فنجان قهوة
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
فنجان قهوة
فنجان قهوة - فاطمة مشعلة
ما بعدَ منتصفِ حزيرانَ وبينَ زحامِ الأغنيات، وصحون المطبخ المبعثرة، تتسللُ امرأةٌ في اوائلِ شبابِها وأوجِ حرقتِها. هي دائماً مشغولةُ بتنظيفِ نفسِها، ومحاوِلةُ تطهيرَ نفوسِهم من الداخل، هم ليس لهم انشغالٌ أكبرُ من غسلِ الصحون، وتطهيرِ الأماني أو ذبحها، هم حولَها ولا مناصَ منهم يأكلون، يشربون، يتلكأون، يُعدون المشانقَ لأولِ الدربِ وآخرِه.
الثالثُ من تموز المُقمرِ للعامِ ألف ما بعد ثورتِها النصفِ راكدة، تحاولُ الصبيةُ المئويةُ العمرِ أن تتمشى على "الشرفة" ذاتِ الأرضيةِ الزرقاء، لا تحتاجُ للمشي كثيرًا فهي قليلةُ الحظِ والوزنِ معًا.
سبعَ مراتٍ تهرول، تفكرُ في التوقف، تجلسُ تتأملُ السماءَ، تعاودُ النظرَ للأرضيةِ. يخرجُ أحدُهم وتسألُه:"هل أنتَ ذاهبٌ للسوق؟ يتجاهلُها... تلحقُهُ بلهفةِ الداري للجواب "أحضرْ لي بعضًا من المثلجات".
-"لن أُحضرَ لك شيئًا"، ويبصق فقاعةً من فمِهِ ويمضي، هو يعرفُ أن "بصقته" لنْ تكتبَ لَهُ الخلاصَ من ذنبِهِ إذ سيعاودُها عشراتِ المراتِ ولن يتمكن.
تعودُ المرأةُ لوحدتِها ثم تقررُ إعدادَ القهوةِ لإحدى الجارات، الناسُ لا تتذكرُ أنها طموحةٌ إلا حين يشتعلُ بها الزمن فتحترق، يشتمون بعضًا من جسدِها فيأكلونَ لحمَها غيبةً فيقولون: بنت فلان بنت فلان .
الجارةُ تغادر، أحدُ فناجينِ القهوةِ يعودُ فاترًا للمطبخ، يُدَقُ البابُ يجيءُ ضيفٌ آخر، ،تُقبّلُهُ قبلةَ المشتاق، وتشرعُ بالابتسام، تُحضرُ له القهوةَ، يجتمعُ أهلُ بيتِها معَ الضيفِ على الشرفة، ترتدي سترتَها ومنديلٌ تسدلُهُ على خصلِ الشعرِ الداكنة، تخرجُ للجلوسِ معهم. هي تعرفُ أنه لا يوجدُ ما تشاركُهم به أو تجذبُهم به إليها. فهم بحاجةٍ لفنجانِ قهوتِها، وهي فعلت... فأيُ فعلٍ ستقومُ بِهِ ليفيقَ أحدُهم من سكرتِهِ ويوقنَ أنها موجودة!
الأولُ منْهُمْ يتحدثُ عن نفسِهِ في العملِ المرهقِ في البناءِ، والآخرُ "الضيف" مثله يثرثرُ في الموضوعِ ذاتِه، الصبيةُ تحاولُ أن تجدَ فسحةً في الحديث، على الأقلِ ليتذكرَها المكانُ بأنها كانت.
لا تجدُ شيئًا لتفعلًهُ سوى الهروب من لا شيء الى كل شيء "الذات ربما"، تنظرُ الى هاتفِها تتمتمُ "حلَّ موعدُ الدراما التي أحبُ "أم كلثوم" .
أم كلثوم عاشَتْ في قلوبِ الملايين العاشقين وهي فوقَ الأرضِ وتحتَها، عائلتُها ممتدةٌ ممتدة، بدأت "بطماي"، مسقطِ رأسِها، وتأبى أن تنتهيَ بانكسارِ متيم ..أمُ كلثوم لا تشبهُ الصبيةَ في هذا المقطع، لكنَّ الصبيةَ وجدَتْ نفسَها واحدةً من عائلةٍ لا تعرفُ بعضَها لا في مكان ولا زمان، وأضاعَتْ ذاتَ "الذات" في عائلةٍ كلُها تعرفُ بعضَها.
