ورد ذكره في القرآن
منتديات زنقتنا-منتديات شباب ليبيا الأحرار :: المنتديات الإسلامية :: منتدي القرآن الكريم والسنة النبوية
صفحة 2 من اصل 3
صفحة 2 من اصل 3 • 1, 2, 3
الصفا والمروة.. حيث كانت أصنام المشركين
بقلم: د. أحمد خضير
ذكر الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة، الصفا والمروة بقوله: «إن الصفا والمروة من شعائر الله»، إذ يعد السعي بين الصفا والمروة من الشعائر الأساسية في الحج والعمرة. والصفا هي الحجارة الصلبة، وأطلق على طرف جبل أبي قبيس، الذي يبدأ منه السعي في الحج، وقيل إن دابة الأرض في آخر الزمان، وهي من علامات الساعة الكبرى، تخرج منه. أما المروة فهي الحجارة البيضاء البراقة، ثم صار علماً على الجبل المعروف في مكة الذي ينتهي إليه السعي.
"أساف" و"نائلة"
سبب نزول هذه الآية، وجود الأصنام «أساف» على الصفا، «ونائلة» على المروة، وكان المشركون حينما يطوفون بينهما يستلمونهما، فلما جاء الإسلام وفرض الحج، تحرّج المسلمون من الطواف بينهما، فنزل قوله تعالى: «إن الصفا والمروة من شعائر الله». وقيل إن من المسلمين قالوا لا نطوف بين الصفا والمروة، لأن الطواف بينهما من أمر الجاهلية، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
ومعنى «من شعائر الله»: من معالمه ومواضع عباداته، فالسعي مشعر، أي «مكان للعبادة»، وعرفات مشعر، والنحر مشعر، «فمن قصد الكعبة بحج أو عمرة فعليه أن يطوف بين الصفا والمروة سبعاً. وحكم السعي بين الصفا والمروة، أنه ركن من أركان الحج، ووجوبه وركنيته جاءا من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام منها: «اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي»، ومن فعل النبي صلى الله عليه وسلم، أنه سعى بين الصفا والمروة سبعاً.
سبع مرات
ذكر بعض المفسرين هنا نكتة، أن آدم وقف على الصفا، فلذلك جاء ذكره بالتذكير، وأن المروة وقفت عليها حواء، فلذلك جاء بلفظ التأنيث. ومعنى السعي، ذهابه ابتداء من الصفا إلى المروة هذه مرة، وعودة من المروة إلى الصفا هذه أخرى، يفعل ذلك سبع مرات، لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف مبتدئاً بالصفا ومنتهياً بالمروة سبعاً، ولو بدأ بالمروة وانتهى بالصفا فتحسب له ستّاً لأن الأولى لا تحسب لأنه ابتدأها من المروة، وهنا ملاحظة يجب على من طاف بين الصفا والمروة استيعاب المسافة في كل مرة، بأن يلصق عقبه بأصل ما يذهب منه، ورؤوس أصابع رجليه بما يذهب إليه.
وسبب الحركة بين الصفا والمروة، أن نبي الله إبراهيم عليه السلام ترك هاجر وطفلها إسماعيل، في صحراء مكة بين جبالها، حيث لا زرع ولا ماء ولا أنيس، ثم مضى في طريق عودته وترك لهم شيئاً من الطعام والشراب، فنادته الزوجة يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي؟ فلم يلتفت إليها «وكأنه على يقين من وعد الله الذي لا يتخلف ولا يخيب»، فقالت له: ألله أمرك بهذا؟ فردّ عليها: نعم، فأجابت من غير تردد ولا قلق: «إذاً لا يضيعنا».
الماء والزاد
انصرف سيدنا إبراهيم وهو يدعو ربه لأهله بالرزق والأنيس، ثم نفد الماء والزاد، والأم لا تجد ما تروي به طفلها وقد جف لبنها، ولا تجد ما ترضعه، فيتلوى جوعاً ويصرخ وصراخه يتردد في الصحراء والجبال يدمي قلب الأم الحنون، تسرع الأم وتصعد على جبل الصفا لتنظر أحداً ينقذها وطفلها من الهلاك، لكنها لا ترى شيئاً فتنزل مسرعة من الصفا وتذهب إلى المروة فتصعد إلى قمته، وتفعل مثل ذلك وتنظر.
ولما أخذ منها التعب، بعث الله جبريل عليه السلام فضرب الأرض بجناحه فخرج الماء إلى جانب الصغير، فتهرول الأم نحوه وقلبها ينطق بحمد الله على نعمته، وجعلت تغرف من الماء وتعطيه لفلذة كبدها حتى تنقذه من الهلاك الذي كاد أن يقضي عليه، وأخذت تحبس الماء قائلة زمّ الماء زمّ الماء (أي جرى)، فلذلك سميت هذه العين «زمزم»، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «رحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم لكانت عيناً معيناً».
ثم مرت الأيام فهوى إليها أناس من قبيلة جرهم، فأرادوا البقاء في هذا المكان لما رأوا عندها الماء، فاستأنست بهم، فشب الطفل بينهم، وتعلم العربية، وتزوج امرأة منهم، هذه هي هاجر أم الذبيح إسماعيل، أخلصت النية لله، فرعاها في وحشتها ورزقها وطفلها من حيث لا تحتسب، وقد جعل الله تعالى من فعلها عملاً من أعمال الحج، حيث إن السعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34775
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
النعجة..ورد ذكرها 4 مرات
عـــمــــران مــحمـــود عــمـــران
من الحيوانات التي ذكرها الله تعالى في كتابه (النعجة)، وقد ذُكرت أربع مرات (ثلاثاً بالإفراد، وواحدة بالجمع: نعاج) في سورة (ص) في قصة سيدنا داوود مع الخصمين اللذين تسورا عليه المحراب، والنعجة هي الأنثى من الضأن (أنثى الخروف)، والجمع: نعاج، وهي من الثدييات التي تتغذى على الأعشاب، وهي من الأغنام، والأغنام تربى في جميع أنحاء العالم، ولا يكاد يوجد منها إلا الأليف، ويستفيد الإنسان من لحومها وأصوافها، ولحومها من أطيب أنواع اللحوم وأجودها.
وقصة داوود التي ورد ذكر النعجة فيها ينبغي أن يتأملها المسلم، وأن يحقق ما جاء فيها، فقد أمر الحق سبحانه وتعالى أفضل خلقه سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم بالصبر، وأن يقتدي بداوود عليه السلام، فقال سبحانه: (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ)، ووصفه بكونه عبداً له وعبر عن نفسه بصيغة الجمع الدالة على نهاية التعظيم (عَبْدَنَا دَاوُودَ)، ذلك غاية التشريف، ووصفه تعالى بــ (ذَا الْأَيْدِ) أي القوة، في أمر دينه ودنياه، و(إِنَّهُ أَوَّابٌ) أي إنه كان يرجع في أموره كلها إلى الله تعالى.
فصل الخطاب
وكان داوود إذا سبح جاوبته الجبال، واجتمعت إليه الطير فسبحت معه، وقد شدد الله ملكه وقواه، فكان أشد ملوك الأرض سلطاناً، وآتاه الله الحكمة، وفصل الخطاب، أي كمال حاله في النطق واللفظ والعبارة، فكان قادراً على التعبير عن كل ما يخطر بالبال، ويحضر في الخيال، فلا يختلط شيء منه بشيء.
وقد تزيد بنو إسرائيل وافتروا على نبي الله داوود عليه السلام، ونشروا عنه ما لا يليق بالنبوة والعصمة، وحاصل كلامهم: أن داوود عليه السلام أعجبته امرأة أوريا، فاحتال بوجوه كثيرة حتى قتل زوجها، ثم تزوج بها، فأرسل الله إليه ملكين في صورة المتخاصمين في واقعة شبيهة بواقعته، وعرضا تلك الواقعة عليه، فحكم داوود بحكم لزم منه اعترافه بكونه مذنباً، ثم تنبه لذلك فاشتغل بالتوبة.
وهذا باطل لا شك فيه، لا يليق بمقام النبوة والعصمة، يدل على وضوح بطلان كلامهم تلك الصفات التي ذكرها الله تعالى لداوود، بين يدي هذه القصة، من عبادة وتسبيح وعبودية لله وكثرة الأوبة وما أعطاه الله من الحكمة وفصل الخطاب وقوة السلطان، ثم ما أعقب تلك القصة من مدح وعطاء.
وقال القاضي عياض في كتابه الشفا: « لا يجوز أن يلتفت إلى ما سطره الأخباريون من أهل الكتاب الذين بدلوا وغيروا، ونقله بعض المفسرين، ولم ينص الله تعالى على شيء من ذلك، ولا ورد في حديث صحيح، والذي نص عليه الله في قصة داوود: (وظن داوود أنما فتناه) وليس في قصة داوود وأوريا خبر ثابت، ولا يظن بنبي محبة قتل مسلم، وهذا هو الذي ينبغي أن يعول عليه من أمر داوود ».
اتباع الظن
أما ابن كثير فلم يذكر ما ورد عن بني إسرائيل في ذلك، واكتفى بالتنبيه على بطلان ما أوردوه. والقصة وسياقها في كتاب الله تعالى هي ما ينبغي على المسلم الوقوف عنده، والوقوف على اليقين أولى من اتباع الظن والشبهات.
قال تعالى: (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ).
فكما نرى سياق القصة لم يذكر ما يشير للإسرائيليات، وغاية ما هنالك أن داوود عليه السلام تعجل في الحكم، بعد أن سمع أحد الطرفين، وهو قد حكم بالحق وفقاً لكلام السائل، وظن مجرد الظن أنه قد اختبر فاستغفر ربّه وخر راكعاً وأناب.
وما أحوج الإنسان أن يتأمل هذه القصة، وما ذكره الله قبلها وبعدها من وصف لعبده ونبيه داوود عليه السلام، ويقف عند حدود الأدب والشرع مع أنبياء الله تعالى، ولا يتبع ما نشره بنو إسرائيل من فحش وتعدٍ على أنبياء الله.
inShare
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34775
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
الفُلك.. السفينة العظيمة
د. أحمد خضير
معنى كلمة الفلك بضم الفاء وسكون اللام، يطلق على السفينة العظيمة التي تعمل في البحر، والتي تنقل الناس والبضائع ولها فاعلية الطفو فوق الماء وتكون في المياه العميقة، أما بفتح الفاء واللام فيطلق على مقاصد الأجرام السماوية وحركاتها ومجراتها ويطلق على الذين يجتهدون في كشف أسرار الكون »علماء الفلك«. وقد وردت كلمة »الفلك« في القرآن الكريم 23 مرة كما وردت كلمة السفينة فيه 4 مرات، منها على سبيل المثال الآية 37 في سورة هود »واصنع الفلك بأعيننا«.
السفينة والفلك
وذكرت السفينة في قصة نبي الله موسى مع الخضر »حتى إذا ركبا في السفينة خرقها« وكذلك في قوله تعالى »أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر«. توحي الآيتان على أنها سفينة صغيرة لأن من يمتلكها من المساكين. أما المكان الذي استوت عليه سفينة نوح، فهو الجودي، ويقال إنه جبل في العراق بالقرب من الموصل.
وسبب رسوها عليه، يذكر بعض المفسرين أن الله تعالى أوحى إلى الجبال أن السفينة ترسو على واحد منها فتطاولت وبقي الجودي متواضعاً لله فاستوت السفينة عليه، وهنا يقول بعض المفسرين: » أكرم الله ثلاثة جبال، الجودي بنوح، وطور سيناء بموسى، وحراء بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم«.
وهناك إعجاز قرآني حينما عبرت الآية عن رسوها على الجبل بـ»استوت« بدل استقرت، لأن رسوها على الجبل استقرار، لا ميل فيه وهذا المعنى متوفر في كلمة استوى. وفي قصة سيدنا نوح عليه السلام، أرسل الله نوحاً الى قوم يعبدون الاوثان، فجاءهم سيدنا نوح ودعاهم إلى الدين الحق وهو الإسلام وإلى العبادة الحقة وهي عبادة الله وحده وترك عبادة غيره، قائلاً لهم »يا قومِ اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم« (الأعراف: 59).
بالترغيب والترهيب
وبيّن لهم أنه رسول من الله تعالى قائلاً لهم »يا قومِ إني لكم نذير مبين أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعونِ (نوح2.3). فلم يستجيبوا له، وتفنّن سيدنا نوح بدعوتهم الى الله تعالى بشتى أنواع الدعوة، دعاهم في الليل والنهار والسر والجهر، وبالترغيب تارة وبالترهيب أخرى، فلم يؤمن منهم إلا القليل، واستمر أكثرهم على الضلال والطغيان..
وعبادة الأوثان، ونصبوا له العداوة ولمن آمن به وتوعدوهم بالرجم، ولبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، فلما تمادوا في معصيته واستمر طغيانهم في أولادهم، وأوحى الله إليه »أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن« (هود: 36).
حينئذ دعا ربه قائلاً »ربِ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارا«. فاستجاب الله دعوته »ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون« (الصافات: 75) حينئذ أمره الله تعالى أن يصنع الفلك من الخشب والحديد والقار وغيره، وجعل قومه يمرون به وهو في صنع الفلك فيسخرون منه، فاستمر سيدنا نوح بعمله حتى جعل الفلك ثلاث طبقات سفلى وخصصها للدواب والوحوش ووسطى خصصها للناس والعليا للطيور.
فوران الماء
وقد عهد الله إليه إذا جاءت علامة وهي فوران الماء من التنور فلما فار التنور حمل سيدنا نوح في السفينة (من كل زوجين اثنين) ثم جاء العذاب على شكل أعاصير جعل المطر ينزل من السماء كأفواه القرب، ويخرج من عيون في الأرض وذلك قوله تعالى »ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجّرنا الأرض عيوناً فالتقى الماء على أمر قد قدر« (القمر:11). ثم إن السفينة تجري بهم في موج كالجبال وقد ارتفع الماء إلى أعلى جبل في الأرض فلم يبق على وجه الأرض أحدٌ، إلا من كان في السفينة.
أمر الله السماء أن تقلع والأرض أن تبلع ماءها فرست السفينة، والذين آمنوا فئة قليلة الذين أنجاهم الله ولم يحصل من أحد منهم النسل الاّ من سيدنا نوح فهو أبو البشر الثاني، قال تعالى »وجعلنا ذريته هم الباقين«. (الصافات:77)
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34775
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
وأوحى ربك إلى النحل
ا
بقلم: عدنان حسن الخطيب
يقول الله تبارك وتعالى: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (سورة النحل آية 68 ـ 69).
وهذه دعوة صريحة من الحق تبارك وتعالى إلى أن نتفكر ونتأمل في عالم تلك الحشرات المباركة التي نَحَـلَها الله القدرة على جمع رحيق الأزهار، وهضمه، وتحويله إلى شراب مختلف الألوان، فيه شفاء للناس، ذلك العالم الواسع المليء بالأسرار والآيات التي تنطق بالإيمان وتشهد بالوحدانية لله الواحد القهار.
سورة النحل
وقد خص الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم سورة باسمها، عرفت بـ (سورة النحل) بصيغة الجمع، وليس سورة النحلة، كما تحدث عنها بصيغة الجمع أيضا حيث قال تعالى: (وأوحى ربك إلى النحل) وفي ذلك إشارة واضحة إلى طبيعة الحياة الجماعية التي يعيشها النحل، والتي تتميز بدقة نظامها وروعة بنائها.
ولقد لاحظ العلماء أن النحلة تموت إذا فصلت عن بقية أفراد المجموعة، وهذه آية من آيات الله الدالة على عظمته، فلقد شاءت حكمة الله جل جلاله أن يخلق مجتمعاً قائماً على أعلى مستويات التعاون والتكامل والاختصاص والعمل الدؤوب المنتج والتنظيم المعجز، لذلك لا يمكن أن تجد في مجتمع النحل خللاً ولا فساداً، إنه مجتمع موحَّد متكامل، على رأسه ملكة واحدة لا تنازعها أخرى، تشعر كل نحلة في الخلية بوجود الملكة عن طريق مادة تفرزها الملكة، وتنقلها العاملات إلى كل أفراد الخلية.
