعبية ـ القيادة
العامة بها، حيث يشير الى ان ايران اتفقت مع جبريل على القيام بعمليات
انتقامية في اوروبا بعد استهداف القوات الامريكية لطائرة مدنية ايرانية
(ايران اير 655) وقتل 290 شخصا كانوا على متنها. ويقال ان جبريل في اجتماعه
مع المسؤولين الايرانيين اتفق على تلقي مبلغ 1.3 مليون دولار او 10
ملايين بهذا الشأن. ويكشف الكتاب عن نشاطات خلية للجبهة الشعبية القيادة
العامة التي قامت بعدد من العمليات واستهدفت مكاتب وخطوط ، وفي قلب نشاطات
القيادة العامة كانت هناك خلية نويس قرب دوسلدورف فيما كان يعرف بالمانيا
الغربية ، التي كان يديرها حافظ دلقموني، ومن افرادها خبير المتفجرات
الاردني، مروان خريسات، اضافة الى هاشم عباسي، صهر الدلقموني والذي كان
يدير بقالة في المدينة، ويعتبر خريسات من اهم الشخصيات من الناحية التقنية
لانه قام بأعداد العبوات الناسفة بزرعها في عدد من اجهزة التسجيل من ماركة
توشيبا وزودها باجهزة توقيت. وكشف لاحقا ان خريسات كان عميلا مزدوجا يتصل
بالمخابرات الاردنية، وهو ما ادى للكشف عن نشاطات الخلية في عملية اطلقت
عليها الاستخبارات الالمانية ‘عملية اوراق الخريف’. ومع ان الادعاء اثناء
محاكمة المقرحي لم يلتفت الى الخلية ونشاطاتها الا ان الكاتب يظهر ان هناك
خيوطا لم يلاحقها الادعاء وكان يمكن ان تؤدي الى تبرئة ساحة المقرحي،
فهناك في القصة شخصية غامضة هي ابو الياس الذي كان من المتوقع ان يلتقيه
الدلقموني مع خريسات، والذي قيل انه خبير في صناعة المتفجرات. وعندما تم
تفكيك الخلية لم تتم مصادرة الا اربعة اجهزة متفجرة فيما اختفى جهاز خامس
وهي العبوة التي يرجح انها استخدمت في تفجير الطائرة. والسيناريو حول
استخدام المتفجرة هذه يدور حول رجل اخر، لبناني كان على متن الطائرة عندما
تفجرت وهو خالد جعفر، حيث كان يحمل معه كميات من المخدرات عثر عليها فيما
بعد في المنطقة التي تحطمت فيها الطائرة، ولكن تم التعتيم عليها. ويشير
تحليل الكاتب الى امكانية وجود نوع من التعاون بين جعفر ومسؤولين في
المخابرات الامريكية الذين غضوا الطرف عن عملياته من اجل تقديم معلومات عن
الرهائن الامريكيين لدى حزب الله. ويظل جعفر ابو الياس الرابط المهم الذي
يرجح من امكانية دور ايراني في العملية. ادى تحطم الطائرة الايرانية في 3
تموز (يوليو) 1988 الى انتشار توقعات بهجمات انتقامية. وقد تم تجاهل
التحذيرات التي صدرت من هيئات امنية غربية من قبل حكومات غربية منها
بريطانيا عن رد ايراني محتوم. وكانت وزارة الدفاع الامريكية غلفت الحادث
بغلاف من السرية. وقالت ان البارجة فينسنس اعتقدت انها هدفا لهجوم من
مقاتلة حربية ايرانية. ولم يعتذر الرئيس الامريكي في حينه عن العملية.
وبعيدا عن الوضع الايراني فإن خلية المانيا كانت مراقبة نظرا لوجود العميل
الاردني، وادت العملية لتفكيك البنى التحتية لخلايا القيادة العامة، ولكن
الحلقة المفقودة ظلت ابو الياس، فقد كان من المتوقع ان يلتقي خريسات
والدلقموني معه، لكن الاعتقال حدث قبل ان تتم المقابلة. وفي حيثيات محاكمة
المقرحي فان الحلقة المفقودة وشخصية ابو الياس كان يجب اخذها بالاعتبار
خاصة ان الجهاز الخامس الذي اعده خريسات فقد. نقاط الضعف لم تقتصر على
خلية المانيا، بل شملت ملامح اخرى من القضية والتي حددها الكاتب، بالعميل
المزدوج ، بوليير، والعميل الفنتازي الذي باع المخابرات البحر مقابل المال
وقصة الحقيبة، كما حلل دور الخبراء في تضييع الكثير من الادلة اما لنقص
الخبرة او للثغرات التي شابت عملية التحقيق وجمع الادلة بعد تحطم الطائرة،
فالكاتب هنا يشير الى تداخل في جمع المعلومات بين خبراء الاف بي اي،
ومحققي الشرطة الاسكتلنديين، وقد ادى هذا لاخفاء الكثير من الادلة، مما
اثر على النتائح التي توصل اليها خبراء التشريح الجنائيون وتحليل العينات
التي اخذت من الحادث، وفي هذا الاتجاه فالقارئ للاقسام التي يتحدث فيها
الكاتب عن التحليل والتحقيقات عليه ان يحضر نفسه لقراءة تفاصيل ومختصرات
علمية واسماء تحضر وتغيب وتحضر، واسماء غير مؤهلة في مجالها واخرى محلا
للشك، وما يهم في تحليل الكاتب هنا انه يريد ان يقدم القصة بتفاصيلها من
خلال التحقيق الاولي.
