إسلاميو تونس و اختراق المؤسسة الأمنية و العسكرية :سرد تاريخي
صفحة 1 من اصل 1
إسلاميو تونس و اختراق المؤسسة الأمنية و العسكرية :سرد تاريخي
تاريخياً كانت الحركات الإسلامية وخاصة الجهادية منها في المنطقة العربية وفي تونس دائماً ما تعتمد أسلوب اختراق الأجهزة الأمنية والعسكرية لأغراض مختلفة، بعضها يتعلق بمحاولات انقلابية وبعضها الآخر بضمان أمنها الخاص،فقد أعاد ما كشفت عنه وسائل الإعلام المحلية التونسية،من تمكن جماعة أنصار الشريعة من تجنيد عناصر في الأجهزة الأمنية تعمل لصالحها من خلال مدها بالتقارير الأمنية أو من خلال المشاركة في عملية تهريب أميرها،سيف الله بن حسين إلى خارج البلاد،إلى الواجهة ملف "اختراق وزارة الداخلية التونسية،سواء من أطراف حزبية على رأسها حركة النهضة الحاكمة او حتى أحزاب الخونه والعملاء من اسمو نفسهم بالمعارضين .مثلما أشار إلى ذلك وزير الداخلية ،لطفي بن جدو،في وقت سابق في كلمة له أمام نواب المجلس التأسيسي،أو من "أطراف مسلحة".
فمنذ تشكله الفكري و التنظيمي في مصر ،سبعينات القرن الماضي ،كان التيار الجهادي سواء في نشاطه "القطري/المحلي" أو في نشاطاته "الدولية/الأممية" يعتمد أسلوب اختراق أجهزة الأمن و العسكر و استطاع بذلك تحقيق أهداف و نجاحات كبيرة لم يكن أقلها الوصول الى رأس الرئيس المصري أنور السادات خلال حادثة المنصة الشهيرة في أكتوبر 1981 و التي نفذتها خلية جهادية كانت قد اخترقت المؤسسة العكسرية المصرية بقيادة الملازم بالجيش المصري ،خالد الاسلامبولي ،و المقدم بالمخابرات العسكرية المصرية ،عبود الزمر .و قد كان حضور منفذي الاغتيال داخل كوليس الجيش و المخابرات العنصر الحاسم في نجاح العملية ،التي ألهمت قطاعات واسعة من شباب المنطقة العربية إلى تبني أفكار "التيار الجهادي" .
كما في التجربة المصرية ،كانت الحركة الإسلامية السودانية بقيادة الاخواني حسن الترابي تعول على التغلغل داخل المؤسسة العسكرية و الأمنية كطريق للوصول إلى السلطة و إقامة "دولة الإسلام" ،و كان لها ذلك ،حين نجحت خلية اخوانية في الوصول إلى أعلى الوظائف في الجيش السوداني و نفذت انقلابا عسكريا ضد حكومة صادق المهدي المنتخبة ديمقراطيا عام 1989،بقيادة قائد اللواء الثامن مشاة عمر البشير ،الذي فوضته "الجبهة الإسلامية القومية"،فرع جماعة الإخوان المسلمين في السودان،لحكم السودان بالحديد و النار مخلفا "وطنا مقطع الأوصال" .