ويظهر تكريم الله تعالى للنحل جلياً عندما عبَّـر بالوحي عن الإلهام والتسخير، حيث قال تعالى: (وأوحى ربك إلى النحل) والوحي بمفهومه الشرعي من خصائص الأنبياء، ولا شك أن المراد به هنا هو الإلهام! فقد ثبت أن النحل لا تتعلم صنع العسل، بل هنالك غريزة وضعها الله فيها تدلّها كيف تعمل، وهنالك برنامج دقيق تسير عليه النحلة، ولا تحيد عنه منذ ملايين السنين.
ثم يتوجه الخطاب بقوله تعالى (اتخذي.. كلي.. اسلكي..) إلى مجموعة محددة داخل خلية النحل، وهي إناث النحل، حيث إن كل الأعمال داخل الخلية وخارجها يقتصر فقط على الإناث دون الذكور، وينحصر دور الذكور فقط في تلقيح ملكة النحل، بل قد تلجأ الخلية إلى طرد الذكور خارجها بعد تمزيق أجنحتها لضمان عدم العودة إلى الخلية، وذلك في حالات ندرة الغذاء توفيراً لطاقة الخلية، ولهذا وردت الألفاظ مؤنثة مطابقةً لما أثبته العلم الحديث.
وتقوم إناث النحل بأعمال كثيرة لبناء الخلية والمحافظة عليها، وتقوم بجمع رحيق الأزهار وتخزينه، وتصنيع الشمع والعسل، كما تقوم بعمل جليل بعيداً عن الخلية، وهو تلقيح الأزهار، من خلال رحلتها اليومية، حيث تزور النحلة ما يزيد على ألف زهرة، لكي تحصل على قطرة من الرحيق، وتزور قرابة مليون زهرة، وتقطع حوالي أربعمئة ألف كيلومتر لكي تصنع كيلوغراماً من العسل، ومن أجل توفير الوقت والجهد تقوم النحلة بترك علامة على الزهرة التي مصت رحيقها حتى لا تقع عليها نحلة أخرى.
مساكن النحل
ثم يشير القرآن الكريم إلى مساكن النحل بقوله تعالى: (أن اتَّخِذِي مِنَ الجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ)، وقد ثبُت علمياً أن أفضل أنواع العسل فائدة من الناحية الطبية، هو العسل الجبلي، يليه العسل المستخرج من الشجر، وأخيراً العسل المستخرج من العرائش التي يصنعها الناس، وقد جاء هذا الترتيب موافقاً للترتيب القرآني.
وفي قوله تعالى: (ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ) حقيقة أثبتها العلم الحديث، وهي أن النحل يأكل ويشرب (ذو أجزاء فم قارض ماصّ) والأكل يكون لحبوب اللقاح التي يجمعها من الأزهار، والشرب يكون للرحيق، ولهذا اقترنت كلمة (كلي) بكلمة الثمرات، والثمرة أصلها حبة اللقاح، وهو ما يأكله النحل، وقوله تعالى (كُلِّ الثَّمَرَاتِ) أفاد عموم الثمر دون استثناء، وما من ثمرة إلا وكانت حبة لقاح.
ثم إن هذه النحلة قد سخّر الله لها مسالك محددة في الهواء، كتلك الخاصة بالطائرات، وقد تبتعد عن الخلية عدة كيلومترات، ثم تعود ولا تضل طريقها، وتبلغ سرعة النحلة في طيرانها ما يزيد على خمسة وستين كيلومترًا في الساعة، وذلك في حالة طيرانها من دون حمولة، فإذا كانت محملة بالرحيق تهبط سرعتها إلى ثلاثين كيلومترًا، وتبلغ حمولتها من رحيق الأزهار ثلثي وزنها، إذ يقول الله تعالى: (فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً)! فمن الذي ذلّل لها هذه الطرق وهداها إلى السير فيها؟ ومن الذي زوّدها بمحرك تعجز عن صنع مثله كل أجهزة القرن الواحد والعشرين؟
وأخيراً لا يخفى على أحدٍ ما أودعه الله سبحانه في العسل من شفاء من كثير من الأمراض، قال تعالى: (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ) والعسل يتم تصنيعه في بطون النحل، ولقد ثبت حديثاً أن كل نوع من أنواع العسل له استخدامات تختلف عن النوع الآخر وتركيب مختلف أيضاً، ولكنها جميعاً تتميز بقدرتها على الشفاء، حيث يحتوي العسل على أربع وسبعين مادة علاجية. وهذا يتطابق مع قوله تعالى: (فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ)! فهل تدعونا هذه الحقائق للتفكر بآيات الله في النحل؟ (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34775
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
»أيها المدثر«.. خطاب لطيف من الله إلى الرسول
بقلم: د. أحمد خضير
المدثر هو المتغطي بثيابه، وكان الغطاء فوق ثيابه التي تلي الجسد، يستدفئ بها لينام، ويأخذ قسطاً من الراحة. ووفقاً لما جاء في سورة المدثر «يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2)»، إن هذا خطاب من الكريم إلى الحبيب «صلى الله عليه وسلم»، ناداه بالحالة التي كان عليها، وعبر عنه بالصفة المتصف بها، وهي الغطاء الذي تدثر به.
ولم يقل يا محمد ليستشعر من ربه، اللين والملاطفة، فجاء هذا الخطاب من باب الإيناس. وكان صلى الله عليه وسلم يستعمل مثل هذا الأسلوب مع بعض أصحابه، وفي يوم من الأيام، غضب علي رضي الله عنه من زوجته فاطمة الزهراء، فخرج فاضطجع على الأرض وقد تأثر بترابها، فقال له النبي: قم أبا تراب، فأراد عليه الصلاة والسلام أن يتحبب إليه، وأن يتلطف به، وأن يؤنسه بهذه اللفظة.
سبب التسمية
إن سبب التسمية «المدثر»، جاءت لأن الوحي جاء والنبي صلى الله عليه وسلم في حالة تدثره بالثياب، أما سبب نزول هذه السورة في صحيح البخاري، وهو يتحدث عن فترة الوحي، يقول عليه الصلاة والسلام: «بينما أنا أمشي، إذ سمعت صوتاً من السماء فرفعت رأسي.
فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فجثثت منه أي فزعت ورعبت رعباً حتى هويت إلى الأرض، فجئت أهلي (يعني خديجة رضي الله عنها)، فقلت دثروني، فدثروني، فأنزل الله تعالى «يا أيها المدثر قم فأنذر»، ثم بعد ذلك تتابع الوحي.
تضمنت هذه السورة بعض النقاط أبرزها: النداء العلوي، بانتداب النبي صلى الله عليه وسلم للدعوة لله سبحانه وتعالى وتبليغ الرسالة، وانتزاعه من النوم، والتدثر، والدفء إلى الجهاد والمشاق. إضافة إلى الاستعانة على الدعوة بأمور كثيرة، وتكبير الله، وتطهير القلب والنفس والعمل، فطهارة الثياب، كناية عنها، والطهارة ضرورية لتبليغ الدعوة وسط التيارات المختلفة والأهواء المتنازعة.
وعدم المنّ بما يقدمه من الجهد في سبيل الله تعالى، لأنه سيبذل الكثير وسيلقى الكثير من العناء، بل أمر أن يكون مستغرقاً بشعوره بالله سبحانه وتعالى وهو فضل من الله تعالى، وهو اختيار واصطفاء يستحق الشكر لله تعالى. والصبر على ما يواجهه صلى الله عليه وسلم من الناس من أنواع الأذى والسخرية والاستهزاء.
قصة الوليد
السورة تذكر مشهداً من مشاهد أحد المكذبين، وهو الوليد بن المغيرة، وخلاصة قصته، أنه كان زعيماً في قومه مر بالنبي عليه الصلاة والسلام وهو يصلي ويقرأ القرآن، فاستمع لقراءته وتأثّر بها بالغ التأثير، وانطلق الوليد إلى مجلس قومه قائلاً، لقد سمعت من محمد صلى الله عليه وسلم كلاما ليس هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، وما هو بشعر ولا بسحر، ولا بهذي من جنون، وما يشبه كلام البشر، والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة (أي حسن ورونق)، وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو وما يعلى عليه، ثم انصرف إلى منزله.
بعد ذلك قالت قريش، ترك الوليد بن المغيرة دين أجداده، ودخل في دين محمد لتتبعنّه قريش كلها، فلما سمع أبو جهل بمقالة الوليد، قال أنا أكفيكم أمره، فجاء إلى أبي الوليد، فجلس عنده حزيناً، فسأله عن سبب حزنه، فقال أبو جهل: كيف لا أحزن وقد زينت كلام محمد، وتركت دينك لتصيب من فضل طعامه، فغضب الوليد وقال: كذبوا، فلم يقتنع أبو جهل بجوابه فقال له: إن أردت أن ترضينا، فقل في القرآن وفي محمد، قولاً غير الذي قلته، فقال الوليد: اجمعهم لي.
فلما جمعهم، سألهم عن محمد صلى الله عليه وسلم بأسئلة: هل هو مجنون؟ هل هو كاهن؟ هل هو شاعر؟ في كل مرة يقولون: لا، قالوا له: وما تقول أنت يا أبا الوليد، فقال: دعوني حتى أفكر، ففكر قليلاً، فقال: إن أقرب ما نقول فيه إنه ساحر، أما رأيتموه يفرق بين الأب وابنه، وبين الرجل وأهله؟ وما هذا الذي يقوله إلا سحر تعلمه. فتوعدته السورة بأن مصيره يوم القيامة دخول سقر (سأصليه سقر) نتيجة تكذيبه.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34775
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
يضرب مثلاً ما بعوضة
بقلم ـ د . عبد الحليم إبراهيم
قال الله تعالى: (إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً وما يضل به إلا الفاسقين) البقرة: 26، فالبعوضة مخلوق صغير ضعيف، لكنها آية من آيات الله عز وجل لها مائة عين وثلاثة قلوب ويضم فمها ثمانية وأربعين سناً.
ولها ستة سكاكين في خرطومها وثلاثة أجنحة في كل طرف ومجهزة بجهاز تخديري لغرز الإبرة دون أن يحس الإنسان، كما أنها مزودة بجهاز حراري يعمل مثل نظام الأشعة تحت الحمراء يعكس لون الجلد في الظلمة، ومزودة أيضا بجهاز تحليل الدم والشم من مسافات بعيدة، وهذا المخلوق الصغير في حجمه، دليل على الخالق العظيم وعظيم قدرته وقوته، وجاء تذكير الله سبحانه به لنعلم آية خلقه وبديع صنعه.
ولقد حصل رونالد روس عالم الجراثيم عام 1902م على جائزة نوبل للعلوم لأنه درس نوعاً من أنواع البعوض وهي (أنوبوليس) واكتشف أنها السبب في نقل مرض الملاريا الذي يفتك بمئات الآلاف من الناس كل عام، ألا يستحق هذا المخلوق العجيب أن يضرب الله به المثل؟ وفي العصر الحديث أقيمت معاهد ومخابر في كافة أنحاء العالم لدراسة البعوضة، ونقلها للأمراض.
قوة البعوضة
البعوضة هي الحامل الرئيسي للحمى الصفراء، وتفشي المرض في البشر، وقد مات بسبب هذا المرض الملايين، إذ تقوم إناث البعوض بمص دم الإنسان، أما الذكور فإنها تتغذى على النباتات، ولعل الحكمة في ذلك ظاهرة في قوله سبحانه (إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها...) و لم يقل بعوضاً أو البعوض، وقد تحدث البعوضة ثقباً في جسم الإنسان، وهذا الثقب سرعان ما يتعرض للانسداد، لكنها مزودة بمادة تفرزها تميع الدم وتمنع تخثره، والسؤال كيف تعلم البعوضة أن لديها كل هذه الوسائل والإمكانات، والأجهزة والأدوات؟ فالذي خلق الإنسان خلق هذه البعوضة.
كيفية الإصابة بمرض الملاريا؟
يدخل الحيوان الصغير الحجم في معدة البعوضة، لا يرى بالعين المجردة، ويتكاثر داخل البعوضة وتنشأ الملايين، لكنها لا تصيب البعوضة بأذى، وصدق الله العظيم القائل: (ولله جند السموات والأرض وكان الله عزيزاً حكيماً) الفتح: 7، ويقول (وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر) المدثر: 31.
يتواجد البعوض في أنحاء العالم ما عدا القطبين ولا تتواجد على ارتفاع 5500م ولا على انخفاض 1250م ولها أربعة وثلاثون جنسا و3100 فصيل، ولقد ذكر الله سبحانه وتعالى البعوضة فسخر المرتابون والكافرون من ذلك، ثم تبين أن البعوضة أخطر حشرة على وجه الأرض، إذ يستطيع البعوض معرفة مكان الإنسان من خلال زفيره فلقد زوده الله سبحانه وتعالى بتقنيات يستطيع بها التقاط غاز الكربون الذي يزفره الإنسان، ويحلل كميته ومصدرها، بل يؤكد العلماء أن لديها قدرات تتفوق على أعقد الأجهزة الحديثة التي صنعها البشر! فسبحان الله العظيم.
وقد ذكر المفسرون سببين لإيراد هذا المثل إذ قال الحسن وقتادة "لما ذكر الله الذباب والعنكبوت في كتابه، وضرب للمشركين به المثل ضحكت اليهود، وقالوا ما يشبه هذا كلام الله، فأنزل الله الآية"، وعن ابن عباس وابن مسعود "لما ضرب الله هذين المثلين للمنافقين يعني قوله (مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً...) قال المنافقون: الله أعلى و أجل من أن يضرب هذه الأمثال، فأنزل الله (إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة...).
ويتضح من النصوص أن هذا المثل إنما جاء تقريباً وتوبيخاً لهؤلاء الذين يشككون في القرآن حينما يضرب الأمثال بالمخلوقات الصغيرة، ويترك المثل بالحيوانات الكبيرة كالجمل والحصان، وربما لم يعرف الناس ما لهذا المخلوق من أثر وعجيب صنع إلا في العصر الحديث، حيث اكتشف العلم دقيق صنع الله في هذا المخلوق العجيب بعد انتشار المخابر والمجاهر وعلم التشريح، والله سبحانه الخالق للصغير والكبير، وهو العالم بأسرار الخلق جميعاً، وحين ضرب المثل بالبعوض علمنا الآن قيمة المثل وأثره، والعبرة بالمثل لا بحجم الممثل به وأهل الإيمان هم دائماً أهل التسليم والتصديق لله ورسوله.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34775
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
«الماعون».. روح العقيدة تنعكس على السلوك
محمد سعيد قصيباتي
تطالعنا سورة الماعون، بآياتها السبع، لتكون منهجاً لتصحيح المفاهيم عن الدين والتدين، وأن عقيدة الإسلام ليست طقوساً اعتيادية تؤدى، وأنها متى تغلغلت في قلب المؤمن انعكست على كيانه وجوارحه وتعامله مع الآخرين، وبالضرورة فإن هذا اليقين الإيماني بالله تعالى حينما يُنزع من الإنسان تتوالى على سلوكه مظاهر الظلم والتجبر حتى يصبح وحشاً كاسراً في شبح إنسان. فالدين بناء متكامل ليس للمرء أن يأخذ منه ما يشاء ويدع ما يشاء، بل تترابط فيه عباداته وشعائره مع المعاملات التكافلية بين أفراده، لتؤول إلى منهج يَصلُح فيه البشر وتعمر به الأرض.. وهذا ما تقرره سورة الماعون.
الماعون هو لفظ يراد به ما لا ضرر من بذله، كالماء وإعارة الآنية وما يستعمل في المنزل.
جاء في الصحاح: المَعْنُ: الشيء اليسير الهيِّن.
