ورد ذكره في القرآن
منتديات زنقتنا-منتديات شباب ليبيا الأحرار :: المنتديات الإسلامية :: منتدي القرآن الكريم والسنة النبوية
صفحة 1 من اصل 3
صفحة 1 من اصل 3 • 1, 2, 3
ورد ذكره في القرآن
المواضيع
الطير الأبابيل هزمت أصحاب الفيل
مراحل خَلق الإنسان من النطفة إلى النشأة
«المَسَد»..حبل امرأة أبي لهب في النار
الطيور.. تسبّح الله وتنفعُ الناس
البيت الحرام.. أول مسجد في الأرض
وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ
«القطمير» و«الفتيل» و«النقير» أجزاء من نواة التمر
دابة الأرض
"المائدة".. رزق الحواريين ومعجزة عيسى
الشر «الوسواس».. والشيطان «الخناس»
الحوت.. ورد في ثلاث قصص قرآنية
كونوا قردة خاسئين
ذكر القرآن الكريم كثيراً من الحيوانات، بيّن منافعها ومقاصدها والحكمة من خلقها، وضرب الأمثال بها، ومنها القرد الذي يشتهر
الفرق بين الحجرات والغُرف
الحجرات جمع حُجرة، بضم الحاء وسكون الجيم، وهي البقعة المحجورة، أي التي منعت من أن يستعملها غير حاجرها، وبها سميت سورة
جراد منتشر
ورد ذكر الجراد في القرآن الكريم في موضعين الأول ورد ذكره فيه كجندي من جنود الله تعالى، أرسله الله على العصاة من عباده
"الماء" في القرآن.. بحور المعاني والدلالات
هو الماء.. نواة وجود الكائنات ومصدر إمداد البشرية بالبقاء، من أعظم النعم التي قد لا يبالي الناس بها لإلفهم لها
"والعصر".. قسم له مدلولات عظيمة
أقسم الله تبارك وتعالى، في كتابه، بالعصر، الذي هو الزمان، وسمى به سورة من سور القرآن، وذلك: لأن الزمان تقع فيه حركات
الفيل.. يرفض هدم الكعبة
باسم الفيل نزلت سورة من القرآن الكريم سجَّل الله فيها أروع تسجيل في أوجز عبارة وأوضح أسلوب، قصة الفيل الذي خرج به
كالفراش المبثوث
لم يرد ذكر الفراش في القرآن الكريم إلا في موضع واحد، وذلك في سورة القارعة، حيث قال الله تعالى: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ
الحبل.. ضرورة إيمانية لمجتمع متماسك
في استعراض لكلمة «الحبل» في كتاب الله نرى أنها استعملت استعمالات حقيقية ومجازية، بيد أن المتأمل لاستعمالها المجازي يرى
وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا
كان الخليفة أبو جعفر عبدالله المنصور في مجلسه، فوقع عليه ذباب فذبه عنه، فعاد فذبه حتى أضجره وأغضبه، وفي هذه الأثناء دخل
الصراط.. الطريق السهل
استعمل الصراط في البيان القرآني مجازاً أكثر منه حقيقة، فقد وردت كلمة الصراط في كتاب الله تعالى في خمسة وأربعين موضعاً
والخيل والبغال
من الحيوانات التي ذُكرت في القرآن الكريم «البغل»، وهو حيوان أليف هجين، ينتج عن تزاوج الفرس (أنثى الخيل) مع (ذكر
اللسان مرآة خفايا النفوس
اللسان هو آلة بذل المعارف، ومرآة معرفة الفضائل، كم من جميل الوجه قبّحه لسانه، وكم من دميم الخلقة رفعه لسانه. مضغة
العجل ورد ذكره 10 مرات
من مخلوقات الله التي ورد ذكرها في القرآن الكريم: العجل، ولد البقرة، وهو حيوان معروف، وقد ذكر العجل (10 مرات في القرآن
الصفا والمروة.. حيث كانت أصنام المشركين
ذكر الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة، الصفا والمروة بقوله: «إن الصفا والمروة من شعائر الله»، إذ يعد السعي بين الصفا
النعجة..ورد ذكرها 4 مرات
من الحيوانات التي ذكرها الله تعالى في كتابه (النعجة)، وقد ذُكرت أربع مرات (ثلاثاً بالإفراد، وواحدة بالجمع: نعاج) في
الفُلك.. السفينة العظيمة
معنى كلمة الفلك بضم الفاء وسكون اللام، يطلق على السفينة العظيمة التي تعمل في البحر، والتي تنقل الناس والبضائع ولها
وأوحى ربك إلى النحل
يقول الله تبارك وتعالى: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ
»أيها المدثر«.. خطاب لطيف من الله إلى الرسول
المدثر هو المتغطي بثيابه، وكان الغطاء فوق ثيابه التي تلي الجسد، يستدفئ بها لينام، ويأخذ قسطاً من الراحة. ووفقاً لما جاء
يضرب مثلاً ما بعوضة
قال الله تعالى: (إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين
«الماعون».. روح العقيدة تنعكس على السلوك
تطالعنا سورة الماعون، بآياتها السبع، لتكون منهجاً لتصحيح المفاهيم عن الدين والتدين، وأن عقيدة الإسلام ليست طقوساً
وهزي إليك بجذع النخلة
معنى الجذع في هذه الآية »وهزي إليك بجذع النخلة« الجذع هو ساق النخلة، وهو الشجر المعروف، وكان ميتاً بلا رأس يابساً في
هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا
في معرض الرد على عناد الكافرين والملحدين يتكرر التذكير بآيات الله وتتكرر الدعوة إلى التفكر والتدبر حتى يثوب الإنسان إلى
»الميزان« نعمة في الدنيا وحجّة في الآخرة
دبي – محمد سعيد قصيباتي لا تكاد أمة تصل إلى ذرا المجد إلا والعدل أساس بنائها، وما أهمل قوم العدل وساد بينهم
أوهن البيوت.. وأقوى الخيوط
عبد العليم أبو ليلة من عجيب ما خلق الله تعالى وصوّر، وأحكم في خلقه وأبدع، وتفرد بالإيجاد وأتقن، دون احتياج
أفلا ينظرون إلى الإبل
ذُكِرت الإبلُ في القرآن كوسيلة من أهم وسائل المواصلات، ونقل الأمتعة، وآية من آيات خلق الله تعالى التي تستدعي التأمل
المحراب.. ميدان المعركة مع الشيطان
د. أحمد خضير قال الله سبحانه وتعالى «كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا»
لباساً يواري سوءاتكم
في الكتاب العزيز نعم عديدة، ذكر الله تعالى أن العباد مهما سعوا في عدها فإنها لا تحصى؛ (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها)
.. ولحم الخنزير
كثيراً ما يُفكّر الإنسان تفكيراً غير سوي، أو يتدرب تدبيراً غير مرضيّ، فيؤثر هذا التفكير الخاطئ والتدبر القاصر على
ناقة صالح بنت الصخر
قصة ناقة سيدنا صالح عليه السلام قصة جديرة بالتدبر والتأمل، والتذكر والاعتبار، لما فيها من الدروس والعبر، وتلكم هي سمة
القلم.. أقسم به الخالق
القلم أداة العلم والمعرفة، به تملأ أوعية العقول، وتحفظ كنوز الأمم، ذكره الله في كتابه العزيز ذكراً مميزاً فأقسم سبحانه
الصافنات الجياد
وَرَدَ ذِكْرُ الخيْل في القرآن الكريم، في سِياق الحديث عن قصة نبي الله سليمان عليه السلام، وقصة حُبِّه للخيْل حُبَّاً
«البروج».. نجوم زاهرة أقسم الله بها
قال سبحانه وتعالى، «والسماء ذات البروج»، بمعنى السماء ذات النجوم الزاهرة التي تضيء لأهل الأرض، والبروج هي المنازل في
الهدهد سر إسلام ملكة سبأ
إن في خلق الله عز وجل، وما خص به كل مخلوق من مخلوقاته، عبرة لمن يعتبر، وذكرى لمن يتذكر، قال تعالى في محكم آياته: (
«عسعس» تعني طرفي الليل إقبالا وإدباراً
الليل هو الفترة الزمنية من اليوم، الممتدة من غروب الشمس إلى طلوع الفجر الصادق. ومعنى »عسعس« طرفا الليل عند إقباله في
«البقرة» سنام القرآن
الحديث عن البقرة في القرآن الكريم حديث طويل، جاء هذا الحديث في سورٍ وآياتٍ عديدة، وفي سياقات ودلالات مختلفة، وتكفي الإشارة إلى أن أطول سورة في القرآن الكريم تُسَمَّى سورة البقرة.
غيابة الجـب أنقذت يوسف من القتل
عندما نتطرق إلى كلمة »الجب«، كثيراً ما نتذكر قصة سيدنا يوسف عليه السلام، وتأويل الجـب في قوله تعالى »قال قائل منهم لا
النمل.. الاحتراز وعصمة الأنبياء
سورة النمل سورة كريمة من سور القرآن الكريم، سُمِّيَتْ بهذا الاسم لاشتمالها على قصة النملة مع نبي الله سليمان عليه السلام،
الإستبرق.. لباس الجنة
ذُكرت في العديد من الآيات كلمة «إستبرق»، وقد ذكره الله سبحانه وتعالى في سورة الكهف «يحلَّوْن فيها من أساور من ذهب ويلبسون
الغراب.. آلية دفن الميت
ذكر الغراب في القرآن الكريم، في الآية الحادية والثلاثين من سورة المائدة، في سياق الحديث عن قصة اِبْنَيْ آدم اللذين قَتل أحدُهُما
»الكـوثر«.. حوض ماء محفوف بالذهب
«الكوثر».. هي من الكلمات التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، وتحديداً في سورة الكوثر وبعض الآيات الأخرى، ويبدو أن الكوثر من
الكلب ورد في 3 مواضع قرآنية
ذُكر الكلبُ في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع، ذُكر كوسيلة للصيد في الآية الرابعة من سورة المائدة في قول الله جل شأنه: «
وكبره تكبيرا
ذكر الله عز وجل أمره بتكبيره، في آخر سورة الإسراء، في سياق ذكر شيء من مظاهر العظمة والجلال، والعزة والكبرياء، التي يتصف
الضفادع إحدى الآيات التسع إلى فرعون
الضفدع، هذا المخلوق الصغير الذي إذا رآه الإنسان قد يحتقره، وإذا نظر إليه قد يقشعر بدنه، وإذا سمع صوته قد يزعجه نقيقه،
عدل سابقا من قبل الشابي في الأحد 27 يوليو - 3:30 عدل 3 مرات
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34789
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
الطير الأبابيل هزمت أصحاب الفيل
المصدر:
بقلم ـ عدنان حسن الخطيب
ورد ذكر الطير الأبابيل في القرآن الكريم مرة واحدة، وذلك في سياق الحديث عن قصة أصحاب الفيل، قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ* أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ* وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ*تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ* فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ﴾ [الفيل: 1-5].
والقصة كما ترويها كتب السير باختصار: أن أبرهة الأشرم وهو قائد جيش الحبشة من قبل ملكها النجاشي قد بنى كنيسة عظيمة سمّاها (القلّيس)، ليصرف إليها حج العرب، فقام رجل من كنانة وتغوط فيها، فأغضبه ذلك، وأقسم ليهدمن الكعبة، وجهز جيشا عظيما مصحوبا بفيلة كثيرة، وسار حتى وصل إلى (المغمّس) موضع قرب مكة، فأرسل إلى أهل مكة يخبرهم أنه لم يأت لحربهم، وإنما جاء لهدم الكعبة، فاستعظموا الأمر، وفزعوا له، وأرادوا محاربته، فرأوا أنه لا طاقة لهم بأبرهة وجنوده، فتركوا ذلك.
نهب الأموال
ولما اقترب الجيش من مكة أمر أبرهة بنهب الأموال، وكان فيها إبل لعبد المطلب بن هاشم جدّ النّبي، فاستاقها الجند، وكان عددها مئتي بعير، وبعث أبرهة رسولا إلى مكة، وأمره أن يأتيه بأشرف قريش وأن يخبرهم أن الملك لم يجئ لقتالكم إلا أن تصدّوه عن البيت، فجاء الرسول فدلوه على عبد المطلب بن هاشم، وبلّغه قول أبرهة، فقال له عبد المطلب: واللَّه ما نريد حربه، وما لنا بذلك من طاقة، هذا بيت اللَّه الحرام، وبيت خليله إبراهيم، فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه، وإن يخلي بينه وبينه، فواللَّه ما عندنا دفع عنه.
ثم سار معه إلى أبرهة، فلما رآه أبرهة أجلّه، وكان عبد المطلب رجلا جسيما وسيما، فنزل أبرهة عن سريره، وأجلسه معه على البساط، وسأله عن حاجته، فقال: حاجتي أن يردّ عليّ الملك مئتي بعير أصابها لي، فتعجب أبرهة، وقال: أتكلمني في مئتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك، قد جئت لهدمه؟! فقال له عبد المطلب: إني أنا ربّ الإبل، وإن للبيت ربّا سيمنعه عنك، قال: ما كان ليمتنع مني، قال: أنت وذاك، ثم رجع وأتى البيت ومعه نفر من قريش، وأخذوا بحلقة باب الكعبة يدعون اللَّه، ويستنصرونه على أبرهة وجنده.
ثم زحف الجيش نحو مكة، وكان معه فيل عظيم اسمه (محمود)، كلما وجهوه إلى جهة الحرم برك ولم يبرح، وإذا وجهوه إلى جهة أخرى هرول.
حجارة من طين
ثم كان ما أراده الله من إهلاك الجيش وقائده، فأرسل عليهم جماعات من الطير ترميهم بحجارة من طين وحجر، فتركتهم كأوراق الشجر الجافة الممزقة كما يحكي عنهم القرآن الكريم، وأصيب أبرهة في جسده، وخرجوا به معهم يسقط أنملة أنملة، حتى قدموا به صنعاء، فما مات حتى انشق صدره عن قلبه كما تقول الروايات.
وكان لهذه الهزيمة أثر كبير بين العرب، فأعظموا قريشا، وقالوا: هم أهل اللَّه، قاتل اللَّه عنهم، وكفاهم العدو، وازدادوا تعظيما للبيت، وإيمانا بمكانه عنه اللَّه.
وقد يتبادر للأذهان أن كلمة (أبابيل) تشير إلى اسم نوع من أنواع الطيور. وهذا بعيد عن المعنى لغة وحقيقة، فلم تُعرف طير بهذا الاسم، ولم تذكر كتب السير نوعا معينا من الطير، والثابت في كتب اللغة والتفسير أن كلمة (أبابيل) تعني جماعات متفرقة ومتتابعة.
وقد اختلف المفسرون في تحديد أشكال هذه الجماعات من الطير، وأحجامها.
وصف اسطوري
ذهب بعضهم إلى المبالغة والتهويل في وصفها، فقالوا، كانت طيرا سودا، لها خراطيم كخراطيم الفيل، وأكف كأكف الكلاب، وأنها كانت تعشش ما بين السماء والأرض، وقيل: كانت طيرا خضرا، لها رؤوس كرؤوس السباع، وأنها جاءت من قبل البحر، واستندوا إلى بعض الروايات الضعيفة، مما دفع بعضهم إلى التمادي في الوصف الأسطوري فقالوا:
هي أجسام فضائية طائرة تحمل أسلحة نووية متطورة لها تأثيرها الحراري والإشعاعي على الأجسام الحية، واستدلوا بأن الحجارة من سجيل أي من الفضاء الخارجي، وأنها كانت تخرق الرؤوس والأجسام وتمزق الأجساد، وهذا استرسال في الخيال العلمي، وتكلف لا دليل عليه.
القدرة الإلهية
وبالمقابل ذهب آخرون إلى تضييق نطاق الخوارق والإعجاز، وتفسير الحادثة على أساس السنن الكونية المألوفة، فقالوا: إن الطير قد تكون هي الذباب والبعوض التي تحمل الميكروبات، فالطير هو كل ما يطير، وإن هلاك الجيش كان بسبب تفشي وباء كمرض الجدري أو غيره.
وهذا بعيد عن الصواب، لأن سياق الحادثة في القرآن جاء على سبيل الإعجاز والإشهاد على بيان القدرة الإلهية، وعام الفيل لم يكن بعيدا عن تاريخ نزول هذه السورة المباركة إلا قرابة ثلاثة وخمسين عاماً، فحين نزول هذه السورة كان الكثير من الناس الذين شاهدوا حادثة الفيل أحياءً يُرزقون، فلو كانت هزيمة أصحاب الفيل بسبب الجدري أو الجراثيم التي لا تُرى، لاعترضوا على القرآن بأنهم لم يشاهدوا يومها طيرا أبداً، فكيف يقول: ﴿وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا﴾ وخصوصا أن القرآن كان يتحدى العرب، وأنّ الكثيرين منهم كانوا ينتظرون عثرة أو غلطة فيه حتى يردوا التحدي وينكروا صدق الرسالة، وقد جاء السياق على سبيل الاستشهاد بقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ...﴾.
والظاهر أن الأمر قد جرى على أساس الخارقة غير المعهودة، لأنه أعظم دلالة وأكبر حقيقة، ولأن جو السورة وملابسات الحادث تدل على أن اللَّه أراد بهذا الحادث تعظيم بيته، وإعلاء شأنه، وتهيئة أمة العرب لحمل رسالة الإسلام إلى العالم كله، فالفيل رمزٌ لأقوى سلاحٍ عرفته العرب وقتها، ولذا جاءتْ سورة الفيل لتبيِّنَ للمسلمين أنَّه مهما قوي أعداؤهم في السِّلاح، فإنَّ الله رادٌّ كيدَهم عليهم بأسلحة تَصغُر في نظر الكثير منَّا، فجنودُ الله تعالى كلُّ ما خَلَقه من صغير وكبير، وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34789
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
مراحل خَلق الإنسان من النطفة إلى النشأة
المصدر:
بقلم: د. أحمد خضير
معنى العلق في سورة العلق حينما قال سبحانه وتعالى «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ».
جعل الله الانسان اشرف المخلوقات بهذا الشكل البديع، ان الماء الذي خلق منه الانسان يحتوي على حيوانات منوية لا ترى بالعين المجردة وانما ترى بالمجهر الدقيق، وحيوان واحد من بين الملايين التي تقذف في الرحم يتكوّن منه هذا الانسان السميع العاقل البصير فتبارك الله احسن الخالقين.