بعدَ مرورِ حوالي الساعة تنتهي الدراما الغنائيةُ وكوكبُ الشرق؛ ولا تنتهي الأغنيات، تفكر "رقية" في إحدى روائع أم كلثوم "أعطني حريتي أطلق يديَّ إنني أعطيْتُ ما استبقيْتُ شيا آهٍ من قيدك أدمى معصمي".
تتناسى رقيةُ الأغنية، وتهمُّ بالعودةِ لذاتِ المكانِ مع العائلةِ المجهولة، فقط لتمنحَها "الشرفةُ" إمكانيةَ الهرولةِ على أرضيةِ السماء، مع اقترابِها من الضيفِ والعائلةِ تخمنُ أنَّ ما يتحدثون به على درجةٍ من الخصوصيةِ وعليهِ تهمسُ الصبيةُ ذوقاً لإحدى نساءِ العائلة :" هل من موضوعٍ خاص؟"
- تصيحُ بها المرأة : ماذا تفعلينَ هنا؟
تندهشُ رقية وتواصلُ المرأة :
-نحنُ لا نريدُكِ معنا ادخلي الى الدار، نتكلمُ في موضوعٍ خاص.
-الصبيةُ تحاولُ أن تمسكَ أعصابَها ، تجرُّ انفعالَها الى الداخل ،يُقاطِعُ الضيفُ الموقفَ وبأدنى درجاتِ اللاحسية :" ممكن تعمليلنا قهوة "؟
تدفعُ كرسيها الحقير، وتصلُ للبابِ المؤدي للمنزلِ أو الزنزانة، تلتفتُ إليهِم بنظرةٍ مفترسةٍ لم تَعُدْ قادِرةٍ فيها على هدرِ المزيدِ من كرامتِها " حيوانة أنا !" ، تدفعُ البابَ بوحشيةِ المنكسرِ والمنهزمِ دونَ نِزال، تقررُ عدمَ صنعِ القهوة، ستُحاوِلُ العزوفَ عن ذلك. لكن "هم"هل سيعزِفونَ يوماً عن هدرِ المزيدِ من كرامتِها؟
منقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ول
ما بعدَ منتصفِ حزيرانَ وبينَ زحامِ الأغنيات، وصحون المطبخ المبعثرة، تتسللُ امرأةٌ في اوائلِ شبابِها وأوجِ حرقتِها. هي دائماً مشغولةُ بتنظيفِ نفسِها، ومحاوِلةُ تطهيرَ نفوسِهم من الداخل، هم ليس لهم انشغالٌ أكبرُ من غسلِ الصحون، وتطهيرِ الأماني أو ذبحها، هم حولَها ولا مناصَ منهم يأكلون، يشربون، يتلكأون، يُعدون المشانقَ لأولِ الدربِ وآخرِه.
الثالثُ من تموز المُقمرِ للعامِ ألف ما بعد ثورتِها النصفِ راكدة، تحاولُ الصبيةُ المئويةُ العمرِ أن تتمشى على "الشرفة" ذاتِ الأرضيةِ الزرقاء، لا تحتاجُ للمشي كثيرًا فهي قليلةُ الحظِ والوزنِ معًا.
سبعَ مراتٍ تهرول، تفكرُ في التوقف، تجلسُ تتأملُ السماءَ، تعاودُ النظرَ للأرضيةِ. يخرجُ أحدُهم وتسألُه:"هل أنتَ ذاهبٌ للسوق؟ يتجاهلُها... تلحقُهُ بلهفةِ الداري للجواب "أحضرْ لي بعضًا من المثلجات".
-"لن أُحضرَ لك شيئًا"، ويبصق فقاعةً من فمِهِ ويمضي، هو يعرفُ أن "بصقته" لنْ تكتبَ لَهُ الخلاصَ من ذنبِهِ إذ سيعاودُها عشراتِ المراتِ ولن يتمكن.