والماعونُ اسمٌ جامعٌ لمنافع البيت، كالقِدْر والفأس ونحوهما، ويسمى الماء أيضاً ماعوناً.
وقوله تعالى: (ويَمْنَعونَ الماعونَ) قال أبو عبيدة: الماعون في الجاهلية كلُّ منفعةٍ وعطيّةٍ.
والمراد أن هؤلاء المذكورين من فرط غفلتهم عن أمر الله فإنهم يمنعون عن الناس فضلهم، حتى إنهم يبخلون بما لا ضرر عليهم ببذله.
جاء في تفسير الفخر الرازي: »الماعون اسم لما لا يمنع في العادة، ويسأله الفقير والغني، ينسب مانعه إلى سوء الخلق ولؤم الطبيعة كالفأس والقدر والدلو، ويدخل فيه الملح والماء والنار«.
افتتحت السورة بالاستفهام، وهو استفهام تعجبي يؤتى به للفت انتباه السامع، وهذا من أرقى درجات البيان.
قال الفخر الرازي: »اعلم أن هذا اللفظ وإن كان في صورة الاستفهام لكن الغرض بمثله المبالغة في التعجب، كقولك: أرأيت ماذا ارتكب فلان؟«.
والدِّين في الآية هو الحساب والجزاء، وهنا تأتي الآية بياناً صارخاً بأن الذي لا يلتزم بالأخلاق فهو لم يؤمن بالحساب، لأن من آمن بالجزاء عليه أن يُعدَّ له، كما قال عليه الصلاة والسلام: »والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن، قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه« (البخاري: 5670). قال الزمخشري في الكشاف: »المعنى: هل عرفت الذي يكذب بالجزاء من هو؟ إن لم تعرفه فهو الذي يدعّ اليتيم، أي يدفعه دفعاً عنيفاً«.
وفي قوله (ولا يحض على طعام المسكين) تصوير لمدى بخله من جهة ومدى الحاجة الماسة التي لم توقظ في نفسه الرحمة، فأما تصوير مدى بخله ففي التعبير بأنه يبخل بمجرد الحض على المعروف، فهو يبخل بالبذل حتى بلسانه، وأما حاجة المسكين فعبّر عنها بالطعام، وهو أساس الحاجات التي يقوم عليها وجود الإنسان.
وفي قوله تعالى (فويل للمصلين...) إشارة إلى أنهم لو كانت صلاتهم صلاة المتقين لما صدرت منهم تلك الصفات، لأن الجدير بالصلاة أن تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر، لكنهم عن صلاتهم ساهون، جاء في الكشاف: »معنى (عن) أنهم ساهون عنها سهو ترك لها وقلة التفات إليها، وذلك فعل المنافقين أو الفسقة من المسلمين، ومعنى (في) أن السهو يعتريهم فيها بوسوسة شيطان أو حديث نفس، وهذا لا يكاد يخلو منه مسلم«. وقد بُيِّن أنهم إذا صلوا فإنهم يصلون رياء ولا يبتغون بها وجه الله تعالى.
ثم ختم بأنهم يمنعون فضلهم عن الناس حتى وإن كان بذلاً لا ضرر في بذله، وهو الماعون، وكان ختام السورة وافتتاحها متعلقاً بالبذل والعطاء المادي، وهو رأس حربة الابتلاء الذي يعرف به المؤمن الحق، فبدأ بصفة من يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين، واختتم بمن يمنع الماعون.
فالمال إن هان في عين صاحبه أمام أوامر الله تعالى فهو على منهج الحق، وإن غلب الإنسانَ شحُّ نفسه فآثر المال على أمر الله فهو من أهل الويل والثبور، فليس بالضرورة أن تكون هذه الدنيا ملائمة لرغبات نفس الإنسان، وإلا فما فائدة الابتلاء الذي يفضي إلى السعادة الأبدية للفائزين به؟
آثار منع الماعون:
إن التآلف والتعاون بين أفراد المجتمع المسلم يزيد من محبتهم وتماسكهم، وإعارة الماعون لمن يحتاج إليه باب من أبواب التكافل، ويمكن إجمال بعض الآثار الاجتماعية الناتجة عن منع الماعون، وتتمثل في إضعاف روح المحبة والترابط وشيوع الأنانية في الناس، كما قد يؤدي إلى زرع بذور الحقد والكراهية بين أفراد المجتمع، ويولد فيهم الفرقة التي جاء الإسلام لمواجهتها وإقصائها،.
وهذا يهدم الوحدة الإنسانية بين البشر، ويسهم في انتشار الطغيان. سورة الماعون قليلة في عدِّ آياتها، عظيمة في ما تضمنته من معان، فهي أنموذج فريد في التربية لكل زمان ومكان، وتكاد تبدل المفهوم السائد للإيمان والكفر، لتعرف الخلق بمدى الخير الذي يحمله هذا الدين للبشرية جمعاء، والرحمة السابغة التي أفاضها الله على البشر باختصاصهم برسالة الإسلام.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34775
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
وهزي إليك بجذع النخلة
د. أحمد خضير
معنى الجذع في هذه الآية »وهزي إليك بجذع النخلة« الجذع هو ساق النخلة، وهو الشجر المعروف، وكان ميتاً بلا رأس يابساً في أيام الشتاء، حيث لا يثمر، وجمعه جذوع، قال تعالى »ولأصلبنّكم في جذوع النخل«. ومعنى كلمة الهز في الآية »وهزي إليك بجذع النخلة« أي حركي ذلك الجذع، الإعجاز القرآني بقوله تعالى »وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنيا، فكلي واشربي وقَري عيناً«.
هز الجذع
هكذا أمرها ربها بهز الجذع، وأمرها بالأكل والشرب، وأن تفرح وأن تقر عينها فهذه يتجلى فيها السر الإلهي والإعجاز القرآني، حيث أثبتت دراسات علمية أن الحزن يضرّ بالجنين، فنهيت الحامل ومن وضعت حديثاً عن الحزن، ونصح الباحثون أن تتمتع الحامل بحالة نفسية جيدة، وتبتعد عن أي مظهر من مظاهر الحزن والاكتئاب وحيث تسبب الضغوط النفسية أثناء فترة الحمل للمولود خطر الإصابة بالرّبو، أو التشوّهات أو تؤثّر في مستوى ذكائه.
والحركة والرياضة الخفيفة تفيد المرأة التي جاءها المخاض، فأمرها أن تهز جذع النخلة لأنها تحسّن صحة الجنين، وتساعد على نمو جهازه العصبي، وأن أفضل غذاء للحامل هو التمر لاحتوائه على عناصر غذائية ضرورية فأمرها بأكل هذه الثمرة، وأنّ التمر بما فيه من عناصر غذائية غذاء مثالي للأم، ويساعد على تقلص عضلات الرحم، ما يسهل عملية الولادة..
ويفيد الأمعاء لسهولة امتصاصه، ومفيد للجنين لما يحتويه من الفيتامينات والمعادن الضرورية لنموّ الطفل، من الحديد وفيه مجموعة من فيتامين (B) وهذه العناصر الغذائية نسبتها في التمر أكثر نسبة من الفواكه الأخرى بخمس أضعاف.
لمسات بيانية
هناك لمسات بيانية من هذه الآيات، ابتداءً من كلمة »تساقط«، إذ جاءت اللفظة تساقط بدل تسقط لأن تساقط تفيد تتابع السقوط، وتسقط مرة واحدة، فربنا أراد أن يفهمها أن الثمر لا ينقطع بل يبقى مستمراً. أما »فكلي واشربي«، نلاحظ أن القرآن حينما يذكر الأكل والشرب يقدم الأكل على الشرب حتى في نعيم الجنة »كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية«، والسبب أن الحصول على الأكل أصعب من الحصول على الشرب.
وذكر الله في السياق القرآني »أتت به قومها«، وهنا استعمل القرآن كلمة أتت بدل جاءت »فأتت به قومها«، لأن التعبير بجاء، يعبر فيه عن المجيء إذا كان فيه صعوبة، وأن التعبير بأتي، إذا كان في القدوم يسر، ومجيء مريم اليهم سهل في نفسها لأنها واثقة بأن الله هو الذي يدافع عنها، فلم يكن في نفسها ثقل في مجيئها إليهم..
فلذلك جاءت كلمة »أتت«، أما قومها حينما رأوا طفلها بيديها، عبروا بقدومها إليهم بلفظة تدلل على صعوبة المجيء »لقد جئتِ شيئاً فَرياً« إذاً، المجيء صعب في نظرهم، فلا ترادف في دلالة ألفاظ القرآن على المعاني، بل كل لفظة لها دلالة تخصها.
سؤال ملح
وهنا سؤال ملح، فحواه لماذا أمرت السيدة مريم بهز الجذع اليابس الذي لا حياة فيه ولا سعف. فمريم العذراء كانت امرأة متبتلة عابدة منقطعة عن البشر، فجاءها الملك فبشرها بغلام فتعجبت من أين يأتي هذا الغلام ولم يمسها بشر وهي الطاهرة العفيفة، سؤال في منتهى التعجب!
أراد الله تعالى أن يأتيها الجواب مشاهداً أمام عينها، لتأنس ولتطمئن بما تراه من لطف الله بها وأن الله لن يتخلى عنها، فجاءها المخاض إلى جذع نخلة رأسه يابس نخر وفي أيام الشتاء، حيث لا يثمر النخيل، جاءها الأمر بأن تهز جذع النخلة حتى يتساقط إليها الرطب من هذا الجذع اليابس ومعلوم أن النخلة لا تثمر في الشتاء وأن النخلة الوحيدة من بين الأشجار لا تثمر إلا بوساطة التلقيح »التأبير« وهو أخذ الطلع من الشجرة الذكر ووضعه في طلع الشجرة الأنثي.
فلمّا تعجبت مريم وطرحت السؤال »أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر ولم أكُ بغيا«، فجاءها الجواب »قال ربك هو عليّ هيّن« فأراها مشهداً تبصره بأم عينها يثبت لها الجواب، وهو أن الله عندما يقول للشيء كن فيكون، فما إن هزّت مريم جذع النخلة اليابس الميّت حتى أثمرت الرطب في الحال من دون تلقيح، فتساقط رطب مذاقه طيب..
وكأن المولى يقول لها يا مريم من جعل النخلة تعود إليها حياتها وتثمر من دون تلقيح، هو الذي جعلكِ تحملين دون أن يمسسك بشر، فلما رأت ذلك علمت أن الله تعالى معها، فقابلت قومها بقوة واطمئنان حينما سألوها فأشارت إلى الطفل ليتولى الإجابة عن سؤالهم، فتكلم ذلك الوليد في أول أيامه بأنه عبد الله تعالى، آتاه الكتاب وأوصاه بالبرّ بأمه، والقوم يسمعون كلامه بوضوح.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34775
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا
بقلم ـ د. عثمان المحمد
في معرض الرد على عناد الكافرين والملحدين يتكرر التذكير بآيات الله وتتكرر الدعوة إلى التفكر والتدبر حتى يثوب الإنسان إلى مولاه ويرجع إلى الفطرة التي فطر الله الناس عليها ((صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ)) سورة البقرة (138)، ويقول الباري جل في علاه متحدثاً عن آياته في الكون: ((وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ* فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ* يَخْلُقُ اللهُ مَا يَشَاءُ* إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) سورة النور(45).
من هذه المخلوقات الدالة على عجيب صنع الله تعالى وكمال قدرته: (الحية)، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم، في قصة سيدنا موسى عليه السلام، في عدة مواطن، منها ما جاء في سورة طه حين أراه إياها كآية من آياته، والتي سيكون لها شأن في إثبات نبوته عليه السلام، فأمره الله تعالى أن يلقي عصاه فتحولت العصا إلى حية، قال تعالى: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى* قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى* قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى* فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى* قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى) سورة طه (17-21).
هذا الموقف الأول لما عاد سيدنا موسى إلى مصر بعد أن خرج منها وفي طريق العودة أبصر ناراً فأراد أن يستأنس ويقترب منها فناداه الله، وأوحى إليه بالنبوة، وأراه آية عظيمة، حيث أمره بأن يلقي عصاه فإذا هي تتحول إلى حية حقيقية تهتز وتتحرك وتسعى فخاف منها، فأمره الله ألا يخاف، وما كان خوفه إلا بمقتضى البشرية.
وقال تعالى في سورة الأعراف: ((وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105) قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109)) سورة الأعراف (104-109)، وقال تعالى في سورة الشعراء: ((فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ)) (32).
وقد برع المصريون في السحر، فأعطى الله موسى عليه السلام معجزة من جنس ما برع فيه المصريون لتكون ألزم للحجة، ولكن ما أعطي موسى لم يكن تخييلاً ولكنه قلب حقيقي، لا يقدر عليه إنسان أو جان مهما برع، ولذلك أذعنت له السحرة لما رأوا ذلك، فكان إيمان أهل الخبرة من السحرة به أعظم شاهد على صدق نبوته عليه السلام، ولم يبق لفرعون إلا الاستكبار والعناد.
كان ذلك في الموقف الثالث، عندما جمع فرعون السحرة وألقوا الحبال والعصي وسحروا أعين الناس وخيل للناس ولموسى أن هذه الحبال تتحرك وتسعى، وألقى موسى عصاه قال تعالى: ((وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ* فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ)) سورة الأعراف (117).
يقول المفسرون فلما ألقى موسى عصاه انقلبت حية وراحت تبتلع كل الحبال والعصي التي هي في أعين الناس ثعابين، وعندما أيقن السحرة أن ما جاء به موسى حق وليس بسحر سجدوا لله أمام هذه المعجزة، ويعلق الشيخ محمد النبهان الحلبي رحمه الله على عبارة ((تلقف ما يأفكون)) فيقول: لقفت الإفك الذي خيل للناس أن الحبال والعصي ثعابين وحيات، وهذا الخيال لا حقيقة له بمعنى لقفت ما كان يخيل إليهم فعادت الحبال حبالاً والعصي عصياً، ويؤيد هذا المعنى القرآن الكريم حيث يقول: ((فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)) سورة الأعراف (118).
أسماء الحية
يطلق اسم الحية على الذكر والأنثى، كما أن للحية أسماء متعددة منها العين والصم والأزعر والأبتر والغاشر والأرقم والأصلة والجان والثعبان والشجاع والأزب والأفعى والأفعوان والأرقش والأرقط والصل وذو الطفيتين والعربد، وقد ذكرت الحية في القرآن بهذا الاسم، وذكرت باسم الثعبان، وهو الحية الكبيرة..
وذكرت باسم الجان، وهي الحية الصغيرة سريعة الحركة، شبهت بالجن في خفته وسرعة حركته، كل ذلك في قصة موسى عليه السلام، حيث كانت حية عظيمة عجيبة، جمعت صفة الثعبان في الحجم، وصفة الجان في خفة الحركة، وذلك على خلاف العادة، يقول تعالى: (فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ) سورة النمل ( 10 ). وقال تعالى: (فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ).
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34775
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
»الميزان« نعمة في الدنيا وحجّة في الآخرة
محمد سعيد قصيباتي
لا تكاد أمة تصل إلى ذرا المجد إلا والعدل أساس بنائها، وما أهمل قوم العدل وساد بينهم الظلم إلا باؤوا بالذل والانكسار والضعف والهوان، وكيف عساهم أن يسودوا وينالوا احترام الآخرين وهم لا ينصفون بعضهم، وأنى لهم أن تقوم لهم قائمة ولا يؤخذ حق ضعيفهم من قويهم؟
العدل والميزان صنوان لا يفترقان، والذي يسير في ربوع القرآن يجد أن الوزن والميزان كان لهما حظ وافر من آيات الكتاب العزيز، إذ ورد ذكر «الميزان» مفرداً في تسعة مواضع.
وكفى بنصب الميزان يوم يقوم الناس لرب العالمين دليلاً على علو شأنه ورفعة منزلته، (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) الأنبياء: 47، وحينئذ (فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفّت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم) الأعراف: 8
إنه حساب الحق الدقيق العادل (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) الزلزلة: 7-8، فالذين رجحت كفة أعمالهم الطيبة فازوا بالنعيم المقيم، ومن رجحت سيئات أعمالهم وباعوا أنفسهم للشيطان صاروا من أصحاب الجحيم.