نمو الجنين
وذكر القرآن الكريم مراحل نمو الجنين في رحم امه في السياق التالي «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ {12} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ {13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ {14}».
المرحلة الأولى، يطلق عليها النطفة، وهي تطلق على ثلاث اشياء، الأولى نطفة الذكر وهي الحيوانات المنوية، والنطفة الثانية هي نطفة الانثى وهي البويضة، أما النطفة الثالثة هي الامشاج التي يتكون منها الجنين وهي مختلطة من ماء الرجل وماء المرأة. أما المرحلة الثانية العلقة، ويبدأ فيها العلوق في اليوم الخامس عشر، وفي هذه المرحلة يفقد الجنين شكله المستدير فيأخذ الشكل المستطيل، فبعد عملية الحرث تبدأ عملية تعلق الجنين بالمشيمة.
ويطلق على المرحلة الثالثة «المضغة»، ويبدو تطور المضغة سريعاً في اليومين 25 و 26، وهذا التحول السريع من مرحلة العلقة الى مرحلة المضغة، ولهذا استخدم القرآن حرف العطف «فـ» الذي يفيد التتابع السريع في الاحداث، فتكون على هيئة خلايا متلاصقة وشكلها الخارجي يكون كقطعة لحم ممضوغة.
تكون العظام
أما المرحلة الرابعة فيها تتكون العظام، حيث يتم الانتقال من شكل المضغة التي لا ترى فيها ملامح الصورة الادمية الى مرحلة جديدة يظهر فيها شكل الهيكل العظمي للإنسان «فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا». والمرحلة الخامسة، هي اكساء اللحم، وفي هذه المرحلة تبدأ الصورة الادمية بالاعتدال فترتبط اجزاء الجسم بعلاقات اكثر تناسقا، حيث يمكن للجنين ان يبدأ بالتحرك وتبدأ هذه المرحلة في نهاية الاسبوع السابع وتستمر الى نهاية الاسبوع الثامن «فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا». «ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ».
وتبدو المرحلة السادسة أكثر أهمية كونها تعتبر مرحلة الانشاء والخلق، وهي فترة التصوير والتسوية وتهيئة نفخ الروح، وما بين الأسبوعين «9 و 12»، تبدأ احجام كل من الرأس والجسم والاطراف في التوزان والاعتدال وتتخذ ملامح الوجه المقاييس البشرية المألوفة ويشير الى ذلك قوله تعالى «الذي خلقك فسواك فعدلك * في أي صورة ما شاء ركبك».
وفي الأسبوع 12، يتحدد جنس الجنين بظهور الأعضاء التناسلية الخارجية وهي آخر مراحل تحديد الجنس، ثم يتطور بناء الهيكل العظمي من اللينة الى العظام الصلبة ويمكن رؤية الاظافر على الاصابع ويزداد الوزن وتبدأ الحركات الارادية في هذا الطور، وفي هذه المرحلة يتم نفخ الروح.
خارج الرحم
في المرحلة السابعة القابلة للحياة، تبدأ فيها حياة الجنين خارج الرحم في الأسبوع 22 وتنتهي في الاسبوع 26 حينما يصبح الجهاز التنفسي مؤهلا للقيام بوظائفه. وقد خص الله سبحانه وتعالى الإنسان الذكر من سائر المخلوقات لكونه اية الإبداع في التصوير والحسن وتكريما له اذ هو اشرفهم «ولقد كرمنا بني ادم». والسبب في تسمية السورة بالعلق:، لأنّ المنيّ حينما يقذف في الرحم فأول طور من اطوار الانسان العلقة فهي تعلق بالرحم.
وأول ما نزل من نور السماء الى الارض في قول معظم المفسرين، هذه الآيات الخمس التي ذكرت في اول البحث نزل بها الأمين جبريل وكان النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء يتعبد ربّه فقال الملك له «اقرأ باسم ربك الذي خلق» الآيات، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما انا بقارئ فغطّة غطّة شديدة حتى بلغ منه الجهد فعل معه ثلاث مرات بعد ارساله من الغطة الثالثة املى عليه هذه الآيات.
اهتمام الإسلام بالقراءة يبدو واضحاً في اول اية نزلت في كتاب الله تعالى فيها اشارة الى ان هذا الدين دين علم ودين منهج وتعليم وعقل، وفيها اشارة ايضاً إلى ان الذي ستقرأه سيظلّ معلّما للإنسانية كلها الى نهاية الدنيا لأن الذي يعلمك هو ربك الأكرم. وفيها التفاتةُ الى ان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن باسم الله وما دام باسم الله فهو يعلمه بعلم فوق مستوى البشر.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34789
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
«المَسَد»..حبل امرأة أبي لهب في النار
المصدر:
كتب: أحمد خضير
وردت كلمة «المَسَد» بالقرآن الكريم في سورة المسد «تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)». ومعنى المسد هو الحبل المفتول من الليف.
أما دلالات هذه السورة، أنها نزلت في مكة المكرمة، وهي سورة العذاب والهلاك للأسرة الشقية الخاسرة، أسرة أبي لهب. وأبو لهب هو أحد أعمام النبي صلى الله عليه وسلم، واسمه عبد العزّى بن عبد المطلب، وإنما سمي بأبي لهب لإشراق وجهه..
وكان شديد العداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يترك شغله وعمله ويتتبع النبي عليه الصلاة والسلام، ويمشي خلفه حينما يدعو النبي صلى الله عليه وسلم القبائل إلى دين الإسلام، فأبو لهب يصد الناس عن الإيمان به.
أخبث منه
أما امرأته فكانت أخبث منه، وهي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان، تحمل الشوك والسعدان، فتنشرهما بالليل في طريق النبي صلى الله عليه وسلم، وقد توعدت هذه السورة أبا لهب بنار حامية موقدة يصلاها مع زوجته، واختصّها بلون من العذاب الشديد، وهو ما يكون حول عنقها حبل من ليف تجذب به في النار زيادة في التنكيل والدمار، والحبل الذي تربط به الدابة يقيّد من حركتها فتكون حركتها محدودة، فكأن هذه المرأة مع شدة عذابها في جهنم، مربوطة بحبل في عنقها محدودة الحركة، والعياذ بالله.
وتفصيلاً لمعنى السورة، فإن كلمة «تبّت» تعني التباب الهلاك والخسران، أي أن هذا الرجل هلك وخسر، والآية «ما أغنى عنه ماله» أي أن المال لا ينفع الإنسان العاصي مهما كثر، فربنا يقول: «وَاتَّقُوا يَوْماً لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ»، ويقول تعالى: «فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَىٰ بِهِ»..
ولا ينفعه عزّه وجاهه الذي اكتسبه حينما يحلّ به العذاب والهلاك، وجاءت هذه الآية ردّاً على أبي لهب حينما قال مستهزئاً: «فإني أفتدي نفسي يوم القيامة بمالي وولدي» فأخبر الله تعالى بأنه «سيصلى ناراً ذات لهب»، أي ذات اشتعال وتوقّد عظيم وهي نار جهنم، وعذابها يتناسب مع هذا الذي أظهر الكفر والعناد للنبي صلى الله عليه وسلم.
نار العداوة
«وامرأته حمالة الحطب»، هذه المرأة التي كانت ردءاً لزوجها أبي لهب في عداوتها للنبي صلى الله عليه وسلم، ستدخل معه النار، وكانت تمشي بالنميمة بين الناس، وتوقد بينهم نار العداوة والبغضاء، إضافة إلى وضعها الشوك في طريق النبي صلى الله عليه وسلم.
«في جيدها حبل من مسد»: يقول بعض المفسرين: كانت لها قلادة ثمينة من جوهر فأقسمت على إنفاقها في عداوة النبي صلى الله عليه وسلم، فعاقبها الله حبلاً في عنقها من مسد في جهنم.
وهناك مناسبة لمجيء هذه السورة بعد سورة النصر. أن سورة النصر تذكر أنّ من أطاع الله سبحانه وتعالى، وسار على الصراط المستقيم، يحصل له النصر والاستعلاء في الدنيا والثواب الجزيل في الآخرة، وهذه السورة ذكرت أن عاقبة العاصي الخسارة في الدنيا والآخرة، فكانت المناسبة بينهما، بيان العاقبة للمطيع والعاصي.
وسبب نزول هذه السورة، حينما نزل قوله تعالى: «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»، خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصفا، فهتف: يا صباحاه، فقالوا: من هذا؟ فاجتمعوا إليه، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: «أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلاً تخرج من سفح هذا الجبل وأن العدو مصبحكم أو ممسيكم أكنتم مصدقيّ؟ قالوا: بلى، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: تبّاً لك، ألهذا جمعتنا؟!، فأنزل الله تعالى «تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ» إلى آخرها.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34789
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
الطيور.. تسبّح الله وتنفعُ الناس
بقلم ـ محمد سعد خلف الله
تحدث القرآن الكريم عن الطير في أُطُرٍ وأغراض متعددة، فذكر منها عشرة أجناس، ذكرها كآية من آيات الله تعالى في خلقها وفي إمساكها وهي طائرة في السماء، فقال تعالى: (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [النحل: 79]. وذكرها تعالى كأمة من الأمم لها نظام حكيم فقال: (ومَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ) [الأنعام: 38]، وأنها من المسبحات لله تعالى تقوم بوظيفة التسبيح والتعظيم له تعالى.
قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) [النور: 41]، وذكرها كنعمة من نعمه تسر الناظرين ولحم طيب يأكله الإنسان في الدنيا ويتمتع به المؤمنون في الجنة، وأنها رسل تحمل البريد، وتحمل العذاب والوعيد للمعتدين كالطير الأبابيل التي ذكرت في سورة الفيل وغيرها، وكآية من آيات الأنبياء، كإبراهيم وعيسى عليهما السلام..
وكالطير الذي كان يردد التسبيح مع داود عليه السلام، وجنداً من جنود سليمان، ورزقاً طيباً أنعم الله به على بني إسرائيل، فالكل آية من آيات الله تعالى، وجند من جنوده. ومن الطيور التي ذكرت في القرآن الكريم طائر السَّلوَى، والذي جاء ذكره في قصة الأمة العجيبة أمة بني إسرائيل كنعمة أنعم الله بها عليهم، يقول تعالى: (وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [البقرة: 57].
وطائر السَّلوى يرى أكثر العلماء أنه طائر السُّمانَى، أو هو نوع منه، ومنهم من قال هو طائر يشبه السُّمانَى طائر بري من رتبة الدجاجيات، وهو أنواع كثيرة، منه ما يستوطن أوروبا ويهاجر إلى إفريقيا في فصل الشتاء ثم يعود مرة أخرى إلى موطنه، فهو طائر مهاجر يغريه الله تعالى بالطقس الدافئ، فيطير جماعات إليه يطلب الحياة، فيحيا ويكون رزقاً وهناءة لغيره، فسبحان من يسوق الأرزاق لعباده.
يقول الإمام الغزالي رحمه الله: «وسمي سلوى لأنه يسلي الإنسان عن سائر الإدام». وقد ذكر العلماء في خصائصه أن لحمه مغذ جداً ويزيد الخصوبة، وأكل لحمه يفتت الحصى ويدر البول وينفع في علاج وجع المفاصل، ويكفي أن الله تعالى وصفه بأنه من طيبات الرزق، فقال فيه: (كلوا من طيبات ما رزقناكم).
بنو إسرائيل والسلوى
حق النعمة أن تُشكر حتى تدوم وتكثر، وهذا شأن المؤمنين، وأما جحودها وكفرها فيعرضها للزوال، وقد رحم الله تعالى بني إسرائيل استجابة لدعوة سيدنا موسى عليه السلام، وأراهم من الآيات الكثير، فمنها أنه تعالى حماهم من حر الشمس بأن ظلل عليهم الغمام وهم في فترة التيه بين مصر والشام، وأنزل عليهم أطايب الحلوى وأنفعها وهي المن، وأطايب الطعام وأهنأه وهو طائر السلوى.
يقول تعالى في سورة الأعراف [160]: (وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ). ويقول تعالى في سورة طه [ 80- 82 ] مذكراً بني إسرائيل بنعمه عليهم وآمراً إياهم بشكرها: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى * كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى * وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى).
فكان بنو إسرائيل يجدون المـَنَّ وهو حلوى بيضاء تشبه القشدة وحلاوتها كالعسل، يجدونه على الشجر يسقط من بين الفجر إلى طلوع الشمس، ويجدون السلوى بكرة وعشياً تأتيهم جماعات تسوقها الريح فيمسكونها دون تعب، ويتخيرون منها ما يريدون، فالمن طاقة سهلة الامتصاص، والسلوى لحم ما أكثر فوائده، وأمرهم الله أن يأخذوا ما يكفيهم ليومهم ولا يزدادوا على ذلك.
ولكن هل قابل بنو إسرائيل هذه النعم بالشكر؟ وهل اكتفوا بهذا الرزق السهل الرغد؟ وهل أطاعوا وأخذوا ما يكفيهم فقط؟ كلا، لم يثقوا في استمرار رزق الله تعالى، فالحس المادي كان هو المسيطر عليهم، فصاروا يكنزون هذا الرزق خوفاً من انقطاعه..
فذلك قوله: {وَمَا ظَلَمُونَا} يعني وما ضرّونا، وما نقصونا حين رفعوا من المنِّ والسَّلْوَى فوق يوم، {ولكن كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} يعني أنفسهم يضرّون وينقصون، فأدبهم الله تعالى بأن أفسد كُلَّ ما خزنوه، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: « لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم » [ متفق عليه ]، والخنز هو التغير والنتن، قال العلماء: «ومعناه أن بني إسرائيل لما أنزل الله عليهم المن والسلوى نهوا عن ادخارهما فادخروا ففسد وأنتن، واستمر من ذلك الوقت، والله أعلم».
بطر وملل
وزيادة على ذلك لم يكتفوا بهذا الرزق الطيب السهل، وملوه وتبطروا عليه، فقالوا لموسى عليه السلام: (لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ)، فسألوه ما كانوا يأكلونه في مصر من البقل والقثاء وغيرها، فقالوا : (فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا)، قتادة: «لما أنزل الله عليهم المن والسلوى في التيه ملوه وذكروا ما كان لهم في مصر قال الله عز وجل:{أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصراً فإن لكم ما سألتم} .
كلُّ ما سبق كان دالاً على قلة صبر بني إسرائيل، وعنادهم وتبطرهم واحتقارهم لأوامر الله ونعمه، فجازاهم من جنس عملهم فقال: ( وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ)، فسبحان من جعل العزَّ في طاعته، وداومَ نعمه في شكرها، وعدم التبطر عليها، يقول تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)، فاللهم أوزعنا أن نشكر نعمتك التي أنعمت علينا وعلى والدينا، وأن نعمل صالحاً ترضاه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34789
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
البيت الحرام.. أول مسجد في الأرض
بقلم: د. أحمد خضير
ورد ذكر البيت الحرام في القرآن في قوله تعالى: «جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس»، وفي قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلائدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ». كما ورد ذكر المسجد الحرام في آيات عدة منها: «وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» (البقرة 149).
فالمسجد الحرام هو أول مسجد وضعه الله في الأرض، وقد اختلف أهل العلم في تحديد البيت الحرام قال بعضهم المقصود به الحرم كله بحدوده الواسعة التي جعلها الله تعالى أرضاً حراماً، وأول من نصب حدوده هو سيدنا إبراهيم عليه السلام أوقفه جبريل عليها من الجهات كلها، ثم جددها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جددت هذه العلامات في عهد سيدنا عمر بن الخطاب، ثم في عهد عثمان بن عفان، ثم في عهد معاوية ابن أبي سفيان، رضي الله عنهم.
وقال بعضهم إن البيت الحرام هو الكعبة الشريفة التي فيها الحجر الأسود، وهو أول بيت وضع للناس على وجه الأرض، ليعبدوا الله فيه، وهو أعظم وأقدس بقعة على وجه الأرض.
مائة ألف
والمسجد الحرام هو الفناء المحيط بها من كل الجهات، وهو أعظم مسجد في الإسلام، ويقع في قلب مكة المكرمة وتتوسطه الكعبة المشرفة. وقد اختلف أهل العلم في تضعيف الصلاة إلى مائة ألف الواردة في المسجد الحرام، هل المقصود بها ذات المسجد أو الحرم كله، قال بعض أهل العلم إنه نفس المسجد فقط، وبعضهم يقول حصول المضاعفة بالحرم كله.
وأهم خصائص البيت الحرام، أن الله قد جعل لهذا البيت خصائص كثيرة، أبرزها حرمة القتال فيه وسفك الدماء ولذا وصف بالحرام. والأمن فيه حتى للجماد الذي لا إحساس به، ولا يقطع شجره ولا حشيشه ولا تحلّ لقطته إلا لمن يريد أن يبحث عن صاحبها، وجعله الله تقويماً للسلوك المنحرف، يذكر القرطبي تعليقاً على قوله تعالى «قياماً للناس» أن أصلها «قواماً» قلبت الواو ياء لكسر ما قبلها والحكمة فيه أن الله تعالى جعل الكعبة معظمة في نفوس الناس ومهابة في قلوبهم وأن حرمتها عظيمة من لجأ إليها معتصماً بها كان في أمان، فهي إذاً تقويم لتلك النفوس الآدمية الطائشة. ولقد أضافه الله لنفسه في كتابه «وطهر بيتي».
إضافة تشريف وتعظيم وعناية وحماية، ما قصده جبار إلا أهلكه الله، إن همّ أحد بفعل سوء أو فساد أو إلحاد فيه، فله عذاب أليم، وإن لم يفعل ما همّ به: «ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم»، ولذلك بعض الصحابة رضي الله عنهم خرج من مكة حذراً من ذلك. كما تعتبر الكعبة قبلة المسلمين في صلواتهم ويطوفون حولها في حجهم وإليها تهوى أفئدتهم وإليها يتطلعون للوصول إليها من كل أرجاء العالم، خصوصاً أن الحرم أحب البقاع إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومن قصده لحج أو عمرة غفرت ذنوبه.
