منتديات زنقتنا-منتديات شباب ليبيا الأحرار

عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
يرجي التكرم بتسجبل الدخول إذا كنت عضو معنا
أو التسجيل إن لم تكن عضو وترغب في الإنضمام إلي أسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك

إدارة المنتدي


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات زنقتنا-منتديات شباب ليبيا الأحرار

عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
يرجي التكرم بتسجبل الدخول إذا كنت عضو معنا
أو التسجيل إن لم تكن عضو وترغب في الإنضمام إلي أسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك

إدارة المنتدي
منتديات زنقتنا-منتديات شباب ليبيا الأحرار
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الفصل الأول من كتــاب القذافي يتكــلم للأستـاذ / على شنــدب

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

GMT + 7 Hours الفصل الأول من كتــاب القذافي يتكــلم للأستـاذ / على شنــدب

مُساهمة من طرف طبيبة القلوب الخضراء الجمعة 5 أبريل - 12:59

الفصل الأول

القذّافـي بين وهم وثورتين


أسرار القبضة الحديدية

عشر سنوات من العمل السري، تطلّبتها المرحلةُ التحضيرية لإنطلاق ثورة الفاتح من سبتمبر عام 1969، بدءاً من مدينة بنغازي التي سُميت بمدينة البيان الأول للثورة. وكأنّ قدر هذه المدينة أنْ تكون ولّادة الثورات والتمرّدات بغض النظر عن الخلفيّات والمرامي والأبعاد.
عشر سنوات استغرقها معمّر القذّافي ورفاقه في مجلس قيادة الثورة، وفي الخلايا المدنية الأولى، وحركة الضباط الوحدويين الأحرار، لإنجاز ثورتهم.
ثورة الفاتح التي اتخذت «القدس» كلمة سرّها، والتي يُسمّيها البعض انقلاباً، أجهزت على حكم الملك إدريس السنوسي ومعه الملكيّة في ليبيا. لكنّها الثورة، التي لم يسقط فيها قتلى ولم تُسفك فيها دماء. فلقد كان الليبيون مُجمِعين مع الضابط معمّر القذّافي على خلع الملكية السّنوسية وعلى جعل ثورتهم انقلاباً أبيض.
ثمّة من قال بأنّ ليبيا تسير على إيقاع مصر، فالملكيّة في مصر تنتج ملكيّة في ليبيا، والثورة في مصر تنتج ثورة في ليبيا. إنّها عوامل الإرتباط التاريخي، وعوامل الجغرافيا والديموغرافيا والدينوغرافيا بالإضافة إلى العوامل السياسية، التي جعلت من صوت العرب التي حرّكت مشاعر الناس ومواجعهم وساهمت في إعادة تشكيل وجدانهم المتصالح مع قضايا الأمّة في الحرية والتحرّر من نير الإستعمار بمختلف أشكاله؛ صوت العرب كانت صلة الوصل بين قائد ثورة 23 يوليو جمال عبد الناصر وبين جماهير الأمّة وشبابها المتحمِّس، والتي حلّت محلّها اليوم الفضائيات ووسائل التواصل الإنترناتي الإجتماعية.
صحيحٌ أنّ عبد الناصر لم يكن يعلم بأسماء مجلس قيادة الثورة الليبية برئاسة معمّر القذافي قبيل إيفاده محمد حسنين هيكل للقائهم في ليبيا، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ ثوار الفاتح من سبتمبر جاهروا بولائهم لعبد الناصر وبأبوته لهم، فقد كانت ثورة الفاتح بمثابة الإبن الشرعي لثورة 23 يوليو الناصرية.
وعلى أساس هذا الولاء والإرتباط الروحي بجمال عبد الناصر وثورته حظيت ثورة الفاتح باحتضانها الواسع، ليس من الشعب الليبي فحسب، بل من جماهير الأمّة العربية وامتداداتها الإفريقية، خصوصاً وأنّ عبد الناصر يُعتبر أحد القادة التاريخيين لإفريقيا وأيضاً لمنظومة عدم الإنحياز.
وهكذا فإن ثورة الفاتح حقّقت ثباتها واستمراريتها زمن المدّ القومي الذي أيقظه جمال عبد الناصر في جسد الأمّة المبتلاة فضلاً عن احتلال فلسطين بأشكال متنوِّعة من الإستعمار الأجنبي المباشر.
لكنْ وبرحيل جمال عبد الناصر، شعر ثوّار الفاتح للتوّ بنوع من اليُتم السياسي، خصوصاً بعد تتويج عبد الناصر لقائد ثورة الفاتح العقيد معمّر القذّافي على عرش القومية العربية، ليقول للجماهير الليبية المحتشدة في بنغازي مدينة «الثورة»: «أترككم لأخي معمّر القذّافي الأمين على القومية العربية والأمين على الوحدة العربية من بعدي».
خطاب عبد الناصر في بنغازي ألهب مشاعر الليبيين وحناجرهم التي ظلّت تردِّد لسنوات طويلة وخصوصاً في بنغازي، «عبد الناصر ساب وصية.. معمّر أمين القومية». إذن منذ زمن بعيد والليبيون يُردِّدون ويهتِفون لــــمُعمّر.
خطاب التتويج والتطويب أو الوصيّة من عبد الناصر للقذّافي، ومن عبد الناصر لليبيين والعرب بزعامة القذّافي، خطاب فعل فِعلَه في الشارع الليبي والعربي والعالمي على السواء، وهو الخطاب الذي فتح الأبواب على مصاريعها أمام القذّافي وثوّار الفاتح الذين كان عليهم الالتزام ببوصلة فلسطين عبر احتضان العمل الفدائي والثورة الفلسطينية، في مرحلة ما بعد عبد الناصر، إلى أنْ كان الإصطدام الإعلامي والسياسي ومن ثمّ العسكري بأنور السادات الذي خاض حرب العبور، ثم وقَع في كامب ديفيد ليوقِّع الصلح مع «إسرائيل» العدو التاريخي للأمّة العربية، وليتربَّع على عرش الخيانة بعدما كان جالساً على كرسّي البطولة. إذن لا ينكر الليبيون ذلك.
خيانة السادات، التي أخرجت مصر أم العرب من معادلة الصراع مع العدو المعروف اختصاراً بــــ «إسرائيل»، أرخت بظلالها على الواقع العربي، فانتشر الإحباط واليأس بعد الإنتكاسة الوجدانية الكبرى بغياب عبد الناصر؛ تلك الإنتكاسة التي أدمت قلب الأمة على موت زعيمها.
هذه هي الظروف والأقدار والتحوّلات السياسية، التي وضعت هذا «البدوي» الطامح ورفاقه في ثورة الفاتح في فوّهة الأحداث الصاخبة والكبيرة، بدون أنْ يراكم مع رفاقه أيّاً من أنواع الخبرة والنضج السياسي والذاتي، فهم فتية لا يملكون غير الحماس الصادق والنيات الطيبة يومذاك؛ لكن هل النيات الطيبة والحماس يكفيان لإدارة مواجهة وصراع مع «إسرائيل»، ومع قوى عالمية ومع تركة إستعمارية، ومع حرب الشركات النفطية خصوصاً بعد التأميم، ومع تخلّف إجتماعي، ومع أمراض موروثة ومتوارثة، ومع أميّة منتشرة وجهل مستشر. أيضاً لا يُنكِر الليبيون ذلك.
هذه الظروف والأنواء التي خطا معمّر القذّافي خطواته الأولى كرجل دولة وثورة في ظلّها؛ وفي ظلِّها كان عليه خوض معاركه على جبهتي التنمية والتطوير وبناء ليبيا في الداخل، واستمرار المسيرة على بوصلة عبد الناصر بعد رحيله، مع ما يعنيه ذلك من انخراط في مشروع المواجهة للسياسات الإمبريالية بل وتزعّمه لها، ومن ضمنها دعم واحتضان فصائل الثورة الفلسطينية في الخارج.
كانت الجمهوريّة العربية الليبية طيلة السبع سنوات الأولى بعد ثورة الفاتح 1969، بمثابة الورشة الكاملة على شتّى المستويات، مُضافاً إليها وِراثة القذّافي لمرجعية التنظيمات والتيارات الناصرية والقومية، فكان الإتحادُ الإشتراكي العربي في ليبيا، إطاراً سياسياً ليبياً مستنسخاً عن الإتحاد الإشتراكي العربي في مصر، لكنّ النسخة الليبية لمْ تنجح في التحوّل إلى إطار مركزي على مستوى الأمّة يستوعب كل الهياكل والتنظيمات الناصريّة، بفعل التمايزات على اختلافها بين ناصرية ناصريي عبد الناصر ومناصريه، وبين ناصريّة القذّافي وثورييه، فهل من هنا بدأ التصدّع؟.
عند هذا الحدّ، أراد القذّافي أنْ تكون له بصمته الخاصة وقيمته السياسية والفكرية المضافة التي تحوّلت إلى إيديولوجيا وفكر وتنظيماً وإدارة. ثم تطوّرت الأفكار واجتهدت المطابخ القذّافية وانطلقت الإجتماعات الفكرية والدراسات المعمّقة لإنتاج وصياغة نظرية سياسية لا تقوم على الإستنساخ والتقليد، بل على صياغة نظام حكم جديد يتجاوز فكرة الإنتخاب والديمقراطية السائدة، فذهب إلى الحدّ الأقصى الذي يقول بسلطة الشعب، فكان «الكتاب الأخضر» بفصوله الثلاثة، السياسية والإقتصادية والإجتماعية، بمثابة الحلّ غير المجرّب والمسبوق والذي قدّمه معمّر القذّافي لليبيا وشعبها. لكن لماذا وما هو الهدف وما هي المرامي؟.
كان الثاني من مارس 1977، يوماً لإعلان ولادة سلطة الشعب في ليبيا التي تجاوزت الجمهورية والنظام الجمهوري، باتجاه «الجماهيرية» والنظام الجماهيري الذي لا رئيس له بحسب منطوق تأسيسه. هذا كان في النصّ، فماذا كان في الواقع؟.
مع انطلاقة ليبيا كجماهيرية، انطلق السجال والجدل حول أفكار العقيد المثيرة، أو الأفكار الجديدة التي أطلقها وتبنّاها العقيد الذي طرح نفسه مفكراً؛ وهي الأفكار التي كانت عرضة ومحلاً للهجوم والتشويه لاعتبارات سياسية، سببها المواقف السياسية للقذّافي من النظام العربي عامة والخليجي خاصة، وسببها أيضاً استهدافه الحركات الإسلامية من سلفية وإخوانية وغيرها على اعتبار أنّها حركات هدّامة متستّرة بالدين لأسباب وأهداف سياسية لا علاقة لها بالدين لا من قريب ولا من بعيد، بحسب القذّافي وحساباته. ولقد كان طبيعياً أنْ تناصبه تلك الحركات العداء وان تتربّص به شراً لا ثأراً منذ البداية، ووجد هذا التناصب وذاك التربص، كل منهما، تقاطعاته القوية مع أجندات عربية، فأثمرت تشويهات وتقزيمات مركّزة عبر بثّ ونشر وتسويق العبارة القاتلة والقائلة «أنّ القذّافي استبدل كتاب الله القرآن الكريم بالكتاب الأخضر» وهي العبارة السحرية التي انتشرت واعتمدها الإسلاميون والمتدينون على السواء، فتكاثرت الكراهية والتحريض على الرجل بشكل غير مسبوق، لكن رغم ذلك لم يتوقّف الليبيون عن ترداد هتاف «كل الروس فدا لراسك، يا معمّر نحنا حراسك».
غير أنّ عملية الرصاص المصبوب على نظريّات القذّافي وأفكاره، لم تحُل دون اعتمادها، لا تطبيقها، رسمياً في بلاده، فقد انطلقت النظرية العالمية الثالثة لبلد من العالم الثالث، لتكون عماد الحكم في ليبيا.
وبهدف تقديمها كنموذج برّاق ومنمّق، أنشأ القذّافي «المركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر»؛ إنّه المركز الذي صاغ للكتاب الأخضر وصاحبه شبكة من العلاقات الواسعة مع مختلف الجامعات والمراكز الثقافية والفكرية حول العالم، فنظّم الندوات والمؤتمرات واستقطب أساتذة الجامعات والصحفيين والمفكرين مع أقلامهم حول العالم، العربي قبل الغربي.
ليس هذا فقط، فقد دخلت مقولات من الكتاب الأخضر ضمن المنهاج التربوي الأكاديمي الليبي، بهدف تثقيف الناشئة والطلبة، فشُيّدت الأكاديميات والمعاهد الفكرية الهادفة لنشر فكر الكتاب الأخضر بين الشباب الليبي، واستُهِلّت كل نشرة إخبارية بفقرة أو جملة من الكتاب الأخضر، وزُينَت عناوين الصحف واللوحات الحائطية ولوحات الطرقات بشعارات مماثلة. كم نحن العرب مولعون بالشعارات!.
وبالتوازي مع إرساء العقيد لنظريته السياسية ضمن إطارها الفكري، فقد عمل على إرساء وصياغة الحركة الثقافية السياسية التي تحمل هذا الفكر وتتبنّاه وتحرِّض الشعب على تبنيه في الداخل والخارج، فكانت «حركة اللجان الثورية» الإطارَ التنظيمي السياسي الفكري الثقافي، والتي لا تشبه في هيكليتها وبنيتها وتركيبتها أيّاً من الحركات والتنظيمات السياسية حول العالم، خصوصاً وأنّ مرماها الرئيس هو تمكين الشعب من تسلُّم السلطة وممارستها، عبر المؤتمرات الشعبية التي تقرّر، واللجان الشعبية التي تنفّذ. لكن، وإلى المهمّة الرئيسة هذه كان لحركة اللجان الثورية مهمة أخرى وهي «حماية ثورة الفاتح والدفاع عنها والدعاية لها» مع ما تعنيه هذه المهمّة ضمناً من حملها بذور تحوّلها إلى حركة مسلّحة بل ميليشيا مسلّحة رسمية، وهي المهمّة التي استحالت إلى تهمة المشاركة في قتل وتصفية معارضين في الداخل والخارج في إطار ما عرف بالثورة الثقافية، وتطهير الجامعات من طلاب «الحركات الهدّامة» أو «الكلاب الضالة» كما أُطلِق عليهم وقتذاك، فيما عرف بــــ «ثورة الطلاب» في السابع من إبريل عامَ 1976.
وباتت حركة اللجان الثورية برئاسة الرائد عبد السلام جلود المنشقّ بعد طول عقودِ ولاءٍ حتى العظم، حركةً تمارس العمل الأمني، خصوصاً وأنّ العناصر العسكرية تُمسِك قيادتها والمواقع المفصلية فيها، علماً أنّها مزيج من العناصر المدنية والعسكرية الموالية ولاءاً مطلقاً للزعيم الليبي، إذن كان جلود موالياً حتى النخاع.
وقد انفتحت اللجان الثورية على حركات التحرير حول العالم ودعمتها، وهو الدعم الذي دفع هذه الحركات خصوصاً الأجنبية منها إلى منح القذّافي لقب قائد الثورة العالمية، وهو المنح الذي لا بدّ من تتويجه بآليات تواصل جديدة خصوصاً مع الحركات الأوروبية والآسيوية والأميركية اللاتينية وغيرها، فكانت «المثابة العالمية» برئاسة موسى كوسى الإطار الإداري التواصلي بين القذّافي وحركات التحرّر العالمية؛ إنّه الإطار الذي كان له العديد من المهام الخاصة، حيث موسى كوسا مطارد بها ولأجلها.