أما في تونس فمنذ تشكلها في السبعينات انطلقت "الجماعة الإسلامية" (تحولت فيما بعد إلى "الاتجاه الإسلامي" ثم إلى "حركة النهضة") في توجيه عدد من التلاميذ المنتمين إليها إلى مدارس ضباط الصف و الذين شكلوا فيما بعد النواة الأولى للجهاز العسكري و الأمني للتنظيم بينهم :جمعة العوني المسؤول في سلاح الطيران ،إبراهيم العمري الضابط في سلاح الطيران،سيد الفرجان في الاستعلامات،عبد السلام الخماري في جيش البر.و كان هؤلاء يحاولون استقطاب عناصر جديدة للجهاز من زملائهم خاصة اولئك الذين تظهر عليهم علامات الالتزام الديني.كما كان الصادق شورو،القيادي في الجماعة،يشغل أستاذ مادة الكيمياء في الأكاديمية العسكرية بفندق الجديد و كان له تأثير كبير على عدد من طلبته .(1)
استطاع التنظيم الاخواني التغلغل داخل ثكنات الجيش من خلال عشرات العناصر المجندة كأحمد الحجري و سامي الغربي و صالح العابدي و ابراهيم العموري و عبد الله الحريزي و الازهر خليفة و بفضل نشاطهم ستكون داخل مساجد الثكنات مكتبات مؤلفة من كتب سيد قطب و فتحي يكن و سعيد حواء و يوسف القرضاوي و محمد الغزالي ( كل من ذكر قادة في جماعة الإخوان مصريون و لبناني و سوري).(2)
أما في جهاز الأمن و أروقة الداخلية فلم تدخر الحركة الإسلامية التونسية أي جهد في أن تتموقع داخلهما بذات الأسلوب والطريق ،من خلال زرع عناصرها ،و لعل رجلا كعبد الله غريس قد لعب دورا حاسما في أمن الجماعة و مدها بالتقارير الأمنية و تحركات الشرطة من خلال موقعه كضابط أمن في "المصالح المختصة" (جهاز المخابرات)و كان افتضاح أمره بعد وصول بن علي إلى منصب إدارة الأمن الوطني ،ضربة قاسية للجماعة.(3)
كما اعتمدت الجماعة على عناصر في جهاز الديوانة (الجمارك) في تسهيل عمليات التهريب التي كانت تقوم بها،سواء تهريب الأشخاص او البضائع المتمثلة أساسا في بعض الأسلحة الخفيفة .و قد تطورت عمليات التهريب التي يقودها الضابط السابق في الجيش التونسي ،سيد الفرجاني، حتى وصلت إلى السلاح ففي شهر جانفي 1986 توجه إلى باريس بأمر من محمد شمام،قائد الجهاز الخاص في الجماعة ، لتوريد 5000 قنبلة غاز مشل للحركة كي يستعملها عناصر الجهاز في العمليات الخاصة و الاعتداءات ضد رجال الأمن و الخصوم السياسيين و داخل أسوار الجامعة خلال الصراع مع قوى اليسار الطلابي,غير أن أمر العملية قد تم كشفه من قبل الجهات المختصة حين اعتقل رجل الأمن "يوسف الهمامي" الذي كان يتخذ من منزله مخزنا لأسلحة التنظيم .كما اعتمد التنظيم على الضابط القوي في جهاز الديوانة "البرني الورتاني" في تسهيل عمليات التهريب. (4)و كانت المساجد فضاء خصب و مغري لاستقطاب العناصر الأمنية الشابة و ربط صدقات و علاقات إنسانية معها سرعان ما تتطور لتصبح ذات مضامين فكرية و تنظيمية .
بعد خروج القيادة من السجن اثر انتفاضة الخبز،مضت حركة الاتجاه الإسلامي في قرار لا رجعت فيه و هو ضرورة قلب النظام بالقوة و لا حوار مع السلطة،و على ضوء القرار مضى الجهاز العسكري في التحضير لخطة انقلاب عسكري ينفذه أعضاء الجهاز المزروعين داخل المؤسستين الأمنية و العسكرية و يساعدهم قيادة مدنية من الجهاز السياسي لتتشكل ما عرف آنذاك بـــ"المجموعة الأمنية ".