بناء الكعبة
أول من بناها الملائكة قبل آدم، ثمّ رفع إبراهيم القواعد أي الأسس التي اندثرت على ممر الدهور، وكانت من دون سقف، وتبّع وصنع لها سقفاً، وعبدالمطلب صنع لها باباً من حديد مرصعاً بالذهب، وهو أول من حلى الكعبة بالذهب، ولعل أشهر ملحقات الكعبة، حجر إسماعيل أو ما يسمى بالحطيم، وهو جزء أساسي من الكعبة. وقريش حينما جددوا بناءها اقتطعوا جزءاً، وبنوا بناءً غير مرتفع ليعلم الناس أنه من الكعبة المشرفة، وتذكر بعض الروايات أن سيدنا إسماعيل وأمه هاجر مدفونان في هذا المكان لهذا سمي بحجر إسماعيل.
أما بئر زمزم، فهي البئر المباركة التي فجّرها سيدنا جبريل حينما بلغ العطش بسيدنا إسماعيل وأمه، فأخذ الماء يجري فجعلت هاجر أمامه تراباً وهي تقول زم الماء زم الماء أي جرى، وفعلت ذلك خشية أن يفوتها قبل أن تأتي بوعاء لتأخذ منه وهو أشهر بئر على وجه الأرض، ثم طمس ذلك البئر فحفره عبدالمطلب.
ومقام سيدنا إبراهيم هو ذلك الحجر الذي وضعه تحته لينال جدار الكعبة حينما ارتفع فأثر قدمه في تلك الحجارة، وهذا الحجر قام عليه إبراهيم، فإذن حينما أمره الله تعالى «وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا» وهو الذي تؤدى عنده الركعتان لسنة الطواف وكان ملاصقاً للكعبة فأخره سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى هذا المكان الموجود حالياً.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34789
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ
بقلم: محيي الدين الإسنوي
المعز (بسكون العين وفتحها) من الأغنام، والأغنام من الأنعام، وقد خلق الله الأنعام، وسخرها لخدمتنا، وذللها وجعل فيها منافع كثيرة، نتغذى بلحومها، ونشرب ألبانها، ونستعمل أصوافها وأوبارها وأشعارها، والأنعام هي الإبل والبقر والأغنام (الضأن والماعز)، قال تعالى: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ).
وقال تعالى: (وَمِنَ الأنعام حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله...)، ثم فصل الله تعالى ما أنعم به على الإنسان من بهيمة الأنعام فقال: (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ...)، فذكر سبحانه الضأن والمعز، من كُلٍّ اثنين: الذكر والأنثى، ثم ذكر الإبل والبقر، من كُلٍّ اثنين: الذكر والأنثى، ثم ذكر من الإبل اثنين ومن البقر اثنين.
التقسيم العلمي
وذكر القرآن الضأن نوعاً، والمعز نوعاً آخر، هذا التقسيم يتوافق تماماً مع التقسيم العلمي للمعز والضأن في العلم الحديث، فكل منهما نوع مختلف عن الآخر، وهذا من الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، ولم يرد ذكر (المعز) في القرآن إلا في هذا الموضع في معرض ذكر ما أنعم الله به على الإنسان،..
والإنكار على أهل الجاهلية من المشركين، الذين كانوا يحرِّمون بعض أصناف هذه الأنعام الأربعة على أنفسهم، ويحرمون بعضها على نسائهم دون رجالهم، وينسبون ما يدعونه من تحريم وتحليلٍ إلى الله تعالى، فأظهر الله الحق ووبخهم.
والمعْزُ والمِعْزَى هي ذَوَاتُ الشَّعْرِ مِنَ الْغَنَمِ، وواحده ماعز، وتجمع ماعز على: مَعِيز، وجَمْعُ المَاعِزَةِ: مَوَاعِزُ.
الماعز في كل مكان
والماعز منتشرة في جميع دول العالم، ساعدها في ذلك مقدرتها على التأقلم على المناخ الحار والبارد على السواء، كما أنها ترعى مختلف النباتات الصحراوية الشوكية والأشجار والحشائش الجافة، بخلاف الضأن والأبقار.
ويعيش الماعز في قطعان صغيرة أو كبيرة، في السهول والصحاري والمرتفعات والمناطق الجبلية، وهي من أوائل الحيوانات التي تم استئناسها من قبل الإنسان.
ويوجد نحو 210 أنواع من الماعز في العالم، وقُدِّر عددها بـ450 مليون رأس عام 2001م، ويبلغ إنتاج الماعز سنوياً من الحليب في العالم ما يقارب 4.5 ملايين طن.
فوائد الماعز
حليب الماعز ومنتجاته، من أكثر المواد الغذائية استهلاكاً في العالم، ويمتاز بقلة الدهون، وسهولة الهضم، مع ارتفاع القيمة الغذائية، ويُستفاد من شعر الماعز في إنتاج الألياف الناعمة التي تصنع منها المنسوجات والملابس الفاخرة التي تلائم الأجواء الباردة، كما يستعمل في فتل الحبال لصناعة الخيام والسجاد عند البدو الذين يسكنون الصحراء..
ويُستفاد من جلودها في الصناعات الجلدية المختلفة، وقديماً كان جلد الماعز يستخدم كأوعية ينقل بها الماء إلى البيوت، تسمى (القربة)، و(السقاء)، ويحفظ فيها ماء الشرب والسمن ونحو ذلك من السوائل، وما زالت تستخدم (القربة) في القرى لخض الحليب، واستخراج اللبن الرائب والسمن منه.
ويعد الماعز حيواناً اقتصادياً من الدرجة الأولى، فتربيته لا تتطلب الكثير من التكاليف، سواء بالنسبة إلى التغذية أو المسكن، وهو حيوان قوي يقاوم الأمراض، وتعيش الماعز عادة من 10 - 12 سنة، وقد تصل إلى 15 سنة.
كما أن الاهتمام بالثروة الحيوانية (خصوصاً الماعز)، أمر مهم في جانب تحسين صفات المنتج وجودته، بإيجاد سلالات لها قيمة اقتصادية عالية، وكل ذلك يؤدي إلى الاكتفاء الذاتي من الإنتاج الحيواني، ويفتح أبواب التجارة والرخاء.
بركة الماعز
عن أم هانئ رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتَّخِذُوا الْغَنَمَ فَإِنَّ فِيهَا بَرَكَةً».
ومن بركة الماعز أنها تلد مرة كل (6- شهور، وتلد 1 أو 2 أو 3 أو أكثر، والأنثى من أولاد الماعز والغنم من حين الولادة إلى قريب الحول، يقال لها (العناق). عن جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم أطعم يوم الخندق ألف رجل من صاع من شعير وعناق. وقد ذكر بعض المفسرين في قوله تعالى: (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ) أنها نزلت من الجنة، وفي الحديث الشريف:
«صلوا في مراح الغنم، وامسحوا رغامها، فإنها من دواب الجنة» رواه الطبراني. وعند البزار والخطيب: (أحسنوا إلى الماعز، وامسحوا عنها الرغام فإنها من دواب الجنة، ما من نبي إلا قد رعى)، قالوا: وأنت؟ قال: (وأنا قد رعيت الغنم).
زكاة الغنم
تجب الزكاة في الغنم «الضأن والماعز» إذا بلغت أربعين شاة فأكثر، وحال عليها الحول، ويضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب. «... وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة: شاة، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين:
شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة ففيها ثلاث شياه، فإذا زادت على ثلاثمائة، ففي كل مائة شاة، فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة، فليس فيها صدقة إلا أن يشاء رَبُّهَا». أخرجه البخاري. وكل ما أمرنا فيه بذبح الضأن يمكن للماعز أن يحل محله، ولكن الاختلاف في السن، فالجذعة من الضأن يحل محلها ثنية من المعز.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34789
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
«القطمير» و«الفتيل» و«النقير» أجزاء من نواة التمر
المصدر:
د. أحمد خضير
«القطمير» و«الفتيل» و«النقير» من الكلمات التي ورد ذكرها في الآيات القرآنية، إذ وردت كلمة القطمير مرّة واحدة في قوله تعالى: «وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ» (فاطر 13). أما الفتيل، وردت في القرآن ثلاث مرات في قوله تعالى: «ألم تر إلى الذين يزكّون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا» (النساء 49)، والآية القرآنية «قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً» ﴿النساء ٧٧﴾، وذكر الله سبحانه وتعالى في موضوع آخر من القرآن «يوم ندعو كلّ أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرأون كتابهم ولا يظلمون فتيلاً» (الإسراء 71).
أما النقير فجاء في القرآن مرّتين في قوله تعالى: «أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً» (النساء 53)، والمرة الثانية في قوله تعالى: «وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مؤمنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجنةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيراً» ﴿النساء ١٢٤﴾.
غشاء رقيق
عند تفسير هذه الكلمات، يتضح أن القــطمير هي اللفّافة التي توجد على نواة التمر وهي غشاء رقيق، أما الفتـــيل فهو الخيط الرفيع الموجود على شقّ نواة التمر، وأخيراً النقــير، هو النقطة الصغيرة التي تظهر على ظهر نواة التمر في الجهة المقابلة لشقّها الأمامي، وكل هذه الأسماء موجودة في نواة التمر.
المقصود من التعبير بالقطمير، ان المشركين كانوا معترفين بأن الأصنام ليسوا خالقين، وإنما كانوا يقولون إن الله تعالى فوض أمور الأرضيات إلى هذه الأصنام، فأخبر الله تعالى أنهم لا يملكون شيئاً ..
ولو كان مثل القشرة الرقيقة للنواة فضلاً عما فوقها. والمقصود من التعبير بالفتيل، مثل ضربه الله تعالى أن الحساب في الآخرة حينما يحاسب الله خلقه ويجازي الناس الثواب مقابل أعمالهم، فلا يكون هناك ظلم ولا ينقصون من الثواب ولو بمقدار الفتيل الذي يوجد في شق نواة التمر، وكل الآيات التي جاءت فيها كلمة الفتيل، جاءت بهذا المعنى، أي أن الله تعالى لا يظلم هؤلاء الذين يعملون الصالحات من ثواب عملهم.
والمقصود من التعبير بالنقـير في آية النساء «وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مؤمنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيراً» (124)، ومضمونه أن الله تعالى يوفيهم الحساب ولو بقدر هذه النقطة المجوفة الصغيرة في نواة التمر، فهذه الألفاظ الثلاثة تضرب مثلاً للشيء الحقير التافه، والمراد أن الله سبحانه وتعالى لا ينقصهم من الثواب بمقدار هذه الأمور الحقيرة.
المعنى الإجمالي
المعنى الإجمالي ان غير الله لا يملك شيئاً ولو بقدر الغشاء الرقيق الذي يوجد على ظهر نواة التمر، وهذه الآيات كلها تؤكد عدم ظلم ربك للعباد حينما يوفيهم ثوابهم ولو بقدر الخيط الصغير الذي يوجد في شق التمر «وما ربك بظلام للعبيد»، «ووفيت كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون». ومرة وصف الله تعالى حرص الإنسان الشديد، أنه لو كان عنده نصيب من الملك فلن يؤتي أحداً من الناس ولو شيئاً قليلاً بقدر الثقب الذي يوجد على ظهر نواة التمر مقابل شقها.
ما أرشدت إليه هذه الآيات التي فيها النقير والقطمير والفتيل، أولاً الحساب بين الخلائق يوم القيامة يكون موثقاً بالمستندات وكل إنسان يدعى للحساب بكتابه الذي فيه عمله، والأمر الثاني هو الدعوة للناس بأسمائهم وأسماء آبائهم للحديث الشريف «لكل غادر لواء فيقال هذه غدرة فلان ابن فلان». وليس هناك فرحة بعد أهوال الحساب أشد وأغبط للنفس من فرحة تلقّي الكتاب باليمين.
إن الأعمى في الدنيا من كان لا يبصر الحق ولا يهتدي إلى طريق النجاة، أما من كان في هذه الدنيا أعمى عن الحق فهو في الآخرة أعمى «وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً * مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ» (الإسراء97).
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34789
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
دابة الأرض
المصدر:
محمد سعد خلف الله
الدابة كل ما يدب على الأرض، ودابة الأرض، هي الأَرَضة، وقد ذكرها الله في القرآن الكريم في قصة سليمان عليه السلام، وذكرت في السنة تأييداً لرسول الله صلى الله عليه وسلم. والأَرَضة حشرة صغيرة أصغر من النمل ذات أنواع كثيرة، منها ما يتغذى على أكل الخشب والجلد والورق والكتب والثمار ونحوها، تهاجم التربة والصخور والخرسانات، وجهازها الهضمي له قدرة على هضم هذه المواد، إنها مخلوق عجيب له قانونه ومجتمعه المنظم، ذو وظائف نافعة تخلص من كثير من البقايا والنفايات، وتزيد في خصوبة الأرض، وذو وظائف مهلكة مدمرة.
صناعة التابوت
والأرضة مهندس عجيب بعضها تتخذ لنفسها بيتاً مربعاً من العيدان الدقيقة تضم بعضها إلى بعض بلعابها تصنعها على مثال التابوت مفتوح من إحدى جهاته الأربع، ثم تدخل فيه وتموت، ومنها تعلَّم الأوائل كيف يصنعون التوابيت للموتى، وهي بخلاف الدابة التي تخرج من الأرض، ويكون خروجها علامة من علامات الساعة الكبرى، في قوله تعالى: (وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ) هي حيوان من حيوانات الأرض، يقال إنه فصيل ناقة صالح ويقال غير ذلك، والله أعلم. ذكر الله تعالى الأرضة (دابة الأرض) في القرآن بوظيفتها، وصحَّحَ اللهُ بها اعتقاداً كان قد انتشر في الناس، والله لا يستحي أن يضرب المثل في كتابه بأدق الأشياء وأهونها في نظر الناس فما خلق شئياً عبثاً، وما خلق شيئاً إلا وهو يحتوي على شواهد مبهرة على القدرة والحكمة الإلهية، (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا) فسبحان الله الخلاق العلي.
قصة سليمان
ذكرت في سورة سبأ في قصة نبي الله سليمان عليه السلام، في مشهد موته، يقول تعالى: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ * فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ).
يعني سخر الله تعالى لسيمان عليه السلام الريح تجري بأمره، تقطع مسيرة شهر ذهاباً في بضع ساعات، كالزمن من الصباح إلى الظهر، ومسيرة شهر إياباً في بضع ساعات، كالزمن من منتصف النهار إلى آخره، وسخر الله لسليمان الشياطينَ والجنَّ يعملون له ما يشاء مما ذكر الله تعالى، لا يقدرون أن يستعصوا أمره، والجن ذات قدرات عجيبة، فكذبت وموهت على الناس أنهم يعلمون الغيب وظن الناس منهم ذلك، فأراد الله تعالى أن يُرِيَ العباد كذبهم في هذه الدعوى، وذلك أنهم لم يعلموا بموت سليمان عليه السلام، وهو واقف أمامهم وهم يعملون، فكيف يعلمون الغيب، يقول تعالى :{فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الموت} يعني حكمنا على سليمان بالموت ونزل به الموت {مَا دَلَّهُمْ على مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ} يعني ما دلَّ الجن على موته إلا تلك الحشرة التي تأكل الخشب تأكل عصا سليمان {فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الجن أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الغيب} يعني فلما سقط سليمان عن عصاه ظهر للجن موت سليمان، واتضح للناس أن الجن لا يعلمون الغيب إذ لو كانوا يعرفون الغيب كما زعموا {مَا لَبِثُواْ فِي العذاب المهين} أي ما مكثوا في الأعمال الشاقة ُتلك المدة الطويلة، قال المفسرون: « وقف سليمان في محرابه يصلى متوكئاً على عصاه، فمات ومكث على ذلك سنةً والجنّ تعمل تلك الأعمال الشاقة ولا تعلم بموته».
فالغيب لا يعلمه إلا الله تعالى (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ).
الأرضة في السنة
ذكرت الأرضة في السنة نُصرةً وتأييداً لسيد الأنبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث أكلت صحيفة المقاطعة الجائرة اتفقت عليها قريش في مقاطعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبني هاشم وبني المطلب فكتبوا فيها أن لا ينكحوهم ولا ينكحوا إليهم، ولا يبايعوهم ولا يبتاعوا منهم، وقد استمرت المقاطعة مدة ثلاث سنوات، أقام فيها النبي صلى الله عليه وسلم وأهله وبعض أصحابه محاصرين في شعب أبي طالب، حتى جهدوا جهداً شديداً، وعلقت قريش هذه الصحيفة في جوف الكعبة، فجاءت الأرضة بعد مدة فأكلت كل بنود المقاطعة، إلا قولهم:«بسمك اللهم» فأخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بذلك عمه أبا طالب، فأخبر قريشاً بذلك، وأتت قريش بالصحيفة فوجدوها كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فعلموا جورهم وفكوا الحصار.
فهذه هي الأرضة خَلق عجيب، وجند من جنود الله، جاءت في قصة نبيين كريمين (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ).
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34789
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
"المائدة".. رزق الحواريين ومعجزة عيسى
ـ محمد سعيد قصيباتي
في عجالة من التأمل لقصة المائدة التي طلبها حواريو عيسى عليه السلام، نرى مدى عظمة أصحاب رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، هؤلاء القوم الذين آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقوه وحملوا هذا الدين يقيناً في قلوبهم وتبليغاً على ألسنتهم إلى أن صدحت الدنيا بنداء الحق، ودانت أقاصيها بدين الإسلام.
ما أعظمهم من أصحاب.. لم يطلبوا منه خارقة واحدة بعد إسلامهم، بل خالطت قلوبَهم بشاشةُ الإيمان وصدقوا رسول الله وفدوا هذا الدين بالمهج، وآمنوا برسالة الإسلام دون أن يروا منه آية إلا القرآن الكريم.
المائدة هي اسم للطعام الذي أنزل على حواريي عيسى عليه الصلاة والسلام، ذكرها سبحانه وتعالى في قوله: (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) المائدة: 112، قال صاحب التحرير والتنوير: «المائدة اسم الطعام وإن لم يكن في وعاء ولا على خوان، وجزم بذلك بعض المحققين، ولعله مجاز مرسل بعلاقة المحل.. واسم السفرة غلب إطلاقه على وعاء من أديم مستدير، وسميت سفرة لأنها يتخذها المسافر».
والعلة في طلب الحواريين لهذه المائدة مذكورة في قوله تعالى (قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلمَ أن قد صدقتنا ونكونَ عليها من الشاهدين) المائدة: 113. فكان طلبهم لها زيادة في البرهان على صدق عيسى عليه السلام في دعوته.