وفي ثنايا الراويات المتداخلة تبرز قصة المقرحي، التي يقدمها
الكاتب بخطوط مائلة كي يميزها عن نصه وفيها يتحدث المقرحي عن عمله في
الدولة الليبية وعائلته ودراسته الجامعية حيث حصل على منحة لدراسة الهندسة
البحرية في جامعة كارديف، ذلك انه اكتشف ان قصر نظره سيحول بينه وبين
تحقيق حلمه بالعمل ككابتن بحري، ولهذا قرر العودة حيث كان موزعا بين العمل
او اكمال الدراسة الجامعية، لكن تقاعد والده عن العمل جعله يختار البحث
عن عمل، حيث وجد عملا في مجال الترحيل الجوي في الخطوط الجوية الليبية،
وترقى الى مدير عمليات الترحيل الجوي ثم مديرا للعمليات، واثناء عمله انتسب
لجامعة بنغازي وحصل منها على شهادة في الجغرافيا، ومع انه وعد بمنحة
لاكمال الدراسة في امريكا الا ان المنحة لم تأت.
خلال فترة عمله في الخطوط الجوية الليبية تعرف على الامين فحيمة
الذي انضم للطيران الليبي في عام 1975 وعين لاحقا مديرا لمكتب الشركة في
مالطة، وكان المقرحي يمر عليه في طريق ذهابه او عودته من اوروبا حيث دعاه
فحيمة عام 1984 مع زوجته عائشة لبيته. وقد اصبحت مالطة بعد ان فرض الحصار
الدولي على ليبيا المعبر الرئيسي لليبيين للخارج، وكان عدد الليبيبن فيها
اكثر من سكانها، وانشأت الدولة الليبية فيها عددا من المصالح. وبالنسبة
للمقرحي فقد كان يسافر اليها بشكل دائم من اجل احضار مواد غذائية لابنه
التي لم تكن متوفرة في طرابلس لان ابنه كان يعاني من مشاكل صحية منذ
ولادته. بعد انتقاله من جامعة بنغازي الى الخطوط الجوية التي كان يعمل
فيها في السابق، انشأ مع مديره السابق في الخطوط الجوية شركة باسم ‘اي بي
اتش’ وهي شركة مستقلة عن الحكومة وتقوم بعقد صفقات نيابة عنها، في استيراد
اجهزة اتصالات، ونظرا لطبيعة عمله خاصة في ظل الحصار الدولي على ليبيا
قامت وزارة الاتصالات باستخراج جواز سفر خاص له باسم مستعار وباسم احمد
خليفة عبد الصمد، كي يستخدمه في رحلاته، ومع ان المقرحي يقول انه نادرا ما
استخدم الجواز في رحلاته الا انه استخدامه في وتلك الرحلة التي قام بها
في يوم 20 ديسمبر 1988 لمالطة وربط مصيره بتحطم لوكربي. فحسب لائحة
الاتهام التي حيث رسمت السيناريو بأنه حمل معه العبوة الناسفة في حقيبة
سامسونايت وقام بوضعها في حقائب الرحلة الذاهبة لفرانكفورت، حيث تم وضعها
في رحلة بان ام -103 والتي توقفت مرة اخرى في مطار هيثرو حيث تم تغيير
الحقائب، وهذه الحقيبة والملابس التي تم شراؤها من محل توني غوتشي هي التي
حددت مصير المقرحي. في قراءة آشتون للادلة يقدم الكثير من الثغرات، فكيف
مرت الحقيبة من ثلاث مطارات ولم يتم الكشف عنها بفحص الاشعة. كما ان
المقرحي يقول انه في تلك الرحلة لم يخف هويته عن صاحب فندق هوليدي ان الذي
كان ينزل به، ولو كان في مهمة سرية لأمرته الحكومة بالاقامة في واحد من
فنادقها او في بيت صديقه الذي كانت لديه شركة خدمات لتسهيل مهمة الزوار
خاصة من كانوا يشاركون في رالي باريس- داكار حيث كان مسؤولا عن مرحلته
الليبية.
قصة المقرحي، فلييبا لم يتم الاشارة اليها كمتهم محتمل حتى الثامن
من كانون الثاني (يناير) عندما نشرت صحيفة ‘صاندي تلغراف’ تقريرا قالت
فيه ان المنفذين وان كانوا ايرانيين الا انهم تلقوا مساعدة من ليبيا. في
عودة ليوم تحطم الطائرة يقول المقرحي يقول ان خبر الحادث وان لفت انتباهه
لبشاعته ولانه يعمل في مجال الطيران، لكنه نسيه فيما بعد وركز على عمله في
رالي باريس. ولم يكن يعرف ان مصيره سيرتبط وحتى اخر نفس من حياته بهذا
الحادث حيث سمع عن اتهامه من قبل اف بي اي والسلطات الامنية الاسكتلندية
من اذاعة بي بي سي وذلك في 14 كانون الاول (نوفمبر) 1991. ويتحدث المقرحي
عن شعوره بالصدمة ومخاوفه على عائلته عندما تسمع الخبر. فبعد الاعلان عن
اسمه وفحيمة صادرت الحكومة الليبية جواز سفريهما وعاشا تحت ما يشبه
الاقامة الجبرية وفي ظل كابوس استمر حتى موافقته بالسفر مع زميله الى كامب
زيست في هولندا.
وقبل هذا يتساءل اشتون عن موقع ليبيا في السياسة الأمريكية، وسبب
تركيز ادارة ريغان عليها، فهو ان لم يعرف طبيعة الضغوط التي للتحول نحو
ليبيا ، لكنه يقول ان ادارة ريغان جاءت للحكم وهي مهووسة بفكرة الحرب على
الإرهاب، ومن اهم المؤثرات التي الهمت فكرة الحرب على الارهاب كتاب أعدته
الصحافية كلير ستيرلنغ، ‘شبكة الارهاب’ وهو الذي ترك اثره على ويليام
كيسي، مدير ‘سي اي ايه’ والكسندر هيغ وزير الخارجية، مع ان مدير شؤون
الاتحاد السوفييتي في الاستخبارات تلك ميلفين غودمان اشار الى ان الكتاب
ما هو الا اعادة انتاج لتقارير استخباراتية ليس الا. وما يهم في سياق الحرب
الباردة فإن سياسات ريغان لمكافحة الارهاب كانت مدفوعة بأمر واحد وهو
تأكيد قوة امريكا التي خرجت مهزومة من حرب فيتنام، ومن ازمة رهائن السفارة
الامريكية في طهران 1979-1980. ولهذا فقد كانت ليبيا هدفا سهلا، حيث
مارست الادارة على نظام العقيد القذافي سياسة تقوم على حملة تضليل اعلامي،
تبعتها سياسة ‘واسعة’ تقوم على زيادة العمليات العسكرية ونشر البوارج
الامريكية في البحر المتوسط وقرب خليج سرت واخرى ‘قاسية’ وتقوم على عمليات
سرية تهدف لزيادة الضغط على النظام الليبي بشكل يؤدي للاطاحة بالقذافي،
ومن هنا تم وضع خطة ‘وردة- زهرة’ باشراف روبرت غيتس تقوم على عمليات وقائية
وضرب اهداف مختارة بما فيها معسكر العزيزية مقر القذافي.