ففي وثيقة تاريخية كتبها المنصف بن سالم ،القيادي في حركة النهضة و وزير التعليم العالي، (هي عبارة عن رسالة أرسلها بن سالم سنة 2003 للدكتور أحمد المناعي ،مدير و مؤسس المعهد التونسي للعلاقات الدولية في فرنسا ) تحدث فيها عن تفاصيل الانقلاب الفاشل و عن خفايا تشكيل المجموعة الأمنية و عن الأسلحة التي أدخلتها الحركة و الضباط الذين جندتهم وعن اختراقها للمؤسسة الأمنية و العسكرية ،بصفته قائدا مدنيا للعملية الانقلابية.
في هذا السياق يقول بن سالم : "المجموعة تكونت بسرعة خيالية وهي تضم عددا من العسكريين من شتى الرتب ومن رجال الأمن بكل أصنافهم و من المدنيين، وضعت المجموعة لنفسها هدفا واحدا هو إزاحة بورقيبة و من سار في دربه عن الحكم أما وسائلها فهي سليمة إلى أبعد حد ممكن و لذلك تم جلب 5000 مسدس غازي من الخارج قمنا بتجربته على أنفسنا للتأكد من عدم إلحاق الضرر بالمستهدف، دور المسدس هو تحييد المستهدف لمدة نصف ساعة، وسائل الدفاع الأخرى من الأسلحة النارية و الدبابات و الطائرات العسكرية تكون بيد رجال المجموعة".
و في ذات سياق الحديث عن المجموعة الأمنية التي اخترقت مؤسسات الدولة الأمنية و العسكرية تحدث القيادي في تنظيم القاعدة،مصطفى عبد القادر ،المكنى بأبي مصعب السوري (أكبر منظر عقائدي ومخطط إستراتيجي لتنظيم القاعدة و الذي رصدت واشنطن مكافأة خمسة ملايين دولار لمن يساعد في القبض عليه) في كتاب له على تاريخ التيارات الجهادية في العالم الاسلامي عن بعض تفاصيل عملية الاختراق التي تمت .
اذ يقول السوري: "قام مخطط الجهاز العسكري أساسا على زرع عدد من الضباط المتطوعين في الجيش التونسي في أقسام الأسلحة الثلاثة البرية والجوية والبحرية .. وعلى تجنيد من استطاعوا من الضباط ذوي الميول الإسلامية في الجيش .وبصرف النظر عن التفاصيل الفرعية فقد كان التنظيم محكما وشديد التخفي في جيش علماني يحظر على عناصره الالتزام بالدين ويراقب حتى همسات المصلين و تسبيحات المؤمنين , ويعتبرها شبهة تؤدي على الأقل بصاحبها إلى الطرد من الجيش" .
و يضيف أبو مصعب :" التزم الضباط الشباب من أعضاء هذا الجهاز بالغ السرية بناء على فتاوى تحصل عليها من فقهاء التنظيم ومن استفتاهم بسلوك يخفي أي إشارة إلى التزامهم الديني .. فكانوا يصلون سرا .. بل إذا حضرتهم الصلاة في أوقات الدروس والتدريبات , صلوا إيماءا..و كانوا لا يصومون إلا إذا تمكنوا سرا, بل وصل الأمر في التخفي إلى اكتفائهم بلباس الحشمة لنسائهم مع الترخص في كشف غطاء الرأس للضرورة التي كانوا فيها !! ثم مضى التنظيم على مدى نحو عشر سنوات وفق مخططه الذي كان يقوم على فكرة الانقلاب العسكري أساسا للإطاحة بالسلطة ."
و قبل هذه العملية و تحديدا في 8 أكتوبر 1987 اعدما محرز بودقة و دخيل بولبابة و الدين ينتميان إلى مجموعة أطلقت على نفسها "الجهاد الإسلامي" و التي قامت بشن هجوم على مكتب بريد و مركز شرطة و أعلنت مسؤوليتها على تفجيرات فنادق سوسة و المنستير في أب/أغسطس 1987 و على خلفية هذه الأحداث اعتقل النظام قيادات "الجهاد الإسلامي" و بينهم الملازم بالجيش التونسي "كيلاني الشواشي" و العضو السابق بالاتجاه الإسلامي الحبيب الضاوي و مفتي الجماعة الشيخ امحمد لزرق الذي لجأ إلى السعودية و التي أعادت تسليمه إلى تونس.
