ناتو صغير بقيادة دويلة صغيرة ؟؟؟
4 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
ناتو صغير بقيادة دويلة صغيرة ؟؟؟
قابلة عسكرية لولادة ليبية متعثرة
«ميني ناتو» بقيادة «ميني دولة»
كتب: المحرر السياسي
المعادلة تبدو غير واقعية الى حد بعيد، لكن العارفين يقولون إن معركة ليبيا الحقيقية بدأت بعد رحيل معمر القذافي. معه كانت المعركة عسكرية خاضها حلف شمال الأطلسي في ظروف معروفة وانتهت الى ما انتهت إليه. لكن السقوط العسكري لا يسدل الستار على الأزمة الليبية. فمجلس الانتقامي يستشعر فشلاً مسبقاً في نزع السلاح من يد الثوار، الذين انتهوا من مرحلة الاتحاد ضد القذافي، ليبدأوا مرحلة الاختلاف حول السلطة. ولهذا حاول المجلس التمديد لمهمات “الناتو” الى آخر العام الحالي. وهو بطلبه هذا كان يعني، من غير أن يعلن، أنه بحاجة الى مساعدة دول الأطلسي لتثبيت الأمن والاستقرار في ليبيا. وبمعنى آخر، النزول الى الأرض وتولي نزع السلاح من “الثوار”.
عندما أبلغ بوشنه باستحالة تلبية طلبه، تراجع وأبلغ مجلس الأمن رغبة ليبيا بإنهاء مهمة الناتو في ليبيا، وهذا ما قررته الأمم المتحدة التي اعتبرت 31 تشرين الأول (اكتوبر) موعداً لانتهاء دوره في العملية الليبية.
لكن الغرب لن يترك ليبيا للمجهول وتضيع بذلك جهوده وتتحول الى خدمات مجانية، لهذا تم اختراع “ميني ناتو” ليكون بديلاً عن “الناتو” الكبير.
ومن هنا كان اللجوء مرة أخرى لقطر، التي استساغت لعب الأدوار المشبوهة في حرائق “الربيع العربي”. ففي الدوحة تم الاتفاق على تشكيل تحالف عسكري يضم احدى عشرة دولة بقيادة قطر، سمي بتحالف أصدقاء ليبيا. وهكذا ألحق بـ”ميني دولة” “ميني ناتو”. وقد قبلت دول كبرى وعظمى، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، أن تكون جنوداً تحت أمرة جنرالات آل ثاني.
لا شك في أن التدخل العسكري المباشر في ليبيا يحتاج الى تغطية عربية لا يقبل أن توفره دولة عربية غير قطر.
وسبق الإعلان عن الـ”ميني ناتو” اعتراف صريح بأن مئات الجنود القطريين شاركوا في العمليات العسكرية ضد القوات النظامية الليبية. وجاء هذا الاعتراف على لسان رئيس الأركان القطري اللواء الركن حمد بن علي العطية بقوله “كنا متواجدين بالمئات في كل منطقة”.
كل هذا يعني ان محنة ليبيا التي بدأت قبل ثمانية أشهر متواصلة، وأن النتائج الأولى لهذه المحنة بدأت في الظهور، ليس فقط في معالم الدمار والقتل والتشريد والضياع، وإنما أيضاً- بل أولاً- في اغتيال الدولة المدنية الديمقراطية التي وعد بها مجلس الانتقامي . خطاب بوشنه يوم 23 تشرين الأول (اكتوبر) كان بمثابة خيبة كبيرة وصدمة أكبر، خيبة لليبيين الذين كانوا يتوهمون أن الخيارات السياسية الكبري بعد التغيير تعود الى المجلس التأسيسي الذي يفترض به وحده أن يقرر مستقبل ليبيا من خلال استفتاء شعبي على دستور جديد، وصدمة للغرب كله الذي تطوعت أساطيله لقتال الزعيم الليبي الراحل، والذي اكتشف فجأة أن هناك من يريد أن ينصب نفسه وصياً على الليبيين باسم الشريعة الاسلامية، من خارج ارادة الليبيين جميعاً.