وبالتوازي مع الكتاب الأخضر وسلطة الشعب وحركة اللجان الثورية، والحملة الإسلامية المستهدفة لهم، كان لا بدّ من البحث عن الوعاء الإسلامي البديل، فكانت «جمعية الدعوة الإسلامية العالمية» بهذا المعنى هي المعبِّر عن تطلعات القذّافي والدولة الليبية بشأن الإسلام والمسلمين حول العالم، خصوصاً مع تقديم فلسفة متكاملة للدين ودوره في التشريع والمجتمع والتركيز على وسطيته بعيداً عن التطرّف والغلو والإستغلال السيّئ له لمرامٍ وأهداف سياسية.
وقد نشطت هذه الجمعية وتوسّعت نشاطاتها وبرامجها، فأنشئت جامعة لتدريس العلوم الشرعية، سُمّيت «كلية الدعوة الإسلامية» التي كانت مقصداً للدارسين من مختلف قارّات العالم، ثم توسّعت أعمال الجمعية والكليّة على السواء لتفتتح فروعاً لها في عدد من الدول العربية والإفريقية والآسيوية، وشيّدت الجمعية عدداً كبيراً من المساجد والمراكز الإسلامية التي تحمل إسم القذّافي أو الجمعية، ومنها كلية الدعوة الإسلامية في لبنان
وبناء عليه.. فقد شكّلت المؤسّسات والهياكل المذكورة أعلاه عدة شغل الزعيم الليبي معمّر القذّافي، لينطلق في تقديم رؤيته حول «الجماهيرية» بوصفها النظام الجديد وغير المسبوق في العالم، كما لينطلق في نشر أفكاره وآرائه من مختلف القضايا والتطورات السياسية والإجتماعية والإقتصادية محلياً واقليمياً ودولياً، لكن!.
لكنّ «حرق المراحل» هو السمة البارزة للسنوات التي سبقت إعلان سلطة الشعب وقيام «الجماهيرية»، وإذا كان الحرق متّسِقاً مع فلسفة النظرية الجماهيرية الحارقة بدورها للمراحل، مراحل الوصول إلى السلطة، فهل كان الشعب الليبي مهيئاً أولاً لاستيعاب هذه النظرية، وقادراً ثانياً على تطبيقها بشكلها المثالي؟ وهل أنّ السنوات السبع الإنتقالية من الملكية إلى الجمهورية وفّرت المناخ الكافي من النقاش الفكري والإجتماعي بين القيادة ومكوّنات الشعب الليبي بغية إحداث هذه النقلة السوبرنوعية، والتي تحتاج إلى ثقافة سياسية وفكرية ليس على مستوى النخب فحسب وإنّما على مستوى الشرائح الشعبية والإجتماعية ايضاً، فعشية إعلان سلطة الشعب، كان المشهد المجتمعي في ليبيا على الشكل التالي: مجتمع قبلي غارق في مفاهيم القبلية كما غرق عبد السلام جلّود في عشق معمّر القذّافي، خارجٌ لتوّه من ثورة على نظام ملكي ظالم فاسد سمح للمستعمرين استباحة وطنه وسرقة ثرواته وإقامة قواعدهم، فكانت ليبيا عبارة عن «سيليات قطرية» متعدّدة الجنسيات، وهي الخارجة قبل ذلك من استعمار طلياني لم ينشر فيها سوى التخلّف والمكامن النفسية المرضعة مع الحليب الذي استحال أحمرَ؟.
قطعاً وحتماً لا، فــــ «سلطة الشعب» هبطت «كقرار» من المستوى الأعلى إلى الشرائح الشعبية الليبية. والشعب الليبي لا سبيل له إلّا التصفيق والحماسة لهذه الفكرة رغم عدم قدرته على هضمها ومن ثم تطبيقها. لكن ما جاءكم به معمر فخذوه وما حرمكم منه فاسْتحرِموه. إنّه اللامنطق؛ إنّه ذروة اللامنطق. وحينها كان نفاق الحاشية على أشدّه؛ فواحد منهم انشقّ بالأمس، لم يقل حتى اليوم أنّه نصح قائده باتّباع نهج الجرعات. فقد كان النهج منذ البداية هو السلطة، إنّهم المتنبيّون القدماء والمنشقّون الجُدُد، ولذلك!.
ولذلك، الجماهيرية انطلقت، والمؤتمرات الشعبية حُدّدت، واللجان الشعبية تشكّلت.. نظرياً هذا صحيح؛ لكن عملّياً من شكّلها وكيف تشكّلت ومن سمّى أو اختار أمناءها؟ هل الشعب من شكّلها أم القيادة الثورية؟ وأيّ الهياكل التنظيمية التي اعتُمدت ونجحت؟ وإلى أي مدى تتناسب سلطة الجماهير مع تركيبة الشعب الليبي؟.
سلسلة من الأسئلة الدقيقة، من شأن الإجابة الدقيقة عنها تقديم صورة شفّافة عن كيفية صمود حكم معمّر القذّافي 42 عاماً. نقول «صمود» ولا نقول «استمرار».
وقبل أنْ نُكمل نودّ الإشارة إلى أنّ غالبية الشعب الليبي هم عرب، وإنّ السواد الأعمّ من الشعب الليبي، يعتنق الاسلام ويتبع مذهب الإمام مالك، يُضاف إلى ذلك أقليات صغيرة من التبو والبربر والطوارق. وعلى ضوء هذه الإشارة يجب القول أنّ المجتمع الليبي بغالبيته الساحقة هو مجتمع ذو طبيعة قبائلية، فحتّى أبناءُ المدن مشكّلون ومنتمون إلى قبائل مختلفة.
لا بدّ إذن من إيجاد الهيكلية السياسية الحاكمة التي يجب أنْ تتّسع مروحتها وتضم كل القرى والبلدات والمدن والقبائل والعشائر والعائلات ومن ثم الشرائح المهنية من نقابات وروابط مختلفة.
وعليه.. فقد وجد القذّافي ضالّته في تلك الهيكلية التنظيمية التي أسماها «المؤتمر الشعبي الأساسي» على مستوى كل قرية وبلدة وحي وقبيلة ووحدة سكّانية، وصولاً إلى الجامعة والثانوية والإعدادية، على أنْ يكون لكل مؤتمر أمين وأمين مساعد، وينبثق عن كل مؤتمر شعبي أساسي لجنة شعبية مهمتها تنفيذ قرارات المؤتمر الشعبي الأساسي الذي يجب وبحكم النصّ أنْ يملك الحق في الإطاحة بها وتغييرها في أيّ وقت «يشاء»، ثم يتشكّل من مجموع أمناء المؤتمرات الشعبية وأمناء اللجان الشعبية على مستوى الدولة ما يسمّى بمؤتمر الشعب العام، على أنْ يحمل أمناء المؤتمرات مقرّرات وحاجات مؤتمراتهم ومناقشتها في مؤتمر الشعب العام واعتمادها بصياغة موحدة، لتصدر كتشريع نافذ على مستوى الدولة. ويتشكّل من مجموع أمناء اللجان الشعبية القطاعية، اللجان الشعبية العامة للقطاع على مستوى الدولة، ويتشكّل من أمناء اللجان الشعبية العامة القطاعية، اللجنة الشعبية العامة (أي مجلس الوزراء)، ويضاف إلى أمناء المؤتمرات الشعبية وأمناء اللجان الشعبية أمناء الاتحادات ومختلف النقابات والروابط المهنية والإنتاجية على مستوى الدولة، وهكذا دواليك.
إنّها التركيبة التي تستوعب كل التناقضات والحساسيات وموازين القوى الإجتماعية والسياسية في ليبيا. ومن حيث المبدأ، ومن الناحية النظرية، فهذه آلية سلطة وحكم تحوز على مروحة شعبية واسعة ممتدة أفقياً على كامل التراب الليبي تشريعاً وتنفيذاً وإدارة؛ ومن حيث المبدأ أيضاً، فهيكلية الحكم والسلطة هذه تحمل في جوفها فضلاً عن ديمومتها واستمراريتها وتطبيقها، الإستقرار الإجتماعي والسياسي والأمني في البلاد، وهذا ما جعل العقيد معمّر القذّافي يطرحها ويتبنّاها بقوة وحتى انقطاع النفس الذي استمرّ أربعة عقود وعقول، لكن!.
لكن.. إلى أيّ مدى سلّم القذّافي السلطة للنّاس وهل حقّاً سلّمها فسلِم؟.
هذا السؤال ينطلق في سياق الإجابة على السؤال أعلاه حول من يختار أمناء المؤتمرات الشعبية وأمناء اللجان الشعبية؛ هل يختارهم الناس فعلاً عن طريق الإختيار العلني المباشر، أم تهبط عليهم الأسماء من وحي الخيمة؟.
هنا يجب العودة للتأكيد بأنّ فهم واستيعاب الشعب الليبي للنظريّة الجماهيرية هما فهم واستيعاب نسبيّان، وذلك على الرغم من اعتماد النظرية الجماهيرية في المقرّرات التربوية ومناهج ومواد التعليم بمراحله كافة، فظهر الأمر وكأنّ عملية التثقيف السياسي الخاص بالكتاب الأخضر أضحت في ليبيا أشبه ما تكون بالخدمة الإلزامية.
وهكذا، فإنّ الهياكل الأولى للسلطة الشعبية قد تشكّلت من طلاب الجامعات والضبّاط، إضافة إلى الكوادر الأعضاء في حركة اللجان الثورية التي تتبنّى إيديولوجياً وعقائدياً هذه النظرية.
وهكذا يكتمل المطبخ الذي يُغذّي هياكل السلطة الشعبية بالنوعيات أو الولاءات المتعلِّمة والمثقفة. فمعظم أمناء المؤتمرات الشعبية واللجان الشعبية هم من أعضاء اللجان الثورية المعروفين بولائهم المطلق لفكرتهم ومفكرهم وقائدهم معمّر القذّافي.
وهكذا تغدو السلطة الشعبية في أيدٍ أمينة بالنسبة للقذّافي، فأضحت أربعة عقود وكسور..
بإختصار شديد.. كان الشعب الليبي بالنسبة للقذّافي بمثابة حقل اختبار يُجرِّب فيه وعبره عصاراته الفكرية كما يشاء، فتارة يعتمد الدوائر الصغرى جداً كوحدة سياسية ثم يلغيها ليعتمد دائرة أكبر ثم يلغيها فيعتمد صيغة المربّعات ثم يلغيها باتجاه المثلثات ثم يلغيها باتجاه الكومونات ثم يلغيها باتجاه مؤتمر البلدية وهكذا دواليك، من تقسيم الشعب إلى دوائر ومربّعات ومثلثات وغيرها بحثاً عن الشكل المناسب والأكثر ملاءَمةً لتمتين السلطة والحكم. إنّه فنّ الحكم وفن إدارة وترجيح كفّة القبائل الذي ما أجاده حاكم في ليبيا كما أجاده القذّافي. إنّه الفن الذي اقتدر القذّافي من خلاله على حرمان أيّ قبيلة من اتخاذ موقف عدائي منه بالمطلق، وها هي أكبر قبائل ليبيا قبيلة ورفّلة تشهد على ذلك في الأمس المجيد، فهذه القبيلة لم تزل حتى اللحظة تغرِّد في سرب القذّافي وخاضت إلى جانبه كل مبارزاته الأطلسية المجيدة. فهذه المبارزات ليست مبنيّة على الإطلاق من علاقة حب مستمر بين ورفّلة والقذّافي، فمن المعروف في السياقات الليبية أنّ القذّافي عندما اعتمد تقسيم المحافظات في يوم من الأيام، زعّم مدينة مصراتة على مدينة بني وليد بقصد تحجيم بني وليد ومن ورائها قبيلة ورفّلة، مع ما يعنيه ذلك من صراع تاريخي قديم بين مدينة بني وليد ومدينة مصراتة، وكان باعث القذّافي يومها في هذا الإجراء الأكثر من تكتيكي متمثّلاً في تأديب ورفّلة على محاولة الإنقلاب بالإغتيال الذي تورّطت به عناصر ورفّلية.
ولكي يَحْبُك القذّافي كل عناصر القوة، وبالتزامن مع تذمّر الليبيين من طرق عمل المؤتمرات الشعبية المولودة أساساً من رحم كسلهم واتكاليتهم، وجد القذّافي أنّ مسك العصا من رأسها هو الضالّة المنشودة، فعثر عليها وأنشأ جسماً جديداً اعتُبر من أعمدة النظام السياسي في ليبيا وهو الجسم المعروف بــــ «القيادات الشعبية الإجتماعية» التي تكوّنت من كبار شيوخ القبائل والأعيان والوجهاء والضبّاط المتقاعدين والضبّاط الأحرار، حتى بات منصب منسّق عام القيادة الشعبية الإجتماعية بمثابة المنصب الدستوري الأرفع في الدولة الليبية، خصوصاً وأنّه مكوّن من الشخصيات الإعتبارية الوازنة في بيئاتها. ولا يجب أنْ يفوتنا بأنّ هذا الهيكل الجديد قد نما في لحظة تحوّل حركة اللجان الثورية إلى حركة من الموظفين الثوريين أو من ثوريي الولاء القبلي، فلم تَعُد اللجان في كل مكان بل أصيبت بنوع من الشلل الدائري في الدور والمهام، خصوصاً وأنّها تحوّلت إلى طبقة في المجتمع عُلّقت عليها معظم أدران ولوثات البزنس والصفقات والعمولات، بخلاف منطلقها وتأسيسها وأهدافها.
لكن أين هو الجيش الليبي من كل هذه التحوّلات على الساحة الليبية؟.
ممّا لا شكّ فيه أنّ مكوّنات نسقية الحكم والسلطة والنظام في ليبيا بعناصرها الأساسية هي تركيبة عسكرية، فالقذّافي ورفاقه في ثورة الفاتح وصلوا إلى السلطة عن طريق الإطاحة بالنظام الملكي، لكن من خلال المؤسّسة العسكرية. وهو الأمر الذي أدركه القذّافي جيداً ووعى مخاطره جيداً جداً، ومن هذا الإدراك وذاك الوعي، أتت فلسفته ورؤيته في النظام الجماهيري شاملة، فشملت القطاع العسكري الذي كان عليه الذوبان التدرُّجي في المجتمع تحت شعار تحويل الشعب الليبي بأكمله إلى شعب مسلّح يتولّى الدفاع عن البلاد.
وبهذه الوصفة السحرية المُحكمة، عمل القذّافي على حلّ الجيش بتركيبته التقليدية الكلاسيكية، مبتكراً «المناوبة الشعبية» كإطار عسكري من أبناء المدن، يجعل كل مدينة تتولّى حماية نفسها بنفسها والدفاع عن نفسها بأبنائها.
لكن القذّافي لم يكن يعتمد على جهاز المناوبة الشعبية المسلّحة في حماية نظامه، فلقد اعتمد في سبيل ذلك ولأجله على كتائب عسكرية أمنية، ترتكز في تكوينها على العناصر شديدة الولاء الشخصي له.
هكذا وبهذه الأدوات والآليات والأجسام والأعضاء التناسخية حكم معمّر القذّافي ليبيا من دون أنْ يحكمها طيلة أربعة عقود وكسر من الزمن؛ وهكذا وبهذه النظريّات والأطر الفكرية والفلسفية حقّق القذّافي حلمه بالتحول إلى إشكالية ممتعة ومثيرة استوطنت على الألسن طيلة أربعة عقود من عقد التساؤلات ومن بناء المستوطنات الفكرية في عقول تلقفتها فبدت في تلقفها وكأنها فارغة وتحتاج الإمتلاء، فالكل امتلأ لتفيض ليبيا بمعمِّريها ومدمِّريها حكاية تروى على مرّ العقود الثورية منها والسلمية، لكن كم من هذا الكل كان مدركاً أنّ هكذا دولة كانت تُبنى دونما حصون أو أسوار؟.

