أهون الشرور

أولا أؤكد بأنني أرفض أي تدخل عسكري كان أو سياسي في الشأن الليبي.

تدعي الأمم المتحدة أنها تهتم بالملف الليبي و تعرب عن قلقها المستمر بسبب ما آلت إليه البلاد، و لو كانت الأمم المتحدة تعرف معنى الاهتمام حقا لحلت على الأقل نصف قضايا الدول المنكوبة. فلا زال الصومال يعاني، و العراق يعاني و أفغانستان تعاني، و البوسنة تعاني، و غيرها كثير. هل هناك أي دولة استفادت من اهتمام و قلق الأمم المتحدة؟ لا أظن ذلك.

الأمم المتحدة خلقت لتمنح امتيازات للدول القوية على حساب الدول الضعيفة. خلقت لفرض عقوبات على الدول التي لا تنصاع للتيار الإمبريالي و لا تمتثل لأوامر كبرى الدول الإستعمارية، و لا ينقذ هذه الدول من العقوبات إلا القوة، فلم تتمكن الأمم المتحدة من فرض عقوبات تذكر على روسيا، و هي تتعامل بحذر شديد مع ملف كوريا الشمالية إذ تدرك أن فرض ما تفرضه على الدول الصغرى من عقوبات فستكون النتائج وخيمة. و أفضل مثال على السياسة التي تنتهجها الأمم المتحدة هو المثال الإيراني، الذي عانى من العقوبات المفروضة عليه و التي قررت الأمم المتحدة إنهاءها بمجرد أن تمكنت إيران من صنع سلاحها النووي و الذي تهدد به أمن اسرائيل في المنطقة.

هذه هي حقيقة الأمم المتحدة. واجهة قانونية لأعمال القوى الإمبريالية الغير قانونية. القانون ينصف البشر و يعطي كل ذي حق حقه و يحاسب الجميع دون تمييز، لكن بالنظر إلى تاريخ هذه المنظمة، لم نرها يوما تفرض عقوبات من أي نوع على الدول الاستعمارية الكبرى و على اسرائيل.

لذلك، عندما ترسل الأمم المتحدة مندوبيها إلى ليبيا بحجة أنها قلقة من الوضع الليبي و تريد استقرار البلاد، نعلم أن هذا الأمر غير حقيقي. لا أريد الحديث هنا عن إنجازات طارق متري في البلاد و التي كانت بكل وضوح تلعب لصالح الإخوان. تصريحاته و أعماله في ليبيا تفضحه بما فيه الكفاية.

ما أردت الحديث عنه هو المقارنة بين الإسباني ليون و الألماني كوبلر. نتفق أن كلاهما لا يهتم لمصلحة ليبيا و كلاهما يخدم أجندة خارجية مكلف بها. لكن أرى بأن ليون كان أهون الشرين، فهو و إن فضحته رسائله الإلكترونية على أنه عميل للإمارات، إلا أنه قال في أحد رسائله: الوضع في ليبيا لا يبشر بنهاية قريبة. حاليا نملك أحد الحلين. إما السعي نحو تشكيل حكومة وفاق تضم الإخوان فيها، و إما دعم حفتر للتخلص من الارهابيين في المنطقة الشرقية و دعم الحكومة هناك حتى تتمكن من نشر سيطرتها في كامل البلاد.

بعد ذلك، يعطي ليون رأيه الخاص و يقول بأن خيار الحكومة التوافقية و مؤتمر الصخيرات لن يكون لصالح البلاد و لا لصالح من يدعمون حفتر من الخارج، و أنه يرى أن تشكيل الحكومة الإخوانية سيطيل مدة الصراع و سيزيد الشقاق، و أنه يفضل الحل الثاني و هو دعم حفتر و منع وصول الإخوان إلى السلطة.

برأيي أن ذلك ما جعل الغرب يبعد ليون عن الساحة بعدما اتهموه بتلقي الرشاوي من الإمارات، و في هذا العالم لا أستبعد أي تلفيق للتهم. ليون بعد ذلك في لقاء تلفزيوني مع قناة اسبانية أنكر التهمة و قال: لن تقوم لليبيا قائمة، فحكامها لا تهمهم مصلحة البلاد.

و بالتالي، من المنطقي أن نرى كوبلر يسارع في إنهاء مؤتمر الصخيرات و تشكيل الحكومة الاخوانية لأن هذا ما أراده الغرب. لقد أحسنوا استجلاب عميل يفوق متري دهاءا و يفوق ليون خبثا، و مع الدعم الصحفي الغربي الذي صوره منجز المستحيل و الذي أسعد الليبيين بولادة حكومة النفاق، يمكنني القول بأن كوبلر أنجز مهمته على أكمل وجه.

هذا مايريده الغرب تدمير البﻻد تدخلهم لتقسيمها وأخذ ثروتها وزراعة الفتن هي اول اساليبهم من اجل الدخول