والرحمن سبحانه وتعالى خلق الإنسان وامتن عليه بأن سوّى له الأرض ورفع له السماء وبناها، وسخر له كل شيء لخدمته، (والسماء رفعها ووضع الميزان أن لا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان) الرحمن: 7-9 ، فهذا الكون بأجرامه وعوالمه التي لم يدرك منها الإنسان إلا أقل مما تحمله الإبرة إذا غمست في البحر، مخلوق بميزان لا يتخلف ولا يطغى، ولسنا بصدد البحث في الإعجاز العلمي للقرآن فإن له أهله، ولكن تأمل فقط في قوله تعالى (فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير) الملك: 4، صنعة عجيبة مرتبة بنظام عجيب، فالشمس والقمر والنجوم والأجرام السماوية جمعاء تسير بانتظام لا يتخلف، ومن عظمة كل كلمة في القرآن أن نجده قرن خلق السماء بوضع الميزان، ليعلم أن السماء بما تحتويه رفعها الله بميزان ينبغي التفكر فيه.
الميزان هو آلة الوزن، وكما أن للمحسوسات ميزاناً كذلك للقيم والمعنويات ميزان، فالإسلام وازن بين الأمور، فنرى أن هناك قوماً رجحوا كفة المادة على الروح، وهناك من طغى بالروح على المادة، وأما ديننا الحنيف فإنه وازن بين الروح والمادة، فأمر بعبادات ترتقي بالإنسان في روحه إلى ملكوت العلو الإلهي، وفي الوقت ذاته أمره بالعمل والأخذ بالأسباب والتزود من العلوم الكونية حتى قال عليه الصلاة والسلام: «إذا قامت القيامة على أحدكم وفي يده فسيلة فليغرسها» مسند أحمد 3/183.
قد يستغرب القارئ لأول وهلة أن الميزان الذي ينصبه الله تعالى يوم الحساب أكثر ما يرجح فيه من الأعمال ليس الصلاة والصيام والحج، ما أعظمه من إله يرجّح كفة ميزان العبد بحسن خلقه مع عباد الله جميعاً بغض النظر عن دينهم ومعتقداتهم، فيقول عليه الصلاة والسلام: «ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن» رواه الترمذي (2002). بل إن حسن الخلق يستمر مع المؤمن حتى بعد انتهاء الوزن فيعطيه شرف رفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبته في الجنة فيقول عليه الصلاة والسلام: «إن من أحبّكم إليّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً» الترمذي (2018).
ومن هنا نرى أن نبياً من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بعثه الله إلى قوم كانوا يتعاملون بالغش والخداع وينقصون المكيال والميزان، وهو شعيب عليه السلام (وإلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط) هود: 84
والفرق بين المكيال والميزان أن هناك أشياء يحسب مقدارها بالكيل كالقماش مثلاً فإنه يحسب بالأمتار، ومنها ما يحسب بالوزن.
إن الله أراد للميزان أن يقوم بين الناس في معاملاتهم، إذ لو أخذ أحد غير حقه لاستمرأ الناس اغتصاب حقوق بعضهم ولسادت الفوضى في المجتمع ورجحت كفة الباطل على الحق والظلم على العدل، وهذا ما ينذر بهلاك المجتمع وتآكل بنيانه، وانظر إلى الانهيار الذي حدث في اقتصادات عالمية كانت متربعة على عرش الازدهار دهوراً، وانتهت فجأة بأزمة مالية فجّرها التعامل بغير ميزان الحق الذي ارتضاه الله لعباده.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34775
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
أوهن البيوت.. وأقوى الخيوط
عبد العليم أبو ليلة
من عجيب ما خلق الله تعالى وصوّر، وأحكم في خلقه وأبدع، وتفرد بالإيجاد وأتقن، دون احتياج إلى من يساعده، أو افتقار إلى من يسانده، هذا المخلوق العجيب المسمى بـ (العنكبوت)، الذي اختار الله تعالى له سورة في القرآن الكريم سُمِّيت باسمه، قال فيها سبحانه وتعالى: ((مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون)) العنكبوت/41، وهذا مثل يضربه الله تعالى لمن يعبدون غير الله، أو يستعينون بغير الله تعالى، حيث إن عبادتهم لغير الله سبحانه لا تغني عنهم من عذاب الله من شيء، فكما أن بيت العنكبوت يعتبر غاية في الضعف والوهن، فكذلك من يُسْتعان به وما يستعان به من دون الله، هو أيضاً غاية في العجز وعدم القدرة، ومن فقد القدرة على حماية نفسه، فهيهات أن يحمي غيره، فما أجهل هؤلاء المستعينين بغير الله عز وجل، ولو كانوا يعلمون ما ينتظرهم من عذاب، ما عبدوا من دون الله من شيء.
سبب التسمية
لعل الحكمة في تسمية هذه السورة بهذا الاسم، ما ورد فيها من الحديث عن العقيدة وأصولها من حيث الوحدانية، والرسالة، والبعث، والجزاء، ثم ما ذكره سبحانه وتعالى من قصص الهالكين من الأمم الغابرة بسبب فساد عقيدتهم، كقوم لوط، وقوم شعيب، وقوم هود، وقوم صالح، وقارون، وفرعون، وهامان، فكان ما كان من شأن إهلاكهم وتدميرهم، جزاء غرورهم واستكبارهم، قال الله تعالى: ((فكلاً أخذنا بذنبه.....))، ثم ربط سبحانه وتعالى بين هذا الإخبار وبين الذين اتخذوا من دون الله أولياء، موضحاً أن من احتمى بغير الله كمن احتمى ببيت العنكبوت، ولو كان هؤلاء يعلمون ما أَعده الله لهم من عقاب بسبب كفرهم، ما ركنوا لغير الله عز وجل وما عبدوا غيره.
أما عن الكائن العجيب المسمى بـ (العنكبوت)، والذي يعد آية من آيات الله في خلقه، فإن العقل البشري يقف متحيراً مسْلماً قياده لربه القوي القادر الذي أحسن كل شيء خلقه، ويسر لكل مخلوق رزقه، وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى.
بيت العنكبوت
لو أن إنساناً أراد أن يبني لنفسه بيتاً، لجمع له المهندسين والاستشاريين، وبعد تشاور وتحاور قد لا يتم البناء بالإحكام الذي كان يريده صاحبه، لكن الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، أودع في غير الآدميين ما يغنيهم عن كل ما سوى الله عز وجل، فكل كائن بما أودع الله فيه من معرفة، وما ألهمه من إدراك، يبني بيته، ويحصل على غذائه، ويدافع عن نفسه، ويحمي زوجته وأولاده، بما أودع فيه سبحانه وتعالى من إمكانات تساعده على ذلك.
فانظر معي أيها القارئ الكريم إلى العنكبوت كيف يبني بيته؟ إنه يبنيه من هذه الخيوط الدقيقة التي يفرزها هو ويبني منها بيته في دقة متناهية، يعجز عنها عباقرة المهندسين من البشر، والعجيب أن الذي يقوم بالبناء هو الأنثى التي تسمى (العنكبوت)، أما الذكر فيسمى (العنكب)، والكل يجمع على عناكب، ويحتاج بيت العنكبوت في بنائه إلى(000 .400) خيط من الخيوط الحريرية بالغة الدقة، لدرجة أن شعرة الآدمي يزيد سمكها على سمك خيط العنكبوت بمقدار 400 ضعف، ومع هذه الدقة البالغة، فإن خيط العنكبوت يعتبر أقوى الخيوط الطبيعية على الإطلاق، ولذلك يطلق عليه اسم (الفولاذ البيولوجي)، لأن المادة المطاطية التي توجد فيه هي التي تكسبه هذه القوة الفولاذية.
وفي النهاية، قد يتساءل القارئ هل العناكب من الحشرات الضارة التي يتمنى الإنسان زوالها من الوجود؟ أم أنها تعد من أصدقاء الإنسان؟ والجواب: إن العناكب من أصدقاء الإنسان، رغم أننا لا نحب أن نراها في بيوتنا، لكن هناك عبارة تقول: ((لولا العناكب لما كان للإنسان مستقر على الأرض))، لأنها تلتهم جميع حشرات البيوت وغيرها، فهي صديق للإنسان وليست عدوّاً له. وبعد: فهذا نوع آخر من أنواع المخلوقات، كنا نحسبه عدوّاً لنا، والواقع أنه لنا نِعم الصديق، فسبحان الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.
أنواع العناكب
العناكب كائن متعدد الأنواع والأجناس والرتب، فمن أنواع العناكب الأرملة السوداء، الأرملة الحمراء، الصيادة، الذئبية، النساجة، القافزة، السرطانية، آكلة الطيور، عناكب الماء الرتيلاوات، وهذه الأخيرة أكثر من (40,000) نوع، و(3,700) جنس، وأكثر من (100) فصيلة، وتختلف أحجام العناكب حسب اختلاف أنواعها، فبعضها لا يزيد حجمه على حجم رأس الدبوس، وبعضها يصل حجمه إلى حجم كف يد الإنسان، ويتكون جسم العنكبوت من جزئين أساسين، هما رأس صدري مكون من الرأس الملتحم مع الصدر والبطن.
وكل من الجزئين له زوائد، ويرتبط الرأس مع البطن بخاصرة دقيقة تسمى (السويقة)، وتوجد عيون العناكب في الجزء العلوي من الرأس، ويختلف عدد العيون باختلاف أنواع العناكب، فمنها ما له ثماني عيون، ومنها ما له ست، ومنها ما له أربع، ومنها ما له عينان، أما عناكب الكهوف فلا عيون لها إطلاقاً، لأنها تعيش في ظلام دائم، ومعظم العناكب لها ثماني أرجل.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34775
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
أفلا ينظرون إلى الإبل
بقلم ـ محمد سعد خلف الله
ذُكِرت الإبلُ في القرآن كوسيلة من أهم وسائل المواصلات، ونقل الأمتعة، وآية من آيات خلق الله تعالى التي تستدعي التأمل فيها، ومعجزة لأحد الأنبياء وهو صالح عليه السلام، وذكرت كشعيرة من شعائر الحج يتقرب بذبحها إلى الله تعالى، ولحم يحل أكله، وفيه إبطال بدعة تحريم أهل الجاهلية أنواعاً منها وهي البحيرة والسائبة، وذكرت الإبل تضميناً في الديات، وذكرت تشبيهاً بها في مواقف شديدة في الآخرة وهي العشار، في قوله تعالى: (وَإذّا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ) {التكرير: 4} والهيم في قوله تعالى في الكافرين: (فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) {الواقعة: 55}، فالإبل ذكرت في القرآن الكريم في آيات كثيرة، لأغراض عدة.
إبداع الخلق
والإبل آية من آيات إبداع الخلق، إذ يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلِقت) (الغاشية: 17)، إذ لفتت هذه الآية أنظار العرب إلى التفكر في خلق هذا الحيوان العجيب الذي عرفوه وألفوه في الحل والترحال، وكان أثمن أموالهم، ومنه لباسهم ونسج بيوتهم وهي حمالة أثقالهم، وكيف خلق على هيئة ملائمة لبيئته ووظيفته، وإلى صفاته وجماله، وهو يدعم إلى التفكر في عجيب خلق الله ليؤمنوا به ويوحدوه، كما لفت نظرهم إلى التفكر في السماء وارتفاعها والأرض وبسطها والجبال كيف نصبت واستقرت لتثبيت الأرض، وهذا اللفت موجه لكل إنسان، إلى أن تقوم الساعة، والباحث في أمر خلق الإبل، والمتأمل فيه يجد أنها من أبدع المخلوقات وذلك لما فيها من صفات، حيث إنها أعجوبةٌ في الهندسة التشريحية، تتكيف مع البيئة القاسية، فلكل ما فيها معد لذلك، فعينه لها رموش كثيفة مزدوجة، تحجب عنها رمال الصحراء المتطايرة، وتتميز بقدرتها على التكبير والتقريب.
كما تستطيع الإبل إغلاق أذنيها ومنخريها لتفادي الغبار والرمال، فهما بمثابة المصفاة لها، أما أخفافها الضخمة فهي تسهِّل لها الحركة على الرمال، من دون أن تغرز فيها، وتمكنها من السير السهل على الأرض الصخرية الزلقة أيضاً، ولها شفاه مطاطية قاسية تلتهم الأشواك الحادة، وتكتفي بها إن لم تجد غيرها، وتساعدها تلك الشفاه الطويلة على ألا تفقد رطوبة بمد لسانها إلى الخارج، ومن عجيب خلقها أن الله جعل أعناقها طوالاً لتستعين بها على النهوض بالحمل الثقيل، ومع طول عنقها تتحرك أعناقها وتلتف في كل اتجاه بكل سهولة ويسر، ويساعدها هذا الطول على الوصول إلى أغصان الشجر المرتفعة، وتمكنها من الأعشاب والحشائش على سطح الأرض.
ومن أبرز ما يميز الجمل قلة حاجته إلى الماء، فهو يستطيع أن يستغني عن الماء كلياً عشرات الأيام، بل بضعة أشهر، حيث يستطيع في حالات طارئة أن يأخذ ما يحتاج إليه من الماء من أنسجة جسمه، فيخسر ربع وزنه، من غير أن يضعف عن الحركة، فالجمال ليس لها مرارة وهو ما يساعدها على تناول كميات كبيرة من الغذاء، وهذا يساعدها على تكوين كميات كبيرة من احتياجات الشحوم والدهون التي يخزنها في السنام وتعادل خمس وزنها، ومنها تسحب ما تحتاج إليه من غذاء، إن لم تجد طعاماً.
عجائب خلق الجمل
وللإبل قدرة عجيبة على التعايش مع ارتفاع أو انخفاض درجة الحرارة، فلديها منظم بيولوجي للحرارة يساعدها على السيطرة على درجة الحرارة والبقاء على قيد الحياة، من عجائب خلق الجمل أنه لا يرى الإنسان بحجمه الطبيعي بل يراه ضعف حجمه، فيرى الإنسان كبير الحجم، ما يسهل انقياده له، ومن عجائبه أيضاً أنه يركب فوقه الهودج، وهو بمثابة غرفة صغيرة، يستقر فيها في سفره الطويل أو القصير، فسبحان من خلقه وجهزه لبيئته، وسخره لخدمة الإنسان، من سالف الزمان، وجعله له بمثابة سفينة يجوب بها الصحراء.
وبالنظر إلى موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، للدكتور راتب النابلسي، وحياة الحيوان الكبرى للدميري، وهذه بعض صفات وطبائع الجمل، هذا المخلوق العجيب، نجد أن الجمل حيوان غيور صبور حقود لا ينسى الإهانة، قوي الذاكرة، شديد الحياء، والناقة عطوف حنون، والجمل منه المستأنس وهو أكثره، ومنه البري أو الوحشي، ويكاد يكون النوع الوحشي من الجمل العربي قد انقرض، أما الجمل العربي فأكبر الجمال حجماً في العالم، وله سنام واحد، وهو أصبر على الجوع والعطش من غيره، ويزيد متوسط عمر الجمل على أربعين عاماً، ولا يسلسُ قياد الجمل إلا إذا عومل بمودة وعطف.