روى الترمذي عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنزلت المائدة من السماء خبزاً ولحماً».
ولسائل أن يسأل أليس قولهم (هل يستطيع ربك) شكاً منهم في قدرة الله تعالى؟ مع أنه قال قبل آية (وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون).
قال العلامة ابن عاشور في التحرير والتنوير: «وجرى قوله تعالى (هل يستطيع ربك) على طريقة عربية في العرض والدعاء، يقولون للمستطيع لأمر: هل تستطيع كذا؟ على معنى تطلّب العذر له إن لم يجبك إلى مطلوبك، وأن السائل لا يحب أن يكلف المسؤول ما يشق عليه، وذلك كناية، فلم يبق منظوراً فيه إلى صريح المعنى المقتضى أنه يشك في استطاعة المسؤول، وإنما يقول ذلك الأدنى للأعلى منه، ومنه ما جاء في حديث يحيى المازني أن رجلاً قال لعبد الله بن زيد: أتستطيع أن تريني كيف كان رسول الله يتوضأ؟ فإن السائل يعلم أن عبد الله لا يشق عليه ذلك، فليس قول الحواريين المحكي بهذا اللفظ في القرآن إلا لفظاً من لغتهم يدل على التلطف والتأدب في السؤال».
دعاء وخطاب
2شتان بين مستوى الخطاب الذي كان عليه الحواريون ومستوى الدعاء الذي لهج به نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام، وذلك في النواحي التالية:
- أما هم فقالوا: هل يستطيع ربك، فبدأوا باسم الربوبية (ربك)، والربوبية تعني التربية، وأما عيسى فبدأ بقوله: (اللهم ربنا)، والفرق بين الصفتين أن الأولى يلحظ فيها معنى النفعية بالتربية، وأما الألوهية فتتمثل فيها العبودية الخالصة لله تعالى لأنه إله يستحق العبادة.
- ذكر الحواريون علة طلبهم المائدة بقولهم (نريد أن نأكل منها) فابتدأوا بالهدف النفعي أولاً، وهو الأكل، وعيسى بدأه بقوله: (تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا وآية منك) أي تكون آية باهرة دالة على عظمتك يا رب، نعود بهذه الآية إليك، ونقبل عليك، فبدأ بالهدف التعبدي، ثم قال (وارزقنا وأنت خير الرازقين).
قال الرازي في مفاتيح الغيب: «تأمل في هذا الترتيب فإن الحواريين لما سألوا المائدة ذكروا في طلبها أغراضاً، فقدموا ذكر الأكل فقالوا (نريد أن نأكل منها) وأخّروا الأغراض الدينية الروحانية، فأما عيسى فإنه لما طلب المائدة وذكر أغراضه فيها قدم الأغراض الدينية وأخّر غرض الأكل.. ثم إن عيسى عليه السلام لشدة صفاء دينه وإشراق روحه لما ذكر الرزق بقوله (وَٱرْزُقْنَا) لم يقف عليه بل انتقل من الرزق إلى الرازق فقال (وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ)».
بهذا النداء الذي انطلق به لسان عيسى عليه الصلاة والسلام، يظهر لنا بجلاء فضل الاصطفاء الذي خص الله به أنبياءه ورسله من بين الخلق، فهم خيرة العباد العارفون بالله، إن نطقوا كان كلامهم حكمة، وإن سكتوا كان سكوتهم فكرة، ولهذا اصطفاهم الله تعالى منذرين مبلغين، ينيرون للخلق حياتهم بالإيمان الذي إذا خالطت بشاشته قلوبهم نالوا سعادة الدنيا والآخرة.
في عجالة من التأمل لقصة المائدة التي طلبها حواريو عيسى عليه السلام، نرى مدى عظمة أصحاب رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، هؤلاء القوم الذين آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقوه وحملوا هذا الدين يقيناً في قلوبهم وتبليغاً على ألسنتهم إلى أن صدحت الدنيا بنداء الحق، ودانت أقاصيها بدين الإسلام.
ما أعظمهم من أصحاب.. لم يطلبوا منه خارقة واحدة بعد إسلامهم، بل خالطت قلوبَهم بشاشةُ الإيمان وصدقوا رسول الله وفدوا هذا الدين بالمهج، وآمنوا برسالة الإسلام دون أن يروا منه آية إلا القرآن الكريم.
المائدة هي اسم للطعام الذي أنزل على حواريي عيسى عليه الصلاة والسلام، ذكرها سبحانه وتعالى في قوله: (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) المائدة: 112، قال صاحب التحرير والتنوير: «المائدة اسم الطعام وإن لم يكن في وعاء ولا على خوان، وجزم بذلك بعض المحققين، ولعله مجاز مرسل بعلاقة المحل.. واسم السفرة غلب إطلاقه على وعاء من أديم مستدير، وسميت سفرة لأنها يتخذها المسافر».
والعلة في طلب الحواريين لهذه المائدة مذكورة في قوله تعالى (قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلمَ أن قد صدقتنا ونكونَ عليها من الشاهدين) المائدة: 113. فكان طلبهم لها زيادة في البرهان على صدق عيسى عليه السلام في دعوته.
روى الترمذي عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنزلت المائدة من السماء خبزاً ولحماً».
ولسائل أن يسأل أليس قولهم (هل يستطيع ربك) شكاً منهم في قدرة الله تعالى؟ مع أنه قال قبل آية (وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون).
قال العلامة ابن عاشور في التحرير والتنوير: «وجرى قوله تعالى (هل يستطيع ربك) على طريقة عربية في العرض والدعاء، يقولون للمستطيع لأمر: هل تستطيع كذا؟ على معنى تطلّب العذر له إن لم يجبك إلى مطلوبك، وأن السائل لا يحب أن يكلف المسؤول ما يشق عليه، وذلك كناية، فلم يبق منظوراً فيه إلى صريح المعنى المقتضى أنه يشك في استطاعة المسؤول، وإنما يقول ذلك الأدنى للأعلى منه، ومنه ما جاء في حديث يحيى المازني أن رجلاً قال لعبد الله بن زيد: أتستطيع أن تريني كيف كان رسول الله يتوضأ؟ فإن السائل يعلم أن عبد الله لا يشق عليه ذلك، فليس قول الحواريين المحكي بهذا اللفظ في القرآن إلا لفظاً من لغتهم يدل على التلطف والتأدب في السؤال».
دعاء وخطاب
2شتان بين مستوى الخطاب الذي كان عليه الحواريون ومستوى الدعاء الذي لهج به نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام، وذلك في النواحي التالية:
- أما هم فقالوا: هل يستطيع ربك، فبدأوا باسم الربوبية (ربك)، والربوبية تعني التربية، وأما عيسى فبدأ بقوله: (اللهم ربنا)، والفرق بين الصفتين أن الأولى يلحظ فيها معنى النفعية بالتربية، وأما الألوهية فتتمثل فيها العبودية الخالصة لله تعالى لأنه إله يستحق العبادة.
- ذكر الحواريون علة طلبهم المائدة بقولهم (نريد أن نأكل منها) فابتدأوا بالهدف النفعي أولاً، وهو الأكل، وعيسى بدأه بقوله: (تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا وآية منك) أي تكون آية باهرة دالة على عظمتك يا رب، نعود بهذه الآية إليك، ونقبل عليك، فبدأ بالهدف التعبدي، ثم قال (وارزقنا وأنت خير الرازقين).
قال الرازي في مفاتيح الغيب: «تأمل في هذا الترتيب فإن الحواريين لما سألوا المائدة ذكروا في طلبها أغراضاً، فقدموا ذكر الأكل فقالوا (نريد أن نأكل منها) وأخّروا الأغراض الدينية الروحانية، فأما عيسى فإنه لما طلب المائدة وذكر أغراضه فيها قدم الأغراض الدينية وأخّر غرض الأكل.. ثم إن عيسى عليه السلام لشدة صفاء دينه وإشراق روحه لما ذكر الرزق بقوله (وَٱرْزُقْنَا) لم يقف عليه بل انتقل من الرزق إلى الرازق فقال (وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ)».
بهذا النداء الذي انطلق به لسان عيسى عليه الصلاة والسلام، يظهر لنا بجلاء فضل الاصطفاء الذي خص الله به أنبياءه ورسله من بين الخلق، فهم خيرة العباد العارفون بالله، إن نطقوا كان كلامهم حكمة، وإن سكتوا كان سكوتهم فكرة، ولهذا اصطفاهم الله تعالى منذرين مبلغين، ينيرون للخلق حياتهم بالإيمان الذي إذا خالطت بشاشته قلوبهم نالوا سعادة الدنيا والآخرة.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34789
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
الشر «الوسواس».. والشيطان «الخناس»
المصدر:
د. أحمد خضير
كلمتا الوسواس والخناس من أكثر الكلمات ترديداً على ألسنتنا، نظراً لقراءة سورة الناس بكثرة بصفتها من المعوذات، ومعنى الوسواس بفتح الواو اسم للذي يلقي في نفوس الناس خواطر الشر والسوء وبكسر الواو المراد به المصدر أي الوسوسة والوسوسة هي ما يجده الإنسان في صدره من الأفكار الشريرة والخاطئة التي تدعوه الى فعلها وتطبيقها وبمعنى اخر هو حديث النفس الذي يفكر به الانسان فإذا احس العبد بذلك الوسواس عليه ان يذكر الله تعالى حتى يذهب ويختفي كيد الشيطان.
في صدر الإنسان
أما الخناس في اللفظ صيغة مبالغة هو الشيطان الجاثم في صدر الانسان، فإذا ذكر الله تعالى خنس واذا غفل عنه اخذ يوسوس له بالسوء والشر ويلتقم قلبه فيحدثه ويمنّيه ويكون مسلطاً عليه الا من عصمه الله. وثبت في الحديث الصحيح ان صفية ام المؤمنين زارت النبي وهو معتكف في المسجد فلما خرجت خرج معها ليردها الى منزلها ليلا فلقيه رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم اسرعا متنحيين عن الطريق فقال عليه الصلاة والسلام »على رسلكما انها صفية بنت حيي« فقالا سبحان الله يا رسول الله »اي نحن لا نشك فيك« فقال ان الشيطان يجري من ابن ادم مجرى الدم واني خشيت ان يقذف في قلوبكما شرا. وفي حديث آخر ان الشيطان واضع خطمه على قلب ابن ادم فإن ذكر الله خنس وان نسي التقم قلبه فذلك الوسواس الخناس. فالإنسان اذا غفل عن الله تعالى تعاظم عليه الشيطان وغلبه ومتى ما ذكر الله تصاغر الشيطان وغلبه الإنسان.
الصفات الثلاث
وسبب ذكر الصدور »في صدور الناس«، لأنها تحتوي على القلوب وهي محل الخواطر. وكيفية الاستعادة بهذه السورة، ان نستعيذ بصفات ثلاث لله تعالى بالربوبية والملك والالوهية »قل أعوذ برب الناس، ملك الناس، إله الناس« من شرور الشيطان واضراره في الدين والدنيا والاخرة برب الناس وملك الناس واله الناس. فذكر ربنا هنا الناس وان كان رباً لجميع الخلق وذلك لأمرين، لأنهم معظّمون وعندهم قدرة لفعل الشر فاعلم انه ربهم، ولأنه امر بالاستعاذة من شر الناس »من الجنة والناس« لأنه هو القادر الذي يعيذ منهم. وذكر الله صفة الملك والالوهية ليبين للناس ان الله هو المالك الحقيقي وانه إلاههم ومعبودهم ولا معبود لهم سواه وانه الذي يلجأ اليه دون الملوك والعظماء.
وسبب تسمية السورة بالناس، لافتتاحها بالناس »قل اعوذ برب الناس« وهي اخر سورة في القرآن، وقد بدأ بالفاتحة التي هي استعانة بالله وبالحمد له وختم القرآن بالمعوذتين للاستعاذة به. والمقارنة في التعوذ بين سورة الفلق وسورة الناس، ان المستعاذ به في سورة الفلق »قل اعوذ برب الفلق« صفة واحدة وهي الربوبية والمستعاذ منه اربعة، وهناك انواع عدة من الآفات وهي »شرور الخلق« و»الغاسق« وهو دخول ظلام الليل، والنفاثات، وهي الساحر اذا نفث اي قذف الريق القليل في سحره، والحاسد.
النفس والدين
أما في سورة الناس المستعاذ به موصوف بثلاث صفات وهي الرب والملك والإله والمستعاذ منه آفة، واحدة وهي الوسوسة، وسبب التفرقة ان المطلوب في سورة الفلق، سلامة النفس والبدن والمطلوب. في سورة الناس سلامة، الدين ومضرة الدين اعظم من المضرّة في الدنيا والنفس والبدن. كان صلى الله عليه وسلم يستشفي بسور الإخلاص والفلق والناس وكان علاجاً ناجحاً قوي المفعول سريع الأثر مضمون النتائج في كل حالات المرض، حتى من السحر، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب السور الى الله »قل أعوذ برب الفلق« »قل اعوذ برب الناس« وفضائلهما كثيرة لا تحصى، وهما تحميان العبد من الشياطين وهما رقية من المس.
وسبب نزول سورة الناس، ان رجلا من بني زريق »لبيد الاعصم« سحر النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه في غلاف طلع نخل ذكر ووضعه في بئر فأحسّ النبي صلى الله عليه وسلم بأثره فجاء الأمين جبريل بسورتي الفلق والناس فقرأهما النبي صلى الله عليه وسلم فكلما قرأ آية يجد خفة حتى انحلت العقد الإحدى عشرة ولهذا يقول بعض المفسرين إن هاتين السورتين احدى عشرة آية على عدد تلك العقد ثم وجد النبي صلى الله عليه وسلم نشاطاً كأنما حل من انعقاد، فلما نزلت هاتان السورتان كان يرقي بهما وترك ما سواهما.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34789
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
الحوت.. ورد في ثلاث قصص قرآنية
بقلم ـ محيي الدين الإسنوي
تعد الحيتان من الثدييات، وهي من أكبر المخلوقات على الأرض وأقواها، فالحوت الأزرق قد يصل طوله إلى ثلاثين متراً، وقد يبلغ وزنه مئتا طن، والحيتان تعيش في البحار والمحيطات، وتلد فيها، وبعض أنواعها صغيرة الحجم تعيش في المياه العذبة (الأنهار)، والحيتان تتنفس عن طريق الرئة، وتخرج الهواء المستهلك عن طريق بخّه إلى الأعلى، ويكون ذلك عادة مصحوباً برذاذ الماء والبخار، فيرتفع لعدة أمتار.
خمسة مواضع
وتنقسم الحيتان إلى صنفين رئيسيين: الحيتان المسننة (ذات الأسنان)، والحيتان البلّينية التي لا أسنان لها، ويتوقع أن حوت يونس كان من هذه الحيتان البلّينية، ومنها الحوت الأزرق الذي يعتبر أضخم حيوان على وجه الأرض فيما نعرف.
وقد ورد ذكر الحوت في القرآن الكريم في خمسة مواضع، في سورة الأعراف الآية 163 في قصة أهل القرية حاضرة البحر الذين حرم عليهم الصيد في يوم السبت، ذكر بالجمع (حيتان).
وذكر بالإفراد (الحوت) في سورة الكهف في الآيتين (61، 63) في قصة موسى وفتاه إذ ذهب لملاقاة الخضر.
وفي سورة الصافات (142)، والقلم (48) في قصة صاحب الحوت يونس عليه السلام.
وعلى ذلك فقد ذكر (الحوت) في ثلاث قصص مهمة من قصص القرآن الكريم، فيها من الآيات والعبر والحكم ما ينبغي للإنسان أن يتأمله.
أصحاب السبت
القصة الأولى: قصة أصحاب السبت من أسلاف اليهود الذين كانوا يسكنون القرية حاضرة البحر (أيلة)، الذين أخذ عليهم العهد والميثاق ألا يصطادوا في يوم السبت، ثم ابتلاهم الله تعالى (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ)، فتظهر لهم الحيتان في يوم السبت على سطح الماء، لا تحتاج في صيدها إلى كبير عناء، وتختفي عنهم بقية الأيام، فتعدى بعضهم واستعمل أنواع الحيلة على أوامر الشرع، فحفروا الأحواض لتناسب إليها الحيتان في يوم السبت، وتحبس فيها، ليلتقطوها بعده، فاعتدى ذلك الفريق على حدود الله، فوعظهم فريق من أهل القرية ونصحوهم، ووقف فريق ثالث موقفاً سلبياً، فنجى الله تعالى من نهى عن السوء والمنكر، وأهلك الظالمين، وهكذا الحال في كل أمة شاع فيها الفساد، والحوت في هذه القصة هو الرزق المطلوب والخير المرغوب الذي جعله الله ابتلاء لهؤلاء الناس.
قصة موسى
القصة الثانية: قصة موسى وفتاه (يوشع بن نون)، إذ انطلقا كي يبلغ موسى مجمع البحرين حتى يقابل العبد الصالح (الخضر)، الذي علم من الله أنه على علمٍ ليس عند موسى، فرحل موسى ليتعلم منه، وكان معهما من الطعام الحوت، يحمله فتى موسى في مكتل، فلما بلغا مجمعاً بين البحرين، نسي الفتى الحوت، فاتخذ سبيله في البحر عجباً، وبعد أن جاوزا المكان طلب موسى الغداء فأخبره الفتى بخبر الحوت، فعلم أن ذلك هو المكان المطلوب الذي سيجد عنده الخضر، وأن ما حدث من الحوت وانسيابه إلى البحر ما هو إلا علامة، فرجع موسى، وقابل الخضر، وكان من حديثهما ما سجله القرآن في سورة الكهف.
الفلك المشحون
القصة الثالثة: قصة سيدنا يونس عليه السلام، إذ غضب من قومه فتركهم بلا إذن من الله، وركب الفلك المشحون (الممتلئ)، وكانت عادتهم إذا هبت الريح وثقلت الأوزان واحتاجوا إلى تخفيف حمل الفلك، أن يستهموا، فأيهم خرج عليه السهم رموه في البحر، فاستهموا فخرج السهم على يونس عليه السلام ثلاث مرات، فألقوه في البحر فالتقمه الحوت التقاماً، أي ابتلعه، فكان من المسبحين لله تعالى.