بالعودة الى قصة المقرحي وفحيمة اللذين لم يكونا يعرفان بمصيرهما.
فبعد محاولات من رئيس جنوب افريقيا نيلسون مانديلا والامير بندر بن
سلطان، السفير السعودي السابق في واشنطن لاقناع بريطانيا وامريكا لمحاكمة
المتهمين في منطقة محايدة، وما تبع ذلك من الاتفاق على عقد المحاكمة في
كامب زيست. ومع ان الحكومة الليبية تعاملت مع التطور كفرصة لرفع الحظر
المفروض على ليبيا مند عام 1991 الا ان محمد الزاوي، وزير الخارجية في
حينه خيرهما بين السفر والبقاء، وقال لهما ان القرار قرارهما، وكان
ابراهيم الغويل، اول محام عين للدفاع عن المقرحي قد نصحهما بعدم السفر،
وكذا اليستر داف والذي كرر لهما قبل السفر باسبوع (في نيسان (ابريل) 1999)
بأنهما لن يلقيا محاكمة عادلة وهو ما ثبتت صحته. ويشير المقرحي الى سلسلة
من الاخطاء التي يبدو انه ندم عليها اثناء جلسات المحكمة، من مثل قراره
بعدم المثول امام القاضي للمساءلة لمخاوفه من ان يسأل عن جواز سفره
المستعار وعلاقة شركته بالحكومة الليبية. وما يهم في مرارة المقرحي هي
معاملة الشرطة الهولندية لهما عندما وصلا على متن طائرة ايطالية لامستردام
حيث القي القبض عليهما رسميا، وقيدا بطريقة غير مريحة لدرجة انتقدها رجال
الشرطة الاسكتلنديون المكلفون بحراستهما. ما جرى في المحكمة اهملته
الوسائل الاعلامية، فبعد بداية المحكمة في 3 ايار ـ مايو ـ2000 حزم
الصحافيون حقائقبهم وكاميراتهم وفروا من المكان ليعودوا اليه مرة اخرى
ساعة نطق الحكم في الساعة الحادية عشرة من 31 كانون الثاني ـ يناير- 2001
حيث ادين المقرحي وبرىء فحيمة، وحكم عليه بالمؤبد ومن كامب زيست تبدأ رحلة
اخرى له في اسكتلندا حيث نقل هذه المرة مدانا وليس متهما كان يأمل
بالبراءة. وفي حديثه عن فترة سجنه في اسكتلندا اولا في ‘بار- ال’ وبعدها
في غيت سايد في مدينة غرين اوك (نقل اليه عام 2005)، فان تجربته في السجن
وبشكل عام كانت بدون مشاكل باستثناء بعض المواقف العنصرية وحالة ضابط اضمر
له الكراهية وكان يقول له ’الليبي القذر’، لكن المعاملة كانت جيدة مع
المسؤولين والسجناء، ويبدو ان كرة القدم كانت المفتاح للعلاقة الحميمة.
كانت رحلة السجن قاسية عليه وعلى عائلته التي تعرضت للمضايقات اثناء
اقامتها قريبا من سجنه، كما تعرض هو للمساومات من قبل المسؤولين القضائيين
الذين حاولوا الضغط عليه كي يكشف لهم عن المسؤول الرئيسي في العملية.
ومهما كان السجن مريحا فيظل سجنا.
وما يثير في هذا الكتاب هو تأكيده ان قصة لوكربي هي قصتان، قصة
المقرحي والاخرى قصة الادلة الضعيفة التي ادين بناء عليها، وفي الكتاب صوت
انسان، يشعر بالغبن وغياب العدالة ورجل ينظر للوراء ويحدث نفسه لو استمعت
للنصائح لكنه الشعور باهمية الوقوف امام المحكمة كي يثبت براءته وهو ما
ظل يحاوله في الاستئناف واحدا وراء الاخر، وعندما خير في النهاية بين
الموت بين اهله والتخلي عن الاستئناف كي يطهر نفسه اختار العودة يحمل ثقل
الحكم على كتفيه لانه يشعر في داخله كما قال لنا انه بريء، وسيموت مرتاح
الضمير وان ظل في عين العالم الذي حاكمه مجرما وقاتلا، ‘المقرحي: انتم
المحلفون’ قصة مثيرة يتداخل فيها الكذب والجشع والرغبة بالانتقام والسياسة
الدولية وتصفية الحسابات وفوق كل هذا اخطاء العدالة. بعد كل هذا فما حكم
هيئة المحلفين عليه؟ يقول اشتون في مقدمته للكتاب ’دائما ما سئلت ـ كيف
يبدو؟ واجيب هو انسان عادي تعامل مع ظروفه الفظيعة بصبر كبير واباء، ذكي،
حيي قليلا، ومرح وكريم، عائلته وايمانه كمسلم هما عماد حياته ويعنيان
الكثير له. بالنسبة لي ولضباط السجن، هناك ملمح مهم يشكل شخصيته، انه
بريء’، فهل هو بعد كل هذا مذنب ام بريء علينا ان نقول انه ضحية وبريء. هذه
قصة المقرحي كما قدمها الكاتب والمدان نفسه، وبالتأكيد هناك الكثير من
القصص الاخرى والتي قد تؤيد او تعارض الرواية، لكن القارىء لا يملك الا
التعاطف مع المقرحي وكاتب كتابه.