ومن صفاته أيضاً أن الجمل سريع الانقياد، ينهض بالحمل الثقيل، ويبرك به، يأخذ بزمامه الطفل الصغير فيذهب إلى حيث شاء، وعلاوة على ذلك لا ينزو الجمل على أمه إلا إذا لم يعرفها وهذا نادر، كما أنها تعرف ما يضرها من الطعام وما ينفعها، ويقول الجاحظ في كتابه الحيوان: «البعير يدخل الروضة والغيضة، وفي النبات ما هو غذاء، ومنه ما هو سمّ عليه خصوصاً، ومنه يخرج من الحالين جميعاً، ومن الغذاء ما يريده في حال ولا يريده في حال أخرى، فالحمض والخلّة، ومنه ما يغتذيه غير جنسه فهو لا يقربه وإن كان ليس بقاتل ولا معطب، ومن تلك الأجناس ما يعرفه برؤية العين دون الشمّ، ومنها ما لا يعرفه حتى يشمّه، وقد تغلط في البيش فتأكله». والبيش نبت مسمم، ولهذه العجائب نزل قوله تعالى في الآية السابقة ليتأمل الإنسان في خلقه وعظيم قدرته في أضعف مخلوقاته.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34775
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
المحراب.. ميدان المعركة مع الشيطان
د. أحمد خضير
قال الله سبحانه وتعالى «كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا» «آل عمران: 37» وهو البيت ومحل عبادة السيدة مريم. وقد ورد لفظ المحراب أكثر من مرة، إذ قال الله سبحانه وتعالى في سورة مريم «فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا» «مريم: 11» وهو مصلى نبي الله زكريا. وفي آية أخرى قال الله في كتابه «وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ «ص: 21» أي صدر البيت ومحل عبادة نبي الله داوود.
المواضع والآيات كثيرة التي تناولت كلمة «المحراب» في سياقها، ومنها كذلك «فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ » «آل عمران: 39». فيه نبي الله زكريا، وهي آية قرآنية نجدها مكتوبة داخل المساجد. واما مصطلح المحراب اليوم في مساجدنا، فهو مقام الامام من المسجد ومكان الصلاة، وانفراد الإمام فيه ويقع في صدر المسجد.
وقد أطلق عليه محراباً لحكمتين، الأولى؛ لأنه المكان الأفضل الذي يقف فيه المصلي للصلاة لأنه ينادي ربه سبحانه، أما الثانية، لأن له علاقة بالحرب وهو ميدان المعركة، فالمصلي حينما يقف في الصلاة فهو يحارب الشيطان الذي يريد أن يبعده عن الصلاة، فهو معه في معركة وبصلاته وبثباته في هذا المكان قد انتصر عليه. ومجمل الكلام ان المحراب هو ميدان لمحاربة الشيطان ومحاربة اولياء الشيطان، فالمؤمن تقوم حياته على حرب وجهاد فإذا كان هناك ميدان للمواجهة الفعلية بالسيوف في ميدان المعركة كذا المؤمن له مكان وميدان يقف فيه 5 مرات على اقل تقدير في محاربة الشيطان فهو محارب من الطراز الأول.
ويعد اول من احدث المحراب على هيئة تجويف في المسجد النبوي، هو سيدنا عمر بن عبد العزيز 88-91هـ. وقد دعا نبي الله زكريا الله تعالى بعد ما كبر سنه، واشتعل رأسه شيباً، خاف من اقاربه وعشيرته ان يضيعوا الدين بعد موته، وان يتصرفوا في الناس تصرفا سيئا، ولا يحسنوا وراثة النبوة والعلم فطلب من الله تعالى ان يهبه من يرثه من بعده ليقوم بأداء الرسالة، فقال «فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يرثني» «مريم: 6».
ولم يرد الوراثة في المال، لأن النبي اجل قدراً من ان يشفق على ماله، بل اراد ميراث النبوة، فجاءته البشارة عن طريق الملائكة وهو يصلي في محرابه ومكان عبادته «فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ» «آل عمران: 39». وكانت امرأته عقيماً لا تلد فجاء جوابه سروراً وتعجباً عن طريق الاستفهام «قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا» «مريم: 8»، فردت عليه الملائكة بأن هذا سهل يسير على الله «قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا» «مريم: 9»، يعني القادر على الخلق من العدم لا يعجزه أن يخلق ولداً من شيخين كبيرين.
أما محراب مريم العذراء فإن أمها نذرت ما في بطنها ليكون في بيت المقدس وكانت تتمنى ان يكون الحمل ذكرا ولكن كان الأمر انثى على عكس ما تمنت فوفت بنذرها وكان نبي الله زكريا كفل مريم فجعل لها محراباً لا يرتقي اليه الا بسلم ولا يدخل عليها الا زكريا حتى كبرت، فرعاية زكريا انما جاءت بأمر من الله تعالى وكان اختيار الله لكفالة مريم بقرعة، وهي انهم القوا أقلامهم التي كانوا يكتبون بها التوراة في البحر فمن طفا قلمه لم يظفر بالقرعة ومن غرق قلمه هو الذي يفوز فكان الفائز هو سيدنا زكريا.
فتقبلها ربها وانبتها نباتاً حسناً وجعل شكلها مليحاً وكان سيدنا زكريا يتعهدها، ويدخل عليها في غرفة عبادتها فيرى ما يدل على تكريم الله تعالى لها، «كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً» «آل عمران: 37». قال المفسرون يجد عندها في الصيف فاكهة الشتاء وفي الشتاء فاكهة الصيف فحينما يسألها عن هذه الفاكهة، تجيبه «هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ» «آل عمران: 37». ويؤخذ من هذا السؤال أن كل ولي أمر، عليه أن يسأل من هو تحت ولايته إذا رأى شيئاً.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34775
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
لباساً يواري سوءاتكم
محمد سعيد قصيباتي
في الكتاب العزيز نعم عديدة، ذكر الله تعالى أن العباد مهما سعوا في عدها فإنها لا تحصى؛ (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) «إبراهيم: 34».
فإن كان مجرد الإحصاء يقف العبد أمامه عاجزاً، فكيف بأداء حق تلك النعم من الشكر عليها والثناء على المنعم سبحانه لما أولاه للإنسان من نعم يعجز اللسان عن عدها؟ (وقليل من عبادي الشكور) «سبأ: 13».
نظرة قريبة من الإنسان لنفسه التي بين جنبيه يرى نعمة هي من أقرب ما يكون إلى الإنسان، إنها نعمة اللباس، وهي من فيض التكريم الذي منحه سبحانه للإنسان وميزه به عن سائر المخلوقات (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) «الإسراء: 70».
يقول تعالى: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير) «الأعراف: 26».
الملاحظ في هذه الآية أن الله تعالى خاطب بها الإنسان عموماً دون تخصيص المؤمنين، والتعبير بـ«بني آدم» مناسب لما سبق من قصة آدم عليه السلام وتستره بورق الجنة.
وفي الآية تفضل من الله على عباده بنوعين من اللباس: الساتر للعورة وهو المقصود بقوله (لباساً يواري سوءاتكم)، والذي يقصد به الزيادة في التنعم وهو المراد بقوله تعالى (وريشاً).
جاء في التحرير والتنوير 8/75: «الريش لباس الزينة الزائد على ما يستر العورة، وهو مستعار من ريش الطير».
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوباً قال: «اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك خيره وخير ما صنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له» (الترمذي: 1767). ولعل هذه السنة هي من السنن التي كادت أن تكون ماتت لغفلة كثير من الناس عنها.
ما أجملها من نظرة حين ترى نفسك في المرآة بثوبك الجديد فتستشعر فضل الله تعالى عليك أن خلقك في أحسن تقويم، ومنّ عليك بما تتجمل به بين الناس، حينها ترد النعمة بكل تواضع وانكسار إلى المنعِم، مستبرئاً من حولك وقوتك إلى حوله وقوته.
وقد تعرض القرآن للباس أهل الجنة وخصهم بلباس السندس والإستبرق وهما الرقيق والغليظ من الحرير.
كما أن القرآن باعتباره كتاب تشريع بيّن أحكام الثياب، وخاصة ثياب المرأة المسلمة، وأنه سبحانه وتعالى لم يحرم على عباده التزين وإنما خص أشياء بالتحريم، قال تعالى (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) «الأعراف: 32».
وقال تعالى في شأن لباس المسلمة: «يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن» (الأحزاب: 59). قال الزمخشري: «الجلباب ثوب واسع أوسع من الخمار ودون الرداء، تلويه المرأة على رأسها وتبقي منه ما ترسله على صدرها».
وقال تعالى: «وليضربن بخمرهن على جيوبهن» النور: 31. قال الراغب في المفردات: «أصل الخَمْر ستر الشيء والخمار صار في التعارف اسماً لما تغطي به المرأة رأسها، وجمعه خُمُر». والجيب فتحة الثوب من الأعلى، وذكرت في قصة موسى عليه السلام في معجزة إدخال يده في جيبه. أما القميص فلم يرد ذكره إلا في قصة يوسف عليه السلام في ستة مواضع. ومن اللباس الوارد في القرآن السربال، (وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم) «النحل: 81». قال البيضاوي: «السرابيل تعم كل ما يلبس». والسرابيل التي تقي البأس هي لباس الحرب.
وذكرت السرابيل في لباس أهل النار (سرابيلهم من قطران) «إبراهيم: 50».
وللباس استعمالات بيانية أخرى، كقوله تعالى عن الزوجات (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) «البقرة: 187». أتى بالمعنى الذي يستحيا من ذكره بعبارة جزلة راقية، وفي الوقت ذاته تشير إلى أن الزوجين لا يستغني أحدهما عن صاحبه كما لا يستغني عن لباسه الذي هو من ضرورات الحياة.
وكقوله تعالى (ولباس التقوى ذلك خير) «الأعراف: 26».
شبه الله تعالى تقواه باللباس الذي يحيط بالإنسان، إشارة إلى وجوب ملازمتها له كما يلازمه لباسه.
وقوله (وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف) «النحل: 112».
عبّر الله تعالى عن الجوع والخوف الشديدين باللباس، لأنه لشدته كأنه عمّ جميع الجسم، فصار كاللباس الذي يشتمل على كل أجزاء الجسد.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34775
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
.. ولحم الخنزير
بقلم: عبدالعليم أبوليلة
كثيراً ما يُفكّر الإنسان تفكيراً غير سوي، أو يتدرب تدبيراً غير مرضيّ، فيؤثر هذا التفكير الخاطئ والتدبر القاصر على عقيدته وتصرفاته، وساعتها تكون الطامة الكبرى، وذلك حينما يختلي الإنسان بنفسه، فيطلق لعقله القاصر وتفكيره المحدود عنان ما يسميه (التدبر في مخلوقات الله) – على حد زعمه – فيجول بفكره الضعيف في عجيب ما خلق الله تعالى من حيوان، وطائر، وإنس، وجن، وهو يحاول أن يقنع نفسه الأمارة بالسوء أن ما يفعله إنما هو من صميم العبادة، ويزداد الأمر صعوبة، وتعقيداً، عندما يتمكن منه شيطانه، فيوعز إليه ذلك أن بموجب العقل الذي فضله الله به على سائر المخلوقات.
أفلا يتدبرون!
وانطلاقاً من قوله تعالى «أفلا يتدبرون»، فقد أصبح من حقه أن يسأل ربه تعالى – حاشاه – عن سبب خلقه لما لا نرى له فائدة ظاهرة، أو لا ندرك له حكمة واضحة، ونسي هذا المسكين قول الله تعالى في كتابه العزيز: «لا يسأل عما يفعل» وقوله تعالى «ويخلق ما لا تعلمون» وقوله تعالى «هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه»، وقوله تعالى «فتبارك الله أحسن الخالقين»، ثم يزداد تحيراً وتعجباً، وتخبطاً، إذا رأى مخلوقاً من ذوات الأربع أعطاه الله تعالى بسطة في الجسم، ووفرة في اللحم.
، ومن ذلك كله يحرم علينا أكل لحمه، ويحظر علينا الانتفاع بشحمه، ويسجل هذا التحريم في كتابه العزيز سبحانه وتعالى، ليكون يوم العرض على رب العالمين حجة على من خالف وعصى، فأكل ما حرم الله عز وجل عليه، وفعل ما نهى الله تعالى عنه، ورغم هذا التحريم القاطع، والحظر الشامل، فإن بعض من غلبت عليه شقوته وأضله الله على علم طوعت له نفسه الدنيئة معصية الله، وتحكمت فيه شهوته الخسيسة، فأكل ما حرمه الله عليه.
أضرار لا حصر لها
وهذا العاصي إن لم يتب إلى الله من ذنبه، ويستغفره من إثمه فسيرى الآيات القرآنية الحكيمة، والأحاديث النبوية الشريفة، تلاحقه أينما كان وهو في موقف الذل والخذلان وينادي هو ومن على شاكلته: «ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين».
إنهم أولئك الذين هداهم تفكيرهم السقيم، واستحوذ عليهم شيطانهم الرجيم، فأكلوا لحم الخنزير، مستطيبين ما حرم الله عليهم، مستبيحين ما نهت عنه شريعة الإسلام، فضلاً عن شريعة أهل الكتاب، ولو علم هؤلاء العصاة أن ربهم بهم رؤوف رحيم، لأدركوا أن علة التحريم تكمن فيما يترتب على أكل لحم الخنزير من أضرار صحية، وأخلاقية، واجتماعية، واقتصادية، ونفسية، وسلوكية، وغير ذلك مما يتنافى مع شريعة الإسلام ويأباه شرع الله القويم.
من هنا جاءت النصوص الصريحة على تحريم لحم الخنزير بما لا يحتمل تأويلاً آخر غير الذي دل عليه النص القطعي، فقال سبحانه وتعالى في سورة البقرة في الآية 173 «إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير».
وقال تعالى في الآية 145 من سورة الأنعام «قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس». وقال تعالى في الآية 115 من سورة النحل «إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير».
التوراة والإنجيل
وكما حرمت شريعة الإسلام التعامل مع الخنزير أكلاً وبيعاً وشراءً ولمساً واقتناء، فقد حرمته أيضاً شريعة أهل الكتاب من اليهود والنصارى، حيث جاء في الكتاب المقدس «إلا هذه فلا تأكلوها.. والخنزير لأنه يشق ظلفاً ويقسمه ظلفين لكنه لا يجتر فهو نجس لكم من لحمها لا تأكلوا وجثتها لا تلمسوا إنها نجسة لكم» (لاويين 1: 11 -.
وجاء في إنجيل متى «لا تعطوا القدس للكلاب، ولا تطرحوا درركم قدام الخنازير، لئلا تدوسها بأرجلها، وتلتفت فتمزقكم» (متى 7. 6)، وجاء في سفر التثنية «لا تأكل رجساً ما. هذه في البهائم التي تأكلونها.. والخنزير لأنه يشق الظلف لكنه لا يتجر فهو نجس لكم.. فمن لحمها لا تأكلوا وجثتها لا تلمسوا» (تثنيه 14: 3 -. وهذه النصوص واردة في العهد القديم إذن فلماذا حرمت الشرائع السماوية أكل الخنزير؟
هناك أسباب جوهرية كثيرة ذكرها العلماء لتحريم لحم الخنزير على بني الإنسان منها على سبيل المثال: أن الحيوان المأكول لحمه تنعكس صفاته، وطباعه، وأخلاقه، وسلوكياته، على الأكل، ويؤكد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «والفخر والخيلاء في أصحاب الإبيل، والسكينة والوقار في أهل الغنم» مسند الإمام أحمد 3/42، ويقول الفخر الرازي في كتابه زاد المسير:
«الغذاء يصير جزءاً من جوهر المتغذي فلا بد أن يحصل له أخلاق وصفات من جنس ما كان حاصلاً في الغذاء، والخنزير مطبوع على حرص عظيم، ورغبة شديدة في المشتهيات، فحرم أكله لئلا يتكيف بتلك الكيفية»، وهذا يدل على تحريم الخنزير على سيدنا موسى وقومه، وعلى سيدنا عيسى وقومه.