خطاب عبد الجليل كشف بصورة لم يتوقعها أحد موقع المتشددين الاسلاميين في ليبيا ما بعد القذافي، والبعد الحقيقي لما سمي «ثورة 17 فبراير»، وقد بدا وكأنه تهميش مقصود للتعددية الليبية وكل مكوّنات المجتمع الليبي المقاتلة وغير المقاتلة، وهو يعني، في جملة ما يعني ان رئيس مجلس الانتقامي لا يملك أي مشروع سياسي، وكل ما يملكه أنه «يقود» جيشاً من 73 كتيبة مقاتلة، لا يطيع أوامره، ولا يخضع لأي قيادة مركزية، ما يعني ان ليبيا ما بعد القذافي مجموعات متفرقة قابلة للتفجير في أي لحظة، وأن توحيدها في غياب السلوك الديمقراطي مهمة مستحيلة لأن الفئوية والقبلية والمناطقية فيها أقوى من أي قوة أخرى. مصراتة، مثلاً، تطالب بحصتها في الدولة الجديدة بعدما عانت ما عانته طوال أشهر التمرد، وبنغازي تعتبر نفسها قوة التغيير الحقيقية، وأهل الزنتان وجبل نفوسة من البربر، الذين لعبوا دورا كبيراً في دخول طرابلس، يبحثون عن الغنائم، والاسلاميون يتربصّون بالليبراليين واليساريين والديمقراطيين جميعاً، ولا يخضعون إلا لقياداتهم، وكل هذا يعني أن وحدة ليبيا باتت في مهب الريح، وأن الأخطار القادمة أكثر فظاعة من المآسي الأخيرة.
ولعل الخطر الأكبر يتمثل في آلاف المسلحين المنتشرين في كل أنحاء البلاد، وهم عقبة حقيقية في وجه قيام المؤسسات الجديدة ولا يجمعهم أي مشروع سياسي واضح، كما أنهم لا يصغون إلا لأوامر القادة الدينيين، الذين يتنافسون على السلطة. إنها القبائل في مواجهة القبائل، والمدن والمناطق في مواجهة المدن الأخرى والمناطق الأخرى، وسط تباعد الرؤى، هذا إذا وجدت. واذا كان القذافي في حياته قد جمع بين كل هذه الأضداد، فقد تبين بعد وفاته أن كل الصراعات خرجت الى السطح، وأن المرحلة الانتقالية مفتوحة على مفاجآت دراماتيكية من الحجم الكبير، ومجرّد ضمان أربع نساء لكل ليبي لن يحل المشكلة.
مرة أخرى، كل هذا يعني ببساطة أن اغتيال معمر القذافي وضع نهاية مرحلية لحقبة واضحة المعالم، بكل انجازاتها وتطلعاتها وثوابتها التاريخية، وفتح الأبواب أمام حقبة جديدة بالغة التعقيد، مليئة بالتناقضات الصغيرة والكبيرة. واعتراض التيار الاسلامي المتشدد بزعامة علي الصلابي وونيس المبروك وبقوة على تولي محمود جبريل رئاسة الحكومة الانتقالية، يعني ان الاسلاميين المتشددين صادروا مسبقاً المرحلة المقبلة لحسابهم ولن يسلّموا السلاح الا اذا تولوا هم انفسهم قيادة المرحلة، وقيام الدولة المدنية الديمقراطية في هذه الحال مجرّد وهم كبير.
وفي تقدير العارفين أن خطاب بوشنه الذي حاول أن يرسم ملامح ليبيا ما بعد التمرد، أساء الى فئات واسعة من الليبيين، بمن فيهم النساء والتنظيمات المدنية والسياسية التي لا تشاركه رؤيته، وكأن المقصود طمأنة التيار الاسلامي المتشدد على حساب كل التيارات الأخرى، وعلى حساب التركيبة القبلية والمناطقية والتعددية المدنية. وهناك من يؤكد ان مجلس الانتقامي خسر بهذا الخطاب عطف قطاعات عريضة من المجتمع الليبي كما من المجتمع الدولي الذي رأى في طروحاته خروجاً على الآليات الديمقراطية وحتى التشاورية، ومقاييس التوافق الأهلي بين شرائح الوطن الواحد.
و«الشيك الأبيض» الذي وقعه الليبيون المشاركون في التغيير للمجلس الانتقالي سقط بعد رحيل القذافي الى غير رجعة، و«الشيك» الآخر الذي وقعه حلف شمال الأطلسي سقط بدوره، والدليل أن الحلف بات ينظر الى مطالبة المجلس بتمديد مهمته الى ما بعد 31 تشرين الأول (اكتوبر) نظرة ارتياب، علماً أنه كان يتعامل مع المجلس من دون حساب طوال الأشهر السبعة الأخيرة. وأمام مجلس الانتقامي بعد تشكيل الحكومة الانتقالية الجديدة مجموعة تحديات تختصر في بناء الدولة الجديدة، وهي مهمة بالغة الصعوبة في غياب أي توافق داخلي. نتوقف عند الأولويات:
- إنه مطالب أولاً بإعادة تنظيم المجالس المحلية التي يتشكل منها، وسط بلبلة قبلية مناطقية فكرية هائلة، وتشكيك في النيات ناتج عن ضعف التواصل بين بنغازي ومجالس المناطق طوال فترة القتال. واذا كانت صناديق الاقتراع هي الكفيلة بحسم هذه المسألة لجهة تحديد حجم كل مجلس في التركيبة السياسية الجديدة، فإن المساحة الزمنية الفاصلة بين رحيل القذافي وهذه الصناديق، يمكن أن تحتسب بكل أشكال الغموض والفوضى، هذا إذا لم تؤد التناحرات الداخلية الى مشروع حرب أهلية. واذا كانت الخلافات في المواقف والمنطلقات والأهداف قد بقيت حتى الآن «تحت السيطرة»، فإن أحداً لم يحص عدد الجرائم التي ارتكبت في طرابلس وسرت، وآخرها جريمة قتل القذافي ونجله، بسبب الصراع على النفوذ وتعدد التوجهات تحت مظلة مجلس الانتقامي ، علماً أن الجميع في ليبيا ما بعد القذافي خائف من الجميع، وبصورة خاصة من المجموعات السياسية العقائدية التي تحولت الى ميليشيات مسلحة، وهي نقيض الدولة المدنية التي ينضبط تحت دستورها وقوانينها الجميع.
وفي غياب الانضباط، كما في غياب الدولة المركزية وغياب المشروع السياسي الواحد، كل شيء يدل على أن المرحلة الانتقالية تؤسس لدويلات داخل الدولة الواحدة، بدليل أن كل مجموعة مسلحةمن مئة الى ألف مقاتل صار لها مشروعها، وهي تعتبر نفسها مؤهلة لصنع المستقبل الليبي. وليس سراً ان فاتورة الدم كانت كبيرة جداً، وهذا يعني أنه لن يكون سهلاً طي صفحة الماضي بالسرعة التي يتصورها البعض، وأن العبور الى مرحلة جديدة وبناء دولة حديثة بمؤسسات قوية، مسألة تحتاج الى وقت، في حمى التجاذبات السياسية الحادة ونداءات الثأر المفتوحة على سفك المزيد من الدماء.
وأبرز الدلائل على حدة الخلافات المعلومات التي تتردد عن صدور «مذكرات توقيف» في حق عبد الحكيم بلحاج الذي قاد معركة طرابلس، والمعلومات الأخرى التي تتأكد يوماً بعد يوم عن «حرب الالغاء» التي يقودها علي محمد الصلابي عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ضد محمود جبريل رئيس المكتب التنفيذي في مجلس الانتقامي . ويمكن معاينة بعض مظاهر التشرذم والتمزق في عدد الأقنية الفضائية التي تتزاحم في المشهد الفوضوي الجديد، كما في عدد الاذاعات والصحف المكتوبة، والتي لا تتلاقى حتى الآن على أي مشروع واضح.
ومجلس الانتقامي نفسه يعاني من تفكك داخلي، وهو عبارة عن اتحاد بين بعض وجوه النظام السابق والاسلاميين الذين يعودون بقوة الى المشهد السياسي بدعم قطري مباشر. أما العقد الاجتماعي الجديد الذي يفترض أن تتم صياغته في مرحلة ما بعد القذافي، والذي ينحصر دوره الأساسي في تكريس المصالحة الوطنية، فليس ما يدل حتى الآن على أن الولادة قريبة. وهي إذا حانت فإنها تحتاج الى “قابلة” عسكرية، هي الـ”ميني ناتو” الآتية من “القطاع الخاص” بعد أن رفض القطاع العام، أي “مجلس الأمن” التمديد لـ”الناتو الرسمي”. وبذلك ستطلق يد التحالف الجديد، المتحرر من محظورات المجتمع الدولي وسلطة مجلس الأمن... لتتحول ليبيا الى ساحة مفتوحة لأطماع الكبار كأميركا وفرنسا وبريطانيا، ولغرائز الصغار كقطر.
المصدر :
مجلة الكفاح العربي
http://www.kifaharabi.com/ArticleDisplay.aspx?ArticleId=22674&ChannelId=3
«ميني ناتو» بقيادة «ميني دولة»
كتب: المحرر السياسي
المعادلة تبدو غير واقعية الى حد بعيد، لكن العارفين يقولون إن معركة ليبيا الحقيقية بدأت بعد رحيل معمر القذافي. معه كانت المعركة عسكرية خاضها حلف شمال الأطلسي في ظروف معروفة وانتهت الى ما انتهت إليه. لكن السقوط العسكري لا يسدل الستار على الأزمة الليبية. فمجلس الانتقامي يستشعر فشلاً مسبقاً في نزع السلاح من يد الثوار، الذين انتهوا من مرحلة الاتحاد ضد القذافي، ليبدأوا مرحلة الاختلاف حول السلطة. ولهذا حاول المجلس التمديد لمهمات “الناتو” الى آخر العام الحالي. وهو بطلبه هذا كان يعني، من غير أن يعلن، أنه بحاجة الى مساعدة دول الأطلسي لتثبيت الأمن والاستقرار في ليبيا. وبمعنى آخر، النزول الى الأرض وتولي نزع السلاح من “الثوار”.
عندما أبلغ بوشنه باستحالة تلبية طلبه، تراجع وأبلغ مجلس الأمن رغبة ليبيا بإنهاء مهمة الناتو في ليبيا، وهذا ما قررته الأمم المتحدة التي اعتبرت 31 تشرين الأول (اكتوبر) موعداً لانتهاء دوره في العملية الليبية.
لكن الغرب لن يترك ليبيا للمجهول وتضيع بذلك جهوده وتتحول الى خدمات مجانية، لهذا تم اختراع “ميني ناتو” ليكون بديلاً عن “الناتو” الكبير.
ومن هنا كان اللجوء مرة أخرى لقطر، التي استساغت لعب الأدوار المشبوهة في حرائق “الربيع العربي”. ففي الدوحة تم الاتفاق على تشكيل تحالف عسكري يضم احدى عشرة دولة بقيادة قطر، سمي بتحالف أصدقاء ليبيا. وهكذا ألحق بـ”ميني دولة” “ميني ناتو”. وقد قبلت دول كبرى وعظمى، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، أن تكون جنوداً تحت أمرة جنرالات آل ثاني.
لا شك في أن التدخل العسكري المباشر في ليبيا يحتاج الى تغطية عربية لا يقبل أن توفره دولة عربية غير قطر.
وسبق الإعلان عن الـ”ميني ناتو” اعتراف صريح بأن مئات الجنود القطريين شاركوا في العمليات العسكرية ضد القوات النظامية الليبية. وجاء هذا الاعتراف على لسان رئيس الأركان القطري اللواء الركن حمد بن علي العطية بقوله “كنا متواجدين بالمئات في كل منطقة”.
كل هذا يعني ان محنة ليبيا التي بدأت قبل ثمانية أشهر متواصلة، وأن النتائج الأولى لهذه المحنة بدأت في الظهور، ليس فقط في معالم الدمار والقتل والتشريد والضياع، وإنما أيضاً- بل أولاً- في اغتيال الدولة المدنية الديمقراطية التي وعد بها مجلس الانتقامي . خطاب بوشنه يوم 23 تشرين الأول (اكتوبر) كان بمثابة خيبة كبيرة وصدمة أكبر، خيبة لليبيين الذين كانوا يتوهمون أن الخيارات السياسية الكبري بعد التغيير تعود الى المجلس التأسيسي الذي يفترض به وحده أن يقرر مستقبل ليبيا من خلال استفتاء شعبي على دستور جديد، وصدمة للغرب كله الذي تطوعت أساطيله لقتال الزعيم الليبي الراحل، والذي اكتشف فجأة أن هناك من يريد أن ينصب نفسه وصياً على الليبيين باسم الشريعة الاسلامية، من خارج ارادة الليبيين جميعاً.
خطاب عبد الجليل كشف بصورة لم يتوقعها أحد موقع المتشددين الاسلاميين في ليبيا ما بعد القذافي، والبعد الحقيقي لما سمي «ثورة 17 فبراير»، وقد بدا وكأنه تهميش مقصود للتعددية الليبية وكل مكوّنات المجتمع الليبي المقاتلة وغير المقاتلة، وهو يعني، في جملة ما يعني ان رئيس مجلس الانتقامي لا يملك أي مشروع سياسي، وكل ما يملكه أنه «يقود» جيشاً من 73 كتيبة مقاتلة، لا يطيع أوامره، ولا يخضع لأي قيادة مركزية، ما يعني ان ليبيا ما بعد القذافي مجموعات متفرقة قابلة للتفجير في أي لحظة، وأن توحيدها في غياب السلوك الديمقراطي مهمة مستحيلة لأن الفئوية والقبلية والمناطقية فيها أقوى من أي قوة أخرى. مصراتة، مثلاً، تطالب بحصتها في الدولة الجديدة بعدما عانت ما عانته طوال أشهر التمرد، وبنغازي تعتبر نفسها قوة التغيير الحقيقية، وأهل الزنتان وجبل نفوسة من البربر، الذين لعبوا دورا كبيراً في دخول طرابلس، يبحثون عن الغنائم، والاسلاميون يتربصّون بالليبراليين واليساريين والديمقراطيين جميعاً، ولا يخضعون إلا لقياداتهم، وكل هذا يعني أن وحدة ليبيا باتت في مهب الريح، وأن الأخطار القادمة أكثر فظاعة من المآسي الأخيرة.
ولعل الخطر الأكبر يتمثل في آلاف المسلحين المنتشرين في كل أنحاء البلاد، وهم عقبة حقيقية في وجه قيام المؤسسات الجديدة ولا يجمعهم أي مشروع سياسي واضح، كما أنهم لا يصغون إلا لأوامر القادة الدينيين، الذين يتنافسون على السلطة. إنها القبائل في مواجهة القبائل، والمدن والمناطق في مواجهة المدن الأخرى والمناطق الأخرى، وسط تباعد الرؤى، هذا إذا وجدت. واذا كان القذافي في حياته قد جمع بين كل هذه الأضداد، فقد تبين بعد وفاته أن كل الصراعات خرجت الى السطح، وأن المرحلة الانتقالية مفتوحة على مفاجآت دراماتيكية من الحجم الكبير، ومجرّد ضمان أربع نساء لكل ليبي لن يحل المشكلة.
مرة أخرى، كل هذا يعني ببساطة أن اغتيال معمر القذافي وضع نهاية مرحلية لحقبة واضحة المعالم، بكل انجازاتها وتطلعاتها وثوابتها التاريخية، وفتح الأبواب أمام حقبة جديدة بالغة التعقيد، مليئة بالتناقضات الصغيرة والكبيرة. واعتراض التيار الاسلامي المتشدد بزعامة علي الصلابي وونيس المبروك وبقوة على تولي محمود جبريل رئاسة الحكومة الانتقالية، يعني ان الاسلاميين المتشددين صادروا مسبقاً المرحلة المقبلة لحسابهم ولن يسلّموا السلاح الا اذا تولوا هم انفسهم قيادة المرحلة، وقيام الدولة المدنية الديمقراطية في هذه الحال مجرّد وهم كبير.
وفي تقدير العارفين أن خطاب بوشنه الذي حاول أن يرسم ملامح ليبيا ما بعد التمرد، أساء الى فئات واسعة من الليبيين، بمن فيهم النساء والتنظيمات المدنية والسياسية التي لا تشاركه رؤيته، وكأن المقصود طمأنة التيار الاسلامي المتشدد على حساب كل التيارات الأخرى، وعلى حساب التركيبة القبلية والمناطقية والتعددية المدنية. وهناك من يؤكد ان مجلس الانتقامي خسر بهذا الخطاب عطف قطاعات عريضة من المجتمع الليبي كما من المجتمع الدولي الذي رأى في طروحاته خروجاً على الآليات الديمقراطية وحتى التشاورية، ومقاييس التوافق الأهلي بين شرائح الوطن الواحد.
و«الشيك الأبيض» الذي وقعه الليبيون المشاركون في التغيير للمجلس الانتقالي سقط بعد رحيل القذافي الى غير رجعة، و«الشيك» الآخر الذي وقعه حلف شمال الأطلسي سقط بدوره، والدليل أن الحلف بات ينظر الى مطالبة المجلس بتمديد مهمته الى ما بعد 31 تشرين الأول (اكتوبر) نظرة ارتياب، علماً أنه كان يتعامل مع المجلس من دون حساب طوال الأشهر السبعة الأخيرة. وأمام مجلس الانتقامي بعد تشكيل الحكومة الانتقالية الجديدة مجموعة تحديات تختصر في بناء الدولة الجديدة، وهي مهمة بالغة الصعوبة في غياب أي توافق داخلي. نتوقف عند الأولويات:
- إنه مطالب أولاً بإعادة تنظيم المجالس المحلية التي يتشكل منها، وسط بلبلة قبلية مناطقية فكرية هائلة، وتشكيك في النيات ناتج عن ضعف التواصل بين بنغازي ومجالس المناطق طوال فترة القتال. واذا كانت صناديق الاقتراع هي الكفيلة بحسم هذه المسألة لجهة تحديد حجم كل مجلس في التركيبة السياسية الجديدة، فإن المساحة الزمنية الفاصلة بين رحيل القذافي وهذه الصناديق، يمكن أن تحتسب بكل أشكال الغموض والفوضى، هذا إذا لم تؤد التناحرات الداخلية الى مشروع حرب أهلية. واذا كانت الخلافات في المواقف والمنطلقات والأهداف قد بقيت حتى الآن «تحت السيطرة»، فإن أحداً لم يحص عدد الجرائم التي ارتكبت في طرابلس وسرت، وآخرها جريمة قتل القذافي ونجله، بسبب الصراع على النفوذ وتعدد التوجهات تحت مظلة مجلس الانتقامي ، علماً أن الجميع في ليبيا ما بعد القذافي خائف من الجميع، وبصورة خاصة من المجموعات السياسية العقائدية التي تحولت الى ميليشيات مسلحة، وهي نقيض الدولة المدنية التي ينضبط تحت دستورها وقوانينها الجميع.
وفي غياب الانضباط، كما في غياب الدولة المركزية وغياب المشروع السياسي الواحد، كل شيء يدل على أن المرحلة الانتقالية تؤسس لدويلات داخل الدولة الواحدة، بدليل أن كل مجموعة مسلحةمن مئة الى ألف مقاتل صار لها مشروعها، وهي تعتبر نفسها مؤهلة لصنع المستقبل الليبي. وليس سراً ان فاتورة الدم كانت كبيرة جداً، وهذا يعني أنه لن يكون سهلاً طي صفحة الماضي بالسرعة التي يتصورها البعض، وأن العبور الى مرحلة جديدة وبناء دولة حديثة بمؤسسات قوية، مسألة تحتاج الى وقت، في حمى التجاذبات السياسية الحادة ونداءات الثأر المفتوحة على سفك المزيد من الدماء.
وأبرز الدلائل على حدة الخلافات المعلومات التي تتردد عن صدور «مذكرات توقيف» في حق عبد الحكيم بلحاج الذي قاد معركة طرابلس، والمعلومات الأخرى التي تتأكد يوماً بعد يوم عن «حرب الالغاء» التي يقودها علي محمد الصلابي عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ضد محمود جبريل رئيس المكتب التنفيذي في مجلس الانتقامي . ويمكن معاينة بعض مظاهر التشرذم والتمزق في عدد الأقنية الفضائية التي تتزاحم في المشهد الفوضوي الجديد، كما في عدد الاذاعات والصحف المكتوبة، والتي لا تتلاقى حتى الآن على أي مشروع واضح.
ومجلس الانتقامي نفسه يعاني من تفكك داخلي، وهو عبارة عن اتحاد بين بعض وجوه النظام السابق والاسلاميين الذين يعودون بقوة الى المشهد السياسي بدعم قطري مباشر. أما العقد الاجتماعي الجديد الذي يفترض أن تتم صياغته في مرحلة ما بعد القذافي، والذي ينحصر دوره الأساسي في تكريس المصالحة الوطنية، فليس ما يدل حتى الآن على أن الولادة قريبة. وهي إذا حانت فإنها تحتاج الى “قابلة” عسكرية، هي الـ”ميني ناتو” الآتية من “القطاع الخاص” بعد أن رفض القطاع العام، أي “مجلس الأمن” التمديد لـ”الناتو الرسمي”. وبذلك ستطلق يد التحالف الجديد، المتحرر من محظورات المجتمع الدولي وسلطة مجلس الأمن... لتتحول ليبيا الى ساحة مفتوحة لأطماع الكبار كأميركا وفرنسا وبريطانيا، ولغرائز الصغار كقطر.
المصدر :
مجلة الكفاح العربي
http://www.kifaharabi.com/ArticleDisplay.aspx?ArticleId=22674&ChannelId=3
بوبكرالزوي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 316
نقاط : 10592
تاريخ التسجيل : 28/04/2011
. :
. :
رد: ناتو صغير بقيادة دويلة صغيرة ؟؟؟
ما بني على باطل فهو باطل
hbelhedi-
- الجنس :
عدد المساهمات : 3844
نقاط : 13672
تاريخ التسجيل : 17/09/2011
رد: ناتو صغير بقيادة دويلة صغيرة ؟؟؟
والله عندكم الحق مابني على باطل فهو باطل
بنت الرجال-
- الجنس :
عدد المساهمات : 180
نقاط : 9838
تاريخ التسجيل : 19/09/2011
رد: ناتو صغير بقيادة دويلة صغيرة ؟؟؟
والله عندكم الحق مابني على باطل فهو باطل وهو بعون الله لا محالة زائل ونسأل الله أن نكون السبب في إزالته قبل أن يوافينا الأجل
Zico-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10514
نقاط : 20927
تاريخ التسجيل : 28/05/2011
. :
. :
مواضيع مماثلة
» صورة حصرية لصفحة أيه عرب تبين طائرات الأباتشي لمساندة الجرذان في مدينة سبها يا ناتو يا ناتو
» لست صغيرة ولا كبيرة
» قمة صغيرة يقودها صغار
» مقاتلة خضراء صغيرة
» طحلوبة صغيرة تحييكم
» لست صغيرة ولا كبيرة
» قمة صغيرة يقودها صغار
» مقاتلة خضراء صغيرة
» طحلوبة صغيرة تحييكم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 20:46 من طرف علي عبد الله البسامي
» ترياق الهَذَر
السبت 9 نوفمبر - 0:32 من طرف علي عبد الله البسامي
» تحية لفرسان لبنان
الجمعة 1 نوفمبر - 23:43 من طرف علي عبد الله البسامي
» أشجان عربية
الجمعة 25 أكتوبر - 22:54 من طرف علي عبد الله البسامي
» فلنحم وجودنا
الإثنين 21 أكتوبر - 22:13 من طرف علي عبد الله البسامي
» وداع الأبطال
الأحد 20 أكتوبر - 10:19 من طرف علي عبد الله البسامي
» بين الدين والاخلاق
الجمعة 18 أكتوبر - 10:36 من طرف علي عبد الله البسامي
» حول مفهوم الحضارة
الجمعة 18 أكتوبر - 10:33 من طرف علي عبد الله البسامي
» فيم تكمن قيمة الانسان ؟؟؟
الجمعة 18 أكتوبر - 10:30 من طرف علي عبد الله البسامي
» حزب المجد
الخميس 17 أكتوبر - 23:24 من طرف علي عبد الله البسامي
» نداء الإقدام
السبت 12 أكتوبر - 13:59 من طرف علي عبد الله البسامي
» نداء الى امّتنا
الخميس 10 أكتوبر - 16:49 من طرف علي عبد الله البسامي
» حقيقة الثقافة
الجمعة 20 سبتمبر - 14:56 من طرف علي عبد الله البسامي
» وجعٌ على وجع
الإثنين 16 سبتمبر - 17:28 من طرف علي عبد الله البسامي
» تعاظمت الجراح
الأحد 15 سبتمبر - 17:57 من طرف علي عبد الله البسامي
» بجلوا الابطال
الجمعة 13 سبتمبر - 17:37 من طرف علي عبد الله البسامي
» موقف عز وشرف
الثلاثاء 20 أغسطس - 0:19 من طرف علي عبد الله البسامي
» نداء الوفاق
الخميس 8 أغسطس - 18:27 من طرف علي عبد الله البسامي
» رثاء الشهيد اسماعيل هنية
الأربعاء 31 يوليو - 18:37 من طرف علي عبد الله البسامي
» هدهد الجنوب
الجمعة 26 يوليو - 20:41 من طرف علي عبد الله البسامي