أسوار القبضة الحديدية

إذا كان معمّر القذّافي، قد أدرك كُنْه المستوى الليبي فعمل على تسويته بالنظريات المنفصلة عن الواقع لترويض الواقع وجعله أمراً واقعاً ونجح، لكنْ هل خاض هذا الرجل معاركه الخارجية بالأسلحة نفسها، أم كان منطق التحدّي يغلب على الترويض، أم أنّه انتهج الأسلوبين معاً، فمرة تبطّن التسوية ومرّة تعجرف؟.
إنّها المسيرة السياسية ببعدها الخارجي، الدولي والإقليمي، التي بدأت منذ إنبلاج عصر الفاتح الحديث وحتى شيوع عصر التوريث عبر سيف الإسلام غير الوريث! نعم لم يكن سيف الإسلام يوماً وريثاً لعرش أبيه.
بالطبع، تحفل المرحلة القذّافية ذات الأربعة عقود وجبرٍ بالكثير الكثير من الأحداث والمنعطفات السياسية على المستوى الخارجي يحتاج سردها وتحليلها إلى مجلّدات بتمامها وكمالها، لكنّنا في هذا العمل سنُعرِّج على أبرزها، غير أنّ هذا التعريج ليس مرتكزاً على أهمية حدث دون آخر وإنّما على غرضيّة الكتاب وأهدافه، فالكتب كما البشر، تتّسم بالأنانية أيضاً، لكنّها الأنانية العملية.. فحدِّث ولا حرج.
يجب التسجيل بداية بأنّ الدور الهام واللافت الذي اضطلع به معمّر القذّافي ورفاقه في ثورة الفاتح بحدّ ذاتها واستتباعه تثبيت نظام حكمهم، كانت له ارتداداته الدولية، فإجلاء وطرد القوات والقواعد الأميركية والبريطانية عن التراب الليبي شكّل خطوة بارزة وحاسمة في تحرير ليبيا واستعادة سيطرتها على أراضيها وثرواتها الطبيعية منها وغير الطبيعية، وهي السيطرة التي توِّجت بعملية «تأميم النفط» وما تداعى عنها من إبعاد وطرد للشركات النفطية الأجنبية والأميركية منها خاصة، فالقرار الوطني والمصلحة الوطنية اقتضيا السيطرة الكاملة على قطاع النفط إنتاجاً وتسعيراً وتسويقاً، فأُصيبت الشركات الأجنبية بجروح وخسائر عميقة، وفعلها القذّافي على خطى القدوة عبد الناصر.
استعادة ليبيا سيادتَها على أراضيها وثرواتها، على أهميته الحيوية، لم يكن الأمر الوحيد الذي أثار حفيظة الغرب عامة وأميركا خاصة، اذ شكّل احتضان ثورة الفاتح لفصائل الثورة الفلسطينية وفتح معسكرات التدريب الليبية للمقاتلين الفلسطينيين واللبنانيين وجميع حركات التحرّر العربية والإفريقية والأجنبية من ثوّار الباسك الأسبانية إلى الألوية الحمراء الإيطالية إلى منظمة بادر ماينهوف الألمانية وحركة العمل المباشر الفرنسية والجيش الجمهوري الإيرلندي والجيش الأرمني السرّي والجيش الأحمر الياباني والهنود الحمر وثوّار الجبهة الساندينية في نيكاراغوا وصولاً إلى أبو نضال رئيس المجلس الثوري الفلسطيني والمناضل الفنزويلي الأممي كارلوس، وغيرهم ممن شكّلت ليبيا ملاذهم وملجأهم، وشكّل العقيد القذّافي مرجعيتهم الثورية المصدرة للأفكار والمُسيّلة بالدعم والتسليح والأموال؛ شكّل هذا الإحتضان وهذه المرجعية «مثابة اللعنة» للغرب، فقضى القرار الغربي ـــــ الأميركي بشطب القذّافي من المعادلة، تُرجم بمختلف محاولات الإغتيال التي تعرّض لها، تُوِّج بمحاولة الإغتيال المباشرة التي نفّذتها الغارة الأميركية البريطانية المباشرة عام 1986 عندما استهدفت، بالإضافة إلى مقرّه وبيته في ثكنة «باب العزيزية»، بعض المواقع المدنية والعسكرية في مدينتي طرابلس وبنغازي، وكانت الذريعة الأميركية الغربية يومها تتمثّل بتحميل القذّافي مسؤولية الهجوم على ملهى «لابيل» في المانيا، ومقتل شرطية بريطانية أمام السفارة الليبية في لندن. ويومها جدّد الليبيون مرّة أخرى ولاءهم للقائد وردّدت حناجرهم بقوّة «كل الروس فدا لراسك يا قايد نحنا حراسك». لكن!
لكن الغارة الأميركية الهادفة إلى قتل القذّافي حملت أكثر من رسالة، ليس للقذّافي فحسب، وإنّما لغيره من رؤساء الدول التي تصنّفها الولايات المتحدة مارقة أو راعية أو داعمة أو حاضنة للإرهاب، وكانت ليبيا مدرجة على لائحة الدول المارقة والراعية للإرهاب، وهو التصنيف الذي يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته لضبط هذه الدولة وزعيمها الإرهابي.
وصلت الرسالة مكتوبة ببدء بيّنة دم، فخفّف القذّافي عملياً من حماسته واندفاعته في دعم وتسليح وتمويل حركات التحرّر المذكورة أعلاه، فيما استمرّ نظرياً وإعلامياً في رفع الصوت ضد سياسات الغطرسة الأميركية التي حذّرها من تجاوز المياه الإقليمية، مُحدِّداً خليج سرت؛ إنّه «خطّ الموت» فيما لو تجاوزته الطائرات الأميركية، عندها ستتحول جثث طياريها طعاماً لأسماك البحر الأبيض المتوسِّط، دون الأطلسي. يومها لم يقل القذّافي للأميركيين «سيكون الشعب الليبي لكم بالمرصاد».
وعلى هذا الخط ـــــ المرصاد، أخذت معسكرات التدريب في الإختفاء التدرّجي من العاصمة الليبية طرابلس وضواحيها، ومعها المكاتب السياسية والإعلامية لهذه الحركات. لكنّ القذّافي ظلّ يحتفظ بصلاته التي لم تنقطع معها، فشكّل يومها ما عرف بــــ «القيادة القومية للقوات الثورية في الوطن العربي» بإشراف اثنين من الضباط الأحرار هما عبد الله حجازي وصالح الدروقي؛ إنّه الإطار الذي يضم جميع التنظيمات والحركات السياسية الرافضة والمناهضة للسياسة الأميركية والمعروفة اختصاراً بــــ «إسرائيل».
وبالتوازي مع القيادة القومية وقبلها أطلق القذّافي «مؤتمر الشعب العربي» برئاسة عمر الحامدي كإطار فاعل فيما بين الأحزاب والتيارات والشخصيات العربية، كما أطلق بداية التسعينات بعيد انهيار الإتحاد السوفياتي «ملتقى الحوار العربي الثوري الديمقراطي» كإطار للحوار بين تيّارات الأمة الإسلامية والقومية والماركسية بإدارة العقيد محمد المجدوب ورئاسة الرئيس الجزائري احمد بن بلا، كما شكّل القذّافي إطاراً جديداً لحركات التحرّر الأجنبية عُرِف باسم «المثابة العالمية لمقاومة الإمبريالية والصهيونية» التي أشرف عليها المتشقِّق قديماً والمنشقّ حديثاً موسى كوسى رئيس جهاز الأمن الخارجي ووزير الخارجية.
بهذه «المثابات» بنى القذّافي حضوره الثوري الذي استمدّ بريقه من تبنّيه لحركات التحرير حول العالم، فمن يتبنّى التفجير إلّا هو!
أتى تفجير طائرة البانام الأميركية عام 1988 فوق مدينة لوكربي الاسكتلندية، لتتوقّف بوصلته عند اتّهام ليبيا به بعدما اتُهمت به إيران وسوريا والقيادة العامة الفلسطينية بزعامة أحمد جبريل، الأمر الذي وضع ليبيا تحت مرمى الإستهداف من جديد، لكن وهذه المرّة عبر قرارات صادرة عن مجلس الأمن الدولي وتحت الفصل السابع، قضت بفرض حصار اقتصادي وديبلوماسي وجوّي مُحكم، رغم أنّ العقيد لم يتبَنَّ التفجير.
لكنّ الحصار الإقتصادي والعسكري الذي فُرض على جماهيرية العقيد بقصد إنهاكه وتقويضه من الداخل، أعطى نتائج سلبية من وجهة نظر الغرب، حيث اقتدرت ليبيا والقذّافي على التأقلم مع الحصار وظروفه على قساوتها خصوصاً على الصعيد الإنساني، حيث تمكّن القذّافي الرافض للإتّهام وتسليم أيّ من مواطنيه المتهمين بالتفجير، من بناء حركة التفاف شعبي غير مسبوق. والحق يُقال أنّ الوحدة الوطنية الليبية كانت في أبهى صورها وحللها تحت الحصار حيث برهن الشعب الليبي بوقوفه خلف قيادته وتضامنه معها عن وطنية ما بعدها وطنية، فالقضية ترتبط بإخضاع وطن ولَيِّ ذراعه عبر الشروط الصعبة التحقّق.
لكنّ تسابق سواد النظام الرسمي العربي الأعظم في الإلتزام بتنفيذ مندرجات القرار بالحصار لحظة إعلانه وبعدها وقبيل سريان تنفيذه، شكّل «مثابة المرارة» لدى القذّافي والليبيين على السواء، نتجت عنه ردّة فعل ليبية سلبية تجاه العرب، وخصوصاً الجامعة العربية وأمينها العام عمرو موسى ومن خلفه الرئيس المصري حسني مبارك اللذين لعبا خلال هذه المرحلة دور السمسار وناقل العروض والرسائل من الغرب إلى ليبيا القذّافي. وما ضاعف من مرارته أيضاً أنّ موقف حركات التحرّر التي احتضنها ودعمها ورعاها ومدّها بأسباب القوّة والإستمرار وأوصل بعض قادتها إلى مواقع رسمية، لم يكن بأفضل حالاً بكثير من موقف سواد النظام الرسمي العربي.
«وَلِّ وجهك شطر إفريقيا الحلال» هو الشعار الذي اعتنقه الزعيم الليبي بعد سقوط وتساقط الشطرين العربي والإسلامي «الحرام»، فوجد لدى الأفارقة قادة وشعوباً المصالح المشتركة التي تدفعهم إلى التضامن الذي حصل بالفعل عندما تحوّل إلى قرار سياسي قضى بإدارة الظهر لقرارات مجلس الأمن الدولي العقابية والقمعية، وهي الإدارة التي حصلت في قمة «واغادوغو» الشهيرة، حيث أعلن قادة القارّة السمراء في هذه القمة عن قرارهم الجماعي في كسر الحصار عن الجماهيرية الليبية وعبّروا عنه بركوبهم الطائرات وتوجّههم إلى ليبيا في 1/9/1999، للمشاركة في احتفالات الفاتح، التي أعلن القذّافي ومن خلالها وعبر خطاب لافت يعكس حجم التحوّلات السياسية لديه، عن «الطلاق مع العرب والكفر بالعروبة، وتوجهه إلى إفريقيا والنضال من أجل وحدتها»، وهناك نجح القذّافي في تحويل «منظمة الوحدة الإفريقية» في قمة سرت إلى «الإتحاد الإفريقي» وكان ذلك بتاريخ 9/9/1999، وكانت خطوة متقدمة باتجاه طرح قيام الحكومة الإتحادية الإفريقية.
شكّل ابتعاد القذّافي عن العرب وكفره بالعروبة معنى أراد الغرب عامة والولايات المتحدة خاصة أن يكون مرادفاً لمصطلح «الطلاق» مع قضية الصراع مع العدو الإسرائيلي، وفعلاً فقد شكّل ابتعاد القذّافي عن هذا الملف توطئة لتنفرد إيران به، خصوصاً بعد نجاحها الكبير في رفع شأن حزب الله اللبناني كحركة مقاومة، تنفرد بالساحة في جنوب لبنان، بعد انقطاع التمويل الليبي والعراقي عن الحركات الفلسطينية واللبنانية التي كانت تتصدّى لهذا الملف قبيل تثبيت حزب الله أقدامه في الجنوب اللبناني واحتكاره قضية المقاومة والسلاح ضد إسرائيل.
لكن هل أن «الفيتو» الذي وضعته الولايات المتحدة على تدخّل القذّافي في ملف الصراع مع العدو الإسرائيلي عبر دعم واحتضان حركات المقاومة الفلسطينية، يسحب نفسه على تدخّل القذّافي في إفريقيا التي تقتضي الإستراتيجيات الأميركية ضمّ هذه القارّة إلى الشرق الأوسط وقطع الطريق أمام التغلغل الصيني وهو التغلغل الذي لا يمكن أنْ يسير ليصل إلى كل مدياته من دون العبور في بوابة القذّافي؟
هذا هو السؤال الكبير الذي يجب التوقّف عنده، عند دراسة الدواعي والمحرِّضات الستراتيجية للحرب الأطلسية الأميركية على ليبيا، بذريعة حماية الثوريين المدنيين. فكفى تهريجاً أيّها المناضلون وكفى تبرّجاً أيّها الأناضوليون.
وكتوطئة مبكِّرة للإجابة على ذاك السؤال نقول إنّه ممّا لا شكّ فيه أنّ نجاح القذّافي في إطلاق «الإتحاد الافريقي» من مدينة سرت قد شكّل تعويضاً معنوياً واعتبارياً كبيراً للرجل المحاصر بالمرارة التي تجرّعها من سواد النظام الرسمي العربي الأعظم؛ إنّه التعويض الذي أراد القذّافي من خلاله القول إنّ الأزمة والمشكلة لا تكمن في استحالة تحرير فلسطين، ولا في امتلاك العرب لمقوّمات إنشاء دولة الوحدة العربية، ولا في عجز منظمة الصمود والتصدي لأيّ خطر يتهدّدها، وإنّما تكمن في عدم وجود إرادات صادقة لدى النظام العربي الذي ليس هو إلّا مرآة تعكس مصالح الدول الأجنبية الكبرى.
كانت إندفاعة القذّافي وحماسته في ملفّ الإتحاد الإفريقي وتشكيل الحكومة الإتحادية الإفريقية، توازيان اندفاعته وحماسته في السنوات الأولى التي تلت انطلاقة ثورة الفاتح من سبتمبر. فلقد كان مهتمّاً لأبعد الحدود في بذل الجهود المتواصلة لتحقيق الأهداف المنشودة في ممتعته إفريقيا.
ولأنّه لُدِغ من سياسة حرق المراحل فقد أخذ الجرعة الأولى من العبر، لذلك نجد كيف أنّ القذّافي مهّد لمشروع الإتحاد الإفريقي بمشروع إقليمي سُمّي بــــ «تجمع دول الساحل والصحراء الإفريقية»، وهو التجمّع الذي يضمّ الدول المتجاورة فيما بينها والمتصلة عبر الساحل والصحراء. ويعتبر هذا التجمع الذي شكّل قاعدة الهرم في بناء الإتحاد الإفريقي، واحداً من المنظمات الإفريقية دون الاقليمية النشطة التي كان لها بالإضافة لأطر التعاون والتنسيق الأمني فيما بينها، عدد من المشروعات الإقتصادية والإستثمارية الهامة، لعلّ «مصرف الساحل والصحراء» والذي يعنى بتشجيع التنمية الريفية، في طليعتها.
بهذه المرحليّة، أشرف القذّافي على مشروع الإتحاد الإفريقي، منطلقاً من تأسيسه منظمة إقليمية أساسية من مكوِّنات القارّة السمراء، التي تكتنز بكمية غير محدّدة من الثروات الطبيعية من مصادر الطاقة على اختلافها، والمياه والكتل البشرية التي ناءت تحت تخلف مزمن سببه سياسة الإستعباد الإستعماري من الغرب الأميركي والأوروبي على السواء.
هنا وجد القذّافي نفسه أمام ورشة كبرى من العمل المتواصل لتحقيق مراميه وتطلعات شعوب إفريقيا في التنمية بعد التحرّر من الإستعمار؛ هي الورشة التي «أَفْرَقَتْ» ليبيا بالكامل بدءاً من نشرات الأخبار والبرامج السياسية وصولاً إلى الموسيقى والألحان، حيث أصبح التلفزيون الليبي يبثّ أيضاً نشرات إخبارية يومية بلغات ولهجات إفريقية، وأصبحت الإذاعة الليبية تصدح بالموسيقى الإفريقية، وحتى الأزياء الإفريقية راجت في الأسواق الليبية، والتي يأتي بها التجّار الأفارقة برّاً من تشاد والنيجر ومالي وغيرها.
وكما كان للقذّافي أدواته في ترويض لِيبِيِّيهِ، كانت له أدواته أيضاً في ترويض قادة إفريقيا، ولهذه الغاية أسّس الإفريقيُّ الجديدُ «الملتقى العام للمنظمات الأهلية الإفريقية» الذي يحمل مهمة مواكبة انعقاد القمم الإفريقية ليشكّل القذّافي من خلاله عوامل ضغط على الحكومات الإفريقية كي تصادق على مشروع الحكومة الإتحادية الإفريقية.
ولجعل كل ملوك الأرض، عرباً وغرباً، تحت هالته، وشى القذّافي بتأسيس «الملتقى العام لملوك وأمراء وسلاطين وشيوخ إفريقيا»؛ وهو الملتقى الذي يضمّ ملوك وسلاطين وأمراء القبائل الإفريقية بأعدادها الملايينية، وكان طبيعياً أنْ يُطوِّب هذا الملتقى، خادم العلَمين الشريدَيْن، العلم الليبي الأخضر والعلم الإفريقي الاسمر، معمّر القذّافي، «ملكاً لملوك إفريقيا» في احتفالية كبرى متناغمة مع كل الطقوس المثيرة لتتويج ملك بتاجه وصولجانه المُذهَّبين.
بهذا التقليد، الأشبه بــــ «المغامرة غير المحسوبة»، بدأت أخطاء القذّافي القاتلة بالتراكم وبدأت أسهم وطلقات الإنتقاد المصوّبة إلى صدره تستقرّ في مكانها المستهدف. فلقد نجح المتربِّصون به ثأراً وانتقاماً من العرب والعجم في تركيز عَدَسة الكاميرا على «جنونياته»، في الوقت الذي كان يجب توجيهها على نجاحاته الإفريقية أيضاً. فهناك تمكّن القذّافي من معالجة الكثير من الملفّات الساخنة ومن إطفاء حرائق عدة سواء بين بعض البلدان أو بين بعض القبائل ومنها الصراع السوداني التشادي، وأيضاً الصراع التشادي ـــــ التشادي، وكذلك الصراع بين فصائل دارفور، وأيضاً الصراع بين الفصائل الدارفورية والحكومة السودانية.
وهناك أثنى الرئيس السوداني عمر البشير على جهود وإنجازات القذّافي، لكنّها الجهود التي تعرّضت لنوع من «القرصنة» المفاجئة من قبل الذين سيبرمون مع الزعيم السوداني الإخواني حسن الترابي عقد إطاحة بالزعيم الليبي، في لحظات سياسية بدت لوهلاتها الأولى بريئة، لكنّها لحظاتٌ ما كان أحد يدري أنّها في شكلها ومضمونها توطئة وإشارة يجب أنْ تشي بأنّ حياة القذّافي السياسية قد انتهت بدءاً من إفريقيا بشقّها العربي.
.. من قطر يأتي الجديد هذه المرّة، حيث الأمراء الجدُد يقودون المستحيل كمن يقود سيارة مقودها لزج لزاجة ما بعدها لزاجة، ففي التفاصيل اللاحقة سنحدِّد مكامن اللزاجة ومحلّها ومضامينها، أمّا الآن فنبقى مع القذّافي بعد حراك قطر في المجال الحيوي الإستراتيجي لليبيا وله.
بسحرٍ قطريّ ساحر أخذت الأحلام القذافية بالتبخّر الفجائي غير المصحوب بدرجة حرارة فوق المئة. فحتى فكرة الحكومة الإتحادية الإفريقية أضحت في خبر كان.. ففي حين بدا القذّافي كباعث ومؤسّس وملهم للإتحاد الإفريقي نجده في السنوات الأخيرة يقاتل لكي يَشْغَلَ عُكّازُه علي التريكي منصب رئيس مفوضية الإتحاد الإفريقي، لكنّ الأفارقة ما كانوا ليوافقوا على إسناده لهذا المرشح، الأمر الذي دفع القذّافي إلى نوع من الحرد الذي وصل حدّ التهديد بالإنسحاب من إفريقيا وسحب الإستثمارات الليبية منها، والعودة إلى الشطرين الحرام، العربي والإسلامي، وحتى إلى الخيار المتوسّطي الساركوزي.
طبعاً، كان القذّافي يوجه كلامه الإستباقي هذا للقادة الأفارقة، عشية انعقاد قمة أديس أبابا عام 2008، لكنّ هؤلاء وبهدف استرضاء الزعيم الليبي اتفقوا على تسمية المرشح السابق كرئيس للجمعية العامة للأمم المتحدة مع ما يوفِّره ذلك للقذّافي من إطلالة واسعة على الأمم المتحدة بأجهزتها التي قرّرت يوماً الإجهاز على زائرها الجديد وخطيبها الناقم.
هنا كان على القذّافي أنْ يعدّ العدّة ويستجمع كل مَلَكاته الخطابية ليعيد بريقه المجروح جراء إطلاقات النار المحسوبة بدقة التي تعرّض لها كــــ «ملك ملوك إفريقيا». فماذا فعل؟.
كلنا يذكر الصخب والضجيج اللذين أحدثتهما خيمة القذّافي التي أراد نصبها في مقر إقامته في نيويورك؛ لكنّ هذا الصخب أخذ يتلاشى أمام كلمته المطوّلة التي ألقاها من على منبر الجمعية العامة كرئيس فوق العادة لجماهيريته، فهناك ناقض القذافي نفسه.
وباستثناء فعلته المتمثّلة في تمزيقه ميثاق الأمم المتحدة الذي كانت مزّقته الولايات المتحدة قبله ومنذ عقود، ومطالبته بإجراء تحقيق يتناول مشروعية الحرب على العراق التي شُنّت بناءاً على أكاذيب، (وهي مطالبة سرقها الروس منه بعد مقتله حينما طالبوا بمثل ما طالب) والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها الإحتلال الأميركي الغربي بحق المدنيين العراقيين، وكذلك التحقيق في كيفية إعدام الرئيس صدّام حسين، فإن القذافي في هذا الخطاب لم يقدّم شيئاً جديداً، فأعاد تكرار طروحاته القديمة سيما منها المتعلق بضرورة توسيع مجلس الرعب ليضم أعضاء آخرين، فمن حقّ إفريقيا وأميركا اللاتينية أن يشغلا مقعدين دائمين، فهنا أيضاً ناقض القذافي نفسه.
وقفة القذّافي أمام الأمم المتحدة وقبلها وقفاته الأخرى في المحافل الدولية والإقليمية، خصوصاً تلك التي كان يقفها في القمم العربية، كانت ترتدي أهميتها الشكلية دون الجوهرية. وبالطبع هناك الأسباب الجوهرية التي جعلتنا نرى القذّافي يخرج من الخيمة ليقيم في «استراحة» فخمة مصمّمة على الطريقة الغربية. هذه الأسباب سنتعرّف عليها لاحقاً، لكن من الأهمية بمكان هنا أنْ نبيّن أكثر ترف القذّافي، في الشكل دون المضمون.
القذّافي.. وقبيل توجهه للمرّة الأولى إلى صرح العالم الأول، الأمم المتحدة، كانت له سلسلة من المواقف في القمم العربية المنعقدة دورياً، لكنّ الإهانة المقرونة بالتهديد بالقتل التي تلقّاها من ولّي عهد السعودية الأمير عبد الله ابن عبد العزيز آل سعود في قمّة شرم الشيخ حفرت في نفس الرجل عميقاً، وبدأ يعدّ العدّة للأخذ بالثأر، فهو من تعوّد على شتم وتقريع المسؤولين العرب والغربيين، كيف له أنْ يقبل بأنْ يحمل هذه الراية غيره، وخصوصاً من يعتبرهم سراً وعلانية سبب إبتلاء الأمة.
انتظر القذّافي قمة تونس 2005.. لكنّها أُجلت لموعد آخر من العام نفسه بسبب الخلافات بين الوفود العربية على جدول الأعمال. حضر القذّافي القمة، لكنّ غياب ولّي عهد السعودية عن القمّة كان يرفع منسوب التوتر لدى المُهان بسبب «الدَّيْن» المستحق على الأمير عبد الله، ويرفع من ارتياحه أمام جمهوره من أنّ وليَّ عهد السعودية يغيب عن اجتماعات القمّة لأنّه يخاف مواجهته.
انتظر القذّافي قمة الجزائر 2006.. لكنّ الأمير غاب أيضاً. فتسلّى القذّافي بسبحته «إسراطين» كحلّ للمشكلة الفلسطينية. ثم وضعها جانباً ونظر إلى بشّار الأسد ليصوِّب على «محكمة الحريري»، فكيف يُخصّ رفيق الحريري بمحكمة، ولا يخصّص ياسر عرفات ورشيد كرامي وغيرهما من الشهداء بمثلها.
طال الإنتظار إذن.. والأيام تتوالى وثأر القذّافي المبيّت من ولي عهد السعودية، لا يمحوه تقادم الزمن عند صديق الزمن. وقد أُعلن عن فشل محاولة لإغتيال الأمير عبد الله في الرياض، اتُهم فيها اثنان بينهم محمد اسماعيل أحد أبرز المقرّبين من القذّافي ونجله سيف الإسلام.
حلّت قمّة الدوحة الشهيرة.. حضرها الملك عبدالله. فاجأ القذّافي شاتمه السعودي وأمير قطر والقادة العرب والرأي العام العربي الذي كان يتابع عبر الفضائيات أعمال القمّة الذي توقع ثأر القذّافي، بمداخلة وسط مقاطعة أمير قطر الذي قطع الصوت عن أجهزة اللواقط، ردّ فيها القذّافي على تهديدات الملك بمثلها ووضع في خواتيمها مخرجاً تلقفه الأمير القطري الذي سارع إلى ترتيب اجتماع بين العقيد والملك حضره سعود الفيصل وزير خارجية السعودية والعقيد عبد الله ال
طبيبة القلوب الخضراء
طبيبة القلوب الخضراء
 