و مع تبلور أفكار "التيار الجهادي الجديد" (بعد حرب الخليج و انتهاء مرحلة الجهاد الأفغاني و ظهور كتابات المقدسي و بروز تيار "السرورية" في المملكة العربية السعودية) و ظهور تيار جهادي تونسي متكامل يجمع بين العقيدة السلفية الكلاسيكية و المنهج القطبي (نسبة لسيد قطب) تغيرت الكثير من الظروف الذاتية و الموضوعية التي منعت الجهاديين من محاولة اختراق الأجهزة الأمنية والعسكرية بسبب الانغلاق الشديد في عهد بن علي (و لان الرجل بطبيعة تكوينه الأمني و العسكري و معاصرته لمحاولات النهضة في الثمانينات كان شديد الحذر من هذا الملف،لذلك فان كل ضابط أو حتى عون بسيط يشتبه في التزامه الديني يتم فصله مباشرة).
غبر أن الأمر لم يخلو من فتحات بسيطة في الجدار السميك لمؤسسة بن علي الأمنية القوية ،فلسعد ساسي،المكنى بأبي الهاشمي،زعيم تنظيم "جند أسد بن الفرات" الذي دخل في مواجهات مسلحة مع الجيش التونسي في منطقة سليمان أواخر العام 2006 ،لم يكن سواء عنصرا سابقا في جهاز الحرس الوطني التونسي ثم التحق بمراكز التدريب بأفغنستان و حارب في البوسنة خلال حرب البلقان في النصف الأول من تسعينات القرن الماضي قبل أن يلتحق بالجماعة السلفية للدعوة والقتال( أصبحت فيما بعد تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي).
كما أن المتهم في اغتيال شكري بلعيد و العنصر في الجهاز العسكري لجماعة أنصار الشريعة (بحسب وزارة الداخلية التونسي)،عز الدين عبد اللاوي كان قبل انخراطه في التيار الجهادي كان حافظ أمن الى حدود سنة 1998 حين تمت إقالته لأسباب مجهولة (يرجح بسبب التزامه الديني) و قد اعتقل سنة 2007 و لمدة سنتين لعلاقته بلسعد ساسي في أحداث سليمان.
خاصة و أن النيابة العمومية قد فتحت في سبتمبر الماضي تحقيقاً بخصوص موضوع تسريب محاضر بحث استنطاق بعض المتهمين المتورطين في قضيتي اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي.وكان عبد الرؤوف الطالبي، أحد المتهمين في قضية اغتيال شكري بلعيد، قد اعترف لدى الجهات القضائية بأن عناصر المجموعة المتورّطة في عملية الاغتيال وفي مقتل النائب البرلماني محمد البراهمي أيضاً كانت على اطلاع بالتحقيقات والأبحاث الجارية.وكشف الطالبي للقضاء أن المتهم لطفي الزين سلّم لعناصر المجموعة قرصاً ليزرياً احتوى ملفات البحث والمحاضر التي أجرتها فرقة مقاومة الإرهاب المكلفة بالأبحاث في قضية اغتيال بلعيد.
_____
فمنذ تشكله الفكري و التنظيمي في مصر ،سبعينات القرن الماضي ،كان التيار الجهادي سواء في نشاطه "القطري/المحلي" أو في نشاطاته "الدولية/الأممية" يعتمد أسلوب اختراق أجهزة الأمن و العسكر و استطاع بذلك تحقيق أهداف و نجاحات كبيرة لم يكن أقلها الوصول الى رأس الرئيس المصري أنور السادات خلال حادثة المنصة الشهيرة في أكتوبر 1981 و التي نفذتها خلية جهادية كانت قد اخترقت المؤسسة العكسرية المصرية بقيادة الملازم بالجيش المصري ،خالد الاسلامبولي ،و المقدم بالمخابرات العسكرية المصرية ،عبود الزمر .و قد كان حضور منفذي الاغتيال داخل كوليس الجيش و المخابرات العنصر الحاسم في نجاح العملية ،التي ألهمت قطاعات واسعة من شباب المنطقة العربية إلى تبني أفكار "التيار الجهادي" .