أمراض خطيرة
وآكل لحم الخنزير يتعرض لمجموعة من الأمراض الخطيرة بسبب الفيروسات التي توجد في لحم الخنزير حتى تقضي على حياته، إضافة إلى كل ما سبق ما قاله الإمام السيوطي – رحمه الله تعالى – عن حكم الشرع في من أكل لحم الخنزير فيقول:
«أخرج عبد الرزاق في المصنف عن قتادة أنه قال: إذا أكل لحم الخنزير عرضت عليه التوبة فإن تاب وإلا قتل»، ومعنى هذا أن أكل لحم الخنزير جريمة عقوبتها القتل كما يرى بعض علماء الأمة، ولم تشدد الشريعة الغراء العقوبة على من أكل لحم الخنزير إلا لما في ذلك من الأضرار الخطيرة التي تعود على من أكل من هذا اللحم الخبيث، وهذا التحريم والنهي عن لحم الخنزير قد يطرح في أذهان بعض الناس سؤالاً وهو ما هي الحكمة من خلق الخنازير مع ما فيها من أضرار؟
فالجواب بكل بساطة إن الله تعالى لا يسأل عما يفعل، وليس كل حيوان خلق ليؤكل لحمه، فهناك الحمير والقطط والفئران وكلها غير مأكولة اللحم، فالخنازير تلتهم في كل يوم أطناناً من القمامة والقاذورات والأوساخ التي لو بقيت لملأت المنطقة كلها بالأوبئة والأمراض والجراثيم التي يعجز المسؤولون عن التخلص منها بما لا يترك أثراً سيئاً على البيئة، فسبحان من أخفى النعمة فيما يراه الخلق نقمة، وجل من لا يسأل عما يفعل.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34775
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
ناقة صالح بنت الصخر
عبدالعليم أبوليلة
قصة ناقة سيدنا صالح عليه السلام قصة جديرة بالتدبر والتأمل، والتذكر والاعتبار، لما فيها من الدروس والعبر، وتلكم هي سمة القصص القرآنية بصفة عامة، لأن كثيراً من القصص القرآنية غالباً ما تكون مقرونة بذكر الأنبياء والمرسلين، فقصة الناقة قرنت بسيدنا صالح عليه السلام، وقصة البقرة قرنت بسيدنا موسى عليه السلام، وقصة الهدهد قرنت بسيدنا سليمان عليه السلام، ونحن المسلمين إن لم نعتبر بقصص القرآن فبماذا نعتبر؟
وقد جاء في النص القرآني الشريف ما يؤكد أن في القصص القرآني عبرة لأولي الألباب، فها هي ذي قصة سيدنا يوسف عليه السلام، يبدؤها ربنا سبحانه وتعالى بقوله {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِين}، ويختمها بقوله جل وعلا: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}، ومن أصدق من الله قيلاً؟
وإذا كان الله عز وجل يؤيد كل رسول بمعجزة من جنس ما برع فيه قومه، فقد جعل معجزة سيدنا صالح عليه السلام هي الناقة العشراء التي خرجت من الصخرة على مرأى من الذين كانوا ينحتون من الجبال بيوتاً فارهين، ويتخذون مصانع لعلهم يخلدون، ويحفرون الآبار، ويحرثون الأرض، وما سمع أحد أن الجبل يوماً تمخض عن ناقة أو حتى عن قطة، ولكنه تأييد الله لأنبيائه بالمعجزات البينات، وخوارق العادات، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة.
سيدنا صالح عليه السلام كان يعيش بين قوم جبارين، وهم قبيلة ثمود التي كانت تعيش في شمال شبه جزيرة العرب، وقد أنعم الله عليهم بالزروع والثمار، فبدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار وما شكروا الله على نعمه، بل طغوا وبغوا وعاثوا في الأرض فساداً، فبعث الله تعالى إليهم سيدنا صالحاً عليه السلام)يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة، لكن قلوبهم القاسية، وطباعهم الغليظة، وتمسكهم بضلال آبائهم الأولين، كل ذلك حال بينهم وبين الانصياع لدعوة الحق، والاستجابة لله وللرسول إذا دعاهم لما يحييهم، وصدق الشاعر إذ يقول:
إذا قسا القلب لم تنفعه موعظة.. كالأرض إن سبخت لا ينفع المطر
قال لهم أخوهم صالح: {..... يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ* قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَٰذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ}.
ثم طلبوا منه أن يدلل على صدق رسالته بأن يخرج لهم من الصخرة ناقة عشراء، «أي في بطنها حمل منذ عشرة أشهر»، وهم على يقين من أن الصخرة لا تلد إلا إذا حدثت معجزة، وهم منكرون لذلك تماماً، فمتى حملت الصخرة حتى تلد؟ وأي عقل يقول هذا القول؟
لكنّ أخاهم صالحاً قال لهم: أعلمُ أن الله على كل شيء قدير، فهل إذا خرجت الناقة العشراء من الصخرة تؤمنون بأني رسول الله إليكم؟ قالوا: نعم، فوقعت المعجزة وأخرج الله لهم الناقة من الصخرة، فسجد صالح شكراً لربه، وآمن معه عدد قليل، لكن الكثرة الكثيرة ظلت على كفرها وعنادها، وسخروا من القلة المؤمنة، كل ذلك والناقة تمر عليهم في بيوتهم فيأخذون من لبنها ما يريدون، وهم بنعمة الله كافرون، وأمر الله نبيه صالحاً عليه السلام أن ينبئهم أن الناقة لها شرب ولهم شرب يوم معلوم، ولكن الشر الذي جبلوا عليه جعلهم يتمادون في غيهم ويصرون على عنادهم، {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ}.
هؤلاء التسعة فكروا في قتل الناقة ونفذوا مؤامرتهم الدنيئة، {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ}، فتوعدهم سيدنا صالح بأن انتقام الله منهم سيكون قريباً، {فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ}، فلما كان اليوم الرابع أنزل الله تعالى نقمته بهم، {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا* فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا* وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا}.
ألا ما أشقى من يقابل النعمة بالجحود، والعطاء بالكفران، ألا ما أتعس من يرد النعمة على المنعم، يأكل خير ربه، ويمنع رفده، {إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}، {وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}.
تلكم هي ناقة صالح التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، والتي خلقت في غير رحم، فكانت معجزة وآية، {أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ}. فاعتبروا يا أولي الأبصار.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34775
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
القلم.. أقسم به الخالق
ـ محمد سعيد قصيباتي
القلم أداة العلم والمعرفة، به تملأ أوعية العقول، وتحفظ كنوز الأمم، ذكره الله في كتابه العزيز ذكراً مميزاً فأقسم سبحانه به في قوله: ((ن، والقلم وما يسطرون)) القلم: 1-2.
القسم يدل على عظمة المقسَم به، كالقسم بالسماء والنجوم والأرض والشمس، والقلم. ولا جرم أن الأشياء التي أقسم بها سبحانه لها عظمتها وشأنها، فهل القلم في الأهمية والعظمة كالشمس والقمر والسماء والأرض؟
القلم جعله الله وسيلة للعلم، فقال: ((علَّم بالقلم))، به وصلتنا علوم الأولين، وحفظ لنا سلفنا التاريخ وعرفنا سير السابقين، واعتبرنا بما كان من حوادث الزمان، ولولاه لدخلت علومهم وأخبارهم في غياهب النسيان.
- عن أبي هريرة، قال: كان رجل من الأنصار يجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيسمع من النبي صلى الله عليه وسلم الحديث فيعجبه ولا يحفظه، فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »استعن بيمينك« وأومأ بيده للخط. الترمذي: 2666
وقبل هذه الآيات جاء قوله سبحانه: ((اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم)) العلق: 1-5، فأول كلمة تنزلت على الرسول الكريم هي الأمر بالقراءة، ثم الإشادة بالقلم، وسيلة نقل العلوم.
القلم عظيم بعظمة ما يتعلق به من العلم، فبه كتب القرآن الكريم الذي هو أشرف الكتب وبه سطّر العلماء كتب التفسير والتاريخ والعلوم الإسلامية والإنسانية التي استفاد منها العالم ليتخذ منها مناراً يهتدي به لعمارة الأرض وبناء مجدها.
الله تعالى أقسم بالقلم وأقسم بما يسطرون، قال علماء التفسير: المراد بما يسطرون أي ما يكتب بالقلم، وهذا من أروع ما يدعو الإنسان للفخر بهذا الدين العظيم، الذي كرّم العلم حتى أقسم الله سبحانه بما يُكتب من العلوم التي تنهض بها الأمم وتستخرج ما فيه عزها وكيانها.
والعجب أنّ القرآن الكريم نزل وسط مجتمع ساده التخلّف والجهل والأُميّة، وكان من يجيد القراءة والكتابة في العصر الجاهلي لا يتجاوز عدد الأصابع، ومع ذلك يعود القرآن ليؤكد بالقسم على مكانة القلم والكتابة في الحضارة الإسلامية، وأنها بالقلم احتلّت مكانتها بين الحضارات.
وقد ذكر الله تعالى القلم باللفظ في القرآن الكريم - إفراداً وجمعاً في أربعة مواضع، الموضعين المذكورين آنفاً في سورتي القلم والعلق. وإضافة إليهما:
- قوله تعالى: ((ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم)) آل عمران: 44
المقصود بالأقلام هنا القداح التي يقترعون بها، وقيل: هي الأقلام التي كانوا يكتبون بها التوراة، اختاروها للقرعة تبركاً بها.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن مادة (ق ل م) في اللغة »أصل صحيح يدلُّ على تسويةِ شيء عند بَرْيه وإصلاحه. من ذلك: قَلَمْتُ الظُّفُر وقلَّمْته.
ويقال للضَّعيف: هو مَقلُوم الأظفار.
والقُلاَمَة: ما يسقُط من الظُّفُر إذا قُلِم.
ومن هذا الباب سمِّي القلمُ قَلماً، قالوا: سمِّي به لأنَّه يُقْلَم منه كما يُقْلمُ من الظُّفر، ويمكن أن يكون القِدحُ سُمِّي قلماً لما ذكرناه من تسويته وبَرْيه. قال الله تعالى: ((ومَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلاَمَهُمْ)) [آل عمران 44]« ا.هـ مقاييس اللغة.
- قوله تعالى: ((ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله)) لقمان: 27
قال الزمخشري: »المعنى: ولو أنّ أشجار الأرض أقلام، والبحر ممدود بسبعة أبحر. وكتبت بتلك الأقلام وبذلك المداد كلمات الله، لما نفدت كلماته ونفدت الأقلام والمداد«.
ثم ها هو القلم اليوم يحلق إلى حيث لم يكن من قبل فتنطلق منه العبارات رصاصاً يصل إلى أقاصي الدنيا في لحظة واحدة ليقرأه الملايين، فقلم اليوم هو لوحة المفاتيح في الحاسوب، وعلى كل كاتب أن يتقي الله سبحانه في كل ما يكتبه فهو إما له أو عليه، والقلم نعمة عظيمة، استخدمه أسلافنا فحفظوا لنا ما لا يحصيه عادّ من العلوم والمعارف، وعلينا أن نحافظ عليه ونستخدمه لرفعة أمتنا وخدمة ديننا وأبنائنا حتى يكون هذا القلم سلاحاً ندافع به عن كياننا ونرتقي به إلى ذرى المجد الذي ورثناه عن أسلافنا.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34775
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
الصافنات الجياد
بقلم: د. قطب عبد الحميد قطب
وَرَدَ ذِكْرُ الخيْل في القرآن الكريم، في سِياق الحديث عن قصة نبي الله سليمان عليه السلام، وقصة حُبِّه للخيْل حُبَّاً ناشئاً عن أمر ربِّه، قال تعالى في سورة ص: »وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ* إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ* فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ* رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ«.
أحوال الخيل
قال الفخر الرّازي رحمه الله: »إن سليمان عليه السلام احتاج إلى الغزو فجلس وأمر بإحضار الخيْل، وأمر بإجرائها، وذكر أنه لا يحبها لأجل الدنيا ونصيب النفس، وإنما يحبها لأمر الله وطلب تقوية دينه، وهو المراد من قوله: »عَنْ ذِكْرِ رَبِّي«، ثم إنه عليه السلام أمر بإعدائها وتسييرها حتى توارت بالحجاب، أي غابت عن بصره، ثم أمر الرائضين بأن يردّوا تلك الخيل إليه، فلما عادت إليه طَفِقَ يمسح سُوقها وأعناقها.
والغرض من ذلك المسح أمور، الأول: تشريفاً لها وإبانةً لعزتها لكونها من أعظم الأعوان في دفع العدو، والثاني: أنه أراد أن يظهر أنه في ضبط السياسة والملك يتواضع إلى حيث يباشر أكثر الأمور بنفسه، والثالث: أنه كان أعلم بأحوال الخيْل وأمراضها وعيوبها، فكان يمتحنها ويمسح سُوقها وأعناقها حتى يعلم هل فيها ما يدل على المرض.
وكان عَرْضُ الخيْل على سليمان عليه السلام بالعشي، وهو من حين العصر إلى آخر النهار، لينظر إليها ويقف على كيفية أحوالها، وقد وُصِفَتِ الخيْل بالفضيلة والكمال في حالتي وقوفها وحركتها، أما حال وقوفها فوصفها بالصفون، وأما حال حركتها فوصفها بالجودة، يعني أنها إذا وقفت كانت ساكنة مطمئنة في مواقفها على أحسن الأشكال، فإذا جَرَتْ كانت سراعاً في جريها، فإذا طَلَبَتْ لَحِقت، وإذا طُلِبت لم تلحق.
القسَم بالخيل
أما في الموضع الثاني فأقسم الله تعالى بالخيْل في سورة العاديات تشريفاً لها، ورفعاً لِذِكْرِها، ووصف حركاتها واحدة واحدة منذ أن تبدأ عَدْوها وجَرْيها، ضابحةً بأصواتها المعروفة حين تجري، قارعة للصخر بحوافرها حتى تُورِي الشرر منها، مغيرةً في الصباح الباكر لمفاجأة العدو، مثيرةً للنَّقْع والغبار، غبار المعركة على غير انتظار، وهي تتوسط صفوف الأعداء على غِرَّة فتُوقِع بينهم الفوضى والاضطراب، قال تعالى: »وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا* فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا* فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا* فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا* فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا* إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ«.
قال في محاسن التأويل: أقسم تعالى بالخيل متصفة بصفاتها التي ذكرها، آتية بالأعمال التي سردها، لينوه بشأنها، ويعلي من قدرها في نفوس المؤمنين أهل العمل والجد، ليُعنو بقنيتها وتدريبها على الكر والفر، وليحملهم أنفسهم على العناية بالفروسية والتدرب على ركوب الخيل والإغارة بها، ليكون كل واحد منهم مستعداً في أي وقت كان، لأن يكون جزءاً من قوة الأمة إذا اضطرت إلى صد عدو، أو بعثها باعث على كسر شوكته، وكان في هذه الآيات القارعات، وفي تخصيص الخيل بالذكر في قوله:
»وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ«، وفيما ورد من الأحاديث التي لا تكاد تحصر، ما يحمل كل فرد من رجال المسلمين على أن يكون في مقدمة فرسان الأرض مهارة في ركوب الخيل، ويبعث القادرين منهم على قنية الخيل على التنافس في عقائلها، وأن يكون فن السباق عندهم يسبق بقية الفنون إتقاناً، أفليس من أعجب العجب أن ترى أمماً هذا كتابها قد أهملت شأن الخيل والفروسية.. وأخذت كرام الخيل تهجر بلادهم إلى بلاد أخرى!
كما وَرَدَ ذِكْرُ الْخيل في القرآن الكريم في سِياق الحديث عن كل ما يَلزم إعداده للجهاد من أدوات، قال تعالى في الآية الستين من سورة الأنفال: »وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ* وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ«.
رِباطُ الخيل: الخيلُ المربوط في سبيل الله، ولا شك أن ربط الخيل من أقوى آلات الجهاد، رُوي أن رجلاً قال لابن سيرين: إن فلاناً أوصى بثلث ماله للحصون، فقال ابن سيرين: يشتري به الخيل فتربط في سبيل الله ويغزى عليها، فقال الرجل: إنما أوصى للحصون، فقال: هي الخيل.