 

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 7073
نقاط : 18157
تاريخ التسجيل : 09/05/2012

بطاقة الشخصية
زنقتنا: 69

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

GMT + 7 Hours رد: الفصل الأول من كتــاب القذافي يتكــلم للأستـاذ / على شنــدب

مُساهمة من طرف طبيبة القلوب الخضراء الجمعة 5 أبريل - 13:03

والعقيد عبد الله السنوسي رئيس الإستخبارات الليبية، ولتنتهي عند هذا الحدّ المشكلة الشخصية بين الرجلين في الشكل ليبقى المضمون منتظراً ساعة الصفر التي بحلولها يجب دكّ الأسوار مهما كانت الكلفة عالية، لكن ليس بالضرورة سامية.

القذّافي يدكّ أسواره

.. هنا ينتهي الشكّ والشكل معاً، ليأتي المضمون بمفعوله المتطرِّف هذه المرّة فيتشابه إلى حدٍ كبير مع شخصية القذّافي المتطرّفة في مواقفها ووقفاتها؛ إنّه الموعد غير المنتظر مع قمّة دمشق. في هذه القمّة ألقى الزعيم الليبي خطاباً قال فيه وسط سخرية وضحك المؤتمرين بأنّ أميركا قد توافق على اغتيال القادة العرب في يوم ما، تماماً كما فعلت مع صدّام حسين الذي شُنق وسط لامبالاة الجامعة العربية والقادة العرب. «لماذا لا يكون هناك تحقيق في مقتل صدّام حسين؟. الدور جاي عليكم كلكم». فبدا القذّافي في كلامه التقريعي وكأنّه خائف من المصير المشابه لمصير صدّام الذي ينتظره هو، لا القادة العرب. فكان مُنْتَظَراً غيرَ مَهْدِي.
لكن منذ متى حُدّد المصير الصدّامي الصِدامي؟ ومن حدّد هذا المصير؟ وكيف ساهم القذّافي في رسم لوحة «المصير»؟ وأين كانت البداية؟.
إذا كان فكّ أو رفع الحصار عن الجماهيرية والذي تمّ بوساطة مشتركة لعب فيها الرئيس الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا دوراً محورياً إلى جانب الأمير عبد الله بن عبد العزيز ممثّلاً بالأمير بندر بن سلطان سفير المملكة لدى واشنطن، وهو الرفع الذي تمّ على أساس تحمُّل الجماهيرية مسؤوليتها عن تفجير طائرة البانام الأميركية، والذي حصل نتيجة سنوات من التفاوض مع الولايات المتحدة عبر بريطانيا، ثم مباشرة مع الولايات المتحدة، دفعت ليبيا بموجب ذلك تعويضات كبيرة لضحايا لوكربي، فإنّ فكّ ليبيا لعقد ترسانتها وبرامجها في أسلحة الدمار الشامل كانت الخطوة التي أحدثت المفاجأة المدوِّية في مختلف الأروقة الدولية من فيينا حيث مقرّ وكالة الطاقة الذرية، والتي زار رئيسها محمد البرادعي طرابلس لهذه الغاية، إلى أوروبا والولايات المتحدة، التي لم يكن أمامهما سوى كيل المديح للقذّافي على هذه الخطوة غير المسبوقة عالمياً. إنّها الخطوة التي بدت وكأنّها ضمن أجندة التفاوض لإنهاء ملف لوكربي ورفع الحصار، وهي الخطوة التي من شأنّها أنْ فتحت ليبيا على عالم جديد، حيث كثر الكلام المتصاعد من كل مكان عن عودة هذه الدولة المارقة والراعية للإرهاب إلى المجتمع الدولي ومن أوسع أبوابه وأشرعها.
وهكذا، دخل المجتمع الدولي ليبيا من باب التنمية والإستثمارات والشركات متعدّدة الجنسيات والعابرة للقارات، فكلها يمّمت وجهها شطر ليبيا لاهثة وراء النفط والمشروعات الإقتصادية الأخرى خصوصاً في مجالات الطرق والمقاولات، طبعاً من دون أنْ ننسى عودة السفارات الأجنبية، والأميركية منها على وجه الخصوص.
كانت عملية التفاوض بين الجماهيرية والولايات المتحدة عملية صعبة ومعقدة ومتواصلة، وكان ثمة لجنة ليبية سياسية ­ أمنية (مكوّنة من عبد الرحمن شلقم أمين الخارجية، وموسى كوسى رئيس جهاز الأمن الخارجي، وعبد الله السنوسي رئيس الإستخبارات العسكرية)، عهد إليها القذّافي وتحت إشرافه مهمّة هذا الحوار الصعب والمعقّد حتى وصوله إلى النهايات المعروفة، أولاً لرفع الحصار وثانياً لعودة ليبيا إلى عباءة الجماعة الدولية.
إنّها العودة التي كان لا بدّ لها من بطل يستثمر فيها للإطلال على مرحلة جديدة من ليبيا منفتحة على عالم جديد. فكان المهندس سيف الإسلام القذّافي النجل الثاني للزعيم الليبي هو ذاك البطل الذي أفصحت التقارير الغربية الإعلامية والديبلوماسية عن دوره المركزي في الوصول إلى النهايات الحاسمة لهذا الملف الشائك.
فإذا كان القذّافي الأب، قد سبّب لليبيا والليبيين كل هذه المتاعب من الحصار والعدوان وخلافه، فإنّ القذّافي الإبن، كان رأسَ جسر العبور من مرحلة الحصار إلى مرحلة الإنفتاح. هكذا تواطأ كل من الإعلام الغربي والليبي وبعض النفاق السياسي على تظهير هذه الصورة الإنقاذية لسيف الإسلام، لكنّها الصورة التي عبّدت له الأرضية المناسبة كي يطل بأفكاره حول الإصلاح والشفافية والتنمية والتطوير على الليبيين، تلك الأفكار التي يلهج بها الليبيون بأصواتهم الهامسة. ولقد كانت وعود سيف الإسلام غزيرة، وبرامجه اكثر من طموحة، وأفكاره جريئة، فهي الأفكار التي يصعب على الليبيين هضمها دفعة واحدة. إذن سيف الإسلام كأبيه، حرق المراحل، فالجرعات كانت كافية لقتله سياسياً. فمن يقف وراءها، ليدسّ السمّ في العسل!.
كبُر نشاط سيف الإسلام، وكبُرت أهدافه مع استهدافاته، ثم راح على طريقة الإنتشاء بالجرأة يبالغ بهذه الأهداف، لتطال حتى أعمدة خيمة والده. فأخذ اللسان الليبي يتحدث عن فرز في المجتمع الليبي بين تيار الإصلاحيين بقيادة سيف الإسلام وتيار الحرس القديم المحسوب على والده. إنّه الفرز الذي أدّى إلى كثير من التناقض بين المعسكرين.
الشباب الليبي.. هو القوّة البشرية التي اعتمد عليها سيف الإسلام في إقلاع قطار مشروعه، مشحوناً بخزّان كبير من العطايا والتقديمات الماديّة للشباب الذين أخذوا ينتظمون في مؤسّسات سيف الإسلام.
أدرك سيف الإسلام إذن أنّه على طرفي نقيض مع جماعة والده، وأنّه لا بد من الإنفتاح على شرائح المجتمع كافة خصوصاً الخونه والعملاء من اسمو نفسهم بالمعارضين .منها، وذلك وسط مطالبة غربية ضجّت بها الإشاعات المنطلقة من أجواء الحرس القديم.
لكنّ طموح أبو السيوف كبُر ليشمل تدخّله في تشكيلة اللجنة الشعبية العامة (أي الحكومة الليبية) وتسمية بعض الأمناء (الوزراء) فيها وصولاً إلى تسمية رئيسها، إنّه الدكتور شكري غانم. وهكذا أصبح تيّار سيف الإسلام يتوزّع السلطة والخدمات من خلال الوزراء الذين سُمّوا عن تيار ليبيا الغد.
وجد سيف الإسلام في ترؤسه لفريق حلّ مشكلة لوكربي وما تبعها من انفتاح ليبيا على الغرب وانفتاح الغرب على ليبيا، أكثر من ضرورة كي يشمل الحوار والإنفتاح هذان «الجماعات المسلّحة الليبية» ليكتمل عقد اللحمة الوطنية الداخلية، فكان أنْ بدأ حواراً مع تلك الجماعات حول العالم وخصوصاً المعتقلين منهم في الداخل، وقد أسفر هذا الحوار مع الجماعة الليبية المقاتلة (أي القاعدة الليبية) عن قيام الجماعات هذه بمراجعات وتقويم ونقد لتجربتها السابقة ومنها رفع السلاح ضد الدولة والخروج على الحاكم، وقد صدرت هذه المراجعات التي تضمّنت تقديم اعتذارات واضحة من العقيد معمّر القذّافي والدولة الليبية وتعهدت بالإندماج في المجتمع وعدم حمل السلاح ضد الدولة مرّة أخرى.
وتولّى الشيخ علي الصلّابي ـــــ الذي عاد بدوره إلى ليبيا من الخارج وأصبح له برامج تلفزيونية دينية ـــــ نشر هذه المراجعات بتشجيع من سيف الإسلام القذّافي، في خطوة سبقت الإفراج التدرُّجي عنهم، وأعقبها إجراء مصالحة مع الدولة، وتمّ دفع التعويضات المالية اللازمة لهم عن فترات اعتقالهم، وكذلك تمّ دفع التعويض المالي لذوي ضحايا سجن أبوسليم، في خطوة تقبّلها أهالي سجن أبوسليم وتهدف إلى طيّ صفحة الماضي الأليم على الجميع.
وقد سبق الحوار مع الإسلاميين ومراجعاتهم والإفراج عنهم والتعويض عليهم، تصدّي سيف الإسلام لملفّ متّصل منفصل بملف الإسلاميين، وهو ملف حقوق أصحاب الممتلكات التي تمّت مصادرتها في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، وهو ملفّ حسّاس ولّد نقمة على حكم القذّافي طوال أكثر من ثلاثة عقود، وتمّ لهذا الغرض تشكيل لجنة إعادة الممتلكات وأيضاً التعويض على أصحابها.
في الحقيقة، بدت المعالجات التي أدّاها سيف الإسلام، أشبه بالعَصَا السحرية، فهي مواضيع وملفات كان الكلام فيها وحولها يعتبر من المحرّمات والخطوط الحمراء. لكنّها الملفّات التي عكست ارتياحاً بالغاً في الشارع الليبي الذي أخذ يقتنع أنّه أمام مرحلة جديدة بالفعل، وأنّ ليبيا جديدة ستولد من جديد.
وما عزّز من هذه الإنطباعات في الشارع الليبي، هو إقدام سيف الإسلام على استجلاب واستحضار معظم رموز الخونه والعملاء من اسمو نفسهم بالمعارضين .الليبية، وخصوصاً الإخوان المسلمين من الخارج أو أولئك القابعين في منازلهم، ومنهم من يمتلك كفاءات علمية وتخصّصات تحتاجها ليبيا سيف الإسلام، أكثر من أيّ وقت مضى.
اتّضحت الصورة.. فالإدارة الليبية الجديدة أضحت، وبفعل سيف الإسلام وحمايته المباشرة، تضجّ بالدماء الجديدة، السائلة سابقاً عكس جدول نظام والده، فكان أنْ عهد بمجلس اللا وطني للتطوير الإقتصادي للدكتور محمود جبريل، الذي عاد وسمّاه وزيراً في الحكومة، كأمين لمجلس التخطيط الوطني، كما أصبح علي الصلّابي أشبه بالمفتي العام للديار الليبية، ثم قيامه بإسناد إدارة شركة الغد والتي تمتلك قنوات تلفزيونية وصحفاً ومجلاتٍ ومواقعَ إلكترونية والتي شكّلت عدّة شغل سيف الإسلام في مشروعه «ليبيا الغد» للإعلامي الاخواني سليمان دوغة.
لقد عمل سيف الإسلام بكل ثقله على تثبيت الدماء الجديدة؛ دماء المعارضين الإسلاميين والليبراليين وغيرهم، في شرايين الإدارة الليبية، على حساب من يُسمّون بالحرس القديم من أجهزة النظام التقليدية وحركة اللجان الثورية التي أقُصي العديد من رموزها من مواقع حسّاسة وهامة لصالح المعارضة.
وسط اندفاعة سيف الإسلام الحارقة للمراحل، وللأخضر واليابس، لطيّ ما يمكن تسميته بالمرحلة المؤلمة، بدا المثل الذي يقول: «أتى بالدبّ إلى كرمه» ينطبق عليه بصورة كبيرة، فهو لم يُجْرِ مصالحة مع الخونه والعملاء من اسمو نفسهم بالمعارضين .فحسب، ولم يخرجْها من السجون الداخلية والخارجية فحسب، بل إنّه أمدّها بتعويضات مالية هامة، كما وفّر لها العمل، فاستفادت من وضعها الجديد ومن الإمكانات التي وفّرها سيف الإسلام، للإعداد لمشروعها هي، وليس لمشروعه هو.