تعودُ المرأةُ لوحدتِها ثم تقررُ إعدادَ القهوةِ لإحدى الجارات، الناسُ لا تتذكرُ أنها طموحةٌ إلا حين يشتعلُ بها الزمن فتحترق، يشتمون بعضًا من جسدِها فيأكلونَ لحمَها غيبةً فيقولون: بنت فلان بنت فلان .
الجارةُ تغادر، أحدُ فناجينِ القهوةِ يعودُ فاترًا للمطبخ، يُدَقُ البابُ يجيءُ ضيفٌ آخر، ،تُقبّلُهُ قبلةَ المشتاق، وتشرعُ بالابتسام، تُحضرُ له القهوةَ، يجتمعُ أهلُ بيتِها معَ الضيفِ على الشرفة، ترتدي سترتَها ومنديلٌ تسدلُهُ على خصلِ الشعرِ الداكنة، تخرجُ للجلوسِ معهم. هي تعرفُ أنه لا يوجدُ ما تشاركُهم به أو تجذبُهم به إليها. فهم بحاجةٍ لفنجانِ قهوتِها، وهي فعلت... فأيُ فعلٍ ستقومُ بِهِ ليفيقَ أحدُهم من سكرتِهِ ويوقنَ أنها موجودة!
الأولُ منْهُمْ يتحدثُ عن نفسِهِ في العملِ المرهقِ في البناءِ، والآخرُ "الضيف" مثله يثرثرُ في الموضوعِ ذاتِه، الصبيةُ تحاولُ أن تجدَ فسحةً في الحديث، على الأقلِ ليتذكرَها المكانُ بأنها كانت.
لا تجدُ شيئًا لتفعلًهُ سوى الهروب من لا شيء الى كل شيء "الذات ربما"، تنظرُ الى هاتفِها تتمتمُ "حلَّ موعدُ الدراما التي أحبُ "أم كلثوم" .
أم كلثوم عاشَتْ في قلوبِ الملايين العاشقين وهي فوقَ الأرضِ وتحتَها، عائلتُها ممتدةٌ ممتدة، بدأت "بطماي"، مسقطِ رأسِها، وتأبى أن تنتهيَ بانكسارِ متيم ..أمُ كلثوم لا تشبهُ الصبيةَ في هذا المقطع، لكنَّ الصبيةَ وجدَتْ نفسَها واحدةً من عائلةٍ لا تعرفُ بعضَها لا في مكان ولا زمان، وأضاعَتْ ذاتَ "الذات" في عائلةٍ كلُها تعرفُ بعضَها.
بعدَ مرورِ حوالي الساعة تنتهي الدراما الغنائيةُ وكوكبُ الشرق؛ ولا تنتهي الأغنيات، تفكر "رقية" في إحدى روائع أم كلثوم "أعطني حريتي أطلق يديَّ إنني أعطيْتُ ما استبقيْتُ شيا آهٍ من قيدك أدمى معصمي".
تتناسى رقيةُ الأغنية، وتهمُّ بالعودةِ لذاتِ المكانِ مع العائلةِ المجهولة، فقط لتمنحَها "الشرفةُ" إمكانيةَ الهرولةِ على أرضيةِ السماء، مع اقترابِها من الضيفِ والعائلةِ تخمنُ أنَّ ما يتحدثون به على درجةٍ من الخصوصيةِ وعليهِ تهمسُ الصبيةُ ذوقاً لإحدى نساءِ العائلة :" هل من موضوعٍ خاص؟"
- تصيحُ بها المرأة : ماذا تفعلينَ هنا؟
تندهشُ رقية وتواصلُ المرأة :
-نحنُ لا نريدُكِ معنا ادخلي الى الدار، نتكلمُ في موضوعٍ خاص.