ورباط الخيل فضل عظيم ومنزلة شريفة، فإن من أهم القُوى الحربية مرابطة الفرسان في ثغور البلاد، وقد خَصَّه الله بالذِّكر للحاجة إليه وعدم الاستغناء عنه، حتى في هذا العصر الذي تطورت فيه آلات الحرب ومراكب النقل، قال صلى الله عليه وسلم: »الخيْل معقودٌ في نواصيها الخيرُ إلى يوم القيامة، وأهلُها مُعانونَ عليها، والمنفقُ عليها كالباسط يده بالصدقة« حديث صحيح، رواه الطبراني وابن حِبَّان والحاكم.
فرباط الخيل أقوى القوة، وأشد العُدَّة، وحُصون الفرسان، وبها يُجال في الميدان.
وقد استدل بعض العلماء بهذا الآية على جواز وقْف الخيْل والسلاح، واتخاذ الخزائن والخزّان لها عُدَّةً للأعداء.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34775
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
«البروج».. نجوم زاهرة أقسم الله بها
د.أحمد خضير
قال سبحانه وتعالى، «والسماء ذات البروج»، بمعنى السماء ذات النجوم الزاهرة التي تضيء لأهل الأرض، والبروج هي المنازل في السماء التي تنتقل فيها الكواكب اثناء دورانها، وشبهت بالبروج، وهي القصور الشامخة من حيث الضخامة والعظم، فإن مدارات هذه الافلاك من الضخامة والكبر يعجز عن تصورها البشر.
وهي مدارات كل نجم يسير في مداره لا يتعداه في جريانه، وهي تدل على عظمة خالقها ومبدعها، حيث قدر علماء الفلك المسافات بين بعض النجوم والبعض الآخر بآلاف السنين الضوئية والضوء يسير في الثانية (300000) الف كم.
يوم الحشر
والسورة ابتدأت أول القسم بالسماء ذات النجوم العديدة الهائلة، ومداراتها الضخمة، أما القسم الثاني «واليوم الموعود» أي باليوم العظيم وهو يوم الحشر، والقسم الثالث «وشاهد ومشهود» والشاهد هم الأنبياء والرسل الذين يشهدون على اممهم والمشهود هم البشر والخلائق الذين يجتمعون في ارض المحشر للحساب هم المشهود عليهم، كل نبي يشهد على امته انه بلغهم الرسالة.
وهذا الرأي الراجح في تفسير الشاهد والمشهود. أما المقسم عليه هم المذكورون في قوله تعالى «قتل أصحاب الأخدود* النار ذات الوقود* إذ هم عليها قعود* وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود» كان القسم على هلاك اصحاب الاخدود الذين اذاقوا المؤمنين العذاب ليفتنوهم عن الايمان.
وخلاصة القصة؛ أن ملكا جباراً ادعى الربوبية، وكان له ساحر فلما كبر، طلب من الملك ان يأتيه بغلام شاب ليعلمه السحر حتى لا يذهب ملكه، فبعث له غلاما وكان هذا الغلام يمر في طريقه على رجل عابد زاهد فتعلق قلب الغلام به، فاسلم على يديه، ووصل الصلاح بالغلام الى درجة عظيمة، حتى صار مستجاب الدعوة لا يأتيه مريض فيدعو الله له الا شافاه الله، وصار من شدة صلاحه يبرئ الأعمى والابرص ويداوي الناس من سائر الأمراض.
الغلام المؤمن
وكان للملك وزيرا أعمى سمع بأمر هذا الغلام، فاتاه بهدايا ثمينة، وقال له هذه كلها لك انت إن شفيتني، قال الغلام اني لا اشفي احدا، انما يشفي الله رب العالمين فإن انت آمنت بالله ربي دعوت الله لك، فآمن الوزير ودعا له الغلام، فشفاه الله واصبح بصيراً، جاء الوزير الى الملك وعيناه تبصران فتعجب الملك منه وقال له من رد عليك بصرك؟ قال ربي قال وهل لك رب غيري؟ قال له انت عبد مثلي ضعيف وربي وربك هو الله فأخذه الملك فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام.
جيء بالغلام وقال له الملك قد بلغ من سحرك انك تبرئ الأعمى والأبرص؟ قال له الغلام انا لا اشفي احدا انما يشفي الله رب العالمين، أخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على العابد، فجيء بالعابد وقيل له ارجع عن دينك لكنه أبى، أمر الملك به فنشر بالمنشار حتى صار شقتين ثم جيء بالوزير وطلب منه ان يرجع عن دينه فأبى، شق ايضا بالمنشار حتى صار شقتين ثم اوتي بالغلام وطلب منه ان يرجع عن دينه لكنه أبى فأمر الملك ان يصعدوا به الى رأس جبل عالٍ ويلقوه منه ان لم يرجع.
غرق السفينة
لما صعدوا به الجبل قال الغلام اللهم اكفنيهم بما شئت فتزلزل بهم الجبل، ماتوا وجاء الغلام يمشي الى الملك، دفعه الى نفر من اصحابه، وقال اذهبوا به في سفينة الى لجة البحر، فإما يرجع عن دينه والا فألقوه، ذهبوا به فقال الغلام: اللهم اكفنيهم بما شئت، انكفأت بهم السفينة وغرقوا، جاء الغلام الى الملك.
وقال له: انك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال وما هو قال: تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع نخل ثم خذ سهماً من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس وقل بسم الله رب الغلام ثم ارمني فإنك اذا فعلت ذلك قتلتني.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34775
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
الهدهد سر إسلام ملكة سبأ
بقلم: عمران محمود عمران
إن في خلق الله عز وجل، وما خص به كل مخلوق من مخلوقاته، عبرة لمن يعتبر، وذكرى لمن يتذكر، قال تعالى في محكم آياته: (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) النحل: 79، وقال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) الملك: 19. ومعلوم أن الله جل ذكره أعطى كل مخلوق خواص يعيش بها، وتحوج غيره إليه، وذلك لتستمر الحياة ويتعاون المخلوقون، وقد استوقفني حديث القرآن عن طائر له خواص جعلت منه مبعوث نبي إلى ملكة، وجعلته داعيا إلى الله عزو وجل، مؤمناً بفكرة ومدافعاً عنها.
ذلكم هو طائر الهدهد، ولم يذكر في القرآن الكريم طائر باسمه سوى هذا المتوج الذي أخبر نبياً ملكاً بما لم يكن يعلم، والغراب الذي علم الإنسان كيف يواري سوأة أخيه، وها هي بعض خصائص الهدهد دون استقصاء. فمن خصائصه أنه طائر له عرف مميز على رأسه وأنه بني اللون وعرفه البني مرقطٌ بالريش الأسود، له طريقة خاصة في الطيران ومشاهدته علامة على نقاء البيئة من المبيدات الحشرية ..
وهو ممنوع صيده، وله قابلية عجيبة في طلب الماء والكشف عن تواجده تحت الأرض، وهو سريع الطيران، وسريع العدو، لا يقترب أي حيوان ضار من عشه بسبب الرذاذ الذي يرشه من غدة بقاعدة ذيله له رائحة كريهة لا يتحملها أي متطفل، وهو رشيق حسن المظهر فسبحان من خلقه وجمله.
وذكر الدارسون لخصائص المخلوقات أن للهدهد فصائل متعددة وقد ذكر القرآن الكريم الهدهد بصفته مبعوثا من قبل سيدنا سليمان عليه السلام إلى ملكة سبأ، فقال الله جل ذكره وهو يتحدث عن سليمان عليه السلام عند حشد جنوده: (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ). ويفهم من هذا النص الكريم أن سليمان عليه السلام كان المتفقد لرعيته صغيرها وكبيرها، حتى إنه ليبحث عن الهدهد فلما لم يره تساءل قائلا: (ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين).
ونرى احتياط سيدنا سليمان عليه السلام في تعبيره حيث إنه لم يتهم الهدهد بالغياب عن مكانه، أو التهرب من عمله، وإنما قال أولا: ما لي لا أرى الهدهد لعل شيئا ستره، أو لعل عينيَّ لا تراه، ثم لما تبين أنه غائب بالفعل قال أم كان من الغائبين، وعندما تأكد أن الهدهد قد تغيب فعلا توعده قائلا: لأعذبنه عذاباً شديداً أو لأذبحنه، إلا أن تكون له حجة مقبولة أو عذر واضح تسبب في تغيبه.
وبعد هنيهة جاء الهدهد ليقول لسليمان عرفت ما لم تعرف، وأبصرت ما لم تبصر، وسأنبيك بما عرفت، وأخبرك بما أبصرت، رأيت ملكة سبأ فهالني ما رأيت، رأيت امرأة تملك القوم، فرأيتها مُمَكَّنة، وذات عرش عظيم، ومنحت من كل شيء يمنحه ملوك أمثالها، لكن الأخطر والأهم أن القوم جميعهم يعبدون الشمس من دون الله، وبصفتي مؤمنا وأحمل دعوة الله عز وجل.
وبصفتك رجلاً تحب الجهاد، أحببت أن أعلمك أمرها، لترى فيها رأيك، ومن ثم وضعت الأمر بين يديك، وأنا في انتظار توجيهاتك، وإني لعلى يقين من أن الشيطان صدَّ هؤلاء عن سبيل الله وزين لهم أعمالهم، وكان ينبغي لهؤلاء الناس أن يعملوا عقولهم فيعبدوا قيوم السماوات والأرض الذي يتنزل أمره بينهم، ويخرج الخبء في السماوات والأرض، ويعلم ما يخفي الناس وما يعلنون، وإني لعلى يقين كذلك أن العرش الذي ليس فوقه عرش، والملك الذي لا يعظمه ملك، هو ملك قيوم السماوات وعرشه.
وبعد أن سمع سليمان قول الهدهد واعتذاره استحسن قوله لكن لم يمنعه ذلك أن يختبر صدقه، فقال له: سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين اذهب بكتابي هذا - وأعطاه خطابا ليلقيه عند ملكة سبأ - فألقاه إليهم ثم تولَّ عنهم أي ابتعد قليلاً واستمع لما يقولون فانظر ماذا يرجعون.
وهنا انتهى دور الهدهد لكن ترتب على عمله تحول مجتمع كامل من الكفر إلى الإسلام وإثبات حقيقة هذا الدين عن طريق ما قص علينا ربنا موقف الملكة وما ترتب عليه من أمور كثيرة أدت إلى إيمانها بالله عز وجل بعد اعترافها بظلم نفسها بالكفر: (قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين) النمل: 44.
ذهبت ملكة سبأ هي وقومها إلى هذا النبي الملك سيدنا سليمان عليه السلام وانضوت تحت لوائه، وهذا يدلنا على أن المسلم يجب عليه أن يبذل جهده في سبيل الله عز وجل فهذا هو الهدهد تصرف هذا التصرف دون أن يكلف من قبل سيدنا سليمان أو أن يأخذ الأمر منه وإنما تعرف على الحقيقة وحده ثم أعلم سيدنا سليمان بسبب تأخره فقبل سيدنا سليمان العذر بعد أن استمع إلى الهدهد .
وكلفه بأن يكمل ما بدأ به حتى كانت النتيجة إيمان القوم بأسرهم، فهذا طائر من مخلوقات الله التي ورد ذكرها في القرآن الكريم وله قصة كانت سبباً في إسلام ملكة سبأ وكل من معها مع سليمان لله رب العالمين، فسبحان من خلقه وألهمه الصواب.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34775
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
«عسعس» تعني طرفي الليل إقبالا وإدباراً
بقلم د. أحمد خضير
الليل هو الفترة الزمنية من اليوم، الممتدة من غروب الشمس إلى طلوع الفجر الصادق. ومعنى »عسعس« طرفا الليل عند إقباله في أول الليل وعند إدباره في آخره، ومنهم من يقول »عسعس«، بمعنى أدبر فالقسم بالليل مدبراً. وتدل صيغة القسم على أهمية الأمر المقسم به، على أن القرآن منزل من الله تعالى بواسطة الأمين جبريل »إنه لقول رسول كريم«.
ومحور السورة حقيقتان مهمتان هما القيامة والرسالة، وكلاهما من لوازم الإيمان، فلما عرضت السورة هاتين الحقيقتين ذكرت »لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ«. قال أبو جهل: ذلك إلينا إن شئنا استقمنا وإن شئنا لم نستقم، فأنزل الله »وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ للَّهُ رَبُّ لْعَالَمِين«، فعلق مشيئة الاستقامة على مشيئة الله تعالى.
وتعقيباً على الآية القرآنية »والليل إذا عسعس«، وغيرها من الآيات والسور القرآنية، فإن الوقت أنفس من الذهب والجوهر، وكل ساعة تمرّ، فهي تدني الإنسان من القبر، والإنسان هو عمره، فإذا انخرم منه وقت، انتقص من بدنه. فالزمن، من أجلّ النّعم، وقد أشار القرآن إلى هذه النعمة في كثير من الآيات منها »وسخّر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون« النحل.
وأقسم الله به »والليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلى« الليل 2. وفي آيات أخرى مثل »والضحى والليل إذا سجى« الضحى، »والعصر إن الإنسان لفي خسر« العصر. والملاحظ أن قسم الله تعالى بالزمن، كان مهمّاً في أعلى درجات الأهمية، فلو أن إنساناً ضيّع عمره في ما لا يعنيه، وفي اللّحظة الأخيرة تاب، ومات على التوبة، ثبتت له السعادة الأبدية في اللحظات الأخيرة من العمر، فهو من أهل الجنة أبداً، وأقلّ عطاءً فيها بقدر إضعاف الدنيا.
علم أن أشرف الأوقات في حياته، تلك اللحظات التي رجع فيها إلى الله، وفي الحديث »نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ«، فوقت الصحة والفراغ، كرأس مال التاجر، فإذا لم يربح في تجارته، فهو خاسر كذا الإنسان إذا لم يستغنم هاتين النعمتين، وصرفهما في غير محالّهما، كانتا عليه وبالاً. وأما الزمن عند السلف الصالح، فهم أحرص عليه من الدرهم والدولار.
كان أحد التابعين استوقفه رجل للكلام، فقال له »احبس الشمس، حتى أكلمك، فإنّ الزمن لا يعود بعد مروره، فخسارته لا يمكن تعويضها، لأنه لكل وقت، ما يملأه من العمل«. وقال الحسن البصري »يا ابن آدم إنما أنت أيام، فإذا ذهب يوم ذهب بعضك«. ونقل عن أحدهم أنه كان يكتب في الدرس، فانكسر قلمه، في الحال قال »قلماً بدينار«، فتطايرت عليه الأقلام، هذا فكّر سريعاً: لو ذهب إلى السوق، ليشتري قلماً، لضاع الوقت، ولو قال أعيروني، لما التفت إليه أحد، فبذل المال لكسب الوقت، فحصل على بغيته.
والله تعالى فضّل بعض الأوقات على بعض، فشهر رمضان هو أفضل الشهور، فالحرص على اغتنامه، وملئه بالخيرات لهو دليل على حزم المسلم. ورمضان فيه نفحات: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتعرض لها، ففي الحديث »افعلوا الخير دهركم، وتعرّضوا لنفحات رحمة الله، فإنّ لله نفحات من رحمته، يصيب بها من يشاء من عباده، واسألوا الله أن يستر عوراتكم، وان يؤمّن روعاتكم« فرمضان: فيه مضاعفة الحسنات.