القذّافي ولعبة النار

إنّ كل ما تقدّم في سياق الحديث عن مسيرة سيف الإسلام القذّافي وانطلاقته التي جاءت في سرعة البرق لا بد أنْ يستوقفها سؤال جِدُّ مهم يُلحّ في طرح نفسه وهو:
هل كان مشروع سيف الإسلام هو فعلاً مشروع سيف الإسلام أم مشروع العقيد عبر سيف الإسلام، وتالياً؛ ما هي المرامي التي كان يستهدفها الزعيم الليبي من وراء مشروع سيف الإسلام؟.
من المفيد إعادة التأكيد على أنّ المهندس سيف الإسلام القذّافي استولد مشروعه السياسي من رحم قضية لوكربي لرفع الحصار عن دولة أبيه، مع كل الإرتدادات الإيجابية التي انعكست على الشارع الليبي. ومن المهم التأكيد بأنّ خطاب سيف الإسلام لم يكن البتّة؛ لا نسخة عن خطاب أبيه ولا حتى مشابهاً له.
لقد كان خطاب سيف الإسلام ليبياً بامتياز، وكان كلامه عن ليبيا والليبيين ورفاهيتهم وسعادتهم ونهضتهم وانتشالهم وإنقاذهم ونجدتهم وحقهم المشروع في العيش الكريم مقروناً ببعض الأعمال والإنجازات والعطاءات، قد وفّر له سمعةً حسنةً بين الليبيين. وهو، ومن خلال فريق العمل الذي «أُحيط» به، تمكّن من الإحاطة بمعظم الشردات السلبية التي اتّسم بها حكم والده العقيد، فقدّم نفسه كإنسان علمي يعتمد نوعاً من المنهجية والدراسات والتخطيط بعيداً عن الإرتجال في البرامج وتنفيذها. وبذلك كان سيف الإسلام ضمن هذا السياق بمثابة الصوت الأعلى في موضوع حرية الإعلام والصحافة وتحريرها من سلطة الرقيب الرسمي، حيث دخلت، وبمساعٍ منه، مطبوعات عربية وأجنبية إلى ليبيا لم تكن تعرفها أكشاك ومكتبات الجماهيرية منذ عشرات السنين. وبذلك ايضاً؛ كان منطقياً أنْ يوجِّه سيف الاسلام نقداً قاسياً ولاذعاً للإعلام الرسمي بسبب قصوره عن مواكبة العصر والتحديات، فخاض تجربة تأسيس «قناة الليبية» فضلاً عن صحيفتي «قورينا» و«أويا»، وأنشأ مختلف المواقع الإلكترونية، وتحوّلت «مؤسّسة القذّافي العالمية للجمعيات الخيرية» التي يترأسّها إلى نوع من الإدارة الرديفة للدولة الليبية في بعض الملفّات والقضايا، مثل قضية أطفال بنغازي المصابين بالإيدز. وطوّر قطاع الشباب، فتحوّلت «المنظمة الوطنية للشباب الليبي» التي يترأسّها أيضاً إلى إطار فاعل في المجتمع الليبي، كما تواصل مع الإعلام العالمي ونظّم لمختلف الشبكات الأجنبية زيارات إلى ليبيا بهدف الإطلاع على التطور الحاصل في مرحلة ما بعد رفع الحصار عنها.
وبهذه الطريقة، أصبح سيف الإسلام ومشروعُه يتقدّمان بخطوات حثيثة داخل الأرض الليبية، لكنّه المشروع الذي أحدث تناقضاً بين سيف الإسلام ومشروعه الإصلاحي من جهة وبين الحرس القديم وثورييه المتمسّكين بسلطة الشعب وبمصالحهم أيضاً، من جهة أخرى.
وإذا ما سلّمنا جدلاً أنّه كان هناك «مثابة» اتفاق بين الأب والإبن على التوريث، لكن يبدو أنّ هذا الاتفاق لم يضع الآلية المناسبة لتأمين عملية الانتقال المطلوبة، ففيما يعتبر معمّر القذّافي بأنّ مكانته لدى الليبيين قد تسمح له بتسويق نجله سيف الإسلام، فإنّ هذا الأخير أعلن مراراً رفضه التوريث، لا بل إنّه قرّر الإعتكاف عن الشأن السياسي ذات يوم، لكنه الإعتكاف الذي أراده سيف الإسلام ان يكون تكتيكاً أو وسيلة ضغط عبّرت عنه بعض المظاهرات الشبابية حول ليبيا للمطالبة به. وانه الإعتكاف الذي له أسبابه وحيثياته المباشرة والجوهرية والتي سنتعرّض لها في الأسطر اللّاحقة.
وعلى أيّة حال، فإذا كان سيف الإسلام يرفض التوريث ويدعم رفضه بالإعتكاف، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: ماذا كان يفعل سيف الإسلام كل تلك السنوات وإلى ماذا كان يرنو ويتطلع؟.
ممّا لا شكّ فيه أنّ سيف الإسلام، شأنه شأن أيّ إنسان طامح على وجه المعمورة، يريد السلطة، لكنّه لا يريد لتخريجتها أنْ تكون على طريقة والده، فهو يريد أنْ يختاره الليبيون وينتخبوه بقناعتهم وبملء إرادتهم، بمعنى آخر هو يريد أنْ يأتي كسيف الإسلام، بجدارته، وليس بمونة أو بتزكية أبيه له بين الليبيين. غير أنّ استحقاق الإنتخاب غير معمول به في ظل نظام سلطة الشعب، وهو نظام بلا رئيس. لكنّنا كنّا قد سمعنا وعلمنا أنّ ثمة تعديلات جوهرية على قوانين كانت مطروحة على مؤتمر الشعب العام بعدما أُشبعت درساً من رجال القانون، وحصل نوع من التفاهم الواسع على تغيير في الأنظمة يقرِّر شكل الحكم الذي يريده الليبيون؛ وهو التعديل الذي لم يبصر النور. لكن لماذا لم يبصر النور؟ هل لأنّ النور في مكان آخر، أم ماذا؟ سنرى.
هناك من قال بأنّ المسألة مرتبطة بعثرات وصعاب. فــــ «إذا كان سيف الإسلام إبنك البيولوجي، فأنا إبنك الإيديولوجي»، إنّها العبارة أو المقولة التي قيلت للزعيم الليبي والتي تحولت شعاراً بين ثوريي الحرس القديم، وهي العبارة التي ساهمت في رفع مستوى التحدّي والنقاش بين الإصلاحيين والثوريين، وهو النقاش الذي فُهم عبره متأخراً، بأنّ سيف الإسلام كان بــــ «مثابة» الممرّ الإجباري لليبيا في هذه المرحلة الإنتقالية، وكان هو بأفكاره، الأفضل لمحاكاة الغرب ومغازلته وطمأنته، وإنّه لا يمكن للدولة الليبية وقائدها أنْ يسيروا باتجاه ترفضه الجماهير الشعبية أهمّه التخلي عن نظام الجماهيرية وسلطة الشعب.. أيّة سلطة وأيّ شعب!.
طبعاً هذه القراءة ـــــ الواقع، المبسّطة والجديرة في آن معاً، تضعنا أمام البحث عن حقيقتين: الأولى عن حقيقة مشروع سيف الإسلام الذي انتهى بعد مخاض من الحراك إلى أنْ يكون أشبه بالمناورة، والثانية عن حقيقة ما يريده معمّر القذّافي حقيقة وواقعاً وأرضاً.
أمّا ما أراده معمّر القذّافي من حقيقة مشروع سيف الإسلام بطروحاته الجديدة وآرائه الجريئة، فهو الكشف عن حجم الإستقطاب والتأييد الذي تلاقيه وتحصده هذه الأطروحات والآراء، وبالتالي الكشف عن القوى الجديدة التي قد تنغرس في إطار هذا المشروع وحقيقة استهدافاتها وأهدافها. وقد لخّص أحد المقرّبين من الخيمة مشروع سيف الإسلام بعبارة تعكس إلى حد كبير رأي الزعيم الليبي: «إنّ مشروع سيف الإسلام هو عبارة عن إسفنجة تستوعب كافة التناقضات وتمتّص كافة النقمات وتحتضن كافة الظواهر، وإنّ ثمّة فرزاً تجريه القيادة وتراقبه عن قرب وخصوصاً تلك العناصر التي كانت مصنّفة ضمن دائرة العداء للدولة».
والحقيقة أنّ هناك أكثر من سبب جوهري كان يدفع بالزعيم الليبي إلى كشف المستور، كشف حقيقة مواقف الناس من شخص العقيد، فهل هي تؤيّده حبّاً أم كرهاً، قناعة أم نفاقاً، وكشف حقيقة موقف الناس من نظام الجماهيرية حيث يقول الناس بأنّه لا بديل عن سلطة الشعب.
كان العقيد القذّافي وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود من ثورة الفاتح، ومن كل التحوّلات التي عصفت ببلاده، مهتمّاً بمعرفة حقيقة الناس وكنههم وخباياهم، فهل السكوت كان علامة الرضى أم علامة الخوف؛ وهل ما زال الليبيون كما عرفهم منذ سبعينات القرن الماضي؟
كانت أسئلة القذّافي في محلّها. وأمام كل مفصل سياسي دولي خصوصاً في ظلّ تهديد خارجي، كان القذّافي يرى الشعب الليبي ملتحماً بثورته وملتفّاً حوله.
لقد ذهبت شكوك القذّافي إلى حدّها الأقصى، أمّا هو فذهب إلى الرقص على حدّ سيف. لقد تحوّلت أسئلته وشكوكه إلى مصدر قلق شخصي له، فجمع كل الهواجس المقلقة والمخاطر المحتملة والمحاذير المرتقبة وما لا يخطر ببال بشر من سموم واقعية أو محتملة أو مفترضة، جمعها كلها ونسّقها ورتّبها، وفي توقيت جدّ مفصلي وحسّاس تحوّلت إلى ما يشبه العمود الفقري لمشروع نجله الثاني سيف الإسلام، الذي تقدّم بها إلى الملأ.
وهنا حصل الفرز، فصعب على الناس أنّ تجمع بين نقيضين، فكيف تجمع الناس بين الدستور في مشروع سيف الإسلام واللادستور في جماهيرية العقيد؛ وكيف تجمع الناس، بين الرئيس في مشروع سيف الإسلام، وبين نظام الجماهيرية الــــ «بلا» رئيس؛ وكيف تجمع الناس بين حرية الصحافة والتعبير والإعلام في مشروع سيف الإسلام، والصحافة الموّحدة والإعلام الموجّه في النظام الجماهيري؛ وكيف تجمع الناس بين انتخاب مجلس نيابي في مشروع سيف الإسلام وبين التمثيل تدجيل في سلطة الشعب؛ وكيف تجمع الناس بين تعدّد الأحزاب في مشروع سيف الإسلام وبين «من تحزّب خان» في الكتاب الأخضر؛ وكيف تجمع الناس بين النقيض والنقيض، فسيف الإسلام ووالده نقيضان لا يجمع بينهما إلّا الأبوة والبنوّة، فقط وفقط لا غير. وهذا غيضٌ من فيض صور التمايز لا بل التناقض الصارخ بين مشروع سيف الإسلام ووالده، بل لا يوجد أي شبه بين الإثنين على الإطلاق. لكنّ الأحداث دلّت وأكدت بأنّ سيف الإسلام إبن أبيه، ثمّ!.
ثم، بعد ذلك تنطلق الأسئلة الصعبة؛ هل أنّ شخصاً مثل معمّر القذّافي أفنى عمره في النضال من أجل تثبيت فلسفة جديدة في الحكم، وظلّ لآخر لحظة يؤكّد على التمسّك بها بوصفها حلّا لمشاكل البشرية، أنْ يُقدم على هذا الإنتحار السياسي القاتل ويشطب بجرّة قلم واحدة كل ذلك التاريخ الطويل والمضني من المقارعات والمحاججات الفكرية والحوارات المباشرة أو المتلفزة مع المفكرين والسّاسة وأهل الصحافة حتى ينتهي به المطاف ليتراجع عن كل ما بناه من أجل أنْ لا يُورِّث ابنه إلّا حكماً يقوم في الأساس على أنقاض حصون الجماهيرية ومرتكزاتها المختلفة؟.
وهل أنّ شخصاً مثل معمّر القذّافي، المهجوس بالتاريخ والمسكون فيه لأبعد مدى، يقبل في قرارة نفسه أنْ يُسجّل عليه أنّه حوّل الشعب الليبي إلى مختبر لنزواته الفكرية وهلوساته في ممارسة سلطة يدّعي أّنّه لا يمارسها؟.
باختصار أكثر من عنيف، تدلّ الوقائع المعروضة على أنّ القذّافي ومن خلال مشروع سيف الإسلام قد وضع السمّ في العسل، والحقّ يُقال أنّ كميّة السمّ كانت مركّزة ومكثّفة إلى درجة اختفاء العسل، ولدرجة اصبح القِدْرُ ممتلئاً بالسمّ فقط، وهو السمّ الذي أكله طابخوه، رحم الله أبو عمار.
فهل إنّ ما يحتاجه القائد هو صناعة الكلمة التي تدينه ومن صلبه، أم أنّ لدى العقيد مشروعاً حقيقياً آخر، وما هو هذا المشروع ومن هو بطله؟.