وقد ذكر يونس عليه السلام في القرآن الكريم أربع مرات باسمه، وذكر بوصفه مرتين: في سورة الأنبياء (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) [الآية 87]، و(النون) هو الحوت، وفي سورة القلم (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ) [الآية 48].
فانظر لأهمية الحوت في هذه القصة، حتى سمي يونس عليه السلام بـ(ذا النون) و(صاحب الحوت).
وما أعظم ثبات هذا النبي الكريم وإيمانه وتسبيحه: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ).
وقد ورد أن هذا التسبيح هو اسم الله الأعظم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، إنه لم يدع بها مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له بها«. رواه الترمذي والحاكم. وزاده الله كرامة فآمن قومه وقبلهم الله، قال تعالى: (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ)، والمئة ألف أكبر عدد ذكر في كتاب الله تعالى.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34789
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
كونوا قردة خاسئين
المصدر:
بقلم ـ عامر محمد عامر
ذكر القرآن الكريم كثيراً من الحيوانات، بيّن منافعها ومقاصدها والحكمة من خلقها، وضرب الأمثال بها، ومنها القرد الذي يشتهر بحركته الكثيرة، ويعرف بالذكاء والفهم، وله مشابهة بالإنسان في كثير من الصفات الخلقية والخلقية، وقد جاء الحديث عن القردة في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع، وكلها تتحدث عن غرض واحد..
وهو كيف عاقب الله قوماً من بني إسرائيل فمسخهم إلى قردة وخنازير، عندما عتوا عن أمر ربهم، وخالفوا شرعه، حيث كان الموضع الأول في سورة البقرة قال تعالى: «ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين» 65.
مسخ وعقاب
وهذا الخطاب لبني إسرائيل تذكير لهم، بما حل بأجدادهم من مسخ وعقاب عندما خالفوا أمر الله وتعدوا حدوده، وزوروا وبدلوا، وهاهم اليوم يعودون إلى سالف عهدهم من الإنكار والجحود، لنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - وإن ما حل بأسلافهم قد يحل بهم، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ* وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً» سورة النساء: 47.
أما الموضع الثاني، قال تعالى: «قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكاناً وأضل عن سواء السبيل» سورة المائدة: 60، وهي أيضاً تصب في هذا الغرض وتتوعد الذين بالغوا بالجحود والإنكار، والذين يصدون ويطعنون على دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقفون لها بالمرصاد.
القرية
وجاء في قوله تعالى: «واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون»، وفي هذه الآية فصل الله تعالى ما وقع لهم من العقوبة، عندما عتوا عن أمره سبحانه، وقد بين هذا الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - عن طريق الوحي وقد كان بنو إسرائيل يكتمونه عن الناس لما فيه من الخزي والعار.
وفي هذا أيضاً ما لا يخفى من الإعجاز الغيبي لسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وفى جو هذه الآيات الكريمات لنا وقفات، فقوله تعالى: (واسألهم) الأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسأل اليهود المعاصرين لرسالته في المدينة المنورة، والسؤال هنا ليس للاستعلام بل لتقرير كفرهم القديم، الذي ورثوه عن أسلافهم في تلبيسهم الحق بالباطل وما وقع لهم من جرّاءِ ذلك.
ابتلاء واختبار
أما القرية كما وصفها القرآن الكريم «حاضرة البحر» أي بجواره وعلى ما قال المفسرون: «أيلة» ولعلها إيلات الواقعة على خليج العقبة، يعيش أهلها قديماً على صيد الأسماك، وقد حرم الله عليهم الصيد يوم السبت، لأنه كان مخصصاً للعبادة المفروضة من الله جل وعلا، والتي لا يجوز التلاعب فيها زماناً ولا مكاناً ولا كيفية، ونعود إلى أهل القرية التي حرم الله عليهم يوم الصيد لكى يبتليهم الله ويختبرهم..
فقد سخر الحيتان تأتي يوم السبت على ساحل البحر ظاهرة للعيان، ويوم لا يسبتون لا تأتيهم ولكنهم التفوا على شرع الله واحتالوا، فاتخذوا حياضاً سهلة لورود الأسماك إليها يوم السبت، فلا تقدر على الخروج، فيصيدونها يوم الأحد واستمروا على ذلك وأكلوا وباعوا.
فاختلف أهل القرية وانقسموا إلى ثلاثة فرق، الفريق الأول أنكر عليهم هذه الحيلة أشد الإنكار، ونصحوهم ووعظوهم واعتزلوهم عندما أصروا على فعلهم، أما الفريق الثاني فلم يستمروا في النهي وتوقعوا لهم العقاب ولم يعتزلوهم، واستمر الفريق الثالث في غيه وظلمه وهم الذين أوقع الله عليهم المسخ كما قال تعالى:
«فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون، فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين» الأعراف: الآيات 165-166، هكذا أوضح لنا القرآن الكريم عاقبة أهل السوء، ونجاة الذين أمروا بالمعروف، واعتزلوا أهل المعاصي، وأما الفريق الثالث فقد اختلف فيه.
القرد الخياط
من صفات القردة الخَلقية والخُلقية، المشابهة للإنسان: أنه «يضحك ويـطرب ويحاكي ويقلد غيره» ويتناول الأشياء بيده، وله أصابع مفصلة، وأظفار ويقبل التلقين والتعليم وقد يعلم حراسة المتاع، ويتزوج أنثى فقط ويغار على أنثاه، وتروى عنه حكايات كثيرة، منها أن ملك النوبة أهدى إلى المتوكل قرداً خياطاً، وآخر صانعاً. أما أكل لحم القردة فهو محرم، ويجوز بيعه لإمكان تعليمه في قضاء الحاجات، فسبحان الذي أحسن كل شيء خلقه.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34789
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
الفرق بين الحجرات والغُرف
المصدر: - محمد سعيد قصيباتي
الحجرات جمع حُجرة، بضم الحاء وسكون الجيم، وهي البقعة المحجورة، أي التي منعت من أن يستعملها غير حاجرها، وبها سميت سورة الحجرات، وهي حجرات النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت تفتح إلى المسجد.
وأما الغرف فجمع غرفة، قال الراغب في الأصفهاني في المفردات (360): «والغُرفة: عُلِّيَّةٌ من البناء، وسميت منازل الجنة غرفاً».
وقال البغوي في تفسيره (6/100): «والغرفة: كل بناء مرتفع عال».
وقال ابن عاشور في تفسيره (19/84): «والغرفة: البيت المعتلي يصعد إليه بدرج، وهو أعز منزلاً من البيت الأرضي».
وبذلك يظهر الفرق بين الحجرة والغرفة، فالحجرة سميت لأنها تمنع من بداخلها، من (حجَر) أي منع. أو تحجز بين من هم بداخلها ومن هم بخارجها، وتكون في سفل، فهي سهلة الغشيان من كل أحد، وسميت بيوت النبي الكريم صلى الله عليه وسلم حجرات، لأنها أجزاء منه، وكانت تسعا، وكانت في سفل.
وسميت الغرفة لأن من فيها ينتخب ويختار، ليرفع إليها، وتكون في علٍ. فهي عسرة الغشيان، فلا يدخلها كل أحد. وسمى الله بها مساكن الجنان (أولئك يجزون الغرفة بما صبروا) الفرقان: 75، (وهم في الغرفات آمنون) سبأ: 37.
كل آية من سورة الحجرات هي قرآن قائم بذاته. كل آية من سورة الحجرات، هي منهج حياة ونبراس يضيء للبشرية طريقها. مخزن من الآداب والفضائل في سورة نزلت على أمة الصحراء لا يسع المتمعنَ فيها إلا أن يعلم أنها أنزلت من لدن حكيم عليم.
ومع ذلك، فما زالت الاتهامات تكال للإسلام، وكأن الآذان صمت والأعين عميت عن مثل هذه السورة التي عقِمَت الأيام أن تلد للإنسانية بمثلها، والعجيب في الأمر، أنهم يتهمون الإسلام ثم هم يتخبطون في عالم مليء بالشقاء والفساد الذي ما فتئ يزداد حتى الْتَهمَ المجتمعات برذائله ونظرياته العفنة التي جرّت الناس من شقاء إلى آخر.
بكل إيجاز معجز، يقف المتأمل لهذه السورة، فيجدها تناولت، على قلة آياتها الثمانية عشرة، كل محاور العلاقات الاجتماعية، مبينة علاقة المسلم بالله تعالى، وبرسوله صلى الله عليه وسلم، وعلاقة المسلمين مع بعضهم أفراداً وجماعات، ومع غيرهم من المجتمعات، ومنظومة المجتمع الأخلاقية التي يقوم عليها، والرابطة الإنسانية التي تربط البشر جميعاً بأصلهم من ذكر وأنثى، والغاية السامية التي تجمع ولا تفرق، وتصلح ولا تفسد. آيات قدمت ما عجزت الحضارات الإنسانية جمعاء من تقديمه أو تقديم جزء منه على مدى التاريخ.
ليس هذا المقال بصدد تفسير سورة الحجرات، وإنما هو بقعة ضوء تسلَّط على عظم ما في هذه السورة من أركان، لعله يكون دليلاً يهتدي به القارئ إلى معرفة عظمة هذا الدين.
تناولت هذه السورة آداب المسلم مع الله تعالى ورسوله، بتحريم الافتئات على الله ورسوله، وتوقير الرسول صلى الله عليه وسلم.
وتناولت علاقة المجتمعات الإسلامية من التثبت في الأخبار، والإصلاح بين المؤمنين، وقتال البغاة. ثم علاقة المسلمين مع بعضهم في النهي عن السخرية، والنهي عن اللمز والنهي عن التنابز بالألقاب، واجتناب الظن السيئ، والنهي عن التجسس، والنهي عن الغيبة، وفضل الجهاد بالنفس والمال.
ثم بيَّنت مبادئ المساواة بين الناس جميعاً، باعتبارهم أبناء لآدم وحواء، وأن المقياس لرفعة الإنسان وشرفه، هو ميزان واحد يقوّم الله به الجميع، إنه ميزان التقوى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، وبهذا، هدم كل ما رفعه البشر من ضوابط للرفعة والتكريم.
والسورة بعد عرض هذه الحقائق، تحدد معالم الإيمان الذي به دعي المؤمنون، إنه الإيمان الذي وقر في القلب، لا ما جرى على اللسان.
وفي ختام هذه المعجزة الأخلاقية الرفيعة، يبين سبحانه وتعالى قيمة المنحة الإلهية التي وهبها للبشر، التي لا تعدلها هبة، إنها نعمة الإيمان، التي يمن بها الله على من يشاء من عباده (يمنُّون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا عليَّ إسلامكم بل الله يمنُّ عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين).
ما أنظفه من مجتمع تقوم فيه هذه الأخلاق، وما أطهرهم من بشر يتحلون بمثل هذه الفضائل، ويا لها من أمة عظيمة تلك التي أنزلت عليها سورة تتلى إلى يوم القيامة، ترفع الأخلاق وتساوي بين البشر، وتغرز فيهم أن قيمتهم بارتباطهم بالعلو الأعلى. بهذه الأخلاق، أشرقت تلك الومضة الرائعة في تاريخ الإنسانية، ووُجدت هذه الحقيقة واقعاً كان معاشاً على أرض الجزيرة العربية، التي حمل أصحابها شعلة من هذا النور، وبلغوه إلى أهل الأرض لينيروا به حياتهم، وتسمو بتعاليمه أرواحهم.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34789
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
جراد منتشر
بقلم ـ د. عمر عثمان محمد
ورد ذكر الجراد في القرآن الكريم في موضعين الأول ورد ذكره فيه كجندي من جنود الله تعالى، أرسله الله على العصاة من عباده عقابا لهم، فقال جل من قائل: ( فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقُمل والضفادعَ والدم آيات مفصلات فاستكبرُوا وكانوا قوماً مجرمين) سورة الأعراف 133.
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: ( الجراد جند من جنود الله ضعيف الخلقة، عجيب التركيب، فيه خلق سبع حيوانات، فإذا رأيت عساكره قد أقبلت، أبصرت جندا لا مرد لهم، ولا يحصى منه عدد ولا عدة، فلو جمع الملك خيله، ورجاله ودوابه وسلاحه ليصده عن بلاده لما أمكنه ذلك، وهذا من حكمته سبحانه وتعالى أن يسلط الضعيفَ من خلقه الذي لا مؤنة له على القوي، فينتقم به منه، وينزل به ما كان يحذره منه، حتى لا يستطيع لذلك ردا ولا صرفا ).
والموضع الثاني جاء ذكر الجراد في سياق وصف يوم الحشر، وحال الناس حين يخرجون من قبورهم، وهم في فَزَعٍ عظيم، وأمر مريج، كأنهم الجراد المنتشر بكل اتجاه، قال سبحانه:
( خُّشّعٌاً أبصارُهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر ) .( القمر: 7)
وأما ورود ذكر الجراد في السنة النبوية المطهرة، فقد روي عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، أنه صلى الله عليه وسلم قالأُحِلّت لنا ميتتان ودمان: الجراد والحيتان، والكبد والطحال)، ولعل الحكمة من إباحة أكل الجراد من غير تذكية، أنه خال من الدم المسفوح الذي تحتويه بقية الحيوانات، ومن ناحية أخرى فإنها من الحشرات التي لا تأكل القاذورات أو النجاسات، لأنها تعيش في البراري، فيكون أكلها مغايراً لباقي الحشرات ولخلوها من مسببات المرض، كما أنها تمثل عوضا عما يصيب الناس من كوارث بسببها وبهذا تكون أشبه بالبديل الغذائي الأمثل.
أنواع الجراد
للجراد أصناف كثيرة وأنواع متعددة فبعضه كبير الجثة، وبعضه صغيرها، وبعضه أحمر، وآخر أصفر، وبعضه أبيض، والجراد إذا خرج من بيضه يقال له الدبى، فإذا طلعت أجنحته وكبرت فهو الغوغاء، فإذا بدت فيه الألوان واصفرت الذكور، واسوَدَّت الإناث سمي جراداً حينئذ، وللجرادة ستة أرجل، ويدان في صدرها، وقائمتان في وسطها، ورجلان في مؤخرها، وطرفا رجليها منشاران.
وهو من الحيوان الذي ينقاد لرئيسه، فيجتمع كالعسكري إذا ظعن أوله تتابع جميعه ظاعناً، وإذا نزل أوله نزل جميعه، ولعابه سم قاتل للنبات، لا يقع على شيء منه إلا أهلكه، وفي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بينما أيوب عليه الصلاة والسلام يغتسل عريانا خر عليه رجل جراد من ذهب، فجعل يحثي في ثوبه، فناداه الله تعالى : يا أيوب ألم أكن أغنيك عما ترى ؟ قال : بلى يا رب ولكن لا غنى لي عن بركتك) قال الشافعي رحمه الله: نعم المال الصالح مع العبد الصالح.
وفي الجراد خلقة عشرة من جبابرة الحيوان مع ضعفه ففيه وجه فرس وعينا فيل، وعنق ثور، وقرنا أيل، وصدر أسد، وبطن عقرب، وجناحا نَسْرٍ، وفخذا جمل، ورجلا نعامة، وذنب حية.
قال الأصمعي: أتيت البادية فإذا أعرابي زرع بُراً له فلما قام على سوقه وجاد سنبله، أتاه رجل جراد، فجعل الرجل ينظر إليه ولا يدري كيف الحيلة فيه، فأنشأ يقول:
مر الجراد على زرعي فقلت له لا تأكلَنَّ ولا تَشْغَل بإفساد .
فقام منهم خطيب فوق سنبلة إنَّا على سفر لابد من زاد .
أكل الجراد
أجمع علماء الأمة على إباحة أكله للأحاديث الصحيحة المروية في ذلك ، قال عبدالله بن أبي أوفى: ( غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد، رواه أبو داود والبخاري والحافظ أبو نعيم، وفيه : ويأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم معنا، وروى ابن ماجه عن أنس رضي الله عنه قال : كُنَّ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يتهادين الجراد في الأطباق، وفي الموطأ من حديث ابن عمر سئل عن الجراد فقال : وددت أن عندي قفة آكل منها ).
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34789
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
"الماء" في القرآن.. بحور المعاني والدلالات
محمد سعيد قصيباتي
هو الماء.. نواة وجود الكائنات ومصدر إمداد البشرية بالبقاء، من أعظم النعم التي قد لا يبالي الناس بها لإلفهم لها واعتيادهم عليها، إن وجد وجدت الحياة، وإن فقد فلا تغني عنه كنوز الكون لو حضرت بين يدي فاقده.
ذكره الله تعالى في كتابه العزيز بلفظ الماء ثلاثاً وستين مرة، وبلفظ الغيث والمطر والوابل. وقد جاء لفظ الماء في القرآن لمعنيين ذكرهما صاحب كتاب الوجوه والنظائر (418) فقال: «الماء يعني المطر، كقوله تعالى (فأنزلنا من السماء ماء)، والوجه الثاني الماء بمعنى النطفة كقوله تعالى (وهو الذي خلق من الماء بشرا) الفرقان: 54.
من جند الله
من عظمة قدرة الله تعالى أنه ينجي ويهلك بالسبب الواحد وفي آن واحد، فقد نجّا الله نوحاً في السفينة على الماء وأهلك به قومه، ونجّا الله موسى بالماء وأهلك به فرعون، وأنزل الله الماء على رسولنا صلى الله عليه وسلم فكان ثباتاً لأقدام المؤمنين في معركة بدر، ووحلاً وطيناً على مشركي قريش في مقابلهم، (ولله جنود السموات والأرض).
والبيان القرآني يخصص المطر بالعذاب، وأما مطر الرحمة فلا يذكر إلا بلفظ الماء، قال تعالى (ولا جناح عليكم إن كان بكم اذى من مطر) فعبر بالمطر لأنه أذى. وأما الرحمة فكقوله تعالى (أنزل من السماء ماء) وهي آيات كثيرة متعددة.
قال السيوطي في كتاب الإتقان: »وفي صحيح البخاري عن سفيان بن عيينة قال: ما سمى الله المطر في القرآن إلا عذاباً، وتسميه العرب غيثاً«. فالغيث ذكره الله تعالى في كتابه في ثلاثة مواضع: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث) لقمان: 34. (وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته) الشورى: 28. (كمثلِ غيثٍ أَعجبَ الكفارَ نباتُه) الحديد: 20.
جاء في التحرير والتنوير: »الغيث: المطر الآتي بعد الجفاف، سمي غيثاً بالمصدر لأن به غيث الناس المضطرين«.