Megrahi: You are My Jury
The Lockerbi Evidence
John Ashton
Birlinn/ 2012
المصدر: ليبيان عن جريدة القدس العربي
بحث
"إن
كنت إرهابيا فأنا إرهابي ساذج" هكذا يختم عبد الباسط المقرحي، كتابه،
المقرحي: انتم المحلفون ـ دليل لوكربي’، وهو الكتاب الذي أعده مع الصحافي
البريطاني جون آشتون، وفي الكتاب يحاول المتهم الوحيد- المدان في حادث
تحطم طائرة "بان ام -103 الأمريكية " فوق بلدة لوكربي في 21 كانون الأول
(ديسمبر) 1988، تقديم شهادته للعالم الذي يعتبره قاتلا بالجملة، قتل 270
راكبا على متن الطائرة التي كانت متوجها لمطار "جي اف كيندي في نيويورك.
ويقول المقرحي الذي يرقد على فراش الموت، وسيموت في أي لحظة بسبب
سرطان البروستات، انه لا يهدف من كتابة شهادته إلقاء اللوم على الآخرين
فقد حدث ما حدث له، وعانى تسعة أعوام في سجن اسكتلندي، ويعتقد نفسه بانه
بريء ومن يقرأ الكتاب يخرج بنفس النتيجة، ومعد الكتاب آشتون وان اعتذر
لعائلات الضحايا التي لا تزال تطالب بتسليمه لامريكا، يرى نفس الأمر أن
الرجل ‘بريء’ ربما من ناحية البراءة الإنسانية، اذ جاء هذا في معرض حديثه
عن شخصية المقرحي.
وفي معرض دفاعه عن نفسه يقول المقرحي ان هناك ثروة من الأدلة
كانت كافية لتبرئته في المحكمة التي عقدت على ارض محايدة عام 2000 في
كامب زيست ولكنها لم تستخدم. ويقول ان المنطق يقضي انه ان كان مجرما
ومتواطئا مع "الامين فحيمة " المتهم الآخر، وخططا للعملية ونفذاها نيابة
عن الدولة الليبية فالمنطق يقتضي تبرئة ساحته مثلما برئت ساحة فهيمة.
ويقول المقرحي انه سيموت ويحمل معه السؤال عمن ورطه وورط دولته
في عمل لم يقوما به. فهو لا يلوم الشرطة التي تابعت أدلة قادت الى تحديد
هويته ولا الادعاء الذي قام بتخييط قضية قامت على معلومات قدمها، عميل
مزدوج ومرتزق، واستعراض مثير للضحك بهدف تحديد هوية القاتل، وعميل ليبي
للمخابرات الأمريكية، ووثائق تحقيق وجمع أدلة مليئة بالفجوات. كل هذا فقد
كان مجالا للتشكيك في شهادة بائع الملابس المالطي توني، غوتشي ومعلومات
العميل الليبي ماجد غيكا الذي اتهم المقرحي قبل ان يتوصل المحققون لتحديد
اسمه، وادوين بوليير السويسري الذي تعامل معه المقرحي في مجال تجارة
الالكترونيات وعقود للجيش الليبي، فبوليير اندفع نحو اتهام المقرحي من اجل
المال.
ويعتقد المقرحي ان غوتشي الذي ‘تعرف’ على المقرحي في كامب زيست
كان يعرف ان هناك جائزة مالية كبيرة تنتظره، حيث قام بمهمة ما لصالح
المخابرات الامريكية او غيرها من الهيئات الامنية ذات المصلحة، فقد جاء
تعرفه على صورة المقرحي بعد عشرة اعوام من الحادث.
اسامح ولا اسامح
ومع ذلك يقول السجين الليبي السابق، ان غوتشي لم يكن الا بائع
البسة بسيطا وجد نفسه في وسط تحقيق دولي. مما يعني ان جهات ما استفادت منه
واغرته بالوعود، ولهذا يحرص المقرحي على توجيه رسالة لغاوتشي اكد له
مقسما بالله انه لم يزر في حياته محله ولم يشتر منه اي ملابس ‘ لم اكن في
محلك ولم ارك في حياتي حتى التقينا في قاعة المحكمة، ومثلما تلقيت انت
واخيك جائزة كبيرة على تأكيد اتهامي وجلبتما الالم على عائلتي وبلدي اريد
توجيه سؤال لكما، الا تشعران بالندم، واود القول لكما، انني اسامحكما، وفي
يوم سنلتقي امام الله واتمنى ان يكون مسامحا، وليس لدي ما اخافه’. ولكنه
يجد من الصعوبة بمكان مسامحة من قدموا له الجائزة ومن كانت امامهم الادلة
الواضحة لتبرئته ولكنهم تعاموا عن الحقيقة، فإنني’ لن اسامح من ضللوا
المحكمة بناء على معلومات الجعايكة’ (عبدالمجيد) العميل الليبي. ولم تخل
رسالة المقرحي الاخيرة من مرارة لان فريق الدفاع عنه فشل في مساءلته لغوتشي
ومواجهته وسؤاله اسئلة كانت ستكشف خداعه. ويعبر عن مرارته من القضاء
الاسكتلندي وكيف اعتبره ثلاثة من احسن العقول القانونية في اسكتلندا
مذنبا، فيما اعتبره الاسكتلنديون العاديون ممن عرفوه بريئا. وخاطب عائلات
ضحايا لوكربي قائلا انه لا يرغب في زيادة المهم خاصة انهم غاضبون على
اطلاق سراحه، وكل ما يرغب بقوله لهم انه ‘بريء’، وانه يؤيد مطالب عائلات
البريطانيين بتحقيق جديد في التفجير ‘ بالتأكيد سأموت وان احمل فوق كتفي
قرار المحكمة، لكن ضميري مرتاح، وسأصلي حتى اخر نفس ان يتم كشف قصص لوكربي
في يوم من الايام ويعرفها الجميع’.
