الكارثة .. من أول السطر

بقلم أ.محمود البوسيفي

شهدت الحرب اللبنانية ( 1975-1990) مفاصل , ومحطات , محلية واقليمية ودولية ,توزعت على تحالفات داخلية وخارجية , كانت الأيدولوجيا حاضرة بقوة في تلك التحالفات ,التى لم تشهد أختراقات مهمة .بقدر ما تعرضت له من تفكك أو أستقواء , وفقا للمتغيرات على الميدان أوعلى مستوى الأقليم, وعكس ذلك حينها مدى التورط الخارجي فى اطالة أمد الحرب  ( اشتعالا وتهدئة ) ومراكمة النتائج من أغلاق ملف منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان , وترحيل كوادرها الى منافى جديدة , وصولا الى تفكيك وشرذمة التيارات الوطنية ببعديها القومي واليساري مرورا بحرث الواقع اللبناني وتهيئة أرضه لاستقبال وجوه جديدة للعمل فى ادارة البلاد ( صناعة الحريري مثلا وتأهيله في الرياض للحكم فى بيروت).

     عشرات المؤتمرات ومئات اللقاءات والملتقيات والندوات في جنيف وباريس والقاهرة وقبرص ولندن وواشنطن وروما , فقط لمحاولة فهم ما يجري ولماذا والى متى يستمر ذلك العبث ..؟ مبعوث دولي وآخر أوروبي وبطبيعة الحال عربي(...) وزيارات وتصريحات وقرارات أممية وأوروبية .. أطنان من الحبر سالت في محابر تلك المؤتمرات واللقاءات والملتقيات والندوات والتصريحات والقرارات .. وأنهار من الدماء روت الأرض اللبنانية في حرب حولت ذلك البلد من ساحة للحرية والأبداع والجمال الى مستودع للخراب .. كانت التنظيمات المسلحة تتناسل في مناخ دموي يحكمه قانون الفوضى , أصبحت خطوط التماس بين المتحاربين بمثابة الحدود , تقزمت بيروت بالمناصفة , وصار الأنتقال من منطقة الى أخرى يستوجب أحيانا السفر الى الخارج للدخول الى تلك المنطقة , قوى تستنجد بالدين وأخرى بفرنسا وثالثة بأسرائيل ورابعة بالسعودية وخامسة بأمريكا وسادسة بسوريا وسابعة بليبيا وثامنة بالعراق .. ولا أحد يستنجد بلبنان ..لا أحد يستنجد باللبنانيين الا كوقود لمراجل التدمير .. تحول الاعلام الى منابر لبث الكراهية والدعوة للعنف  .. وحدها فيروز ظلت صامدة . . وحدها ظلت عمود الخيمة اللبنانية . كانت جميع القوى المتحاربة ( باستثناء الاسلاميين ) تستنجد بفيروز لتسويق برامجها .. فيروز فقط من وحد البلاد الممزقة ..

     وفي أطار العبث المفخخ بالرماد ,فكر أحد جنرالات الجيش اللبناني ( العماد عزيز الأحدب ) في أن حركة عسكرية تسيطر على مبنى الأذاعة ومجلسى النواب والوزراء ( الفارغان أصلا .. الا من الغفراء والسعاة  ) وأصدار البيان رقم واحد بتعطيل العمل بالدستور الخ الخ .. سوف يحل المشكلة .. ما حدث هو أن الناس وهي في طريقها للخنادق أو لما تبقى من أسواق  أعتقدت وهي تستمع للأناشيد الحماسية وصوت الجنرال يرغي ويزبد أن الأمر لا يعدو كونه تمثيلية أذاعية  .. لم يتوقف أي شئ سوى صرف رواتب الجنرال والمجموعة الصغيرة من الملازمين والعرفاء الذين التحقوا به بعد أسبوعين من التمترس في مبنى الأذاعة .. وأرسال قيادة الجيش كتاب أقالة للجنرال بسبب تغيبه هن معسكره المدة القانونية التى تجيز فصله من الخدمة ..  وكان الرئيس اللبناني الأسبق شارل حلو قد أطلق مقولته الشهيرة وهو يستقبل رؤساء تحرير الصحف اللبنانية في 1970 : مرحبا بكم في وطنكم الثاني لبنان !!

خمسة عشر عاما وسبعة أشهر من الأحتراب والدماء والخراب والتدمير والتعذيب والخطف وسط ما لا يحصى من مؤتمرات ولقاءات وملتقيات وندوات .. لم يكن هناك أفق واحد .. أفاق متعددة ورؤى من هنا وهناك .. أجتياحان أسرائليان ( 1978-1982).. قوات الردع العربية ( أصبحت سورية خالصة ) .. أشتباكات وحصارات وتجويع .. سيارات مفخخة .. قنابل فراغية .. تم تجريب عدد كبير من الأسلحة التقليدية في قتل اللبنانيين ومن والاهم من أنصار الطرفين .. 150,000 قتيل وضعف العدد من المصابين الذين تحول أكثر من نصفهم الى معاقين جسديا .. حالات هائلة من الأمراض النفسية ..

     عندما قررت أمريكا وفرنسا وأسرائيل أغلاق الملف اللبناني اوعزت تلك العواصم للاعبين الأقليميين ( السعودية ) بتجهيز قاعة في مدينة الطائف ودعوة الفرقاء اللبنانيين مع حشد من المصورين لرصد الأحضان والعناق وما ذرفته المآقي من دموع وأصحابها يتبادلون القبلات والأبتسامات .. وأنتهى كل شئ في لحظة .. عادت العائلات الى مواقعها القديمة وكسبت بيروت السنية لاعبا جديدا جاء اليها تسبقه حملة اعلامية ضخمة منذ أكثير من سنتين .. كسب الشيعة حزبا خلخل قواعد حركة أمل وأفتك شرعية حمل السلاح تحت شعار محاربة الأحتلال الأسرائيلي للجنوب .. وأستمرار هذا حتى بعد التحرير .. بحجة أن مزارع شبعا المتنازع عليها بين اللبنانيين والسوريين مازالت في قبضة تل ابيب .. المهم أنتهت الحرب عندما قرر ما يسمى خديعة المجتمع الدولي .. حدث هذا في لبنان الحضاري وشعبه المتعلم الراقي  المنفتح على العالم وحضاراته الخ الخ  .. هل أدعوكم هنا لقراءة ما يحدث في ليبيا  على ضؤ ما حدث في لبنان على الرغم من أختلاف الأسباب ..