كما في التجربة المصرية ،كانت الحركة الإسلامية السودانية بقيادة الاخواني حسن الترابي تعول على التغلغل داخل المؤسسة العسكرية و الأمنية كطريق للوصول إلى السلطة و إقامة "دولة الإسلام" ،و كان لها ذلك ،حين نجحت خلية اخوانية في الوصول إلى أعلى الوظائف في الجيش السوداني و نفذت انقلابا عسكريا ضد حكومة صادق المهدي المنتخبة ديمقراطيا عام 1989،بقيادة قائد اللواء الثامن مشاة عمر البشير ،الذي فوضته "الجبهة الإسلامية القومية"،فرع جماعة الإخوان المسلمين في السودان،لحكم السودان بالحديد و النار مخلفا "وطنا مقطع الأوصال" .
أما في تونس فمنذ تشكلها في السبعينات انطلقت "الجماعة الإسلامية" (تحولت فيما بعد إلى "الاتجاه الإسلامي" ثم إلى "حركة النهضة") في توجيه عدد من التلاميذ المنتمين إليها إلى مدارس ضباط الصف و الذين شكلوا فيما بعد النواة الأولى للجهاز العسكري و الأمني للتنظيم بينهم :جمعة العوني المسؤول في سلاح الطيران ،إبراهيم العمري الضابط في سلاح الطيران،سيد الفرجان في الاستعلامات،عبد السلام الخماري في جيش البر.و كان هؤلاء يحاولون استقطاب عناصر جديدة للجهاز من زملائهم خاصة اولئك الذين تظهر عليهم علامات الالتزام الديني.كما كان الصادق شورو،القيادي في الجماعة،يشغل أستاذ مادة الكيمياء في الأكاديمية العسكرية بفندق الجديد و كان له تأثير كبير على عدد من طلبته .(1)
استطاع التنظيم الاخواني التغلغل داخل ثكنات الجيش من خلال عشرات العناصر المجندة كأحمد الحجري و سامي الغربي و صالح العابدي و ابراهيم العموري و عبد الله الحريزي و الازهر خليفة و بفضل نشاطهم ستكون داخل مساجد الثكنات مكتبات مؤلفة من كتب سيد قطب و فتحي يكن و سعيد حواء و يوسف القرضاوي و محمد الغزالي ( كل من ذكر قادة في جماعة الإخوان مصريون و لبناني و سوري).(2)
أما في جهاز الأمن و أروقة الداخلية فلم تدخر الحركة الإسلامية التونسية أي جهد في أن تتموقع داخلهما بذات الأسلوب والطريق ،من خلال زرع عناصرها ،و لعل رجلا كعبد الله غريس قد لعب دورا حاسما في أمن الجماعة و مدها بالتقارير الأمنية و تحركات الشرطة من خلال موقعه كضابط أمن في "المصالح المختصة" (جهاز المخابرات)و كان افتضاح أمره بعد وصول بن علي إلى منصب إدارة الأمن الوطني ،ضربة قاسية للجماعة.(3)
كما اعتمدت الجماعة على عناصر في جهاز الديوانة (الجمارك) في تسهيل عمليات التهريب التي كانت تقوم بها،سواء تهريب الأشخاص او البضائع المتمثلة أساسا في بعض الأسلحة الخفيفة .و قد تطورت عمليات التهريب التي يقودها الضابط السابق في الجيش التونسي ،سيد الفرجاني، حتى وصلت إلى السلاح ففي شهر جانفي 1986 توجه إلى باريس بأمر من محمد شمام،قائد الجهاز الخاص في الجماعة ، لتوريد 5000 قنبلة غاز مشل للحركة كي يستعملها عناصر الجهاز في العمليات الخاصة و الاعتداءات ضد رجال الأمن و الخصوم السياسيين و داخل أسوار الجامعة خلال الصراع مع قوى اليسار الطلابي,غير أن أمر العملية قد تم كشفه من قبل الجهات المختصة حين اعتقل رجل الأمن "يوسف الهمامي" الذي كان يتخذ من منزله مخزنا لأسلحة التنظيم .كما اعتمد التنظيم على الضابط القوي في جهاز الديوانة "البرني الورتاني" في تسهيل عمليات التهريب. (4)و كانت المساجد فضاء خصب و مغري لاستقطاب العناصر الأمنية الشابة و ربط صدقات و علاقات إنسانية معها سرعان ما تتطور لتصبح ذات مضامين فكرية و تنظيمية .