ايران والقيادة العامة
قصة لوكربي هي شهادة من المتهم الوحيد في ايامه الاخيرة كتبها
وبحث في ظروفها الصحافي البريطاني جون آشتون حيث يحاول العودة بنا الى
الظروف التي قادت للتفجير ووضعه في سياق العلاقات الدولية، وظروف الحرب
الباردة وحرب ادارة كلينتون على الارهاب، ثم التفجير والتحقيقات التي تمت
في كل خيوط القضية من فرانكفورت الى السنغال والتوغو واليابان وليبيا
والسويد، ومالطة، والقوى التي شاركت في بناء القضية ضد الليبيين فحيمة
والمقرحي. وجون اشتون يفكك القصة من بدايتها، حيث يحاول ملاحقة النظرية
الاولى عن الدور الايراني في العملية، وعلاقة الجبهة الشعبية ـ القيادة
العامة بها، حيث يشير الى ان ايران اتفقت مع جبريل على القيام بعمليات
انتقامية في اوروبا بعد استهداف القوات الامريكية لطائرة مدنية ايرانية
(ايران اير 655) وقتل 290 شخصا كانوا على متنها. ويقال ان جبريل في اجتماعه
مع المسؤولين الايرانيين اتفق على تلقي مبلغ 1.3 مليون دولار او 10
ملايين بهذا الشأن. ويكشف الكتاب عن نشاطات خلية للجبهة الشعبية القيادة
العامة التي قامت بعدد من العمليات واستهدفت مكاتب وخطوط ، وفي قلب نشاطات
القيادة العامة كانت هناك خلية نويس قرب دوسلدورف فيما كان يعرف بالمانيا
الغربية ، التي كان يديرها حافظ دلقموني، ومن افرادها خبير المتفجرات
الاردني، مروان خريسات، اضافة الى هاشم عباسي، صهر الدلقموني والذي كان
يدير بقالة في المدينة، ويعتبر خريسات من اهم الشخصيات من الناحية التقنية
لانه قام بأعداد العبوات الناسفة بزرعها في عدد من اجهزة التسجيل من ماركة
توشيبا وزودها باجهزة توقيت. وكشف لاحقا ان خريسات كان عميلا مزدوجا يتصل
بالمخابرات الاردنية، وهو ما ادى للكشف عن نشاطات الخلية في عملية اطلقت
عليها الاستخبارات الالمانية ‘عملية اوراق الخريف’. ومع ان الادعاء اثناء
محاكمة المقرحي لم يلتفت الى الخلية ونشاطاتها الا ان الكاتب يظهر ان هناك
خيوطا لم يلاحقها الادعاء وكان يمكن ان تؤدي الى تبرئة ساحة المقرحي،
فهناك في القصة شخصية غامضة هي ابو الياس الذي كان من المتوقع ان يلتقيه
الدلقموني مع خريسات، والذي قيل انه خبير في صناعة المتفجرات. وعندما تم
تفكيك الخلية لم تتم مصادرة الا اربعة اجهزة متفجرة فيما اختفى جهاز خامس
وهي العبوة التي يرجح انها استخدمت في تفجير الطائرة. والسيناريو حول
استخدام المتفجرة هذه يدور حول رجل اخر، لبناني كان على متن الطائرة عندما
تفجرت وهو خالد جعفر، حيث كان يحمل معه كميات من المخدرات عثر عليها فيما
بعد في المنطقة التي تحطمت فيها الطائرة، ولكن تم التعتيم عليها. ويشير
تحليل الكاتب الى امكانية وجود نوع من التعاون بين جعفر ومسؤولين في
المخابرات الامريكية الذين غضوا الطرف عن عملياته من اجل تقديم معلومات عن
الرهائن الامريكيين لدى حزب الله. ويظل جعفر ابو الياس الرابط المهم الذي
يرجح من امكانية دور ايراني في العملية. ادى تحطم الطائرة الايرانية في 3
تموز (يوليو) 1988 الى انتشار توقعات بهجمات انتقامية. وقد تم تجاهل
التحذيرات التي صدرت من هيئات امنية غربية من قبل حكومات غربية منها
بريطانيا عن رد ايراني محتوم. وكانت وزارة الدفاع الامريكية غلفت الحادث
بغلاف من السرية. وقالت ان البارجة فينسنس اعتقدت انها هدفا لهجوم من
مقاتلة حربية ايرانية. ولم يعتذر الرئيس الامريكي في حينه عن العملية.
وبعيدا عن الوضع الايراني فإن خلية المانيا كانت مراقبة نظرا لوجود العميل
الاردني، وادت العملية لتفكيك البنى التحتية لخلايا القيادة العامة، ولكن
الحلقة المفقودة ظلت ابو الياس، فقد كان من المتوقع ان يلتقي خريسات
والدلقموني معه، لكن الاعتقال حدث قبل ان تتم المقابلة. وفي حيثيات محاكمة
المقرحي فان الحلقة المفقودة وشخصية ابو الياس كان يجب اخذها بالاعتبار
خاصة ان الجهاز الخامس الذي اعده خريسات فقد. نقاط الضعف لم تقتصر على
خلية المانيا، بل شملت ملامح اخرى من القضية والتي حددها الكاتب، بالعميل
المزدوج ، بوليير، والعميل الفنتازي الذي باع المخابرات البحر مقابل المال
وقصة الحقيبة، كما حلل دور الخبراء في تضييع الكثير من الادلة اما لنقص
الخبرة او للثغرات التي شابت عملية التحقيق وجمع الادلة بعد تحطم الطائرة،
فالكاتب هنا يشير الى تداخل في جمع المعلومات بين خبراء الاف بي اي،
ومحققي الشرطة الاسكتلنديين، وقد ادى هذا لاخفاء الكثير من الادلة، مما
اثر على النتائح التي توصل اليها خبراء التشريح الجنائيون وتحليل العينات
التي اخذت من الحادث، وفي هذا الاتجاه فالقارئ للاقسام التي يتحدث فيها
الكاتب عن التحليل والتحقيقات عليه ان يحضر نفسه لقراءة تفاصيل ومختصرات
علمية واسماء تحضر وتغيب وتحضر، واسماء غير مؤهلة في مجالها واخرى محلا
للشك، وما يهم في تحليل الكاتب هنا انه يريد ان يقدم القصة بتفاصيلها من
خلال التحقيق الاولي.