وأما الوابل فهو المطر الشديد، قال الفيروزآبادي في كتاب بصائر ذوي التمييز 5/153: »الوابل: المطر الشديد القطر، وبَلَتِ السماء تَبِلُ : أتت بالوَبْل، قال تعالى: (فإن لم يصبها وابل فطل)، ولمراعاة الثقل قيل لكل شدة ومخافة وبال، قال تعالى (فذاقت وبال أمرها).
الدنيا والماء
ويضرب الله مثل الحياة الدنيا فيقول (إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض) يونس: 24
وهذا النوع من التشبيه هو ما وسمه أهل البلاغة باسم التشبيه التمثيلي الذي يكون فيه المشبه به صورة منتزعة من متعدد.
قال الشوكاني في فيض القدير: «المعنى أن مثلها في سرعة الذهاب والاتصاف بوصف يضاد ما كانت عليه مثل ما على الأرض من أنواع النبات في زوال رونقه وذهاب بهجته بعد أن كان غضاً مخضراً طرياً قد تعانقت أغصانه المتمايلة وزهت أوراقه المتصافحة.. وليس المشبه به هو ما دخله الكاف في قوله (كماء أنزلناه من السماء) بل ما يفهم من الكلام.
ومن لطائف التفسير ما قاله القرطبي رحمه الله: »وقالت الحكماء: إنما شبّه تعالى الدنيا بالماء لأن الماء لا يستقر في موضع، كذلك الدنيا لا تبقى على حال واحد، ولأن الماء لا يستقيم على حالة واحدة، كذلك الدنيا، ولأن الماء لا يبقى ويذهب، كذلك الدنيا تفنى، ولأن الماء لا يقدر أحد أن يَدخله ولا يبتل، كذلك الدنيا لا يسلم أحد دخلها من فتنتها وآفتها، ولأن الماء إذا كان بقدر كان نافعاً منبتاً، وإذا جاوز المقدار كان ضاراً مهلكاً، وكذلك الدنيا، الكفافُ منها ينفع وفضولها يضر«.
وما هو ببالغه
وأما من يدعو من دون الله شركاء لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، فقد ضرب الله مثلاً له فقال (والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه) الرعد: 14.
فهو في حال العطش يقوم بفعل يظن أنه يبلغه الماء ولكن السبب الحقيقي هو غافل عنه، فهو يمد يده إلى الماء ويجعلهما مبسوطتين لا يستقر الماء عليهما، ثم يبتغي أن يصل الماء إلى فمه وينتفع منه. قال الزمخشري في الكشاف: » شبهوا في قلة جدوى دعائهم لآلهتهم بمن أراد أن يغرف الماء بيديه ليشربه، فبسطهما ناشراً أصابعه، فلم تلق كفاه منه شيئاً ولم يبلغ طلبته من شربه"
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34789
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
"والعصر".. قسم له مدلولات عظيمة
بقلم ـ عمار بن طوق
أقسم الله تبارك وتعالى، في كتابه، بالعصر، الذي هو الزمان، وسمى به سورة من سور القرآن، وذلك: لأن الزمان تقع فيه حركات الإنسان، من خير وشر، وطاعة ومعصية، وإقبال على الله وإدبار، فبسببه أطاع العبد ربه أو عصاه، وبسببه دخل الجنة التي أعدت للمتقين، أو النار التي أعدت للغاوين. ولأن الزمان تقع فيه تصرفات الأحوال، وتبدلاتها، من ليل ونهار..
وإظلام وإسفار، وحر وبرد، وغنى وفقر، وأمن وخوف، فتدل هذه التصاريف، على وجود الله تبارك وتعالى، وسعة علمه، وعظيم قدرته، وأنه المعبود الحق، الذي لا معبود يستحق العبادة سواه. ولأن الزمان مخلوق من مخلوقات الله، تبارك وتعالى، والله عز وجل يقسم بما شاء من خلقه، وحرم ذلك على الناس، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من حلف بغير الله فقد أشرك».
وما دام الله عز وجل قد أقسم بشريف، وهو الزمان، فلابد أن يكون المقسم عليه معنى شريفاً أيضاً، وهذا المعنى: هو أن كل إنسان في خسارة، إلا من استثناه الله عز وجل، فاختاره واصطفاه، وجعله من أهل الفلاح.
الخسر
قال الله سبحانه: «إن الإنسان لفي خسر»، والخسارة هنا تكون خسارة تامة كلية، وذلك إذا كفر الإنسان، فلم يدخل في دين الله، الذي هو دين الإسلام، فيكون قد عاش ليزداد إثماً، وتكون عاقبته النار، «خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين»، وتكون الخسارة خسارة ناقصة جزئية، وذلك إذا خالف طريقة أهل الاستقامة على طاعة الله، والاستقامة على اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع دخوله في الإسلام، فيكون قد فاته من الخير بمقدار بعده عن هذه الاستقامة.
الاستثناء
ثم استثنى الله عز وجل من الخاسرين، من جمع صفات الخير، فقال عز وجل: «إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر»، فهؤلاء هم الذين نجوا من الخسارة، وربحوا رضا الله عز وجل، ودخول جنته، التي أعدها لأوليائه.
فهم أهل الإيمان بالله، الذين سلمت قلوبهم من كل شبهة، تعارض خبر الله عز وجل، وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم، وسلمت قلوبهم من كل شهوة، تخالف أمر الله عز وجل، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم. وهم أهل العمل بما يدعو إليه الإيمان، فعملوا الصالحات، من أعمال القلوب، والجوارح، على اختلاف أنواعها، وألوانها. فعمرت قلوبهم بالتوكل على الله، والرجاء فيه، والخوف منه، والرغبة فيما عنده، والرهبة منه، والمحبة والإجلال له، والخشوع والإخبات.
تقوى الله
وعمرت جوارحهم بالصلاة، والزكاة، والصيام، والصدقات، والكلمات الطيبات، والسعي في الحاجات، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الناس وبقية المخلوقات. وهم أهل التواصي بالحق، الذين لم يقصروا الخير على أنفسهم، وينعزلوا عن الناس، بل أقبلوا على إخوانهم، وأقاربهم، وجيرانهم، وأهل مجتمعهم..
وكل من له صلة بهم، فدعوهم إلى الله عز وجل، وأخلصوا لهم النصيحة، وبذلوا لهم الدلالة والإرشاد، فأمروهم بالمعروف، الذي يقربهم إلى الله، ويدنيهم منه، ونهوهم عن المنكر، الذي يبعدهم عن الله، ويقصيهم عنه.
فإذا تأملت هذه المعاني السابقة، التي تدور عليها جميع أصناف الخيرات، عرفت أن لكلمة (العصر) عمقاً بعيداً، لا يتفطن له إلا من وفقه الله لذلك، وفتح عليه من فضله، وعرفت أن الإقسام بكلمة (العصر) له مدلولاته العظيمة.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34789
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
الفيل.. يرفض هدم الكعبة
المصدر:
* مستشار الوعظ والإرشاد - د. قطب عبدالحميد قطب
باسم الفيل نزلت سورة من القرآن الكريم سجَّل الله فيها أروع تسجيل في أوجز عبارة وأوضح أسلوب، قصة الفيل الذي خرج به أصحابه يريدون هدم الكعبة بيت الله الحرام، فأبادهم الله، وأرغم آنافهم، وخيَّب سعيهم، وأضل أعمالهم، قال تعالى: «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُول».
ومن عجيب أمر الفيل في هذه القصة أن أبرهة الأشرم – كما ذكر ابن إسحاق - لمَّا أصبح تهيأ لدخول مكة، وهيأ فِيله، وعبَّأ جيشه، وكان اسم الفيل محموداً، وأبرهة مُجْمعٌ لِهدم البيت، ثم الانصراف إلى اليمن، فلما وجَّهوا الفيل إلى مكة، أقبل نفيل بن حبيب الخثعمي، حتى قام إلى جنب الفيل، ثم أخذ بأُذنه، فقال: ابْرُكْ محمودا، أو ارجع راشدا من حيث جئت فإنك في بلد الله الحرام، فَبَرَك الفيل...
وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل، وضربوا الفيل ليقوم فأبَى، فضربوا في رأسه بالفأس- ليقوم فأبَى، فأدخلوا مَحاجِن -عصا معوجة قد يوضع في طرفها حديد- لهم في مَرَاقِّه -أسفل بطنه - فبزغوه بها – أَدْمَوْهُ - ليقوم فأبَى، فوجَّهوه راجعا إلى اليمن فقام يهرول، ووجَّهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك، ووجَّهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك..
ووجَّهوه إلى مكة فبرك، فأرسل الله عليهم طيراً من البحر أمثال الخطاطيف والبَلَسَان - ضربان من الطير - مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها، حجر في منقاره، وحجران في رجليه، أمثال الحُمّص والعدس، لا تُصيب منهم أحداً إلا هلك، وليس كلهم أصابت، وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق الذي منه جاؤوا، ويسألون عن نفيل بن حبيب ليدلهم على الطريق إلى اليمن، فقال نفيل بن حبيب حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته:
أين المفر والإله الطالب
والأشرم المغلوب ليس الغالب
فخرجوا يتساقطون بكل طريق، ويهلكون بكل مهلك على كل منهل.
وفي معاني القرآن للزجّاج أن دوابَّهم لم تَسِرْ نحو البيت، فإذا عطفوها راجعين سارت، فوعظهم الله تعالى بأبلغ موعظة.
أما الفِيل فقد نجَّاه الله، لما وقع منه من الفعل الجميل، الذي لم يقع مثله من العقلاء، ولذا قال البوصيري:
كم رأينا ما ليس يعقل قد ألهم ما ليس يلهم العقلاء
إذ أبَى الفيلُ ما أتى صاحبُ
الفيل ولم ينفع الحِجا والذكاء
وقد ورد في الأحاديث الصحيحة الإشارة إلى حبس الفيل عن مكة، فقد روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم: لمَّا أَظلَّ يوم الحُديبية على الثَّنية التي تهبط به على قريش بَرَكَتْ ناقتُه، فزجروها فألحت، فقالوا: خلأت القصواء - أي حرنت - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخُلق، ولكن حبسها حابس الفيل».
قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر: هو أبرهة الحبشي الذي جاء يقصد خراب الكعبة، فحبس الله الفيل فلم يدخل الحرم، ورَدَّ رأسَه راجعا من حيث جاء، يعني أن الله تعالى حبس ناقة النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا وصل إلى الحديبية فلم تتقدم ولم تدخل الحرم لأنه أراد أن يدخل مكة بالمسلمين.
وفي الصحيحين أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة: «إن الله حبس عن مكة الفيل، وسَلَّط عليها رسوله والمؤمنين، وإنه قد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، ألا فليبلغ الشاهد الغائب».
وكان حادث الفيل عام ولادته صلى الله عليه وسلم على الصحيح الذي عليه أكثر أهل العلم، قال الحافظ الدمياطي في سيرته: «كان بين الفيل وبين مولد النبي صلى الله عليه وسلم خمس وخمسون ليلة».
وكان إهلاك أصحاب الفيل تشريفاً له صلى الله عليه وسلم ولبلده، قال الحافظ ابن كثير: «كان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه في ذلك العام وُلد على أشهر الأقوال، ولسان حال القدر يقول: لم ننصركم يا معشر قريش على الحبشة لخيرتكم عليهم، ولكن صيانة للبيت العتيق الذي سنشرفه ونعظمه ونوقره ببعثة النبي الأمي محمد صلوات الله وسلامه عليه خاتم الأنبياء.
وقال الإمام الماوردي رحمه الله في أعلام النبوة: «ولمَّا دنا مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم تقاطرت آيات نبوته، وظهرت آيات بركته، فكان من أعظمها شأنا، وأظهرها برهاناً، وأشهرها عيانا وبيانا أصحاب الفيل، أنفذهم النجاشي من أرض الحبشة في جمهور جيشه إلى مكة لقتل رجالها وسبي ذراريها وهدم الكعبة.
وآية الرسول صلى الله عليه وسلم في قصة الفيل، أنه كان في زمانها حَمْلاً في بطن أُمِّهِ بمكة، لأنه وُلِدَ بعد خمسين يوما من الفيل، فكانت آيته في ذلك من وجهين:
أحدهما أنهم لو ظفروا لَسَبَوْا واسْتَرَقُّوا، فأهلكهم الله تعالى لصيانة رسوله أن يجري عليه السبي حَمْلاً وَوليداً.
والثانية أنه لم يكن لقريش من التأله ما يستحقون به دفع أصحاب الفيل عنهم، وماهم أهل كتاب لأنهم كانوا بين عابد صنم، ومتدين وثن، أو قائل بالزندقة، أو مانع من الرجعة، ولكن لِما أراده الله تعالى من ظهور الإسلام تأسيساً للنبوة، وتعظيماً للكعبة، وأن يجعلها قبلة للصلاة، ومنسكاً للحج.
قدرة الله
لم يفلح أبرهة في قهر الفيل وحمله على اقتحام مكة ودخول الحرم، لأن الله بعظيم قدرته وكمال حكمته حبسه عن مكة لفظاعة ما كان يستهدفه أصحاب الفيل من هدم بيت الله وتخريبه، والعبث بحرمه، وهتك حرمات أهله. لذلك أرسل الله عليهم طيرا ابابيل ورمتهم بحجارة من سجيل وجعلتهم كعصف مأكول.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34789
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
كالفراش المبثوث
المصدر:
بقلم ـ عدنان حسن الخطيب
لم يرد ذكر الفراش في القرآن الكريم إلا في موضع واحد، وذلك في سورة القارعة، حيث قال الله تعالى: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} [القارعة: 4]،
وقد جاء ذكره على سبيل التشبيه لحركة الناس عند البعث يوم القيامة، حيث يخرجون من قبورهم كالفراش المبثوث أي المنتشر، إشارة إلى كثرتهم وضعفهم واضطرابهم، وذلك لموج بعضهم في بعض، وركوب بعضهم بعضاً؛ لشدة أهوال ذلك اليوم، كقوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتِشِرٌ} [القمر: 7].
جراد منتشر
والظاهر أن الانتشار يجمع بين التشبيهين: تشبيه الناس عند البعث بالفراش المبثوث، وتشبيههم بالجراد المنتشر، ولكن هناك فرق في طبيعة الحركة، فالفراش يطير لا لجهة يقصدها، بل كل واحدة منها تذهب إلى غير جهة الأخرى، أما الجراد فتطير جميعها لجهة مقصودة، ولذلك قال بعض المفسرين: إن الوصف في الآيتين لموقفين مختلفين يوم القيامة: أحدهما عند الخروج من القبور، يخرج الناس فزعين لا يهتدون أين يتوجهون، فيدخل بعضهم في بعض، فهم حينئذ كالفراش المبثوث بعضه في بعض، والثاني عند سماع المنادي فيستجيبون له ويقصدونه، فصاروا كالجراد المنتشر.
والفراش معروف في تفرُّشه وخفته وانتشاره، وبه يضرب المثل في الطيش والهوج، يقال: أطيش من فراشة، وفي صحيح مسلم عن جابر قال: قال رسول الله: «مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها، وهو يذُبُّهن عنها، وأنا آخذ بِحُجزِكم عن النار وأنتم تفلِّتون من يدي».
ولذلك يعجب الإنسان من دقة هذا التشبيه القرآني المعجز، وهذا يدفع الباحث إلى التأمل والتفكر في هذه الحشرة اللطيفة ودورة حياتها وحركتها وما فيها من إعجاز يستحيل خلق مثلها.
مادة خيطية
فالفراشة من الكائنات التي تبيض ما يقارب من (450_500) بيضة في المرة الواحدة، وللمحافظة على البويضات تقوم بربط بعضها ببعض بواسطة مادة خيطية لاصقة تفرزها، وبهذا تمنع تناثر البيوض في الأطراف، وبعد خروج اليرقات من البيض تقوم بربط نفسها بغصن شجرة ملائمة لها بواسطة الخيوط التي تفرزها، ومن أجل إتمام نموها تقوم بإفرازات خيطية لحياكة الشرنقة، وكل هذا تقوم به اليرقات خلال ثلاثة أو أربعة أيام بطريقة متواصلة ودون توقف.
والفراشة من الحشرات الحرشفية الأجنحة، والتي تتميز بأربعة أجنحة مغطاة بحراشيف مفلطحة تلتصق بالأصابع كالبودرة، مما يمثل صورة من صور الضعف المدرك في الخلق.
ولو نظرنا بدقة إلى أجنحة الفراش نرى أمامنا أجنحة متناظرة الشكل تماماً، كأنها لوحة مرسومة، وهي تمثل شيئاً فوق العادة في صناعتها وألوانها، فلا يوجد اختلاط في ألوانها الموجودة، فهي تتكون من أقراص صغيرة جداً مرتبة واحدة بجانب الآخر، كأنها من صنع رسام واحد، بل هو خالق واحد عظيم لا مثيل لخلقه {هُوَ اللهُ الخَالَقُ البَارِئُ المُصَوِرُ لَهُ الأسماء الحُسنى يُسَبّحُ لَهُ مَا في السَّموَاتِ والأرض وَهُوَ العَزيُز الحَكيمُ} [الحشر: 24].
وعند التأمل في مراحل حياة الفراش نجد أنها تبدأ بالبيض الملقح، وهو صغير جدا، ويتخذ أشكالا مختلفة وتضعه الأنثى فوق النبات المناسب كطعام ليرقاتها بعد الفقس، ويفقس البيض بعد حوالي خمسة أيام، وتخرج منه يرقة على هيئة الدود الصغير جدا في شكلها، واليرقات لها فكوك قوية وستة أرجل حقيقية..
بالإضافة إلى عدد من أشباه الأرجل، وتبدأ اليرقات فورا في تناول الطعام الذي تلتهمه بكميات كبيرة وبشراهة ملحوظة فتنمو في الحجم بسرعة مما يضطرها إلى الانسلاخ عن الجلد لعدة مرات فتشبه في عريها خروج الموتى من الأجداث (حفاة عراة غرلا) كما وصفهم رسول الله.