بعد خروج القيادة من السجن اثر انتفاضة الخبز،مضت حركة الاتجاه الإسلامي في قرار لا رجعت فيه و هو ضرورة قلب النظام بالقوة و لا حوار مع السلطة،و على ضوء القرار مضى الجهاز العسكري في التحضير لخطة انقلاب عسكري ينفذه أعضاء الجهاز المزروعين داخل المؤسستين الأمنية و العسكرية و يساعدهم قيادة مدنية من الجهاز السياسي لتتشكل ما عرف آنذاك بـــ"المجموعة الأمنية ".
ففي وثيقة تاريخية كتبها المنصف بن سالم ،القيادي في حركة النهضة و وزير التعليم العالي، (هي عبارة عن رسالة أرسلها بن سالم سنة 2003 للدكتور أحمد المناعي ،مدير و مؤسس المعهد التونسي للعلاقات الدولية في فرنسا ) تحدث فيها عن تفاصيل الانقلاب الفاشل و عن خفايا تشكيل المجموعة الأمنية و عن الأسلحة التي أدخلتها الحركة و الضباط الذين جندتهم وعن اختراقها للمؤسسة الأمنية و العسكرية ،بصفته قائدا مدنيا للعملية الانقلابية.
في هذا السياق يقول بن سالم : "المجموعة تكونت بسرعة خيالية وهي تضم عددا من العسكريين من شتى الرتب ومن رجال الأمن بكل أصنافهم و من المدنيين، وضعت المجموعة لنفسها هدفا واحدا هو إزاحة بورقيبة و من سار في دربه عن الحكم أما وسائلها فهي سليمة إلى أبعد حد ممكن و لذلك تم جلب 5000 مسدس غازي من الخارج قمنا بتجربته على أنفسنا للتأكد من عدم إلحاق الضرر بالمستهدف، دور المسدس هو تحييد المستهدف لمدة نصف ساعة، وسائل الدفاع الأخرى من الأسلحة النارية و الدبابات و الطائرات العسكرية تكون بيد رجال المجموعة".
و في ذات سياق الحديث عن المجموعة الأمنية التي اخترقت مؤسسات الدولة الأمنية و العسكرية تحدث القيادي في تنظيم القاعدة،مصطفى عبد القادر ،المكنى بأبي مصعب السوري (أكبر منظر عقائدي ومخطط إستراتيجي لتنظيم القاعدة و الذي رصدت واشنطن مكافأة خمسة ملايين دولار لمن يساعد في القبض عليه) في كتاب له على تاريخ التيارات الجهادية في العالم الاسلامي عن بعض تفاصيل عملية الاختراق التي تمت .
