الهجمة الاعلامية لشيطنة القذافي في الإعلام - مقال : للكاتب / سعيد بن عبدالله الداروي ـ كاتب وباحث ـ ظفار ـ من سلطنة عمان .

شيطنة القذافي في الإعلام
--------------------------------
مقال : للكاتب / سعيد بن عبدالله الداروي ـ كاتب وباحث ـ ظفار ـ من سلطنة عمان .


مسخ متوحش ليس لديه شيء من مشاعر الرحمة والشفقة والندم، لا يؤمن بالعفو
والتسامح، وعندما يوغل في الدماء لا يعرف التراجع، سادي، قاسي، بلا قلب،
يتلذذ بالشر، وينشط عندما يرى ألسنة النيران تأتي على الأخضر واليابس،
وعندما يتوسع في التدمير والهدم لا يتقبل النصح، مخلوق لا يشبع من لحوم
البشر ولا يرتوي من دمائهم، ولا يدفأ إلا إذا لبس جلودهم، ولا يطرب إلا إذا
سمع بكاءهم ونحيبهم، ولا ينصت إلا إلى أفكاره المريضة، ولا يأنس إلا مع
نفسه المضطربة، كائن غامض وخطير ... هذا الوصف ليس وصفاً لذلك "المخلوق
الفضائي" في الفيلم الأمريكي الشهير "إليَْن" بطولة الممثلة سيجوني ويفر،
وليس هو كائنا من كائنات أفلام الرعب والخيال العلمي، إنّ هذا الكائن
المكتمل شراً ليس سوى الزعيم العربي "معمر محمد عبد السلام أبو منيار
القذافي" كما صورته لنا أدوات الإعلام منذ اندلاع الحرب بليبيا في العام
الماضي .
عندما بدأت أحداث الأزمة الليبية في فبراير عام 2011 ميلادياً
وأرّخ لها باليوم السابع عشر من شهر فبراير، اشتغلت الآلة الجهنمية
للإعلام في شيطنة النظام الليبي والقذافي معاً من أجل إسقاطهما، وكان ـ كما
هو معلوم ـ أن تضافرت الجهود الدبلوماسية والسياسية والعسكرية والمالية مع
الجهد الإعلامي لهذا الهدف المخطط له مسبقاً وهو القضاء على الزعيم الليبي
ونظامه قضاءً نهائياً.
كان قناتا الجزيرة والعربية هما رأس الحربة
وفقاً للقنوات الفضائية في شيطنة الزعيم الليبي، فصار المشاهد يصبح ويمسي
أمام شاشتي هاتين القناتين الخليجيتين وهو لا يرى ولا يسمع وجهة النظر
الليبية الرسمية إلا فيما ندر في جميع ما تبثه، أمّا المحايدون فلا وجود
لهم على خريطة برامج هذي القنوات.