حشرة كاملة
ثم تتشرنق اليرقات فيما يشبه الكفن أو القبر أو تربط نفسها برباط من حرير إلى النبات الذي تتغذى عليه استعدادا للمرور بمرحلة العذراء (الحورية) أو الخادرة (المستترة في خدرها)، وفي هذه المرحلة يعاد خلق الحشرة بأكملها، وكأنها عملية بعث لها حيث تذاب اليرقة ذوبانا كاملا، ثم يعاد بعثها بعد أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع على هيئة الحشرة الكاملة، وهي تختلف تماما عن اليرقة التي جاءت منها، وكأنه البعث من جديد، وكذلك يبعث الناس في أواسط أعمارهم.
وبعض العذارى (الحوريات) قد تمضي فصل الشتاء كله في مرحلة الخادرة (المستترة)، ولذلك تؤجل عملية التحول الكيميائي العجيب حتى مطلع الصيف، وكأنها في عملية بيات شتوي أو في القبر..
وبعد تمام تخلق العذراء تستعد للخروج من خدرها (شرنقتها) تماما كما يستعد الميت الذي بعث للخروج من قبره، فيتحول جلد الخادرة إلى حالة نصف شفافة، ثم ينشق كما تنشق القبور عن أصحابها. وتخرج عذارى الفراش بالملايين من شرنقاتها ضعيفة هزيلة زاحفة ببطء في اضطراب وحيرة، كما سيخرج مئات البلايين من البشر من قبورهم في ذهول واستغراب واضطراب وحيرة.
وتبدأ الحشرة بأجنحة مهيضة تضخ فيها الدم بالتدريج حتى تنفرد وجسمها مبلل (بسوائل مرحلة العذراء)، فتقف قليلا في الشمس حتى تدفأ وتصبح مستعدة للطيران ولتكرار دورة حياتها من جديد.
والتشبيه القرآني للناس في لحظة البعث بالفراش المبثوث تشبيه معجز لأن دورة حياة الفراش لم تعرف إلا في القرنين الماضيين وسبق القرآن الكريم بهذا الوصف العلمي الدقيق الذي جاء به في مقام التشبيه لما يشهد لهذا الكتاب الخالد بالدقة والشمول والكمال.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34789
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
الحبل.. ضرورة إيمانية لمجتمع متماسك
محمد سعيد قصيباتي
في استعراض لكلمة «الحبل» في كتاب الله نرى أنها استعملت استعمالات حقيقية ومجازية، بيد أن المتأمل لاستعمالها المجازي يرى أنها كانت منسوبة إلى الله تعالى في موضعين، وهما قوله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) آل عمران: 103
وقوله تعالى (ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس) آل عمران: 112
وهنا تظهر لنا روعة الأداء القرآني والبلاغة العربية في التعبير عن الوحدة الإيمانية بين المسلمين بحبل الله تعالى، هي القاعدة التي ينبني عليها المجتمع الإسلامي والعروة الوثقى لأتباع هذا المنهج، إنه الارتباط بحبل الله، وما أعظمه من حبل هذا الذي يؤلف قلوب الناس حتى يحبوا لبعضهم ما يحبون لأنفسهم، وسواء فسرنا حبل الله بالقرآن أو الإسلام، فإنه من الروعة بمكان أن تشبَّه هذه الرابطة بين المسلمين بأنها الحبل الذي يستمسك به المجتمع ليكون عصياً على الانقطاع والاختراق، وهو ما يشكل البنيان المرصوص الذي عبر عنه رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم في وصف المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم.
وأما قوله تعالى: (ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس) فالمقصود بالآية اليهود، والمراد بالحبل ههنا العهد، فالعهد مع الله كالعهد الذي عاهدهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعهد مع الناس هو التماسهم الحماية من الناس، وهذا هو تاريخهم وواقعهم، إذ لا تقوم لهم قائمة إلا إذا كانوا في كنف من ينصرهم ويقوي شوكتهم.
حبل الوريد
ثم توافينا آية يذكر فيها الحبل، لا يجدر بمسلم يقرأها إلا أن يتأمل فيها ويجري فيها خاطره وفكره، إنها قوله تعالى (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) ق: 16. قال الزمخشري: «الوريدان: عرقان مكتنفان لصفحتي العنق في مقدمهما متصلان بالوتين، يردان من الرأس إليه.
وقيل: سمي وريداً لأنّ الروح ترده». وجاء في التحرير والتنوير: «القرب هنا كناية عن إحاطة العلم بالحال، لأن القرب يستلزم الاطلاع، فآل الكلام إلى التشبيه البليغ تشبيه معقول بمحسوس. ومن لطائف هذا التمثيل أن حبل الوريد مع قربه لا يشعر الإنسان بقربه لخفائه..
وكذلك قرب الله من الإنسان بعلمه، قرب لا يشعر به الإنسان، فلذلك اختير تمثيل هذا القرب بقرب حبل الوريد، وبذلك فاق هذا التشبيه لحالة القرب كل تشبيه من نوعه ورد في كلام البلغاء، مثل قولهم: هو منه مقعد القابلة ومقعد الإزار، وقول زهير: فهن ووادي الرس كاليد للفم، وقول الشاعر:
كل امرئ مصبَّح في أهله والموتُ أدنى من شراك نعله».
ما أشده من قرب هذا الذي هو أقرب من الإنسان من حبل الوريد، يراقبه ويطلع على ما خفي من أموره.. كيف يتأمل العبد هذه الآية ثم لا يتقطع قلبه وجلاً من كل حركة وسكنة لا يراقب فيها ربه؟
لو استحضر القلب هذه العبارة لما جرؤ على أن ينطق بكلمة لا ترضي الله تعالى استحضاراً لعظمة هذه المعية التي تجعله في حذر مستمر ينشأ عنه محاسبة لنفسه على كل ما يصدر عنه من تصرفات. بل هي حقيقة لا بد للمجتمع الإسلامي الحديث من معرفتها ووضعها موضع القرط من الأذن: لن يصلح المجتمع إلا هذه الرقابة الذاتية لله تعالى..
لن يرتدع الفاسد عن فساده إلا بهذه الرقابة الذاتية التي يرتبط بها قلبه بالرقيب الأعلى الذي لا يغفل ولا ينام.. مهما أبدع القانون الوضعي من مرغبات في الإصلاح ومرهبات من مغبة الإفساد فلن تؤتي أكلها إلا بتلازمها مع الخشية القلبية من العليم بما في النفوس الذي لا تغيب عنه خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
حبل من مسد
وتنتهي المقالة بما كان شائعاً أن يبتدأ به وهو المعنى الحقيقي للحبل، ولعله كان مناسباً أن يبتدأ بالمعنى المجازي لأهميته في كتاب الله وعمق المعاني التي اشتمل عليها. والحبل بهذا المعنى ذكر مفرداً في سورة المسد في قوله تعالى (في جيدها حبل من مسد) المسد: 5، ومجموعاً في قصة سحرة فرعون أثناء تحديهم موسى عليه السلام في آيتين (قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) طه: 66، (فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون) الشعراء
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34789
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا
كتب: عبد السلام محمد علي
كان الخليفة أبو جعفر عبدالله المنصور في مجلسه، فوقع عليه ذباب فذبه عنه، فعاد فذبه حتى أضجره وأغضبه، وفي هذه الأثناء دخل جعفر بن محمد عليه، فقال له المنصور: يا أبا عبدالله لم خلق الله الذباب؟ فقال ليذل الجبابرة. الذباب ذلك الطائر الصغير في حجمه والحقير في مظهره المزعج برقصاته ونغماته، آية على ضعف الإنسان وعجزه، وقدرة الخالق ووحدانيته.
وقد ذكر الله هذه الحشرة في القرآن مؤكداً هذا المعنى فقال تعالى: ﴿(يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)) (الحج: 73).
بديع الأسلوب
الخلق كله لله، ولكن الأسلوب القرآني المعجز يختار الذباب الصغير الحقير، ويتحدى بخلقه بل باسترجاع ما يخطفه منه، لأن العجز أمام هذه الحشرة الحقيرة المستقذرة، يلقي في الحس ظل الضعف أكثر مما يلقيه العجز عن خلق الجمل والفيل وأمثالهما، وهذا من بدائع الأسلوب القرآني العجيب، على أن هذه الحشرة رغم ضعفها ومهانتها وقذارتها، كثيرة ومتنوعة تربو على 100 ألف نوع من الذباب كل نوع يحتوي على ملايين الملايين.
من وظائف هذه الحشرة أنها تُنَقِّي الهواء، بقضائها على النباتات أو العضويات المتفسخة، ولكنها تحمل في طَيَّاتها ما يزيد على 500 مليون جرثوم، ووجود الذباب في مكانٍ ما مؤشِّر على أن هذا المكان ليس نظيفاً، فكأنها رادعٌ قوي كي ننظف أفنيتنا كما وجَّهنا النبي عليه الصلاة والسلام، فهل في الوجود قوة، أم تستطيع كل القوى المعبودة المخترعة لو اجتمعت أن تخلق ذباباً واحداً؟
التحدي القرآني
كلا بل إن كل القوى عاجزة ليس عن خلقه فقط، بل وأيضاً عن مقاومته والانتصار منه، لو سلبها شيئاً من الذي عليها من الطيب، أو مما حولها من الطعام، لذا قال تعالى ((وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)).
أنى لتلك الأصنام المصنوعة والأوثان المنحوتة أن تكف عنها الذباب أو تدفع عنها الأذى بل كل المخلوقات، حتى الحيوانات عاجزة عن ذلك، لأنه لا حول ولا قوة إلا بالله، ولكن هذا التحدي القرآني قد ازداد قوة ورونقاً وإعجازاً، حينما اكتشف العلم الحديث أن الذباب لا يملك الجهاز الهضمي، ولذلك يلجأ إلى الهضم الخارجي، وذلك من خلال إفراز العصارات الهاضمة على المواد المغذية ثم تدخل هذه المواد المهضومة إلى الأنبوب الهضمي حتى يتم امتصاصها لتسير في الدورة الدموية إلى خلاياه ويتحول جزء منها إلى طاقة تمكنه من الطيران، وجزء آخر إلى خلايا وأنسجة ومكونات عضوية، وجزء أخير إلى مخلفات يتخلص منها جسم الذباب، فأين قطعة الغذاء؟ وما السبيل إلى استرجاعها؟.
مضادات حيوية
ثم إن هذا الذباب الذي يحمل الكثير من الأمراض، يحمل أيضاً الكثير من المضادات الحيوية التي تشفي من هذه الأمراض، وهذا أمر منطقي لأن الذبابة تحمل الكثير من البكتريا الضارة على جسدها الخارجي، ينبغي أن تحمل أيضاً مواد مضادة للبكتريا حتى تستمر في حياتها، وهذه المواد زودها الله بها ليقيها من الفيروسات والأمراض.
ومن المفاجآت أن العلماء وجدوا أن أفضل طريقة لتحرير هذه المواد الحيوية المضادة، أن نغمس الذبابة في سائل لأن المواد المضادة تتركز على السطح الخارجي لجسد الذبابة وجناحها.
علماء الغرب
ولقد أدهش هذا الاكتشاف علماء الغرب، وتحدثوا عنه باستغراب، فالباحثة كلارك تقول: إننا نبحث عن المضادات الحيوية في مكان لم يكن أحد يتوقعه من قبل.
وقال البروفسور الدكتور جوان ألفاريز برافو، من جامعة طوكيو: إن آخر شيء يتقبله الإنسان، أن يرى الذباب في المشفى! ولكننا قريباً سوف نشهد علاجاً فعالاً لكثير من الأمراض مستخرج من الذباب.
ولكن هذه الحقائق العلمية هي التي أرشد إليها النبي الأمي، صلى الله عليه وسلم، قبل ألف وأربعمائة سنة، حينما قال: «إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء» (رواه البخاري). ولا غرو فإنه الرسول الأمين لرب العالمين الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.
سبحان الله
طبيعة الذباب بديعة ومعقدة، يقول أهل الاختصاص: إن الذبابة لها 6 أرجل ورأس وبطن وصدر، ولها عينان مركبتان في كل عين 6000 عيين، وعين الذبابة فيها قرنية وشبكية وقزحية، وكل عيين فيها 48 ألف مستقبل عصبي وكل عين في مساحة نصف مليمتر مكعب والذبابة فيها 10 ملايين خلية، 9 ملايين خلية جسمانية، ومليون خلية عصبية، ووزن دماغها واحد من مليون جزء من الجرام، وهو يعمل بأعلى كفاءة.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34789
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
الصراط.. الطريق السهل
محمد سعيد قصيباتي
استعمل الصراط في البيان القرآني مجازاً أكثر منه حقيقة، فقد وردت كلمة الصراط في كتاب الله تعالى في خمسة وأربعين موضعاً كلها بمعنى الدِّين أو الملة، ما عدا موضعين فإنها وردت بالمعنى الحقيقي وهو الطريق.
جاء في كتاب الوجوه والنظائر لأبي هلال العسكري: «وهو - أي الصراط - على وجهين: الأول الطريق، قال تعالى (ولا تقعدوا بكل صراط) الأعراف: 86، ومثله (فاهدوهم إلى صراط الجحيم) الصافات: 23، والثاني: الدين قال تعالى (اهدنا الصراط المستقيم) الفاتحة: 6 يعني الدين المستقيم، فجعله صراطاً على التمثيل، ومثله (وهذا صراط ربك مستقيماً) الأنعام: 126».
الصراط والطريق والسبيل ألفاظ متقاربة في المعنى العام، بيد أن كلاً منها يحتوي على معنى زائد وفائدة تميزه عن مثيليه.
فالصراط هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه، لذلك أضيف الصراط إلى الحق سبحانه وتعالى في مثل قوله (لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد) إبراهيم: 2.
جاء في اللسان: «سرط الطعام والشيء بلعه، وانسرط الشيء في حلقه: سار فيه سيراً سهلاً.. السراط: السبيل الواضح، والصراط لغة في السراط، وإنما قيل للطريق الواضح سراط، لأنه كأنه يبتلع المارّة فيه».
والصراط له عدة سمات ذكرها صاحب بدائع الفوائد بقوله: «والصراط ما جمع خمسة أوصاف: أن يكون طريقاً مستقيماً، سهلاً، مسلوكاً، واسعاً، موصلاً إلى المقصود، فلا تسمي العرب الطريق المعوج صراطاً، ولا الصعب المشق، ولا المسدود غير الموصل، ومن تأمل موارد الصراط في لسانهم واستعمالهم تبين له ذلك». والطريق مأخوذ من السبيل التي تطرق بالأرجل، ثم استعير لكل مسلك يسلكه الإنسان، وهو لا يقتضي السهولة، وأما السبيل فإنه يقتضي السهولة، لذلك فإنه وقع بضعاً وخمسين مرة في القرآن مراداً به سبيل الله الذي يفضي إلى الخير.
فالطريق في القرآن هو طريق جهنم (إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً إلا طريق جهنم خالدين فيها أبداً) النساء: 168-169.
ولم يرد الطريق مراداً به الصراط المستقيم إلا في سورة الأحقاف، عند ذكر الجن الذين استمعوا للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن، فإنه عبّر عن سبيل الله بالطريق في هذا الموضع فقط.
قال ابن القيم في بدائع الفوائد (417): «وأما ذكره له بلفظ الطريق في سورة الأحقاف خاصة، فهذا حكاية الله تعالى لكلام مؤمني الجن أنهم قالوا لقومهم: (إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم) الأحقاف: 30 وتعبيرهم عنه ههنا بالطريق فيه نكتة بديعة، وهي أنهم قدموا قبله ذكر موسى، وأن الكتاب الذي سمعوه مصدق لما بين يديه من كتاب موسى وغيره، فكان كالنبأ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقومه (ما كنت بدعاً من الرسل) الأحقاف: 9 أي: لم أكن أول رسول بعث إلى أهل الأرض، بل قد تقدمت قبلي رسل من الله إلى الأمم، وإنما بعثت مصدقاً لهم بمثل ما بعثوا به من التوحيد والإيمان، فقال مؤمنو الجن (إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم) أي: إلى سبيل مطروق قد مرت عليه الرسل قبله..
فاقتضت البلاغة والإعجاز لفظ «الطريق» وهو «فعيل» بمعنى «مفعول»، أي: مطروق مَشَتْ عليه الرسل والأنبياء قبل، فحقيق على من صدق رسل الله وآمن لهم أن يؤمن به ويصدقه، فذكْر الطريق ههنا إذاً أولى».
المحسوسات للمعاني
تميزت لغة العرب في استعمالاتها بأنها تضع للمعاني من الألفاظ ما هو للمحسوسات، ولذلك فوائد، منها التصوير، ومن ذلك مثلاً الفعل عفا، فإنه شاع استعماله في الغفران عن الذنب، وهو مأخوذ من قولهم: عفا الأثر، بمعنى الإزالة، إذ كانوا في الصحراء يسيرون فتظهر آثار أقدامهم على الرمال، ثم تأتي الرياح فتذهب آثار المسير، لذا فإن العفو يشتمل على صورة تتمثل في إزالة آثار الذنب كما تزيل الرياح آثار المسير.
كما أن هذا الأسلوب، يعطي الحكم ومعه دليله، وهذا من البراعة التي تميز العربية، كتعبيرهم عن النجاح بالفلاح، فالفلْح هو شق الأرض للزراعة، وعندما تشق الأرض ويبذر فيها البذر تأتي بالنتيجة المرجوة وهي الثمر، فعندما يذكر الفلاح فإن دليله يأتي معه، فكأنه يقال: النجاح لا بد له من مقدمات تسبقه وجهود تبذل حتى يأتي بالنتيجة، كالأرض لا تأتي بالثمار إلا بالفلح.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34789
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
والخيل والبغال
المصدر:
بقلم: محيي الدين الإسنوي
من الحيوانات التي ذُكرت في القرآن الكريم «البغل»، وهو حيوان أليف هجين، ينتج عن تزاوج الفرس (أنثى الخيل) مع (ذكر الحمار)، وله صفات وراثية ومميزات من الحمير والخيل معاً، فللبغل صبر الحمار وقوة الفرس، ويمتاز بقوة البصر، وله مقاومة عالية للأمراض، والبغال معمرة وعقيمة لا يمكنها التناسل.