اذ يقول السوري: "قام مخطط الجهاز العسكري أساسا على زرع عدد من الضباط المتطوعين في الجيش التونسي في أقسام الأسلحة الثلاثة البرية والجوية والبحرية .. وعلى تجنيد من استطاعوا من الضباط ذوي الميول الإسلامية في الجيش .وبصرف النظر عن التفاصيل الفرعية فقد كان التنظيم محكما وشديد التخفي في جيش علماني يحظر على عناصره الالتزام بالدين ويراقب حتى همسات المصلين و تسبيحات المؤمنين , ويعتبرها شبهة تؤدي على الأقل بصاحبها إلى الطرد من الجيش" .
و يضيف أبو مصعب :" التزم الضباط الشباب من أعضاء هذا الجهاز بالغ السرية بناء على فتاوى تحصل عليها من فقهاء التنظيم ومن استفتاهم بسلوك يخفي أي إشارة إلى التزامهم الديني .. فكانوا يصلون سرا .. بل إذا حضرتهم الصلاة في أوقات الدروس والتدريبات , صلوا إيماءا..و كانوا لا يصومون إلا إذا تمكنوا سرا, بل وصل الأمر في التخفي إلى اكتفائهم بلباس الحشمة لنسائهم مع الترخص في كشف غطاء الرأس للضرورة التي كانوا فيها !! ثم مضى التنظيم على مدى نحو عشر سنوات وفق مخططه الذي كان يقوم على فكرة الانقلاب العسكري أساسا للإطاحة بالسلطة ."
و قبل هذه العملية و تحديدا في 8 أكتوبر 1987 اعدما محرز بودقة و دخيل بولبابة و الدين ينتميان إلى مجموعة أطلقت على نفسها "الجهاد الإسلامي" و التي قامت بشن هجوم على مكتب بريد و مركز شرطة و أعلنت مسؤوليتها على تفجيرات فنادق سوسة و المنستير في أب/أغسطس 1987 و على خلفية هذه الأحداث اعتقل النظام قيادات "الجهاد الإسلامي" و بينهم الملازم بالجيش التونسي "كيلاني الشواشي" و العضو السابق بالاتجاه الإسلامي الحبيب الضاوي و مفتي الجماعة الشيخ امحمد لزرق الذي لجأ إلى السعودية و التي أعادت تسليمه إلى تونس.
و مع تبلور أفكار "التيار الجهادي الجديد" (بعد حرب الخليج و انتهاء مرحلة الجهاد الأفغاني و ظهور كتابات المقدسي و بروز تيار "السرورية" في المملكة العربية السعودية) و ظهور تيار جهادي تونسي متكامل يجمع بين العقيدة السلفية الكلاسيكية و المنهج القطبي (نسبة لسيد قطب) تغيرت الكثير من الظروف الذاتية و الموضوعية التي منعت الجهاديين من محاولة اختراق الأجهزة الأمنية والعسكرية بسبب الانغلاق الشديد في عهد بن علي (و لان الرجل بطبيعة تكوينه الأمني و العسكري و معاصرته لمحاولات النهضة في الثمانينات كان شديد الحذر من هذا الملف،لذلك فان كل ضابط أو حتى عون بسيط يشتبه في التزامه الديني يتم فصله مباشرة).
غبر أن الأمر لم يخلو من فتحات بسيطة في الجدار السميك لمؤسسة بن علي الأمنية القوية ،فلسعد ساسي،المكنى بأبي الهاشمي،زعيم تنظيم "جند أسد بن الفرات" الذي دخل في مواجهات مسلحة مع الجيش التونسي في منطقة سليمان أواخر العام 2006 ،لم يكن سواء عنصرا سابقا في جهاز الحرس الوطني التونسي ثم التحق بمراكز التدريب بأفغنستان و حارب في البوسنة خلال حرب البلقان في النصف الأول من تسعينات القرن الماضي قبل أن يلتحق بالجماعة السلفية للدعوة والقتال( أصبحت فيما بعد تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي).