لقد ظهر القذافي ـ في مئات وسائل
الإعلام حول العالم التي معظمها يمتلكها اليهود ـ بأنه ليس مكروهاً من
الشعب الليبي فقط، بل من كل شعوب الأرض، وظهر فيها شيطانا رجيماً في هيئة
آدمية. وصار ممنوعاً ذكر الحقائق التالية عن القذافي وهي أن ثورة الفاتح
التي قادها في بلاده على النظام الملكي عام 1969ميلادياً، كانت ثورة بيضاء
لم تزهق فيها روح ولم يُسفك فيها دم أحد، حتى الملك إدريس نفسه لم يعدم ولم
يسجن، ولم يعذب، وصار ممنوعاً أن يذكر أن القذافي منع الخمر والدعارة
والمراقص والعلب الليلية في بلاده، ومنع الربا في البنوك، وطرد من أرض
ليبيا ثاني أكبر قاعدة أمريكية في العالم من ناحية الحجم وهي قادة "ويلز"
التي حوّل اسمها معمر القذافي إلى قاعدة عقبة بن نافع، وطرد خمس قواعد
بريطانية ووجود عسكري فرنسي، و25 ألف إيطالي كانوا متحكمين بخيرات ليبيا،
فانتزع الأراضي والمزراع منهم وملكها لليبيين، وأزاح مساكن الصفيح التي
كانت في عهد الملكية وبنى للمواطنين مساكن تليق بهم، ومن ضمن ما انتزعه
منهم أكبر مزرعة للبرتقال في ليبيا وكانت في مدينة الزاوية ولقد ملكها بعد
انتزاعها لليبيين الذين كانوا يعملون بها، وصار ممنوعاً أن يُذكر أنه أجبر
إيطاليا على الاعتذار رسمياً وعلناً لليبيا ودفع تعويضات مالية عن سنوات
احتلالها للأرض الليبية، وأنه جعل التعليم في الداخل والخارج مجاناً
لليبيين، وشجع التعليم والعلم فصار 88% من الشعب الليبي متعلماً، وجعل
العلاج مجانا للمواطن داخل ليبيا وخارجها، وأنه قام بتمويل إنتاج فيلم عمر
المختار الذي يعد بحق أفضل الأفلام العربية، وأيضاً فيلم الرسالة الذي
بسببه أسلم 30 ألف أمريكي، وصار ممنوعاً في الإعلام ذكر أن القذافي أنشأ
جمعية الدعوة الإسلامية العالمية في العاصمة طرابلس بمطلع سبعينيات القرن
الماضي وهي ذات نشاط عظيم في مجال الدعوة الإسلامية بمختلف مناطق العالم
خاصة أفريقيا وجنوب آسيا، وافتتحت الجمعية مكاتب عديدة لها، وصار لها عدد
من وسائل الإعلام، منها قناة التواصل التي تقوم ببث العديد من البرامج
الدينية والتثقيفية، وصحيفة الدعوة الإسلامية التي تصدر بخمس لغات، وهي
العربية والانجليزية أسبوعيا، والفرنسية والإسبانية والهوسا شهريًا، وبسبب
أنشطتها اعتنق الملايين من الناس الإسلام في شتى بقاع المعمورة، وصار
ممنوعاً أن يذكر الإعلام للناس أن القذافي بنى الكثير من المساجد في
إفريقية حتى لا تكاد مدينة في هذه القارة إلا وبها مسجد بني من ميزانية
الدولة الليبية، وقام القذافي بطباعة ملايين النسخ من القرآن الكريم تم
توزيعها بأنحاء العالم الإسلامي، ولهذا كله قال العلامة حمدا ولد التاه
رئيس رابطة العلماء الموريتانيين: " إن القذافي رجل عظيم دخل المسيحيون علي
يده الإسلام واستطاع زرع التقارب بين العرب والأفارقة " .