قوة وصلابة
ويتسم البغل بالقوة والصلابة وشدة التحمل، ولذلك فهو يقوم بأعمال شاقة يعجز عنها الحصان، ويطلق عليه أبو الأثقال، وأبو الحرون، والكودن، وأبو قموص، وتسمى أنثاه البغلة والسفواء، أما صوته فيسمى السحال والسّحيل والشّحاح والشّحيج، ويضرب المثل بالبغل والبغلة في العقر والعقم، كما يضرب المثل لكثرة العيوب ببغلة أبي دلامة التي ذمها وعدّد عيوبها شعراً، فيقال أعقر من بغلة، وأعقم من بغلة، وما هو إلا كبغلة أبي دلامة.
ومن الأمثال أيضاً: قيل للبغل: من أبوك؟ قال: الحصان خالي!، وهو يضرب للمخلط أو لمن يفخر بشيء لغيره.
عنيد كالبغل
وتتصف البغال بالعناد فيقال: «عنيد كالبغل». وعندما يقسو عليها سائسها وهي سائرة في أعالي الجبال ترمي بحملها وتنتحر رامية بنفسها من فوق الجبل، وقد ذكر «البغل» في موضع واحد في سورة النحل بصيغة الجمع (البغال)، وذكر في معرض ذكر الله تعالى لنعمه على الإنسان، قال تعالى في سورة النحل: «وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ».
فخلق الله تعالى الخيل والبغال والحمير، لكي تكون وسيلة من وسائل الركوب والنقل للإنسان ولمتاعه وتجارته، وذللها لراحته ومتعته، ولتكون زينة له وجمالاً ومنظراً حسناً، ليزداد الإنسان إيماناً وشكراً لله تعالى.
الجمال والأناقة
وقوله تعالى: (وَزِينَةً) في هذه الآية، له دلالة خاصة عن موقع الزينة من الإنسان، والمفهوم الصحيح لذلك، فلا زال الإنسان يحب الزينة والرفاهية والجمال والأناقة، ولذلك أثره على حالته النفسية وحياته الاجتماعية، والإسلام لا يمنع من الزينة، فقد ذكر صلى الله عليه وآله وسلم، أن الخيل معقود بنواصيها الخير، وفي الوقت نفسه فإن الخروج عن حد الاعتدال في الزينة والتجمل والأناقة، يؤدي إلى الأمراض النفسية والتعالي والكبر، وهذا ينطبق أيضاً على أصحاب السيارات والمركبات الفخمة التي تتخذ للجمال والزينة، فاتخاذها للركوب والزينة ليس به بأس، ويجب على الإنسان أن يتفهم ما فيها من نعمة الركوب والزينة والجمال والرفاهية، وألا يتعدى حد الاعتدال إلى المفاخرة والرياء والكبر والاستعلاء والأمراض النفسية.
الطرق الوعرة
وبالرغم ممّا وصل إِليه التقدم التقني في مدنية الإِنسان وكثرة وسائل النقل الحديثة، إِلاّ أن سلوك كثير من الطرق الوعرة ما زال منحصراً بالدواب، ويعتبر (البغل) أفضل وسيلة نقل في تلك الطرق الوعرة والجبال، ولذلك فإن للبغال استخدامات خاصة في الجيوش فلا يخلو جيش من سرية جبلية للبغال تقوم بمساعدة القوات المسلحة في حمل الأحمال الثقيلة والعتاد في المناطق الجبلية ذات الطرق الوعرة غير السالكة، والتي تصعب على أحدث وسائل النقل العسكرية الحديثة.
وقوله تعالى في ختام الآية الكريمة: «وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ»، إشارة إلى مخلوقات أخرى غير هذه الأصناف الثلاثة (الخيل والبغال والحمير)، ستخلق في المستقبل ليستعملها الإِنسان، تقوم بهاتين الوظيفتين: الركوب والزينة، كما ذكر بعض قدماء المفسرين، وبعض علماء هذا العصر جعلوها من الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، فهي إشارة واضحة للاختراعات الحديثة من وسائل النقل والمواصلات، كالدراجات والسيارات والطائرات وغيرها.
مواد أولية
ووجه التعبير بلفظة «يخلق» بأنّ الإِنسان في اختراعه لتلك الوسائل ليس هو الخالق لها، بل إنّ المواد الأولية اللازمة للاختراعات، مخلوقة، وما على الإِنسان إِلاّ أنْ يستعمل ما وهبه اللّه من عقل وقدرة على الاختراع، وما أودع فيه من استعداد وقابلية بتشكيل وتركيب وتصنيع تلك المواد على هيئة يمكن من خلالها أن تعطي شيئاً آخر يفيد الإِنسان.
دلدل وفضة
استخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم البغل واقتناه، فكان له صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء أهداها له ملك أيلة، وكانت له بغلة شهباء أهداها له المقوقس، وكان اسمها (دلدل)، وكانت تحته في حنين بغلة اسمها (فضة)، وعن عمرو بن الحارث قال: ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضاً تركها صدقة.
وقد اختلف العلماء في حكم أكل لحم البغال، والراجح ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة من حرمة أكل لحمها، ويدل على هذا عموم ما ورد عند أبي داود (3789) من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال: «ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البغال والحمير، ولم ينهنا عن الخيل».
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34789
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
اللسان مرآة خفايا النفوس
محمد سعيد قصيباتي
اللسان هو آلة بذل المعارف، ومرآة معرفة الفضائل، كم من جميل الوجه قبّحه لسانه، وكم من دميم الخلقة رفعه لسانه. مضغة صغيرة في الحجم كبيرة في الأثر، هو مصنع البيان، يرفع الله به أقواماً ويضع آخرين، من حفظه سلم، ومن استثمره في الخير غنم.
ولعظم شأنه عبر به القرآن الكريم عن معانٍ عدة، فهو اللغة وهو الثناء الجميل وهو الدعاء. وقد ذُكر اللسان في القرآن على اختلاف الصيغ في خمسة وعشرين موضعاً.
إنه قطعة لحم خلقها الله للإنسان، والعجيب أنه آلة التذوق يَخْبُر به المرء جيد الطعام والشراب من رديئه، وفي الوقت نفسه هو آلة الذوق الرفيع يكتسب به تقدير الآخرين أو احتقارهم.
بل إن ديننا شدد على أهمية اللسان، فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا فقال: احفظ عليك هذا، وأشار إلى لسانه، فقال معاذ: أوَ إنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكبُّ الناسَ في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟ (الترمذي: 2616). وهو من جملة الأعضاء التي تشهد على الإنسان يوم القيامة بما عمل «يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون» النور: 24. وهذه الآية ذكرت في مآل من يرمي المحصنات المؤمنات زوراً وبهتاناً.
قال في التحرير والتنوير 18/191: «وتخصيص هذه الأعضاء بالذكر لأن لها عملاً في رمي المحصنات، فهم ينطقون بالقذف ويشيرون بالأيدي إلى المقذوفات، ويسعون بأرجلهم إلى مجالس الناس لإبلاغ القذف». استُعمل اللسان في الكتاب العزيز استعمالات بلاغية متعددة يعاين المتأمل لها أسرار القرآن في بيانه المعجز، الذي وقف أمامه فصحاء العرب وبلغاؤهم في حيرة وذهول.
من ذلك قوله تعالى، وهو يخبر في سورة النور عن أولئك الذين يتلقفون خبر السوء فيلوكونه بألسنتهم ويتحدثون به دون بينة من الأمر، «إذ تَلَقَّوْنَهُ بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيِّناً وهو عند الله عظيم» النور: 15.
انظر كيف عبر عن الخبر الذي يسمع ثم ينشر بالألسنة بالتلقي، والتلقي يكون بالأيدي للمحسوسات. قال في التحرير والتنوير 18/177: «يطلق التلقي على أخذ شيء باليد من يد الغير كما قال الشماخ:
إذا ما رايةٌ رُفِعَتْ لمجدٍ
تلقّاها عُرابة باليمينِ
فجعلت الألسن آلة للتلقي على طريقة تخييلية بتشبيه الألسن بالأيدي».
ما أروعها من صورة يتخيل من خلالها السامع وكأن اللسان خرج من مخبئه وانقض على الخبر انقضاضاً ليذيعه بين الخلق بالإفساد والتشهير. اللسان كان السبب في وصول نعمة النبوة إلى نبي الله هارون، فإن موسى عليه السلام دعا ربه أن يكون هارون له وزيراً يؤازره لسبب متعلق باللسان، ألا وهو الفصاحة، قال تعالى: «وأخي هارونُ هو أفصحُ مني لساناً فأرسِلْهُ معي رِدْئاً يصدِّقُني» القصص: 34.
والملحظ أن القرآن عبر عن البيان باللسان دون غيره من الأعضاء التي لها علاقة بالنطق، إلا في آية واحدة وهي قوله تعالى (ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين) البلد: 8-9، قال في التحرير والتنوير 30/354: «وذكر الشفتين مع اللسان لأن الإبانة تحصل بهما فلا ينطق اللسان بدون الشفتين ولا تنطق الشفتان بدون اللسان، ومن دقائق القرآن أنه لم يقتصر على اللسان ولا على الشفتين خلاف عادة كلام العرب، أن يقتصروا عليه، فيقولون: ينطق بلسان فصيح، ويقولون: لم ينطق ببنت شفة؛ لأن المقام مقام استدلال فجيء بما له مزيد تصوير لخلق آلة النطق».
واللسان هو الثناء الحسن، وهبه الله لأصفيائه من المرسلين، (ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق علياً) مريم: 50، لأن الثناء يكون باللسان، ومن هذا الثناء أننا نذكر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالتوقير والتبجيل ونتخذهم قدوة حسنة.
ولعل هذا يذكّرنا بدعاء إبراهيم عليه السلام (واجعل لي لسان صدق في الآخرين) الشعراء: 84، لم يدع، عليه السلام، أن يكون له مطلق الذكر، ولكنه قيده بلسان الصدق، فهو لا يبتغي الثناء إلا بالصدق، وفي هذا ملحظ لمن يطلب المدح أياً كان بحق أو بباطل.
لسان عربي
اللسان هو اللغة، وقد عبر القرآن عن اللغة باللسان في كل المواضع، كقوله تعالى (بلسان عربي مبين) الشعراء: 195. أعظِمْ به شرفاً لأمة العرب، أن نزل بلسانهم كلام رب العالمين، فحري بهم أن يولوا هذه النعمة قدرها، ويحافظوا عليها، لأن عزهم من عزها وشرفهم من شرفها.
فاللسان منجاة مهلكة، فرب كلمة أنجت صاحبها من هلاك محتم، ورب كلمة أوردت صاحبها الموارد، وقد قيل من قبل: «مقْتَلُ الرَّجُلِ بِيْنَ فكَّيِه». وقالوا: «لسان العاقل من وراء قلبه، فإذا أراد الكلام تفكر، فإن كان له قال، وإن كان عليه سكت، وقلب الجاهل من وراء لسانه، يتكلم بما أتى على لسانه لا يدري ماذا له وماذا عليه».
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34789
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
العجل ورد ذكره 10 مرات
محيي الدين الإسنوي
من مخلوقات الله التي ورد ذكرها في القرآن الكريم: العجل، ولد البقرة، وهو حيوان معروف، وقد ذكر العجل (10 مرات في القرآن الكريم)، منها 4 مرات في سورة البقرة في الآيات (51، 54، 92، 93)، ومرة في سورة النساء (الآية 153)، ومرتان في الأعراف في (الآيتين 148، 152)، ومرة في هود (الآية 67)، ومرة في طه (الآية 88)، ومرة في الذاريات (الآية 26).
نلاحظ أن المقصود بالعجل في 8 مرات منها: عجل بني إسرائيل الذي كان فتنة لهم، وعبدوه من دون الله، وفي مرتين العجل الحنيذ الذي قدمه سيدنا إبراهيم عليه السلام لضيوفه من الملائكة.
أما قصة عبادة بني إسرائيل للعجل، ففيها الكثير من العبر والفوائد، ذلك أنهم لما عبروا البحر، ونجاهم الله، وأغرق فرعون وقومه، مروا على قوم لهم تماثيل يعبدونها من دون الله، فقال بنو إسرائيل: (يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ)، وما ذلك إلا لشدة جهلهم مع ما جاءهم به موسى من البينات والعلم (قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ). قال ابن جريج: وكان ذلك أول شأن العجل.
صور زائفة
وما أكثر الذين يكون العلم والنور والحق بين أيديهم، ثم يتركون ذلك لصور زائفة وبهرجة كاذبة، إن هم إلا كبني إسرائيل إذ ظلموا أنفسهم فتركوا الهدى والبينات، وأعجبتهم التماثيل والصور، ونسوا نعمة الله عليهم إذ نجاهم، ولم يقف جهل بني إسرائيل عند طلبهم لتماثيل يعبدونها من دون الله، فما كاد موسى يذهب إلى موعد ربه، حتى عبدوا العجل من دون الله.
فجمعوا للسامري ما عندهم من حلي وذهب، فصنع لهم منه عجلاً جسداً، له خوار، وألقى في فمه قبضة من تراب أثر فرس جبريل (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ)، فأعجبهم وأحبوه كثيراً (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) أي: حبه، فكان كلما صدر الصوت من جوفه سجدوا له، وإذا سكت رفعوا رؤوسهم، وعبدوه وأشربوا حبه، ولم يعقلوا أنه لا يكلمهم، ولا يملك لهم ضراً ولا نفعاً، قال تعالى: (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً)، وقال: (أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً)، وكل هذا لا يليق بالإله المعبودِ، وقيل كانت مدة عبادتهم له أربعين يوماً، فعوقبوا بالتيه أربعين سنة.
نهاية العجل
ويرمز عجل بني إسرائيل إلى كل ما يعبد من دون الله، أو يصرف المرء عن الله، كالدرهم والدينار والذهب والفضة (المال)، وحب الرئاسة والجاه، ونحو ذلك، وكان مصير السامري (صانع عجل بني إسرائيل) ما ذكره القرآن: (قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ)، وكان مصير العجل الذي عبد من دون الله التحريق والنسف، قال تعالى: (وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً)، وهكذا أحرق العجل ثم نسف في الماء نسفاً، ولو كان إلهاً لدفع عن نفسه الضر، (إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً).
وأما من عبدوه من دون الله فقد غضب الله عليهم وأذلهم (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ). والعلم الحاصل بالمشاهدة أشد وضوحاً من العلم الحاصل بالاستدلال، يقول صلى الله عليه وسلم: «ليس الخبر كالمشاهدة، أخي موسى أخبره الله بما كان من قومه من بعده من عبادة العجل، ومع ذلك أخذ الألواح فحين شاهد ما صاروا إليه ألقى الألواح»، رواه أحمد وغيره بسند صحيح.
عتاب شديد
ولم يقف غضب موسى لربه ولما آل إليه أمر قومه عند إلقائه الألواح، بل عاتب أخاه عتاباً شديداً، قال تعالى: (وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ* قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)، وهو موقف يستحق التأمل، وكيف أن هارون دافع عن نفسه بالحجة والبرهان، وموسى عليه السلام تفهم موقف أخيه وقبل حجته ودعا له.
وقد ورد عن ابن مسعود أنه قال: «أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل سمتاً وهدياً، تتبعون عملهم حذو القذة بالقذة، غير أني لا أدري أتعبدون العجل أم لا؟». ولا شك أن عجل هذه الأمة هو الدنيا، والتنافس فيها، فليحذر المسلم أن يسير على طريقة بني إسرائيل إذ ضلوا السبيل.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34789
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
صفحة 1 من اصل 3 • 1, 2, 3
مواضيع مماثلة
» الاعجاز العلمى فى القرآن: القرآن يتحدث عن خلق الكون قبل1400 سنة وجائزة نوبل تمنح عام 1973 لبحث علمى مطابق
» نحن نحتكم إلى القرآن
» تسليم البنادق يوم صاعب ذكره ::: نضايق ونزعل بعد ما نفتكره ....
» دعاء ختم القرآن
» القرآن المذهل
» نحن نحتكم إلى القرآن
» تسليم البنادق يوم صاعب ذكره ::: نضايق ونزعل بعد ما نفتكره ....
» دعاء ختم القرآن
» القرآن المذهل
منتديات زنقتنا-منتديات شباب ليبيا الأحرار :: المنتديات الإسلامية :: منتدي القرآن الكريم والسنة النبوية
صفحة 1 من اصل 3
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأربعاء 20 نوفمبر - 20:28 من طرف larbi
» تخاذل أمّة
الجمعة 15 نوفمبر - 20:46 من طرف علي عبد الله البسامي
» ترياق الهَذَر
السبت 9 نوفمبر - 0:32 من طرف علي عبد الله البسامي
» تحية لفرسان لبنان
الجمعة 1 نوفمبر - 23:43 من طرف علي عبد الله البسامي
» أشجان عربية
الجمعة 25 أكتوبر - 22:54 من طرف علي عبد الله البسامي
» فلنحم وجودنا
الإثنين 21 أكتوبر - 22:13 من طرف علي عبد الله البسامي
» وداع الأبطال
الأحد 20 أكتوبر - 10:19 من طرف علي عبد الله البسامي
» بين الدين والاخلاق
الجمعة 18 أكتوبر - 10:36 من طرف علي عبد الله البسامي
» حول مفهوم الحضارة
الجمعة 18 أكتوبر - 10:33 من طرف علي عبد الله البسامي
» فيم تكمن قيمة الانسان ؟؟؟
الجمعة 18 أكتوبر - 10:30 من طرف علي عبد الله البسامي
» حزب المجد
الخميس 17 أكتوبر - 23:24 من طرف علي عبد الله البسامي
» نداء الإقدام
السبت 12 أكتوبر - 13:59 من طرف علي عبد الله البسامي
» نداء الى امّتنا
الخميس 10 أكتوبر - 16:49 من طرف علي عبد الله البسامي
» حقيقة الثقافة
الجمعة 20 سبتمبر - 14:56 من طرف علي عبد الله البسامي
» وجعٌ على وجع
الإثنين 16 سبتمبر - 17:28 من طرف علي عبد الله البسامي
» تعاظمت الجراح
الأحد 15 سبتمبر - 17:57 من طرف علي عبد الله البسامي
» بجلوا الابطال
الجمعة 13 سبتمبر - 17:37 من طرف علي عبد الله البسامي
» موقف عز وشرف
الثلاثاء 20 أغسطس - 0:19 من طرف علي عبد الله البسامي
» نداء الوفاق
الخميس 8 أغسطس - 18:27 من طرف علي عبد الله البسامي
» رثاء الشهيد اسماعيل هنية
الأربعاء 31 يوليو - 18:37 من طرف علي عبد الله البسامي