قصة المتهم
وفي ثنايا الراويات المتداخلة تبرز قصة المقرحي، التي يقدمها
الكاتب بخطوط مائلة كي يميزها عن نصه وفيها يتحدث المقرحي عن عمله في
الدولة الليبية وعائلته ودراسته الجامعية حيث حصل على منحة لدراسة الهندسة
البحرية في جامعة كارديف، ذلك انه اكتشف ان قصر نظره سيحول بينه وبين
تحقيق حلمه بالعمل ككابتن بحري، ولهذا قرر العودة حيث كان موزعا بين العمل
او اكمال الدراسة الجامعية، لكن تقاعد والده عن العمل جعله يختار البحث
عن عمل، حيث وجد عملا في مجال الترحيل الجوي في الخطوط الجوية الليبية،
وترقى الى مدير عمليات الترحيل الجوي ثم مديرا للعمليات، واثناء عمله انتسب
لجامعة بنغازي وحصل منها على شهادة في الجغرافيا، ومع انه وعد بمنحة
لاكمال الدراسة في امريكا الا ان المنحة لم تأت.
التعرف على الامين فحيمة
خلال فترة عمله في الخطوط الجوية الليبية تعرف على الامين فحيمة
الذي انضم للطيران الليبي في عام 1975 وعين لاحقا مديرا لمكتب الشركة في
مالطة، وكان المقرحي يمر عليه في طريق ذهابه او عودته من اوروبا حيث دعاه
فحيمة عام 1984 مع زوجته عائشة لبيته. وقد اصبحت مالطة بعد ان فرض الحصار
الدولي على ليبيا المعبر الرئيسي لليبيين للخارج، وكان عدد الليبيبن فيها
اكثر من سكانها، وانشأت الدولة الليبية فيها عددا من المصالح. وبالنسبة
للمقرحي فقد كان يسافر اليها بشكل دائم من اجل احضار مواد غذائية لابنه
التي لم تكن متوفرة في طرابلس لان ابنه كان يعاني من مشاكل صحية منذ
ولادته. بعد انتقاله من جامعة بنغازي الى الخطوط الجوية التي كان يعمل
فيها في السابق، انشأ مع مديره السابق في الخطوط الجوية شركة باسم ‘اي بي
اتش’ وهي شركة مستقلة عن الحكومة وتقوم بعقد صفقات نيابة عنها، في استيراد
اجهزة اتصالات، ونظرا لطبيعة عمله خاصة في ظل الحصار الدولي على ليبيا
قامت وزارة الاتصالات باستخراج جواز سفر خاص له باسم مستعار وباسم احمد
خليفة عبد الصمد، كي يستخدمه في رحلاته، ومع ان المقرحي يقول انه نادرا ما
استخدم الجواز في رحلاته الا انه استخدامه في وتلك الرحلة التي قام بها
في يوم 20 ديسمبر 1988 لمالطة وربط مصيره بتحطم لوكربي. فحسب لائحة
الاتهام التي حيث رسمت السيناريو بأنه حمل معه العبوة الناسفة في حقيبة
سامسونايت وقام بوضعها في حقائب الرحلة الذاهبة لفرانكفورت، حيث تم وضعها
في رحلة بان ام -103 والتي توقفت مرة اخرى في مطار هيثرو حيث تم تغيير
الحقائب، وهذه الحقيبة والملابس التي تم شراؤها من محل توني غوتشي هي التي
حددت مصير المقرحي. في قراءة آشتون للادلة يقدم الكثير من الثغرات، فكيف
مرت الحقيبة من ثلاث مطارات ولم يتم الكشف عنها بفحص الاشعة. كما ان
المقرحي يقول انه في تلك الرحلة لم يخف هويته عن صاحب فندق هوليدي ان الذي
كان ينزل به، ولو كان في مهمة سرية لأمرته الحكومة بالاقامة في واحد من
فنادقها او في بيت صديقه الذي كانت لديه شركة خدمات لتسهيل مهمة الزوار
خاصة من كانوا يشاركون في رالي باريس- داكار حيث كان مسؤولا عن مرحلته
الليبية.
اخطاء العدالة
قصة المقرحي، فلييبا لم يتم الاشارة اليها كمتهم محتمل حتى الثامن
من كانون الثاني (يناير) عندما نشرت صحيفة ‘صاندي تلغراف’ تقريرا قالت
فيه ان المنفذين وان كانوا ايرانيين الا انهم تلقوا مساعدة من ليبيا. في
عودة ليوم تحطم الطائرة يقول المقرحي يقول ان خبر الحادث وان لفت انتباهه
لبشاعته ولانه يعمل في مجال الطيران، لكنه نسيه فيما بعد وركز على عمله في
رالي باريس. ولم يكن يعرف ان مصيره سيرتبط وحتى اخر نفس من حياته بهذا
الحادث حيث سمع عن اتهامه من قبل اف بي اي والسلطات الامنية الاسكتلندية
من اذاعة بي بي سي وذلك في 14 كانون الاول (نوفمبر) 1991. ويتحدث المقرحي
عن شعوره بالصدمة ومخاوفه على عائلته عندما تسمع الخبر. فبعد الاعلان عن
اسمه وفحيمة صادرت الحكومة الليبية جواز سفريهما وعاشا تحت ما يشبه
الاقامة الجبرية وفي ظل كابوس استمر حتى موافقته بالسفر مع زميله الى كامب
زيست في هولندا.