أمّا فلسطين
فماذا فعل لها هذا الزعيم الذي اتهم بأنه من أصول يهودية ضمن الحملة
الهوجاء التي قامت بتشويهه تمهيداً لإسقاطه ؟ لقد وقف القذافي في المحافل
الدولية سياسياً ودبلوماسياً لصالح كفاح الشعب الفلسطيني، ولقد أعطى جميع
فصائل منظمة التحرير الفلسطينية من دون استثناء مساعدات مالية ولسنوات
طويلة، وكذلك أعطى شخصيات فلسطينية مستقلة ومنظمات شعبية مساعدات مالية ،
بل إن ما حصلت علية حركة فتح لوحدها من دعم مالي من القذافي قد تجاوز
ملياري دولار أمريكي وذلك على أقل تقدير، ولقد قام القذافي بفتح مكتب تمثيل
لمنظمة التحرير الفلسطينية في طرابلس، ومكاتب أخرى في خمس مدن ليبية، ثم
فتح ثلاث معسكرات لحركة فتح على تراب ليبيا، في طرابلس، وفي العقورية شرق
بنغازي بـحوالي 70 كم، أمّا الثالث فهو معسكر لبحرية فتح في رأس الهلال،
وكانت متطلبات تلك المعسكرات من رواتب وبناء وماء وكهرباء وطعام وتجهيزات
وسلاح وآليات ووسائل اتصالات كلها على حساب الدولة الليبية، في بداية
السبعينات من القرن الماضي، أمر العقيد معمر القذافي بفتح معسكر تدريب
مستجدين يتسع لخمسين ألف متطوع، أنجز المعسكر بالقرب من مدينة المرج، بعد
أنجاز المعسكر أوعز العقيد القذافي لكل السفارات الليبية أن تسجل أسماء
الشباب العربي الراغب بالتطوع تحت شعار ( فدائيٌ لصالح فلسطين ) وصلت أعداد
المتطوعين إلى (14.000) متطوع، طلب القذافي شخصياً من الزعيم ياسر عرفات
أن يرسل مدربين فلسطينيين للمعسكر المذكور لتدريب تلك المجاميع الشبابية،
لكي يتم إرسالهم لساحات الجهاد إلى جانب ثوار فلسطين في جبهات القتال،
فأرسل عرفات لهذا الغرض 60 مدرباً. في نهاية العام 1971ميلادياً أرسلت
ليبيا إلى حركة فتح عبر مطار دمشق الدولي كتيبة عسكرية نظامية من مغاوير
الجيش الليبي، أسمها كتيبة الشهيد عمر المختار، قاتلت الكتيبة العدو
الصهيوني في الكثير من المواقع الساخنة، ونفذت الكثير من العمليات العسكرية
على التراب الفلسطيني خلف خطوط العدو الصهيوني.
أمّا المعدات
العسكرية التي حصلت عليها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية مجاناً من ليبيا
فقد فاقت كل التوقعات من حيث كميتها ونوعيتها، فتم إعطاؤها أعداداً كبيرة
من مدافع الميدان المجرورة ومدافع الهاون مختلفة الفوهات والمسافات،
وقاذفات صواريخ جراد الفردية، وكم كبير من المقذوفات المختلفة والبنادق
والرشاشات والمدفعية المضادة للدبابات، وأجهزة ألاسلكي والخيام وأجهزة
الرؤية الليلية، بالإضافة إلى صواريخ مضادة للطائرات من طراز سام 7 المعدل،
وصواريخ مولتكا وميلان المضادة للدبابات، كما قام الزعيم الليبي بدفع
فاتورة الدبابات الروسية من طراز تي 34 التي اشترتها حركة فتح من رومانيا،
هذه مقتطافت ذكرناها لكم على عجالة، فما فعله القذافي لليبيا ولفلسطين
وغيرهما أكثر وأكبر من أن تختزله مقالة مقتضبة مثل هذه، إن سياسة شيطنة
القائد العربي غير المرغوب به أمريكياً عن طريق دعاية الحرب يتم استخدامها
مرة أخرى، ولكن هذه المرة تستهدف الرئيس السوري بشار الأسد ... فها نحن نرى
نفس الإعلام ونفس الحكومات المشاركة في العدوان على الجماهيرية تهاجم
سوريا، ولنفس الغاية وهي إسقاط رأس الهرم لتسقط بسقوطه الدولة كاملة،
وهانحن في الحالة السورية أمام نفس الادعاءات الكاذبة التي قيلت عن الحكومة
الليبية من قتل المدنيين واغتصاب النساء والاستعانة بالمرتزقة التي لم
يستطع أحد أن يثبتها بدليل موثق على يد لجنة تقصي حقائق واحدة، لا في ليبيا
ـ حتى بعد سقوط النظام ـ ولا في سوريا منذ اندلاع الأزمة وإلى هذه الساعة.


سعيد بن عبدالله الداروي ـ كاتب وباحث ـ ظفار ـ من سلطنة عمان

نشر المقال يوم الخميس 8/11/2012م بصحيفة "الرؤية" العمانية