سيف الإسلام في صلب المناورة

بات جلياً وواضحاً بأنّ سيف الإسلام القذّافي هو الممر ـــــ المناورة الإجباري، وليس المشروع الجدّي الستراتيجي الحقيقي الذي يريده الزعيم الليبي.
ففيما كان سيف الإسلام بمثابة قطب الرحى في الحراك السياسي الداخلي المتابَع بالميكروسكوبات الديبلوماسية والأمنية والإعلامية الدقيقة من قبل شركاء ليبيا الجدد الدوليين، كان ثمّة قطبُ رحىً آخر ينمو ببطء وهدوء ودونما ضجيج ولا إعلام، ويتدرّج في سلّم الدولة الليبية.. ولا يظُنَّنَّ أحد أنّنا نقصد غير ذلك الرجل الذي أسماه أبوه «المعتصم بالله معمّر القذّافي»، فمن هو هذا الرجل وما هي السمات والصفات التي ارتداها كي تبوئه موقع القطبية الواقع على يمين العقيد في خيمة السيطرة والتحكّم؟.
يعرف الجميع أنّ المعتصم القذّافي هو الإبن الرابع للزعيم الليبي، لكن ربما لا يعرف الجميع أنّ المعتصم القذّافي هو رجل عسكري، وأنا بحكم خلفيتي العسكرية السابقة أسمح لنفسي ومن خلال معايشتي للحرب على ليبيا، القول أنّ المعتصم بالله القذّافي ومن خلال معارك مدينة البريقة كان قائداً عسكرياً من طراز رفيع، إذ تمكّن من قيادة الجبهة في هذه المدينة طيلة ثمانية أشهر من دون أنْ تتمكّن أساطيل الناتو البحريّة والجوية ومعها «قوات» الشرق من هزّ تحصيناتها أو التمكّن من اختراقها، وقد أثبتت قوات المعتصم في جبهة البريقة قدرة هائلة على المناورة والتكتيك، وزرع الأهداف التمويهية، إذْ أنّه من الصعب جداً القتال في جغرافيا صحراوية مفتوحة بدون غطاء جوي أو تضاريس وموانع طبيعية تمكّن القوات من الإختباء من القصف الجوي المركَّز، وبقيت البريقة صامدة وشاهدة على عجز الناتو وقواته طيلة ثمانية أشهر، ولم تسقط في الحرب؛ فالذي حصل هو أنّ القوات الليبية انسحبت منها إلى مدينتي سرت وسَبْها بعد سقوط طرابلس.
وإذا كان ما تقدَّم يعكس بعض الملامح المعروفة عن شخصية المتعصم إلّا أنّ الغالبية لا تعرف الملامح والسمات المخفية التي جعلت من هذا الرجل قائداً ميدانياً كان يُعد بإتقان لقيادة البلاد، فما هي أبرز محطّات وملامح المعتصم بالله هذا؟.
إنّه العقيد المعتصم بالله القذّافي الصاخب في حياته العسكرية، والذي وُضعت بإمرته قطعة عسكرية لطالما حرص على تسليحها الجيد، ولطالما اشتُهِر بشغفه برمايات الدبابات، وبلغ الأمر حد تلمّس الخطر من حماسة الشباب لديه، فأرسله والده إلى مصر ليتابع تدريبه وسط رعاية رئاسية مصرية خاصة، ثم فجأة ووسط صخب الحراك الذي أحدثه سيف الإسلام، استُحضر العقيد المعتصم إلى ليبيا ليرقّى إلى رتبة عميد، وليُسند إليه منصب «مستشار مجلس الأمن الوطني»؛ وهو المجلس الذي أُنشىء في القرار نفسه الذي عُيِّن فيه المعتصم مستشاراً له؛ إنّه المجلس الذي يضم في هيكليته التنظيمية إلى أمين اللجنة الشعبية العامة (أي رئيس الحكومة) والأمانات السيادية من داخلية وعدل، قادةَ الأجهزة الأمنية المختلفة.
وأصبح المعتصم بهذه الصفة بمثابة مسؤول رفيع في الدولة الليبية، فهو يشرف على المؤسسات الأمنية كافة، ولديه مراكز دراسات وخبرات مختلفة تضع التصورات والخطط لتطوير مشروعات الدولة الليبية ومختلف خططها بغض النظر عن مشروعات شقيقه سيف الإسلام التي تنفّذ من داخل الدولة ومن خارجها.
وهكذا أخذ دور المعتصم الصامت يتقدّم في هياكل وبنى وإدارات الدولة الليبية، وبات كرسيه محجوزاً في القمم الدولية والإقليمية إلى جانب والده إنّما بحكم موقعه السياسي الأمني.
ومن خلال الدور المتطوِّر الذي أدّاه المعتصم تظهّر التوازن الجديد في ليبيا ليصبح للصراع أشكال ومسميات أخرى، فهو بين سيف الإسلام وشقيقه المعتصم ليعود العقيد إلى دوره الأساس في ضبط إيقاع التوازنات بين المدن والقبائل، فضلاً عن ضبطها داخل خيمته.
وهنا وقع الشارع الليبي في حيرة القذّافي الأب من جديد، وبات السؤال الذي يتندّر به الليبيون كلهم هو: من يريد العقيد؟.
أجزم الآن أنّ القذّافي كان يتطلّع إلى المعتصم ذي القوة الخشنة والسيف لا إلى سيف، كي يكون خير خلف، والــــ «خير» هنا لا ترِد لأنّ الذي يلحق بها هو «خير سلف»، وإنّما لأنّ الزعيم الأب استشعر أخطاراً ما من الدائرة الأمنية المقرّبة والمزكّاة بسلطات أمنية فاعلة، فضبط قُطْر هذه الدوائر لا يمكن أنْ يكون مُحكماً إلّا إذا كانت يومياً تحت رقابة المستشار الأعلى والمرجعية الأسمى المعتصم بالله. يمكننا الآن اذن أنْ نقول أنّ المعتصم اقتدر على إفشال الكثير من الخطط التآمرية التي كان يخطط لها قبل الثورة ربّما بسنوات. إذن كان العقيد ومنذ سنوات حاسماً في اتخاذ القرارات القاضية بإكثار صمّامات الأمان من حوله، فالمخاطر وصلت إلى درجة تستوجب وتقتضي وتقضي بأنْ يتبوأ أبناؤه المناصب الحسّاسة والعليا في الدولة وخصوصاً في القوّات المسلّحة والأجهزة الأمنية، ما يفسّر بروز الشكوك وفقدان الثقة في المسؤولين ضمن الدائرة الأولى أيضاً.
لم يتوقّف البروز عند المعتصم، فبالتوازي مع بروز هذا الرجل كان ثمة إسم آخر آخذ في التبلور التدرُّجي، وهو إسم النقيب خميس معمّر القذّافي الابن السادس للزعيم الليبي، والذي أسّس بعيد تخرجه من أكاديمية الأركان الروسية قوة عسكرية خاصة سميت بــــ «جحفل الشهيد خميس بومنيار القذّافي» وهو الجحفل الذي تحوّل إلى قوّة تدخل بالغة الفاعلية والتنظيم والتسليح والتدريب.
بروز جحفل خميس والذي تحوّل إسمه لاحقاً إلى «اللواء 32 معزز» ـــــ وهي تسمية تنطلق في مغزاها من ذكرى إعلان سلطة الشعب في الثاني من مارس 1977 ـــــ وعلى رأسه النقيب خميس، أرخى بظلاله على المسرح السياسي الليبي وأيضاً على لعبة التوازنات داخل خيمة العقيد خصوصاً مع تصاعد الجدل حول موقع خميس من التجاذبات والإستقطابات الثنائية بين شقيقيه سيف الإسلام والمعتصم، ليُحسم النقاش باستنتاجات متسرِّبة من أروقة الخيمة بأنّ خميس والمعتصم أقرب إلى بعضهما بفعل خلفيتهما العسكرية، لتنطلق التساؤلات من جديد بشأن أيّ من أبناء القذّافي سيخلفه، ومن يريد القذّافي في قرارة نفسه؟.
لكنّ هناك أمراً أسرّ لي به أحد المقربين من المعتصم العاملين معه في «مجلس الأمن الوطني»، مفاده أنّ تشريعاً سرياً أقرّه مؤتمر الشعب العام في ليبيا وحُظِّر نشره أو تداوله، «يقضي بتولّي مستشار الأمن الوطني قيادة البلاد عند غياب الأخ القائد»، طبعاً ليس المقصود بالغياب هنا السفر. وللأمانة فالحرص على صديقي الذي خصّني بهذا السر منعني من التنقيب عن هذا السرّ والتأكّد منه، وفي الوقت نفسه لم يصدر ما يؤكده، لكنّ المؤشرات على أنّ المعتصم خيار أبيه ازدادت لتشكل قناعة الكثيرين.
المعتصم هو الإبن الذي يشبه أباه شكلاً ومضموناً وهو ما أكدته أمور عدة لها أبعادها الرمزية، وهي أنّ أدبيات المعتصم على ندرتها كانت تؤكد التزامه خيار سلطة الشعب والجماهيرية بعكس سيف الإسلام، وأنّ المعتصم هو خريج الكلية العسكرية مثل أبيه وبعكس سيف الإسلام أيضاً، وأنّ المعتصم لازم أباه ولم يفترق عنه وقاتل معه حتى آخر لحظة، وأنّ المعتصم استشهد مع والده في المكان ذاته والزمان، وعلى أيدي القتلة ذاتهم وبالأسلوب ذاته من التعذيب، خلافاً لسيف الإسلام الذي كان في مدينة بني وليد وليس في سرت، وأنّ سيف الإسلام انتهى أسيراً لدى الزنتان فيما المعتصم انتهى أسيراً قتيلاً ظلّ وهو بين أيدي سجّانيه يقاوم بكلام أقوى من الرصاص في مشهد سوريالي بليغ، دفع بالدكتور يوسف شاكير إطلاق تسمية «جيفارا العرب» على الشهيد المعتصم وهي العبارة التي أصبحت كالشفرة السرّية التي ساهمت في رسم وتكريس صورة المعتصم كقائد بطل لم يترك الساح ولم يلقِ السلاح حتى انقطاع النفس.
وهكذا فإنّه من المهم إعادة التأكيد بأنّه من رحم مشروع سيف الإسلام ولدت حقيقتان:
أمّا الحقيقة الأولى فهي أنّ مشروع سيف الإسلام كان مشروع المناورة الضرورة والمناورة الممر الإجباري، والإسفنجة التي تمتص النقمات وتكشف التسوس والإختراق في بنية المجتمع والدولة.
وأمّا الحقيقة الثانية، فهي أنّ المعتصم بالله هو المشروع الحقيقي لمعمّر القذّافي، فهو المشروع الذي يشبهه شكلاً ومضموناً، ويحمل في شخصيته عناصر استمراره وتطوره وديمومته من وجهة نظر القائد الأب.
غير أن هناك مخاطر حقيقية قد كشف عنها مشروع سيف الإسلام، فما هي هذه المخاطر وما هي أبعادها ودلالاتها؟.