ليبيا وريغان
وقبل هذا يتساءل اشتون عن موقع ليبيا في السياسة الأمريكية، وسبب
تركيز ادارة ريغان عليها، فهو ان لم يعرف طبيعة الضغوط التي للتحول نحو
ليبيا ، لكنه يقول ان ادارة ريغان جاءت للحكم وهي مهووسة بفكرة الحرب على
الإرهاب، ومن اهم المؤثرات التي الهمت فكرة الحرب على الارهاب كتاب أعدته
الصحافية كلير ستيرلنغ، ‘شبكة الارهاب’ وهو الذي ترك اثره على ويليام
كيسي، مدير ‘سي اي ايه’ والكسندر هيغ وزير الخارجية، مع ان مدير شؤون
الاتحاد السوفييتي في الاستخبارات تلك ميلفين غودمان اشار الى ان الكتاب
ما هو الا اعادة انتاج لتقارير استخباراتية ليس الا. وما يهم في سياق الحرب
الباردة فإن سياسات ريغان لمكافحة الارهاب كانت مدفوعة بأمر واحد وهو
تأكيد قوة امريكا التي خرجت مهزومة من حرب فيتنام، ومن ازمة رهائن السفارة
الامريكية في طهران 1979-1980. ولهذا فقد كانت ليبيا هدفا سهلا، حيث
مارست الادارة على نظام العقيد القذافي سياسة تقوم على حملة تضليل اعلامي،
تبعتها سياسة ‘واسعة’ تقوم على زيادة العمليات العسكرية ونشر البوارج
الامريكية في البحر المتوسط وقرب خليج سرت واخرى ‘قاسية’ وتقوم على عمليات
سرية تهدف لزيادة الضغط على النظام الليبي بشكل يؤدي للاطاحة بالقذافي،
ومن هنا تم وضع خطة ‘وردة- زهرة’ باشراف روبرت غيتس تقوم على عمليات وقائية
وضرب اهداف مختارة بما فيها معسكر العزيزية مقر القذافي.
كامب زيست
بالعودة الى قصة المقرحي وفحيمة اللذين لم يكونا يعرفان بمصيرهما.
فبعد محاولات من رئيس جنوب افريقيا نيلسون مانديلا والامير بندر بن
سلطان، السفير السعودي السابق في واشنطن لاقناع بريطانيا وامريكا لمحاكمة
المتهمين في منطقة محايدة، وما تبع ذلك من الاتفاق على عقد المحاكمة في
كامب زيست. ومع ان الحكومة الليبية تعاملت مع التطور كفرصة لرفع الحظر
المفروض على ليبيا مند عام 1991 الا ان محمد الزاوي، وزير الخارجية في
حينه خيرهما بين السفر والبقاء، وقال لهما ان القرار قرارهما، وكان
ابراهيم الغويل، اول محام عين للدفاع عن المقرحي قد نصحهما بعدم السفر،
وكذا اليستر داف والذي كرر لهما قبل السفر باسبوع (في نيسان (ابريل) 1999)
بأنهما لن يلقيا محاكمة عادلة وهو ما ثبتت صحته. ويشير المقرحي الى سلسلة
من الاخطاء التي يبدو انه ندم عليها اثناء جلسات المحكمة، من مثل قراره
بعدم المثول امام القاضي للمساءلة لمخاوفه من ان يسأل عن جواز سفره
المستعار وعلاقة شركته بالحكومة الليبية. وما يهم في مرارة المقرحي هي
معاملة الشرطة الهولندية لهما عندما وصلا على متن طائرة ايطالية لامستردام
حيث القي القبض عليهما رسميا، وقيدا بطريقة غير مريحة لدرجة انتقدها رجال
الشرطة الاسكتلنديون المكلفون بحراستهما. ما جرى في المحكمة اهملته
الوسائل الاعلامية، فبعد بداية المحكمة في 3 ايار ـ مايو ـ2000 حزم
الصحافيون حقائقبهم وكاميراتهم وفروا من المكان ليعودوا اليه مرة اخرى
ساعة نطق الحكم في الساعة الحادية عشرة من 31 كانون الثاني ـ يناير- 2001
حيث ادين المقرحي وبرىء فحيمة، وحكم عليه بالمؤبد ومن كامب زيست تبدأ رحلة
اخرى له في اسكتلندا حيث نقل هذه المرة مدانا وليس متهما كان يأمل
بالبراءة. وفي حديثه عن فترة سجنه في اسكتلندا اولا في ‘بار- ال’ وبعدها
في غيت سايد في مدينة غرين اوك (نقل اليه عام 2005)، فان تجربته في السجن
وبشكل عام كانت بدون مشاكل باستثناء بعض المواقف العنصرية وحالة ضابط اضمر
له الكراهية وكان يقول له ’الليبي القذر’، لكن المعاملة كانت جيدة مع
المسؤولين والسجناء، ويبدو ان كرة القدم كانت المفتاح للعلاقة الحميمة.
كانت رحلة السجن قاسية عليه وعلى عائلته التي تعرضت للمضايقات اثناء
اقامتها قريبا من سجنه، كما تعرض هو للمساومات من قبل المسؤولين القضائيين
الذين حاولوا الضغط عليه كي يكشف لهم عن المسؤول الرئيسي في العملية.
ومهما كان السجن مريحا فيظل سجنا.