كما أن المتهم في اغتيال شكري بلعيد و العنصر في الجهاز العسكري لجماعة أنصار الشريعة (بحسب وزارة الداخلية التونسي)،عز الدين عبد اللاوي كان قبل انخراطه في التيار الجهادي كان حافظ أمن الى حدود سنة 1998 حين تمت إقالته لأسباب مجهولة (يرجح بسبب التزامه الديني) و قد اعتقل سنة 2007 و لمدة سنتين لعلاقته بلسعد ساسي في أحداث سليمان.
خاصة و أن النيابة العمومية قد فتحت في سبتمبر الماضي تحقيقاً بخصوص موضوع تسريب محاضر بحث استنطاق بعض المتهمين المتورطين في قضيتي اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي.وكان عبد الرؤوف الطالبي، أحد المتهمين في قضية اغتيال شكري بلعيد، قد اعترف لدى الجهات القضائية بأن عناصر المجموعة المتورّطة في عملية الاغتيال وفي مقتل النائب البرلماني محمد البراهمي أيضاً كانت على اطلاع بالتحقيقات والأبحاث الجارية.وكشف الطالبي للقضاء أن المتهم لطفي الزين سلّم لعناصر المجموعة قرصاً ليزرياً احتوى ملفات البحث والمحاضر التي أجرتها فرقة مقاومة الإرهاب المكلفة بالأبحاث في قضية اغتيال بلعيد.
_____
- – راجع ،عبد الله عمامي،تنظيمات الإرهاب في العالم الإسلامي.
- – المصدر السابق
- – المصدر السابق
- - المصدر السابق
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34773
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت 9 نوفمبر - 0:32 من طرف علي عبد الله البسامي
» تحية لفرسان لبنان
الجمعة 1 نوفمبر - 23:43 من طرف علي عبد الله البسامي
» أشجان عربية
الجمعة 25 أكتوبر - 22:54 من طرف علي عبد الله البسامي
» فلنحم وجودنا
الإثنين 21 أكتوبر - 22:13 من طرف علي عبد الله البسامي
» وداع الأبطال
الأحد 20 أكتوبر - 10:19 من طرف علي عبد الله البسامي
» بين الدين والاخلاق
الجمعة 18 أكتوبر - 10:36 من طرف علي عبد الله البسامي
» حول مفهوم الحضارة
الجمعة 18 أكتوبر - 10:33 من طرف علي عبد الله البسامي
» فيم تكمن قيمة الانسان ؟؟؟
الجمعة 18 أكتوبر - 10:30 من طرف علي عبد الله البسامي
» حزب المجد
الخميس 17 أكتوبر - 23:24 من طرف علي عبد الله البسامي
» نداء الإقدام
السبت 12 أكتوبر - 13:59 من طرف علي عبد الله البسامي
» نداء الى امّتنا
الخميس 10 أكتوبر - 16:49 من طرف علي عبد الله البسامي
» حقيقة الثقافة
الجمعة 20 سبتمبر - 14:56 من طرف علي عبد الله البسامي
» وجعٌ على وجع
الإثنين 16 سبتمبر - 17:28 من طرف علي عبد الله البسامي
» تعاظمت الجراح
الأحد 15 سبتمبر - 17:57 من طرف علي عبد الله البسامي
» بجلوا الابطال
الجمعة 13 سبتمبر - 17:37 من طرف علي عبد الله البسامي
» موقف عز وشرف
الثلاثاء 20 أغسطس - 0:19 من طرف علي عبد الله البسامي
» نداء الوفاق
الخميس 8 أغسطس - 18:27 من طرف علي عبد الله البسامي
» رثاء الشهيد اسماعيل هنية
الأربعاء 31 يوليو - 18:37 من طرف علي عبد الله البسامي
» هدهد الجنوب
الجمعة 26 يوليو - 20:41 من طرف علي عبد الله البسامي
» حماة العفن
الأربعاء 17 يوليو - 16:53 من طرف علي عبد الله البسامي