سيف الإسلام في فخّ المؤامرة

ممّا لا شكّ فيه أنّ مشروع سيف الإسلام القذّافي قد فتح البلاد ورغم القبضة الأمنية نظرياً، على كل ما هبّ ودبّ من أشكال الإنفتاح على الغرب، فالسفارات الأوروبية لم تعُد إلى ليبيا كي تمنح الليبيين تأشيرات «الشينغن» فحسب، بل لكي تعمل لإنجاز مشروعها الستراتيجي الضمني والخفي الهادف في الأساس إلى القضاء على نظام معمّر القذّافي وتقويض دعائمه وإنهاكه من الداخل، بعد أربعة عقود من المواجهات الأمنية والعسكرية والدور الليبي المشاغب والمتجاوز للقارّات، وهذا أمر لم يكن بالإمكان العبور عليه إلى داخل المجتمع الليبي وهياكله المختلفة إلّا عبر شفرة الإنفتاح والإصلاح والتطوير ومكافحة الفساد التي كانت العناوين الكبرى لمشروع سيف الإسلام. فقد عملت السفارات الغربية والأميركية بشكل عام ضمن استراتيجية واحدة، وهي استراتيجية العمل على المجتمع المدني، وخصوصاً في مجال الإقتصاد ورجال الأعمال، وكان كل رئيس أوروبي يزور ليبيا بعد رفع الحصار عنها، يكون لقاؤه بالفعاليات الإقتصادية بنداً رئيساً على جدول أعماله، فنجد كيف نشأ، مثلاً مجلس رجال الأعمال الألماني الليبي، وتجمّع رجال الأعمال الليبي الإيطالي، وشبيهاهما الفرنسي والبريطاني، وصولاً إلى إنشاء «مجلس الصّداقة الأميركي الليبي»، وكانت هذه المجالس بــــ «مثابة» الواجهات المُقرّة ببروتوكولات رسمية موقعة بين الخارجية الليبية والدول الأخرى. لكن كيف غفلت الخارجية الليبية عن الأهداف الحقيقية لهذه المؤسّسات الثنائية المدنية، وهل هي غفلت بالفعل أم استُغفلت أم تواطأت؟.
ثمّة أكثر من رأي يوافق القول أنّ العملية التي مهّدت إلى بلوغ الإنفتاح حدّ الإختراق، هو أنّ الإختراق بدأ أساساً من المواقع الرسمية الرفيعة التي أصبحت بدورها تُسهّل وتسرِّع بل وترعى عمليات التعاون ـــــ الإختراق ضمن المجتمع المدني. وهذا الرأي يقول بأنّ الإختراق بدأ أساساً مع / عبر حلقتي أمين الخارجية عبد الرحمن شلقم ورئيس جهاز الأمن الخارجي موسى كوسا أثناء قيامهما بمهامهما التفاوضية لإنهاء ملف لوكربي ورفع الحصار، وأنّ عملية تجنيد قد تمّت لهما منذ تلك اللحظة، وأنّ هناك نوعاً من عقد القران قد تمّ بين تجنيد هؤلاء وبين القبول بمشروع سيف الإسلام كشخصية إصلاحية، ستنجب طفلاً إسمه «الغدر».
وعبر هذا الإختراق للأجهزة الرسمية السياسية والأمنية المعنية بالتعامل مع الخارج في الداخل والخارج، نشطت البرامج الثنائية عبر مجالس رجال الأعمال وتجاوزتها باتجاه الشباب والطلّاب والمرأة والإعلاميين، ووُجّهت الدعوات لكل هؤلاء إلى عواصم غربية وعربية، فأقيمت لهم ورش التدريب على الديمقراطية والإعلام الحديث بحسب اللافتة الشعار التي كانت تتصدّر قاعة كل ورشة تدريب، لكن ما إنْ تنتهي جلسة الإفتتاح، حتى تغلق النوافذ، وينفتح الكلام المكبوت على آخر متاح، وهو باختصار: «كيف يتم إسقاط النظام»، بحسب ما أخبرني به أحد المشاركين في ورشة تدريبية أميركية نُظّمت في إيطاليا، فقد اكتشف هذا المشارك لاحقاً بأنّه كان يحمل الرقم 1970، وعلمت من إحدى المشاركات التي تلقّت أكثر من ورشة تدريبية أهمّها في المغرب بأنّ الليبيين والليبيات الذين خضعوا لهذه الورش التدريبية بلغوا بضعة آلاف ليبياً وليبية.
قبل رفع الحصار عن ليبيا، كانت علاقات ليبيا التسليحية والتدريبية محصورة بدول الإتحاد السوفياتي السابق، أمّا بعد رفع الحصار عن الجماهيرية وتخليها عن برامج أسلحة الدمار الشامل، فإنّ الإنفتاح مع الغرب وعليه شمل أيضاً التعاون في المجال العسكري تسليحاً وتدريباً، فلم تعد موسكو القِبلة الوحيدة للضباط الليبيين، فالإنفتاح أوجد تعاوناً مع فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا والباكستان بالإضافة إلى الولايات المتحدة. وهذا التعاون تركّز على بناء وتدريب الوحدات الأمنية الخاصة، وعلى جهاز حماية الشخصيات في الأمن الخارجي، وعلى بعض وحدات الصاعقة التي كانت بإمرة اللواء عبد الفتاح يونس. وبالطبع وفّر هذا التعاون التدريبي التسليحي مناخاً للتواصل مع كثير من الضبّاط وتجنيد بعضهم، وهي ظاهرة معروفة في كل البلدان ولا تقتصر على ليبيا، ونحن إذ نُوردها فلأنّ الغرب عمل على استثمار وتوظيف هذه العلاقات في معركته للإطاحة بنظام معمّر القذّافي.
وفي سياق الكلام عن الخرق العسكري، فإنّ خطوة بالغة الخطورة، تمّت بطلب من سيف الإسلام القذّافي معزّزة بتعليمات من والده، وسط استغراب واستهجان كبير في الأوساط الليبية المؤيّدة، وهذه الخطوة اللغز التي لم يتمكّن أحد من فكّ شيفرتها يومذاك، تمثّلت في نزع سلاح أعضاء اللجان الثورية، وأجهزة الأمن وأعضاء الحرس الثوري وأعضاء الحرس الشعبي، وكل الهياكل والقطاعات المسلّحة سلاحاً فردياً من مسدسات وبنادق كلاشنيكوف، وفق لوائح وقعت عليها عند تسلّمها مع عدد طلقات الذخيرة لكل شخص، جرى التوقيع مرة أخرى على تسليمها ومع كامل طلقات الذخيرة، وهو الأمر الذي يعني بأنّ السلاح سيكون حصراً بيد الكتائب الأمنية وبعض أقسام الشرطة.
الخطوة هذه التي عرّت أنصار النظام وجرّدتهم من عناصر قوتهم كانت يومها نوعاً من رسالة تطمين شرطية تعطي مصداقية لمناخ الإنفتاح والإنتظام العام المتساوي لجميع المواطنين تحت سقف الدولة الحامي للجميع. إنّها الخطوة القاتلة والضربة ما قبل القاضية.
والآن أضحى بإمكاننا الجزم بأنّ الهدف الرئيس لنزع سلاح المؤيدين للقذّافي إنّما جاء في سياق الإشتراط الذي وضعه الإسلاميون من إخوانيين وجهاديين كي يعودوا إلى كنف الدولة ويندمجوا في المجتمع. أي بعبارة أخرى، فقد كان نزع السلاح الجزء السري من الصفقة مع الإسلاميين؛ هي الصفقة التي تقوم على نزع سلاح المؤيدين مقابل اعتذار الإسلاميين، وهو ما التزموا به في مراجعاتهم لفكرهم، ونقدوه نظرياً لا ممارسة.
ولقد أثبتت الأحداث أنّ الفترة الممتدة من تاريخ صدور قرار نزع السلاح ومن ثم تنفيذه حتى عشية بدء الأحداث في جماهيرية القذّافي، كانت كافية في ليبيا وخارجها كي يجمع الإسلاميون أوراقهم العسكرية والسياسية، بانتظار لحظة الحسم المتمثّلة في الإنقضاض على سيف الإسلام قبل أبيه؛ إنّه الحسم الذي ما كان له أنْ يحدث لولا قرار نزع السلاح الذي يمكن تسميته بقرار «التعرّي». فالمسألة لا تقتصر مخاطرها بمشهديّة تقول إنّ بضعة الآف من أنصار معمّر القذّافي قد نُزعت منهم أسلحتهم، ذلك أنّ المشهدية الحقيقية لهذا الأمر تقول بأنّ مناخاً عاماً تفشّى في ليبيا، في شوارعها وأزقتها ومفترقاتها ومدنها وخيمها ومربوعاتها وزنقاتها، عامراً بكل شي، إلّا ببندقية محمولة على كتف هنا أو في يد هناك، وهو في رمزيته، مناخ كاف لخلق روح معنوية كافية لدى الإسلاميين للتنقل والتهيؤ والتخطيط والتنظيم والتجهيز، بهدف الإجهاز، لكن هذه المرّة على سيف الإسلام مع أبيه.

القذّافي يستل سيف المكابرة

لعلّ ما تقدّم شرحه وتفصيله أعلاه من مخاطر مشروع سيف الإسلام، بدءاً من المصالحة ـــــ الخازوق مع الإسلاميين غير المسالمين منذ البداية، مروراً بالإختراق لأجهزة الدولة السياسية والأمنية والعسكرية، وصولاً إلى اختراق المجتمع الليبي تحت ستار رجال المال والأعمال والمجتمع الليبي بمختلف قطاعاته، قد اختمر ونضج في توقيت سياسي جرى ضبط إيقاعه بدقّة على توقيت ثورات الربيع العربي، الذي انطلق؛ شرَُّه برأي البعض وشروره برأي البعض الآخر، من تونس البوابة الغربية لليبيا.
إنّها وسائل الإتصال والتواصل الإلكتروني وأهمّها مواقع التويتر والفيسبوك؛ إنّها مراكز توجيه العمليات وإدارتها. فهذه الوسائل المتاحة والمنتشرة على نطاق واسع لم تكن مجرّد وسيلة إعلامية حديثة، إنّها أكثر من ذلك بكثير، كيف لا؟ وقد استُخدمت بشكل منهجي ومدروس لصياغة التحركات وتحديد مواقيتها وشعاراتها وتوقيتاتها وتأجيلاتها، وكذلك ليضخ الناشطون على صفحاتهم فيها كل المعلومات المطلوبة لإنجاح هذا الحدث أو ذاك الحراك، كما ليضخّوا عليها أيضاً المقالات الداعمة ومختلف التحليلات. كانت ببساطة متناهية آلة تواصل وتعبئة وتخطيط وتوجيه. إنّها وسائط الميلتيميديا المتكاملة من منشورات ومشاركات مكتوبة ومرئية ومسموعة في مواقع محدّدة.
كما شكّلت هذه المواقع التي يتم تغذيتها لحظوياً بشتى الأخبار، مصدراً للفضائيات الإخبارية على اختلافها التي تنشر ما تورده هذه المواقع بشيء فيه الكثير من الإختزال للوقت والجهد والمراسلين الممنوع عليهم الوجود في هذا البلد أو ذاك، سيّما في ليبيا التي كان الحراك الإعلامي فيها أشبه بالأنشطة السرية، وهي الأنشطة التي تجد تناسلها في مناخ مشبع بحماس هدفه ذلك الشعار المركزي «الشعب يريد إسقاط النظام».
وهكذا فقد كان من الطبيعي أنْ تُسارع السلطات المستهدفة بالإسقاط إلى إغلاق مواقع التواصل الإجتماعي، لكنّ الإغلاق الذي حدث تمّ الإحتيال عليه والإلتفاف حوله، فقد لجأت السلطات بفعل خوفها وضيق صدرها إلى خطوة أكبر تتمثّل في قطع الإنترنت بكامله، وهنا تُشَل حركة الناشطين ويُسقَط في يدهم من وجهة نظر السلطة، لكنّ المدد الخارجي يأتيهم سريعاً من خلال معالجات إلكترونية إعتمدتها مواقع التواصل الإجتماعي وخصوصاً «غوغل» التي أعلنت عن تخصيص خطوط هاتفية تمكِّن بمجرد الإتصال بها من تحميل المواد المُراد بثّها على فيس بوك وتويتر وغيرهما.
وهكذا أيضاً كانت تقنية التواصل الإجتماعي بــــ «مثابة» السلاح الفتّاك الذي كان بمتناول الناشطين أو الثوار الذين كما أسلفنا تلقّت أعداد كبيرة منهم دورات تدريبية حول العالم في «كيفية إسقاط النظام»، وهي التقنية التي شكّلت العمود الفقري الفعلي الذي أمّن استمرار مختلف التحركات التي شكّلت بدورها مادة الإعلام الفضائي المجنّد ضمن أجندة الربيع العربي، فكانت مشهديّة أفلام الأحداث المصوّرة بالهواتف النقّالة ونوعية الصور المهتزة والأصوات المتعالية في خلفية الصورة، تُضفي نوعاً من الإثارة والتشويق التي فعلت فعلها في إعادة صياغة الرأي العام على المستوى المحلي لأي دولة وعلى المستوى العربي العام المتابع تأييداً أو معارضة، لكنّه الرأي العربي العام الذي كان له فعله أيضاً في الحراك الشعبي المنطلق من داخله وفي محيطه.
وهكذا ما بعد أيضاً، فعلت الأفلام المهرّبة فعلها في الثورات العربية، حتى أضفت عليها نوعاً من القدسية النضالية من أجل الحرية وإسقاط النظام أو الطاغية أو الديكتاتور.. سَمِّه ما حلا لك، لكن إيّاك والــــ «ويكيليكس».
فقبل إنطلاق شرارة الربيع العربي، كانت المفاجئآت الأميركية التحضيرية، بل التحريضية، تتساقط غزيرة عبر موقع «ويكليكس» الشهير، وهو الموقع الفضائحي الأعجوبة والذي اكتسب بعض المصداقية عندما بادر إلى نشر بعض أسرار انتهاكات الإحتلال الأميركي للعراق وخصوصاً بعض خبايا معتقل سجن أبو غريب، والتي قيل يومها بأنّها نتيجة تسريبات أو قرصنة لمواد معينة من حواسيب البنتاغون. فموقع «ويكيليكس» هذا، أي الأخبار المتسرِّبة، اشتهر حقيقة وذاع صيته عندما وصل «ناشطوه» إلى خزنة الأسرار الأميركية، ممثّلة بوزارة الخارجية الأميركية وسفاراتها حول العالم وخصوصاً العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط، فقد شكّلت المواد والأخبار والمعلومات المسرّبة فيه، وهي للمناسبة تحت بند «سري» ـــــ وليس «سرّي جداً أو سرّي للغاية» ـــــ، شكّلت نظرة الشارع العربي الحقيقية تجاه حكّامه وحكوماته، وهي النظرة المخفيّة سابقاً لانعدام وجود دليل ثابت، أمّا عندما تنطلق الوثائق الأميركية لتنطق بحقائق حول حقيقة العلاقة بين الحكّام العرب والحكومات العربية، ليتبيّن أنّ هؤلاء ليسوا في أحسن الأحوال إلّا مخبرين صغاراً عند قناصل وسفراء الولايات المتحدة الأميركية، وهنا يصبح هؤلاء الكبار في عيون شعوبهم صغاراً محترقين، وهذا ما فعله موقع «ويكليكس».
لكن ماذا فعل القذّافي مع ويكيليكس، وكيف تفاعل، وهل امتشق نظرية عالمية رابعة إزاءه أم انتظر شطارة التوانسة ليأخذ العبرة منهم، وهل من ضرورة ويكيليكسية كي تُهرّب عمالات زين العابدين بن علي، وهي واضحة حتى للعميان؟.
إنّها تونس، حتى عشية ثورتها، برئاسة زين العابدين بن علي حليف القذّافي وجاره الوفي والمتفاهم معه على نمط من العلاقة التي اتّسمت بالإستقرار السياسي والأمني والتعاون الإقتصادي والمالي والأمني والمجال الحيوي السياحي والإستشفائي بالنسبة لليبيا والليبيين منذ زمن الحصار، فضلاً عن العلاقات الحميمة بين الجنوب التونسي والغرب الليبي، وهي علاقات تنشأ بين أبناء قبائل واحدة تتوزّع شطري حدود البلدين.
إنّها الثورة التونسية، التي ما هي في الأساس إلاّ نتيجة طبيعية لتراكمات مزمنة من القمع والإدارة البوليسية وتفرُّد أسرة بن علي وأنسبائه في إدارة كفّة الإقتصاد؛ هذه الثورة هي التي شكّلت مفاجئة للتوانسة أنفسهم قبل غيرهم، فالكل يعلم بسلمية التوانسة وترذيلهم للعنف، واتّسامهم بالهدوء في معالجة الأمور، لكنّ التوانسة وفي لحظة جِدُّ حسّاسة فجّروا مكامن غضبهم وتذمرهم وتأفّفهم وكسروا حاجز الصمت والخوف من آلة بن علي البوليسية القمعية، وقرّروا في منحى تصاعدي إشعال الثورة التي اندلعت حرائقها مع إحراق محمد البوعزيزي جثته في منطقة سيدي بوزيد، فتجسّد الإحراق الذي سيحرق كامل أوراق بن علي وحكمه لينتهي به المطاف إلى منفى في السعودية.
لكنّ الثورة التونسية لم تكن تحمل ألواناً سياسية ورايات حزبية، بقدر ما كانت في الأساس تعبيراً من النخبة المثقفة العاطلة عن العمل، فالذي يجب التوقّف عنده في تونس هو أنّ البطالة التونسية، هي ببياضها الأعظم بطالة مثقفة، وهي بذلك البطالة الأخطر والأفعل في تأجيج نيران الثورة، فهي من كتب شعاراتها وهي من حدّد مساراتها ورسم خطوطها، لكن من قطف حصادها؟.
ثورة إنطلقت أيضاً عبر شبكات الإنترنت شبه المعطلة لتتحوّل كالنّار في الهشيم شعاراً واحداً اتفقت عليه كل الجموع وهو الشعار الذي تحوّل إلى شعار مركزي ليس على مستوى تونس وحدها وإنّما على مستوى المنطقة برمتها، فالكلمة السحرية المحظورة والمخيفة والتي تتناول شخص الرئيس، أضحت أنشودة وتحوّلت أهزوجة تصدح بها الحناجر الصادقة في مطالبتها بالحرية، «فالشعب يريد إسقاط النظام» تطوّرت مع تراخي بن علي وشعوره أنّ الشعب قد لفظه لتصبح في اليوم التالي «الشعب يريد إسقاط الرئيس»، وليكن التجرؤ الأبلغ على الرئيس من حيث مقرّ وزارة الداخلية، التي هي عنوان الأمن والقمع ولكنّها في تونس ولعقود طويلة خلت، هي مطبخ السياسة ومصنع السياسيين، فكان التظاهر أمام الداخلية ومحاولة اقتحامها بمثابة الهزّ القوي لعرش قرطاج.
ومن البديهي أنْ يشكل اهتزاز عرش قرطاج «مثابة» متابعة دقيقة من قبل العقيد معمّر القذّافي الذي خرج بمطالعة دفاعية منحازة لحليفه بن علي على حساب الحراك التونسي، الذي عبّر بدوره عن غضبه من ردّة فعل القذّافي وتسفيهه للثورة التونسية، وهو الأمر الذي أغضب الكثيرين من الليبيين لعدم وقوف القذّافي وقفة إسناد أو أقلّه وقفة حياد، حيال التطورات التي تشهدها تونس. لكنّ القذّافي كان يقرأ في الثورة التونسية رسالة مركبة له ولغيره تتجاوز في سرعتها سرعة وصول بريد الكتروني محمّل على زاجل الهوتميل أو التويتر أو الفايس بوك.
ومع ذهاب بن علي أُعلن عن عودة الهاربين من الساسة التوانسة إلى تونس وفي طليعتهم رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي.
وإذا كان صحيحا أنّ التونسيين بمختلف ألوانهم الإجتماعية والسياسية هم من أسقط بن علي، فالصحيح أكثر هو أنّ حركة النهضة هي من نهضت لتضع قدميها على أكتاف ثورة التوانسة، لتظهر بعد ذلك بمظهر المخلّص الفادي.
وإذا كان إقدام البوعزيزي على إحراق جسده هو الذي شكّل شرارة الثورة التونسية الأولى، فإنّ قصيدة أبي القاسم الشابّي «إذا الشعب يوماً أراد الحياة.. فلا بدّ أن يستجيب القدر» هي من شكّل الشرارة الوجدانية للثورة التونسية وللشعب العربي برمته، رغم أنّ أسباب كتابة هذه القصيدة في جوهرها قومية تخصّ كل العرب وقضيتهم المركزية فلسطين، والمطلوب من الثورات العربية وضعها كضمير مستتر لا منفصل.
ومن جثّة البوعزيزي وقصيدة الشابّي والإطاحة ببن علي انطلقت شرارة الربيع العربي إلى أرض الكنانة ل
طبيبة القلوب الخضراء
طبيبة القلوب الخضراء
 