قصتا لوكربي
وما يثير في هذا الكتاب هو تأكيده ان قصة لوكربي هي قصتان، قصة
المقرحي والاخرى قصة الادلة الضعيفة التي ادين بناء عليها، وفي الكتاب صوت
انسان، يشعر بالغبن وغياب العدالة ورجل ينظر للوراء ويحدث نفسه لو استمعت
للنصائح لكنه الشعور باهمية الوقوف امام المحكمة كي يثبت براءته وهو ما
ظل يحاوله في الاستئناف واحدا وراء الاخر، وعندما خير في النهاية بين
الموت بين اهله والتخلي عن الاستئناف كي يطهر نفسه اختار العودة يحمل ثقل
الحكم على كتفيه لانه يشعر في داخله كما قال لنا انه بريء، وسيموت مرتاح
الضمير وان ظل في عين العالم الذي حاكمه مجرما وقاتلا، ‘المقرحي: انتم
المحلفون’ قصة مثيرة يتداخل فيها الكذب والجشع والرغبة بالانتقام والسياسة
الدولية وتصفية الحسابات وفوق كل هذا اخطاء العدالة. بعد كل هذا فما حكم
هيئة المحلفين عليه؟ يقول اشتون في مقدمته للكتاب ’دائما ما سئلت ـ كيف
يبدو؟ واجيب هو انسان عادي تعامل مع ظروفه الفظيعة بصبر كبير واباء، ذكي،
حيي قليلا، ومرح وكريم، عائلته وايمانه كمسلم هما عماد حياته ويعنيان
الكثير له. بالنسبة لي ولضباط السجن، هناك ملمح مهم يشكل شخصيته، انه
بريء’، فهل هو بعد كل هذا مذنب ام بريء علينا ان نقول انه ضحية وبريء. هذه
قصة المقرحي كما قدمها الكاتب والمدان نفسه، وبالتأكيد هناك الكثير من
القصص الاخرى والتي قد تؤيد او تعارض الرواية، لكن القارىء لا يملك الا
التعاطف مع المقرحي وكاتب كتابه.
Megrahi: You are My Jury
The Lockerbi Evidence
John Ashton
Birlinn/ 2012
المصدر: ليبيان عن جريدة القدس العربي
الفاتح ثورة شعبية-
- الجنس :
عدد المساهمات : 2692
نقاط : 13534
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
رد: في كتاب له، عبدالباسط المقرحي: أنتم المحلفون: متهم، مذنب أم برئ؟
http://www.libya-al-mostakbal.org/news/clicked/29691
الفاتح ثورة شعبية-
- الجنس :
عدد المساهمات : 2692
نقاط : 13534
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
رد: في كتاب له، عبدالباسط المقرحي: أنتم المحلفون: متهم، مذنب أم برئ؟
مقااااااال طويل تم الحفظ .
بلد الطيوب-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10027
نقاط : 19794
تاريخ التسجيل : 22/12/2011
. :
. :
رد: في كتاب له، عبدالباسط المقرحي: أنتم المحلفون: متهم، مذنب أم برئ؟
الله يرحمه ويغفر له ويسكنه فسيح جناته
????- زائر
رد: في كتاب له، عبدالباسط المقرحي: أنتم المحلفون: متهم، مذنب أم برئ؟
السهم الناري كتب:الله يرحمه ويغفر له ويسكنه فسيح جناته
ثورية خضراء- .
- الجنس :
عدد المساهمات : 3891
نقاط : 14078
تاريخ التسجيل : 11/10/2011
. :
. :
. :
رد: في كتاب له، عبدالباسط المقرحي: أنتم المحلفون: متهم، مذنب أم برئ؟
اللهم اغفرله وارحمه برحمتك يارررررب
صخور ليبيا-
- الجنس :
عدد المساهمات : 5022
نقاط : 14963
تاريخ التسجيل : 19/09/2011
مواضيع مماثلة
» لقاء مؤثر مع الاخ عبدالباسط المقرحي
» فيديو عبدالباسط المقرحي في ظروف صعبة ارجوا الدخول لمشاهدة
» ياليبيين المناضل عبدالباسط المقرحي في حاجتكم.......قضية لوكربي من جديد
» "من أنتم .. صناعة معارضة" كتاب جديد لــ . د . يوسف شاكير
» مذنب الينين
» فيديو عبدالباسط المقرحي في ظروف صعبة ارجوا الدخول لمشاهدة
» ياليبيين المناضل عبدالباسط المقرحي في حاجتكم.......قضية لوكربي من جديد
» "من أنتم .. صناعة معارضة" كتاب جديد لــ . د . يوسف شاكير
» مذنب الينين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 0:32 من طرف علي عبد الله البسامي
» تحية لفرسان لبنان
الجمعة 1 نوفمبر - 23:43 من طرف علي عبد الله البسامي
» أشجان عربية
الجمعة 25 أكتوبر - 22:54 من طرف علي عبد الله البسامي
» فلنحم وجودنا
الإثنين 21 أكتوبر - 22:13 من طرف علي عبد الله البسامي
» وداع الأبطال
الأحد 20 أكتوبر - 10:19 من طرف علي عبد الله البسامي
» بين الدين والاخلاق
الجمعة 18 أكتوبر - 10:36 من طرف علي عبد الله البسامي
» حول مفهوم الحضارة
الجمعة 18 أكتوبر - 10:33 من طرف علي عبد الله البسامي
» فيم تكمن قيمة الانسان ؟؟؟
الجمعة 18 أكتوبر - 10:30 من طرف علي عبد الله البسامي
» حزب المجد
الخميس 17 أكتوبر - 23:24 من طرف علي عبد الله البسامي
» نداء الإقدام
السبت 12 أكتوبر - 13:59 من طرف علي عبد الله البسامي
» نداء الى امّتنا
الخميس 10 أكتوبر - 16:49 من طرف علي عبد الله البسامي
» حقيقة الثقافة
الجمعة 20 سبتمبر - 14:56 من طرف علي عبد الله البسامي
» وجعٌ على وجع
الإثنين 16 سبتمبر - 17:28 من طرف علي عبد الله البسامي
» تعاظمت الجراح
الأحد 15 سبتمبر - 17:57 من طرف علي عبد الله البسامي
» بجلوا الابطال
الجمعة 13 سبتمبر - 17:37 من طرف علي عبد الله البسامي
» موقف عز وشرف
الثلاثاء 20 أغسطس - 0:19 من طرف علي عبد الله البسامي
» نداء الوفاق
الخميس 8 أغسطس - 18:27 من طرف علي عبد الله البسامي
» رثاء الشهيد اسماعيل هنية
الأربعاء 31 يوليو - 18:37 من طرف علي عبد الله البسامي
» هدهد الجنوب
الجمعة 26 يوليو - 20:41 من طرف علي عبد الله البسامي
» حماة العفن
الأربعاء 17 يوليو - 16:53 من طرف علي عبد الله البسامي