بين عدنان منصور و حمد بن جاسم ...

منذ بداية الازمة السورية انتهجت حكومة لبنان سياسة النأي بالنفس سياسيا عما يجري بالبلد المجاور لها و ذلك لحسابات عديدة منها ان لبنان اصغر مما يدور في سوريا من خفايا و مخططات قد تؤثر على المجتمع اللبناني المتحسس اساسا من كل شاردة و واردة و الذي يستعد للانفجار في اي لحظة لكثرة الشحن السياسي الداخلي و الاستحقاقات المترتبة عليه ..
اجتمع وزراء الخارجية العرب بالقاهرة و تفاجأوا بلبنان جديد .. لبنان الذي خرج وزير خارجيته عدنان منصور عن النأي بنفسه عما يدور في سوريا فكان له كلام مختلف و لهجة جديدة فلفت في كلمته لفشل العرب و الجامعة العربية بايقاف الدم في سوريا و ذكرهم بفشلهم في التوصل الى حل بعد سنتين من عمر الازمة بسبب فشلهم واصرار بعضهم على المشاركة بالعرقلة حسب تلميحاته ..
دعا عدنان منصور الى اعادة سوريا الى مقعدها المخصص لها في الجامعة العربية فلا يمكن ان تقوم جامعة بلا سوريا حسب الوزيراللبناني ..
تدخل فورا وزير خارجية قطر حمد بن جاسم ليبدو على ملامحه و لهجته الاستنكار لكلام منصور و المفاجأة من جهة ثانية لموقف لبنان الجديد الاوضح و الاجرأ من ذي قبل ..
حمد بن جاسم يدرك جيدا موقع لبنان كلاعب اساسي مجاور" لاسرائيل " يضم المقاومة و حلفائها و يدرك جيدا اهمية موقف ما يصدر عن مقعد كلبنان اليوم و تأثيره السياسي و ابعاده و توقيته فحاول التشويش فورا .
المشادة الكلامية التي نفاها منصور بينهما او الرد على الرد وقعا و تكفل منصور بابتعاده عن السجال لان رسالته اعمق و قد عبرت عن " الذكاء الاستراتيجي اللبناني " فيما سجل في رد حمد المعهود نفس الكلمات و المواقف دونما النظر لما يجري من تحولات من حوله على خط الازمة علامة اظهرت " غباء النفط العربي " و ما يؤدي امتلاكه من انعكاسات نفسية على اصحابه فيظنون لبرهة انهم ملوك السياسة و المحبة في العالم اجمع .
المواجهة ال "ما قبل" التسويات الكبرى " التي دارت لدقائق قليلة بين ادوات الادارة الاميريكية و بين من يقف على خط النهاية ... و توقيت كلام منصور و تغيير اللهجة اللبنانية اشارة تؤكد ان الاميريكيين يستخدمون ادوات الادارة العربية لتعزيز وضعهم التفاوضي و " ليس وضع حلقائهم في الصورة " دون اطلاعهم الى اين تذهب الامور تماما مثل ما حصل بالقمة الاسلامية التي عقدت في وقت سابق حيث شهدت تصعيدا كثيف بالكلمات لكن كانت نهايتها ان صدر عن القمة الاسلامية بيان اشرفت عليه الولايات المتحدة حرفيا مستبدلة بيان حمد بن جاسم الذي كان مفترض ان يخرج ببيان فيه" لا حل سوى برحيل الاسد" ببيان اعتبر ان" لا حل سوى بالحوار " باعتراف قناة الجزيرة يومها عبر مراسلها بان سحر ساحر قد وقع ..و تغييرت اجواء البيان الختامي

اما اليوم و بالجامعة العربية طلب الاميريكيون من العرب التصعيد و بنفس الوقت اوفدوا وليام بيرنز ليلتقي ميخائيل بوغدانوف كبيرالمفاوضين الروس مع الاميريكيين للاتفاق حول الية الحل السياسي في سوريا و ذلك على هامش اجتماع في لندن يختص باليمن...

ان النأي اللبناني بالنفس يعتبر ايضا ذكاء استراتيجي تماما كما الخروج عنه اليوم و في هذا التوقيت بالذات لان لبنان قرأ التحول السياسي الدولي بوضوح و ذكاء و جاء ذلك بثقة عبر عدنان منصور و" من يمثل " و اعلن انه " ان الاوان للتغيير بالموازين ومثلما رفض من قبل باسم لبنان المشاركة باخراج سوريا من الجامعة تحت النأي بالنفس يعلن اليوم بداية الهجوم المعاكس لان الوقت حان لاعادة مقعد سوريا اليها و كانه يرسل اليهم رسالة مفادها " نحن نعرف جيدا ماذا نقرأ في السياسة و الى اين تتجه الامور.. حلفاؤنا و حلفاء حلفائنا يطلعوننا على الحقائق و ما يجري من اتفاقات شاملة بين الاميريكيين و الروس .. بينما يشبعكم حلفاؤكم اضاليل . لبنان واجه و شهد المناورات التفاوضية الاميريكية و نحن نعرف ما لم يخبروكم به و ما ستظهره لكم الايام المقبلة فالى اين انتم ذاهبون ؟
يستحق ذكاء عدنان منصور الاستراتيجي و هذا الديبلوماسي اللبق و لياقته و احترامه كل التقدير لكنه يستحق اكثر فائق الاحترام لقدرته على التحمل الجلوس في حضرة الغباء العربي لساعات ...

تحية للبنان وشعبها