-الصبيةُ تحاولُ أن تمسكَ أعصابَها ، تجرُّ انفعالَها الى الداخل ،يُقاطِعُ الضيفُ الموقفَ وبأدنى درجاتِ اللاحسية :" ممكن تعمليلنا قهوة "؟
تدفعُ كرسيها الحقير، وتصلُ للبابِ المؤدي للمنزلِ أو الزنزانة، تلتفتُ إليهِم بنظرةٍ مفترسةٍ لم تَعُدْ قادِرةٍ فيها على هدرِ المزيدِ من كرامتِها " حيوانة أنا !" ، تدفعُ البابَ بوحشيةِ المنكسرِ والمنهزمِ دونَ نِزال، تقررُ عدمَ صنعِ القهوة، ستُحاوِلُ العزوفَ عن ذلك. لكن "هم"هل سيعزِفونَ يوماً عن هدرِ المزيدِ من كرامتِها؟
منقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ول
سفانة-
- الجنس :
عدد المساهمات : 7928
نقاط : 19788
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
. :
. :
بطاقة الشخصية
زنقتنا:
رد: فنجان قهوة
مشكوره ياحره
ـــــــ-ــــــ-ـــــ-ـــــ-ــــــ-ـــــــ-ـــــ-ــــ-ــــــ-ــــــ-ـــــــ-ـــــــ-ـــــــ-
التوقيع
الله أكبر
الله أكبر الله أكبر
الله أكبر الله أكبر الله أكبر
الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر
الله أكبر الله أكبر الله أكبر
الله أكبر الله أكبر
الله أكبر
فهد الخالدي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 2793
نقاط : 12558
تاريخ التسجيل : 17/09/2011
رد: فنجان قهوة
شكرا لمرورك اخي فهد
سفانة-
- الجنس :
عدد المساهمات : 7928
نقاط : 19788
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
. :
. :
بطاقة الشخصية
زنقتنا:
مواضيع مماثلة
» فنجان ===== قهوة
» (فنجان قهوة على الحائط)
» فنجان قهوة يقلل السكتة الدماغية
» فنجان رمضان
» قهوة بالملح !!!!
» (فنجان قهوة على الحائط)
» فنجان قهوة يقلل السكتة الدماغية
» فنجان رمضان
» قهوة بالملح !!!!
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد 24 نوفمبر - 16:39 من طرف علي عبد الله البسامي
» نكبة بلد المشاعر
السبت 23 نوفمبر - 14:40 من طرف علي عبد الله البسامي
» الى فرسان اليمن
الأربعاء 20 نوفمبر - 20:28 من طرف larbi
» تخاذل أمّة
الجمعة 15 نوفمبر - 20:46 من طرف علي عبد الله البسامي
» ترياق الهَذَر
السبت 9 نوفمبر - 0:32 من طرف علي عبد الله البسامي
» تحية لفرسان لبنان
الجمعة 1 نوفمبر - 23:43 من طرف علي عبد الله البسامي
» أشجان عربية
الجمعة 25 أكتوبر - 22:54 من طرف علي عبد الله البسامي
» فلنحم وجودنا
الإثنين 21 أكتوبر - 22:13 من طرف علي عبد الله البسامي
» وداع الأبطال
الأحد 20 أكتوبر - 10:19 من طرف علي عبد الله البسامي
» بين الدين والاخلاق
الجمعة 18 أكتوبر - 10:36 من طرف علي عبد الله البسامي
» حول مفهوم الحضارة
الجمعة 18 أكتوبر - 10:33 من طرف علي عبد الله البسامي
» فيم تكمن قيمة الانسان ؟؟؟
الجمعة 18 أكتوبر - 10:30 من طرف علي عبد الله البسامي
» حزب المجد
الخميس 17 أكتوبر - 23:24 من طرف علي عبد الله البسامي
» نداء الإقدام
السبت 12 أكتوبر - 13:59 من طرف علي عبد الله البسامي
» نداء الى امّتنا
الخميس 10 أكتوبر - 16:49 من طرف علي عبد الله البسامي
» حقيقة الثقافة
الجمعة 20 سبتمبر - 14:56 من طرف علي عبد الله البسامي
» وجعٌ على وجع
الإثنين 16 سبتمبر - 17:28 من طرف علي عبد الله البسامي
» تعاظمت الجراح
الأحد 15 سبتمبر - 17:57 من طرف علي عبد الله البسامي
» بجلوا الابطال
الجمعة 13 سبتمبر - 17:37 من طرف علي عبد الله البسامي
» موقف عز وشرف
الثلاثاء 20 أغسطس - 0:19 من طرف علي عبد الله البسامي