 

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 7073
نقاط : 18157
تاريخ التسجيل : 09/05/2012

بطاقة الشخصية
زنقتنا: 69

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

GMT + 7 Hours رد: الفصل الأول من كتــاب القذافي يتكــلم للأستـاذ / على شنــدب

مُساهمة من طرف صريح الجمعة 5 أبريل - 13:07

بارك الله فيك اختي طبيبة القلوب الخضراء علئ نقلك .... لكن اتمنئ منك نقل الكتاب علئ ملف ورد وتحميله علئ زنقتنا في المرفقات حتئ يضل محفوظا ضمن ارشيف المنتدئ
صريح
صريح
 
 

الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 5139
نقاط : 23307
تاريخ التسجيل : 17/04/2011
. :  الفصل الأول من كتــاب القذافي يتكــلم للأستـاذ / على شنــدب  706078396
. :  الفصل الأول من كتــاب القذافي يتكــلم للأستـاذ / على شنــدب  824184631572
. :  الفصل الأول من كتــاب القذافي يتكــلم للأستـاذ / على شنــدب  8241f84631572

بطاقة الشخصية
زنقتنا: صريح

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

GMT + 7 Hours رد: الفصل الأول من كتــاب القذافي يتكــلم للأستـاذ / على شنــدب

مُساهمة من طرف طبيبة القلوب الخضراء الجمعة 5 أبريل - 13:17


لتعصف بها، ولتطيح بمحظورات المرور في ميدان التحرير، وليشتعل أوار الثورة المصرية ولتخرج المظاهرات الحاشدة في المدن المصرية الرئيسة، وسط احتفالية درامية انتهت أخيراً بسقوط مُحمّد حسني مبارك.
إذن.. الجماهير العربية تنتصر لنفسها يا قذّافي، والغرب كان بــــ «مثابة» صفريات داوود أوغلو، ففرنسا والولايات المتحدة حرصتا على تظهير موقفيهما كأكثر المتفاجئين والمرتبكين من الجديد في تونس، ولأجل ذلك لم يجد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مفرّاً يقيه شرّ الإعتذار من التونسيين عن دعم فرنسا طيلة عقود لزين العابدين بن علي. وكعربون لقبول الإعتذار رفض مطار شارل ديغول استقبال زين العابدين بن علي أو أيّا من حاشيته في باريس. هذا الموقف الفرنسي، أعطى للثورة التونسية، أقلّه في الإعلام والظاهر، مصداقية وطنية كبيرة من كونها تحركت وتوسّعت وانتصرت بدون تدخل خارجي ملموس.
وعليه فقد انتصرت الثورة التونسية في الإطاحة بنظام بن علي واستُؤصلت رموز حزب التجمّع الدستوري الحاكم وسط انحياز الجيش للثورة التونسية.
والذي لا بدّ من تسجيله هنا هو أنّ الثورة التونسية اتّسمت بالحراك الديمقراطي السلمي ولم يحدث فيها مواجهات مسلّحة ومُكِّن للتفاهم مع الجيش لتحييده ومن ثم انحيازه ليكون صمّام أمان الثورة التونسية، التي افضت بزمن قياسي، إلى انتخاب مجلس وطني تأسيسي، مهمته انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة ووضع دستور جديد للبلاد خلال مرحلة تمتد من سنة إلى ثلاث سنوات، يفضي بدوره إلى إنتاج صيغة الحكم النهائية في تونس، حيث تشكّل حركة النهضة الإسلامية الإخوانية اليوم المتحالفة مع «المؤتمر من أجل الجمهورية» العلماني الليبيرالي، القوّةَ التنفيذية والنافذة الرئيسة فيها.
أمّا الثورة المصرية، فرغم الفارق الكبير في دينامياتها ومحرِّكاتها عن الثورة التونسية، إلا أنها تشابهت إلى حد كبير مع هذه الأخيرة، وإن كان الحراك المصري أكثر جرأة وصخباً، رغم أنّ تونس ملهمته ورغم أنّ المصريين يقلِّدون التوانسة.
بمعنى آخر لم تتمكّن مصر أنْ تكون أولاً هذه المرّة، كما لم تتمكّن أنْ تكون القدوة والقائد للثورات العربية رغم أنّ لواء قيادتها عُقد لحاكم قطر. لكنّ الحراك المصري ورغم بعض مظاهر العنف الذي صبغه، إلّا أنّه كان واضحاً للعيان بأنّ الجيش المصري أيضاً كان إلى جانب المتظاهرين في التغيير، ولم يكن إلى جانب الرئيس مبارك، متحالفاً مع وسائل الإتصال والتواصل الإجتماعية الإنترناتية التي شكّلت العامود الفقري للحراك المصري وعلى نطاق واسع بخلاف تونس. لكنّ التدخل الخارجي في الحراك المصري كان ضاغطاً باتجاه التغيير وتنحّي مبارك، وأيضاً من خلال التمويلات الواسعة للتيارات الليبرالية والإسلامية على السواء.
وبأيّة حال لم تختلف الثورة المصرية عن سابقتها التونسية سوى أنّ تلقُّف المجتمع الدولي للتغيير بدا أكثر حسماً، وهو الحسم الذي أريد منه أيضاً قطع الطريق على إيران للإستثمار في ثورات الربيع العربي، واجتهاد الأميركيين في توجيه رسائل متعدّدة في هذا الإتجاه.
لكنّ سقوط حسني مبارك كان أكثر دوياً من سقوط زين العابدين بن علي، فقد شكّل سقوط مبارك رسالة قوية للأنظمة كافةً بأنّ أيّاً منها ليس بمنأى عن السقوط والإسقاط.
وكما أنّ بن علي لم يجد من يقف معه ويدعمه سوى القذّافي، فإنّ حسني مبارك أيضاً لم يجد من يقف معه ويدعمه ويؤيّده سوى القذّافي، وسط غضب أنصار الربيع العربي في دنيا العرب.
لكن لماذا حرص الزعيم الليبي معمّر القذّافي على تظهير هذا الموقف المغاير والرافض بقوّة للحراكين التونسي والمصري، وهو الأب الروحي للمنظّرين للثورة الشعبية وسلطة الشعب، ولطالما وصف النظام العربي بالفاسد والبائس، ولطالما استغرب صمت الشعوب وعدم تحرّكها ضد حكّامها، وإلى من كان يوجّه القذّافي رسائله في هذا الإطار، وما هي حقيقة مواقفه من الثورات العربية؟.

القذّافي يفقد السيطرة

إذا كانت بطولات «ويكيليكس» هي من ظهّر للشعوب العربية عنكبوتية عروش الحكام العرب، فهم أوهن من خيوط العنكبوت، بما حملت من شدّ للهمم والعزائم ومن ازدياد للنقمة، إلّا أنّ المناخ الذي جيء فيه بالرئيس الأميركي باراك أوباما، هو الذي دشّن الشقوق العلوية لتستقر هذه الخيوط. وفي الترجمات السياسية لهذه الإستعارة يجب القول أنّ فاتحة «الربيع العربي»، بدأت حروفها الأولى من خطاب التغيير الذي دشّن فيه أوباما المسار الجديد للولايات المتحدة.
فبالعودة إلى الحملة الإنتخابية لباراك أوباما، فقد كان الشعار الإستراتكتيكي الذي تصدّر تلك الحملة هو «التغيير»؛ تلك الكلمة السحرية، التي أُريد لها أنْ لا تعكس في الولايات المتحدة العملية الروتينية في تداول السلطة بين الجمهوريين والديمقراطيين، بل أريد لها أنْ تعكس تغييراً ملحوظاً في الميديا الأميركية وفي المشهد العام الأميركي، لكنّه التغيير الذي لم يصل إلى تغيير الستراتيجيات.
ومن يقرأ خطاب أوباما القاهري يدرك بسهولة أنّ «التغيير» كــــ «مانشيت» أكبر من المضمون، فباستثناء سواد البشرة وتبييض الوجه مع الإسلام والإسلاميين المعتدلين منهم وبعض المثاليات التي لا تطرب إلّا منتظري الأمل والرأفة بعد طول تقتيل من أفغانستان إلى العراق وقبلهما يوغسلافيا بصربيتها، لم يتضمّن خطاب أوباما التغييري القاهري أي انعطافة استراتيجية منطلقة أو مرتبطة بالسياق الستراتيجي للتفرّد في حكم العالم، وهذا حقّ الولايات المتحدة، ولا يحقّن لعربي أو مسلم أنْ يلومَنَّها أو ينتقدها عليه.
وعلى أيّة حال، فالمهم في خطاب أوباما يومها، لم يكن الخطاب وبالتأكيد لم يكن مضمون الخطاب، فلقد كان المهم هو كلمة «التغيير»، التي لم يتجاوزها عدداً في الذكر الإعلامي منذ يومها وحتى يومنا، إلّا عبارة «الثورات العربية». إذن، من رحم فَمِ «بركة حسين أبو عمامة»، كما أصرّ القذّافي على تسميته، وُلدت «الثورات العربيَة».
ومن فم القذّافي كان التعليق العربي الرسمي الأول لمنهج التغيير الأميركي، فبغض النظر عن الدوافع، شنّ القذّافي يومها هجوماً خطابياً على المنطق الأميركي في التغيير، وللهجوم مناسبة يجب التوقّف ملياً عندها. إنّه العيد الأربعين للــــ «إجلاء»، العيد الذي يجب أنْ يُقام إحتفالٌ على شرفه، ففي قاعدة «امعيتيقة» اعتلى العقيد القذّافي منصّة الخطابة التي وُضعت عليها وللمرّة الأولى ألواح زجاجية واقية من الرصاص. وكانت هذه إشارة تفيد بأنّ الوضع في ليبيا ليس على ما يرام، وأنّ القذّافي يستشعر قلقاً أمنياً دفعه للقبول بهذا الإجراء الأمني الإستثنائي. إذن إنّه التغيير الشامل، فأوباما رفع التغيير الواقي من الكراهية لأميركا شعاراً، والقذّافي رفع من الألواح الواقية من الرصاص استشعاراً. ولم يعد يهم المضمون عند كلا الرجلين. ولم يعد مهمّاً تعقيب القذّافي على تغييرية أوباما، لذلك كان طبيعياً أنْ يقول إنّ التغيير الحقيقي يجب أنْ ينصبّ على موقف الولايات المتحدة من «إسرائيل» ويجب أنْ ينطلق من الإعتراف بهدر الحقوق العربية واستباحتها وبالقبول بتعددية قطبيّة يعبّر عنها بإعادة توزيع حق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن بشكل يتوافق مع التوازنات الدولية الجديدة.
لكنّ نبوءة أوباما بالتغيير تحقّقت ولم يستطع السدّ الواقي أنْ يحول دون وصول أمواج التغيير إلى شواطئ القذّافي. فما الذي حصل؟.
إذا كان صحيحاً أنّ الحراك الشعبي السلمي وَسَمَ المشهدين التونسي والمصري، فالصحيح أيضاً أنّ الحراك العسكري وسم المشهد الليبي، ففي ليبيا هناك من يقول بأنّ الأحداث انطلقت في مسيرة سلمية على خلفية ذكرى ضحايا سجن أبوسليم، لكنّ الحقيقة التي أغفلها الإعلامان العربي والدولي عمداً، تقول بأنّ الحراك السلمي الأول لمحامي بنغازي تزامن مع حراك مسلّح في مدينة البيضاء شرق بنغازي تحديداً، حيث وقع قتلى بسبب لعبة كرة القدم ولتنتهي بسرعة دراماتيكية خلال يومين كلّ أشكال السلطة القذّافية في الشرق الليبي، لكنّ الإعلام كان مأموراً بتحوير هذه الحقيقة والتجييش لحقيقة مزيفة تقول «القذّافي يقتل شعبه».
في ليبيا.. اتّخذ الحراك منذ لحظاته الأولى الطابع الحربي العنفي وفي جميع المدن الليبية، حيث جرى اقتحام أقسام الشرطة والبلديات والمحافظات وإحراقها في إشارة إلى سقوط الدولة في هذه المدن ومنها طرابلس، حيث اشتعلت النيران في «الساحة الخضراء ـــــ ميدان الشهداء»، وفي مبنى وزارة الأمن العام، وفي قاعة الشعب.
كان ثمّة بنك أهداف ممنهج تمّ وضعه بعناية مركّزة، فتمّت الاستهدافات بتوقيت متزامن، ما دلّ على وجود نيات مبيّتة وخطط محضّرة بإتقان للإجهاز على النظام الليبي وقائده معمّر القذّافي:
في ليبيا.. حصل اعتداء على الجيش وهجوم على الثكنات العسكرية وتمّ الإستيلاء على مخازن الأسلحة.
في ليبيا حصل انشقاق قطعات عسكرية بكامل عتادها وأسلحتها وأهمّها كتيبة الصاعقة بقيادة اللواء عبد الفتاح يونس، وما أدراكم من هو عبد الفتاح يونس.
في ليبيا.. حصل انشقاق سياسي تمثّل في تمرّد عدد من الوزراء على نظام القذّافي يتقدّمهم بوشنه وعلي العيساوي ومحمود جبريل ولحقهم موسى كوسى وشكري غانم ومحمد حجازي.
في ليبيا.. حصل انشقاق ديبلوماسي غير مسبوق بدأ مع سفارات الجماهيرية لدى الجامعة العربية والأمم المتحدة ثم في واشنطن وباريس ولندن..
في ليبيا.. حصل انشقاق مالي تمثّل بانشقاق محافظ مصرف ليبيا المركزي فرحات بن قدارة، وتأجيله شحنة هي عبارة عن مليارات الدنانير الليبية مطبوعة في الخارج ليحصل النقص في السيولة.
في ليبيا.. حصل انشقاق ديني وأخذت الفتاوى تنطلق من كل حدب وصوب وتحلِّل سفك الدماء.
في ليبيا.. ومن الأيام الأولى، سحبت الدول الغربية والخليجية سفاراتها من طرابلس. وأخذ الإعتراف بالمجلس الإنتقالي انطلاقاً من باريس وقبيل سقوط طرابلس يأخذ مدياته وإمداداته.
لكن في ليبيا.. ورغم كل شيء لم يتمكّن المسلحون والمحتجّون والمنشقّون من ساسة وعسكريين وديبلوماسيين وماليين ورجال دين من فرض واقع جديد، فبقيت أكثرية شعبية مؤيّدة للقذّافي.
هذا ما حصل في ليبيا، والكل يعرف ما حصل في مصر وقبلها تونس، وهكذا يتبيّن حجم التناقض الهائل بين الحراكين التونسي المصري، وبين الحراك ـــــ المؤامرة على ليبيا. وكأنّما قطار التغيير الأميركي الذي دشّنه باراك أوباما، حتى يكتسب مصداقيته ومشروعيته، لا بدّ أنْ ينطلق أولاً من الأنظمة التي تدور في فلك الولايات المتحدة، فكانت البداية مع نظامي مبارك وبن علي، مدركاً مسبقاً أنّ السير باتجاه القذّافي لدهسه يستوجب تصليب السكّة الحديدية، وهذا ما حصل وكان.
هكذا يتضح للعيان ودون أيّ لبس أو تشكيك أنّ ما حصل في ليبيا وضدّها هو النقيض المطلق لما حصل في كل من تونس ومصر.. لكنّ ما الذي حصل في ليبيا على وجه الدقة؟.
للإجابة عن هذا السؤال الإشكالية، لا بدّ لنا ونحن في خضم ما سُمي بالربيع العربي، من دراسة الأسباب التي أدّت إلى الثورتين التونسية والمصرية ومقارنتهما مع نظيرتهما الليبية.
مرسلة بواسطة الإعلامي علي شندب في 4:10 م
طبيبة القلوب الخضراء
طبيبة القلوب الخضراء
 
 

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 7073
نقاط : 18157
تاريخ التسجيل : 09/05/2012

بطاقة الشخصية
زنقتنا: 69

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

GMT + 7 Hours رد: الفصل الأول من كتــاب القذافي يتكــلم للأستـاذ / على شنــدب

مُساهمة من طرف طبيبة القلوب الخضراء الجمعة 5 أبريل - 13:19



العفـــــو / أخي صــــريح ...

ما عرفت أنزله على ملف وورد .. آسفة

طبيبة القلوب الخضراء
طبيبة القلوب الخضراء
 
 

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 7073
نقاط : 18157
تاريخ التسجيل : 09/05/2012

بطاقة الشخصية
زنقتنا: 69

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى