في ذكرى العدوان الثلاثي على مصر : أوجه شبه بين الأمس واليوم
صفحة 1 من اصل 1
في ذكرى العدوان الثلاثي على مصر : أوجه شبه بين الأمس واليوم
معن بشور
لم يكن يوم 29 تشرين أول/أكتوبر 1956 يوماً عادياً من أيام مصر وفلسطين والأمة ولا حتى من أيام العالم، بل كان، مع الأيام التي تلته، من تلك اللحظات التي تختزن سنوات وعقوداً من التراكمات لتنفجر تحولاً نوعياً تاريخياً. افتتح العدوان الثلاثي، الفرنسي البريطاني الإسرائيلي، حقبة جديدة في تاريخ المنطقة والعالم، لأنه كشف عمق المأزق البنيوي العميق الذي تعيشه الإمبراطوريتان الاستعماريتان القديمتان، بريطانيا العظمى وفرنسا، واللتان كانتا ترفضان الاعتراف بوجود هذا المأزق أصلاً، بل تعتقدان إنهما في حربهما المشتركة مع تل أبيب ضد مصر قادرتان على استعادة هيبة مرتبكة، ونفوذ متصدع. لذلك لم يكن غريباً أن يقرأ المؤرخون والمحللون في الهزيمة السياسية لهذا العدوان، رغم فارق القوة العسكرية الكبير بين دول العدوان ومصر، نهاية لما كان يسمى بمرحلة "الاستعمار القديم" والذي سارع الرئيس الأمريكي إيزنهاور على أثره إلى إطلاق مشروعه الشهير، مشروع إيزنهاور، لملء الفراغ الناجم عن هزيمة حليفيه الأطلسيين أمام الصمود المصري الرائع بقيادة عبد الناصر والتضامن الشعبي العربي بقيادة حركة التحرر القومي العربية التي شهدت مدّها التاريخي آنذاك. ولم يكن يوم العدوان الثلاثي على مصر كذلك مجرد يوم عادي في فلسطين، فقد استغّل الصهاينة كعادتهم انشغال العالم بما يجري من حرب عالمية ضد مصر، لينفذوا مجزرة دموية مرعبة في 29 تشرين أول/أكتوبر في قرية كفر قاسم في فلسطين المحتلة عام 1948، وليقتلوا بالدم البارد 45 شهيداً من أبنائها، الذين لم تساو أرواحهم جميعاً بنظر المحكمة الصهيونية سوى "شيكل" واحد حكمت به كغرامة على الضابط المرتكب مع جنوده تلك الجريمة التي أرادها الصهاينة لترويع فلسطيني المثلث ودفعهم إلى الهروب باتجاه الأردن ولبنان وإخلاء فلسطين 48 من سكانها الأصليين. ولولا تلك المذكرة الهامة التي قدمها المناضل الراحل توفيق طوبي، وعضو الكنيست عن الحزب الشيوعي الفلسطيني، إلى كل السفارات والحكومات، لكان جرى طمس تلك المجزرة الإرهابية بما يفسح المجال لارتكاب مثيلات لها، كما رأينا فيما بعد في صبرا وشاتيلا، وقانا، وبحر البقر، حيث تجسدت فلسفة الإرهاب الصهيوني بأجلى تعابيرها. على الرغم من أن ذلك العدوان كان حرب جيوش كبرى ضد مصر، إلا أن جمال عبد الناصر ورفاقه في القيادة المصرية أدرك إن ما سيقلص فارق القوة تلك يكمن في إطلاق المقاومة الشعبية المسلحة على امتداد مصر، ففتح خزائن السلاح للشعب المصري دون أي اعتبار للانتماء العقائدي أو السياسي أو الجهوي، وكانت معركة بور سعيد الخالدة، وتحوّلت مصر من جديد مقبرة للغزاة، وبعد الانتصار أعاد المواطنون المصريون، على نحو مذهل، السلاح الذي تسلّموه من الدولة بشكل كامل، كما أشار السيد سامي شرف السكرتير الخاص للرئيس عبد الناصر لشؤون المعلومات. في ذلك العدوان أيضاً، أتضح للعالم أجمع كيف يمكن لصمود شعب وشجاعة قيادة، أن يفرضا حقائق ميدانية على المعادلة الإقليمية والدولية ذاتها، فها هو إيزنهاور "يتنصل" بعد أيام من حلفاء حكومته في لندن وباريس وتل أبيب، ويقول " انه لم يكن موفقاً على الحرب منذ البداية"، وها هو صوت موسكو يتصاعد مع الوقت، بعد ان خفت لعدة أيام بسبب هجوم مضاد عليها في المجر، ليتحول إلى "إنذار" بولغانين الشهير الذي يمكن وصفه بإعلان البدء الفعلي للحرب الباردة في نظام ثنائي القطبية بعد انكفاء بريطانيا وفرنسا، وعدم استكمال الصحوة الصينية. لم يكن صعباً في مواجهة العدوان، أن ترى بلداً كسوريا انخرط بشعبه وجيشه في مقاومة العدوان، فكان تفجير أنابيب شركة نفط العراق (الآي بي سي) البريطانية، من كركوك إلى مصفاة بانياس، رسالة إلى الغرب بأسره عن سلاح يمتلكه العرب وهو سلاح النفط، كما كانت عملية الضابط البحار السوري ابن اللاذقية جول جمال الاستشهادية بداية عصر الاستشهاديين العرب، وتأكيدا على أن معركة مصر هي معركة الأمة بكل مكوناتها، وامتداداً لموقف رجال كفارس الخوري في وجه الانتداب الفرنسي. ولعلها من المفارقات التاريخية الكبرى المرتبطة بذلك العدوان هي كيف أن الصهاينة عام 1956 قد احتلوا كامل سيناء، ووصلوا إلى الممرات بعد ساعات من العدوان، ومع ذلك فقد هزموا سياسياً على يد قيادة مصر وجيشها وشعبها فيما نجح المصريون عام 1973 في إخراجهم من شرق قناة السويس حتى الممرات وخلال ساعات أيضاً، ومع ذلك فقد انتصر العدو سياسياً بسبب تراجع غير مبرر للقيادة السياسية المصرية آنذاك، وتصديقها لوعود كيسنجر الكاذبة آنذاك. إن استعادة تلك الأيام المجيدة من تاريخ مصر والأمة ليس مجرد حنين إلى مرحلة مشرقة من حياتنا فحسب، بل هي دعوة لقراءة ما هو مشترك بين تلك المرحلة وبين المرحلة التي نعيشها اليوم. فرغم مرارة ما يحيط بنا، وتخاذل حكومات وحركات في تحمل مسؤولياتها، فان بين ظروف 1956 وظروف اليوم أكثر من مشترك. أول أوجه الشبه أن حرب 1956 أعلنت سقوط مرحلة الاستعمار القديم وإعادة صياغة العلاقات الدولية، فيما عام 2012 يشهد تراجع الاستعمار (الأمريكي) الجديد كما يشهد إعادة صياغة العلاقات الدولية. عام 1956، أدرك العالم أهمية هذه المنطقة، ومصر في القلب منها، كونها ارض التحولات الإستراتيجية الإقليمية والعالمية وصانعتها في آن، فيما يدرك العالم اليوم أهمية هذه المنطقة أيضاً عبر رسم ملامح عالم جديد رغم كل محاولات الإطباق عليها وعلى ما نشهده من تحولات. عام 1956، كان العدو على مصر يبدأ عبر العدوان على غزة، التي اعتبرها جمال عبد الناصر، خط الدفاع الأول عن الأمن القومي المصري، واليوم يبقى العدوان على غزة إنذارا إسرائيليا مستمراً بحق الأمن القومي العربي على مصر والأمة العربية، وهو إنذار يشمل أيضاً جبهة تحيط بأرض الكنانة من الخرطوم إلى غزة وصولاً إلى لبنان وسوريا والأردن. عام 1956 ترافق العدوان على مصر بمجزرة كفر قاسم وفي أعوامنا هذا يترافق العدوان على أمتنا من العراق إلى لبنان إلى فلسطين بسلسلة من المجازر لم تكن مجزرة كفر قاسم سوى مقدمة أولية لها. إن ذاكرة الأمم منارة لها، فيما فقدان الذاكرة يبقينا في الظلمات، وأي ظلمات. لذلك تبقى أحداث كحرب 1956 منسية في ذاكرتنا، ومجازر كمجزرة كفر قاسم مطموسة في وعينا، كي لا تبقى لنا ذاكرة فلا تبقى لنا حوافز على المواجهة والصمود، ومجالات لامتلاك الخبرة والتجربة. الحرب على ذاكرتنا هي أخطر الحروب التي نعيشها، ويبقى حفاظ الأمم على ذاكرتها قوة مضافة لها لشق الطريق نحو المستقبل.
المصدر : شبكة البصرة
مصرى عروبى-
- الجنس :
عدد المساهمات : 595
نقاط : 10469
تاريخ التسجيل : 22/07/2011
رد: في ذكرى العدوان الثلاثي على مصر : أوجه شبه بين الأمس واليوم
اللهم المستعان على ما ابتلينا يه من حكام خونة متامرون على الامة العربية وكرامتها
ونسال الله الرحمة والمغفرة وجنات الفردوس لقادتنا وشهدائنا الشرفاء الذين لم يفرطوا بشبرا من اراضينا الطاهرة
ونسال الله الرحمة والمغفرة وجنات الفردوس لقادتنا وشهدائنا الشرفاء الذين لم يفرطوا بشبرا من اراضينا الطاهرة
????- زائر
مواضيع مماثلة
» بين الأمس واليوم
» وطنى ... بين الأمس واليوم
» بنغازي بين الأمس واليوم
» بين الأمس واليوم...الصوره تتكلم
» ليبيا الأمس واليوم والغد
» وطنى ... بين الأمس واليوم
» بنغازي بين الأمس واليوم
» بين الأمس واليوم...الصوره تتكلم
» ليبيا الأمس واليوم والغد
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت 9 نوفمبر - 0:32 من طرف علي عبد الله البسامي
» تحية لفرسان لبنان
الجمعة 1 نوفمبر - 23:43 من طرف علي عبد الله البسامي
» أشجان عربية
الجمعة 25 أكتوبر - 22:54 من طرف علي عبد الله البسامي
» فلنحم وجودنا
الإثنين 21 أكتوبر - 22:13 من طرف علي عبد الله البسامي
» وداع الأبطال
الأحد 20 أكتوبر - 10:19 من طرف علي عبد الله البسامي
» بين الدين والاخلاق
الجمعة 18 أكتوبر - 10:36 من طرف علي عبد الله البسامي
» حول مفهوم الحضارة
الجمعة 18 أكتوبر - 10:33 من طرف علي عبد الله البسامي
» فيم تكمن قيمة الانسان ؟؟؟
الجمعة 18 أكتوبر - 10:30 من طرف علي عبد الله البسامي
» حزب المجد
الخميس 17 أكتوبر - 23:24 من طرف علي عبد الله البسامي
» نداء الإقدام
السبت 12 أكتوبر - 13:59 من طرف علي عبد الله البسامي
» نداء الى امّتنا
الخميس 10 أكتوبر - 16:49 من طرف علي عبد الله البسامي
» حقيقة الثقافة
الجمعة 20 سبتمبر - 14:56 من طرف علي عبد الله البسامي
» وجعٌ على وجع
الإثنين 16 سبتمبر - 17:28 من طرف علي عبد الله البسامي
» تعاظمت الجراح
الأحد 15 سبتمبر - 17:57 من طرف علي عبد الله البسامي
» بجلوا الابطال
الجمعة 13 سبتمبر - 17:37 من طرف علي عبد الله البسامي
» موقف عز وشرف
الثلاثاء 20 أغسطس - 0:19 من طرف علي عبد الله البسامي
» نداء الوفاق
الخميس 8 أغسطس - 18:27 من طرف علي عبد الله البسامي
» رثاء الشهيد اسماعيل هنية
الأربعاء 31 يوليو - 18:37 من طرف علي عبد الله البسامي
» هدهد الجنوب
الجمعة 26 يوليو - 20:41 من طرف علي عبد الله البسامي
» حماة العفن
الأربعاء 17 يوليو - 16:53 من طرف علي عبد الله البسامي