وفي صيام يوم منه، يُبعَدُ الصائم عن النار مسيرة سبعين عاماً، ففي الحديث »ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله، إلا باعد الله في ذلك اليوم وجهه عن النار، سبعين خريفاً« وصيام رمضان وقيامه، مغفرة للذنوب وتكفيرها. وفي رمضان، ليلة القدر، تعادل العبادة فيها عبادة ألف شهر. فعلى المسلم، أن يحرص على صيامه وقيامه، وصلاة التراويح، وحفظ الجوارح، وقراءة القرآن، فلا يضيّعه في النهار في كثرة النوم وفي الأسواق، وفي الليل، في لعب الورق، أو القمار، أو الإنترنت في المواقع التي تسمّم الفكر والعقل، وتذهب المروءة، فمن استطاع أن يكون قرينه عملاً صالحاً فليعمل، فإنه لا يصحبه من هذه الدنيا إلا عمله.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34775
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
«البقرة» سنام القرآن
د. قطب عبدالحميد قطب
الحديث عن البقرة في القرآن الكريم حديث طويل، جاء هذا الحديث في سورٍ وآياتٍ عديدة، وفي سياقات ودلالات مختلفة، وتكفي الإشارة إلى أن أطول سورة في القرآن الكريم تُسَمَّى سورة البقرة، وهذا الاسم كفيل بإثارة العَجب، لأن هذه السورة حافلة بالأحداث والتشريعات الخطيرة، ففيها تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، وفيها تحريم الخمر، وفيها تشريع القِصاص، وفيها جمهرة من الأحكام، فيها أحكام الرضاع، وأحكام الطلاق، وأحكام العدة، وأحكام الربا، وأحكام الدَّين والرهن، وفيها أحكام الصلاة والزكاة.
وأحكام الصيام والاعتكاف، وأحكام الحج والعمرة، وفيها أطراف من نبأ المرسلين، وقصص الأولين، وفيها آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله، وفيها كما في الحديث الشريف الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه، ومن بين هذا كله اختير لفظ البقرة ليكون اسماً وعنواناً لهذه السورة المنيرة، سورة البقرة، التي هي سنام القرآن.
وأول ما يطالعنا من القرآن الكريم في شأن البقرة، هذه القصة العجيبة، قصة بقرة بني إسرائيل التي سُمِّيَتْ بها السورة الثانية من كتاب الله.
تفسير
روى آدم بن أبي إياس في تفسيره عن أبى جعفر الرازي، عن الربيع، عن أبي العالية، في قول الله تعالى: »إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً« قال: كان رجل من بني إسرائيل، وكان غنيًا، ولم يكن له ولد، وكان له قريب وكان وارثه، فقتله ليرثه، ثم ألقاه على مجمع الطريق، وأتى موسى عليه السلام فقال له: إن قريبي قُتل وإني إلى أمر عظيم، وإني لا أجد أحدًا يبين لي من قتله غيرك يا نبي الله، قال:
فنادى موسى في الناس، فقال: أنشد الله من كان عنده من هذا عِلم إلا بيَّنه لنا، قال: فلم يكن عندهم عِلم، فأقبل القاتل على موسى عليه السلام، فقال له: أنت نبي الله فاسأل لنا ربك أن يبين لنا، فسأل ربه فأوحى الله إليه: »إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً« فعجبوا من ذلك، فقالوا: »أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ* قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ « يعني: لا هرمة »وَلا بِكْرٌ« يعني: ولا صغيرة »عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ « أي: نَصَفٌ بين البكر والهرمة » قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا« أي: صافٍ لونها »تَسُرُّ النَّاظِرِينَ« أي: تُعجب الناظرين »قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ « أي:
لم يذللها العمل » تُثِيرُ الأرْضَ « يعني: وليست بذلول تثير الأرض » وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ « يقول: ولا تعمل في الحرث »مُسَلَّمَةٌ« يعني: مسلمة من العيوب » لا شِيَةَ فِيهَا« يقول: لا بياض فيها » قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ« قال: ولو أن القوم حين أمروا أن يذبحوا بقرة، استعرضوا بقرة من البقر فذبحوها، لكانت إياها، ولكنهم شدَّدوا على أنفسهم فشدِّد عليهم، ولولا أن القوم استثنوا فقالوا: »وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ« لما هُدوا إليها أبدًا. فبلغنا أنهم لم يجدوا البقرة التي نُعِتت لهم إلا عند عجوز عندها يتامى، وهي القَيِّمة عليهم، فلمَّا علمتْ أنه لا يَزكو لهم غيرُها، أضعفت عليهم الثمن، فأتوا موسى فأخبروه أنهم لم يجدوا هذا النعت إلا عند فلانة، وأنها سألتهم أضعاف ثمنها. فقال لهم موسى:
إن الله قد كان خَفَّف عليكم فشددتم على أنفسكم فأَعْطوها رِضاها وحُكمها. فَفَعَلوا واشتروها فذبحوها، فأمرهم موسى عليه السلام أن يأخذوا عَظْمًا منها فيضربوا به القتيل، ففعلوا، فرجع إليه رُوحُه، فسَمَّى لهم قاتلَه، ثم عاد ميتًا كما كان، فأخذ قاتله وهو الذي كان أتى موسى فشكا إليه مقتله، فقتله الله على أسوأ عمله.
العجل
وقد ذُكرت البقرة في القرآن الكريم في أكثر من سورة في سياق الحديث عن بني إسرائيل الذين كان البقر أثيراً عندهم حتى عبدوا العجل الذي اتخذه لهم السامريّ في غيبة موسى عليه السلام عنهم في أيام المناجاة لله في الطُّور، بل هو أثير عندهم من قبل أن يجتاز موسى بهم البحر، وذلك منذ كانوا في مصر، وكان المصريون على قديم عهدهم يعبدون عجل »أبيس« فتشبَّع اليهود بحب العجل، وظل داءً فيهم »وأُشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم« .
وقد كان موسى عليه السلام حكيماً وحاسماً وغيوراً على التوحيد وعلى حرمات الله، فحرَّق العجل ونسفه في اليمِّ نسفاً، كما في الآية السابعة والتسعين من سورة طه، إذ قال جل شأنه على لسان موسى يخاطب السامريّ: »وانظر إلى إلهك الذي ظلتَ عليه عاكفاً لَنُحَرِقنَّهُ ثم لننسفنَّه في اليمِّ نسفاً« .
بشرى
وقد ذُكِرَتْ البقرة في القرآن الكريم في أكثر من سورة في سياق الحديث عن قصة خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام مع ضيفه المكرمين الذين نزلوا به فجاءهم ودون إبطاء بعجل مشوي، كما في الآية التاسعة والستين من سورة هود »وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا * قَالَ سَلَامٌ *فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ«.
وورد ذِكر البقرة في القرآن الكريم، في سورة يوسف، في سياق الحديث عن قصة يوسف عليه السلام مع ملك مصر الذي رأى في المنام سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف، ورأى سبع سنبلات خضر وسبعاً أخرى يابسات، فالتَوَتِ اليابسات على الخضر حتى غلبن عليها، فجمع الملأ وسألهم عن الرؤيا، فقالوا هذه الرؤيا مختلطة فلا نقدر على تأويلها وتعبيرها.
وقد أوَّلها يوسف عليه السلام، أوَّل السبعَ السمان بسبع سنين خصبة، وأوَّل السبعَ العجاف بسبع سنين مجدبة صعبة تشتدُّ على الناس، ولذلك أمرهم يوسف أن يستعدوا لسنوات الجدب والقحط والقلة بأن يزرعوا سبع سنين زراعة متوالية، وأن يدخروا حصاد هذه السنين السبع المخصبة إلا قليلا مما يأكلون لسنوات القحط والقلة، وأنه سيحصل بعد السبعة المخصبة والسبعة المجدبة سنة مباركة كثيرة الخير والنعم.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34775
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
غيابة الجـب أنقذت يوسف من القتل
بقلم ـ د. أحمد خضير عباس
عندما نتطرق إلى كلمة »الجب«، كثيراً ما نتذكر قصة سيدنا يوسف عليه السلام، وتأويل الجـب في قوله تعالى »قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب«. وغيابة الجب، تعني ما غاب وأظلم من البئر، والجب بضمّ الجيم، البئر المطوية. ونعود إلى القصة، عندما اقترح أحد إخوة يوسف ألا يقتلوه وإنما يكتفون بإلقائه في قعر بئر عميقة، حتى يختفي عن عين الناظر، وعندما قالوا ضعوه في الجب فهي عملية أقل ضرراً.
وذكرت الآية كلمة السيارة، بمعنى جماعة سائرين، وهي التي تعرف دروب الصحراء، وتعرف مواقع المياه، أما السائر العادي، فلا يعرف شيئاً. أما الوارد »فأرسلوا واردهم« فهو الذي يرد الماء ليأتي به للقافلة. وتقع البئر في فلسطين في نابلس.
الرؤيا
كان يوسف عليه الصلاة والسلام، محبوباً عند أبيه يعقوب من بين إخوته، وقد رأى وهو غلام صغير، رؤيا قصّها على أبيه، وخلاصة الرؤيا أنه رأى أحد عشر كوكباً والشمس والقمر يسجدون له، فعرف يعقوب عليه السلام، ان هذه الرؤيا تتضمن تكريماً ليوسف، فدبّ في إخوته الغيرة، حينما رأوا أباهم يؤثره عليهم، فدبروا إلقاءه في الجب، فمرت قافلة، فأرسلوا واردهم إلى البئر، فأدلى دلوه فتعلق يوسف بالدلو، فأخذوه عبداً رقيقاً إلى مصر، وباعوه إلى عزيز مصر.
احتل سيدنا يوسف مكاناً حسناً عند عزيز مصر، فلما حصل ما حصل له مع زوجة العزيز أدخلوه السجن فأعطاه الله تعبير الرؤيا، وكان مع يوسف فتيان؛ أحدهما ساقي الملك والآخر خبازه، فرأى كل منهما في منامه رؤيا وعرضاها على يوسف، فرؤيا الساقي مضمونها أنه يعصر خمراً، وأما الخباز فقد رأى أنه يحمل فوق رأسه خبزاً والطير تأكل منه، فعبر للخباز بأنه سيصلب، وقال للساقي، إنك ستخرج من السجن وتعود إلى عملك، وأوصاه، أن يذكره عند الملك، ولكن نسي وصية يوسف.
ولبث سيدنا يوسف في السجن بضع سنين، وكان من قدر الله أن الملك رأى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف، وسنابل خضر وأخرى يابسات، فعرض رؤياه على السحرة والكهنة فلم يجد عندهم جواباً، عند ذلك تذكر ساقي الملك ما أوصاه به يوسف، فأخبر الملك بأمر يوسف، فأرسله إليه، فكان جواب يوسف، بأن البلاد سوف يأتيها سبع سنوات مخصبات، ثم يأتي بعدها سبع سنوات قحط ثم يأتي بعد ذلك عام تعم فيه البركة.
البراءة
أُعجب الملك بيوسف فدعاه للخروج، ولكنه رفض الخروج حتى تثبت له البراءة التامة مما حصل في قصره، فأقرت امرأة العزيز، بأنها هي التي راودته عن نفسه، فخرج يوسف من السجن وقربه الملك وجعله على خزائن الأرض، فأحسن تنظيم البلاد وأمرها وادخر في سنوات الخصب الحب في سنبله وقام بتوزيع القوت، ضمن تنظيم محكم فوفد إليه إخوته، ماعدا شقيقه، فلما رآهم عرفهم وهم لا يعرفونه، أعطاهم الميرة، ورد لهم ثمنها وجعلها في أوعيتهم وكلفهم أن يأتوا بأخيهم إذا جاؤوا مرة أخرى، ووعدوه بذلك.
الندم
ذكر إخوة يوسف لأبيهم ما جرى فطلبوا من أبيهم أن يرسل معهم أخاهم، فأذن بعدما أعطوه المواثيق من الله على أنفسهم، ولما وصلوا الى مصر، دبر يوسف أمراً يستبقي فيه أخاه، فكلف غلمانه أن يدسوا صواع الملك في رحل أخيه ولما حملوا طعامهم عائدين إلى بلادهم، أرسل يوسف الجنود للبحث عن الصواع، فوجدوه في رحل أخيه، فأخذه الجند، وكان أمراً شديداً عليهم، عادوا إلى يوسف يرجونه أن يخلي سبيل هذا وان يأخذ احدهم مكانه، إلا أن يوسف رفض.
ورجع إخوة يوسف إلى أبيهم إلا الكبير منهم، فأخبروه بالخبر، فظن بهم سوءاً، ثم أمرهم بالعودة إلى مصر والتحسس عن يوسف وأخيه، فعادوا إلى مصر وألحوا بالرجاء أن يمن العزيز بالإفراج عن أخيهم، وخلال المحادثة، عرّفهم يوسف بنفسه، فلما عرفوه ندموا والتمسوا منه العفو والصفح عما كان منهم، فقال لهم »لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم« وطلب منهم أن يأتوا بأهلهم أجمعين.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34775
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
النمل.. الاحتراز وعصمة الأنبياء
د. قطب عبد الحميد قطب
سورة النمل سورة كريمة من سور القرآن الكريم، سُمِّيَتْ بهذا الاسم لاشتمالها على قصة النملة مع نبي الله سليمان عليه السلام، حينما كانوا مشاة في الأرض أو رُكباناً في أمر مَهُول منظره، وأحسَّت النملة ولعلها ملكة النمل بنزولهم أو بقرب نزولهم في وادي النمل، فخافت على إخوتها من النمل، فأمرتهم بالدخول في مساكنهم والفرار إلى أماكنهم حذراً من تحطيم سليمان وجنوده لهم بدون شعور، لأنهم لو شعروا بهم لم يحطموهم، وقد فهم سليمان عليه السلام مقالة النملة، وتبسم ضاحكاً من قولها لأنها برَّأت ساحته وساحة جنوده من الاتهام بالعمد والقصد إلى التحطيم والتكسير والعدوان، وسُرَّ بما آتاه الله من علم وإدراك جعله يسمع ما همست به النملة، التي هي مَثلٌ في الصِّغر والقِلَّة، ويحيط بمعناه.
ولذلك دعا الله سبحانه وتعالى أن يلهمه شكر ما أنعم الله به عليه وعلى والديه، وفي هذا يقول الله جل شأنه في سورة النمل: «وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالاَ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي فَضّلَنَا عَلَىَ كَثِيرٍ مّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ* وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَأَيّهَا النّاسُ عُلّمْنَا مَنطِقَ الطّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلّ شَيْءٍ إِنّ هَـَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ* وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنّ وَالإِنْس وَالطّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ* حَتّىَ إِذَآ أَتَوْا عَلَىَ وَادِي النّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَأَيّهَا النّمْلُ ادْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ* فَتَبَسّمَ ضَاحِكاً مّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبّ أَوْزِعْنِيَ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الّتِيَ أَنْعَمْتَ عَلَيّ وَعَلَىَ وَالِدَيّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصّالِحِينَ».
سياسة الكبار
وهذه الآيات حافلة بالإشارات والدلالات، قال الإمام القشيري تعليقاً على قوله تعالى: «قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ»، فيه دليل على وجوب سياسة الكبار لمن هو في رعيتهم، وفي الآية دليل على حُسْن الاحتراز مما يُخْشى وُقُوعُه.
وقال الإمام الفخر الرازي: وفي هذه الآية تنبيه على أمور أحدها: أن من يسير في الطريق لا يلزمه التحرز، وإنما يلزم من في الطريق التحرز، وثانياً: أن النملة قالت «وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ» كأنها عرفت أن النبي معصوم فلا يقع منه قتل هذه الحيوانات إلا على سبيل السَّهْو، وهذا تنبيه عظيم على وجوب الجزم بعصمة الأنبياء عليهم السلام.
وقال الإمام القرطبي تعليقاً على قوله تعالى «وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ»: إشارة إلى الدِّين والعدل والرأفة، ونَظِيرُ قولِ النملة في جُند سليمان: «وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ» قولُ اللِه في جُند محمد صلى الله عليه وسلم: «فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ» التفاتاً إلى أنهم لا يقصدون هَدْر مؤمن، إلا أن المُثنِي على جُند سليمان هي النملة بإذن الله تعالى، والمُثنِي على جُند محمد صلى الله عليه وسلم هو الله عزَّو وجل، لِما لِجنود محمد صلى الله عليه وسلم مِن الفضل على جُند غيره من الأنبياء، كما لِمحمد صلى الله عليه وسلم فضلٌ على جميع النبيين صلى الله عليهم وسلم أجمعين.
عالم صغير
وقال الشيخ محمد أحمد العدوي: وفي الوقت الذي تُحَذِّر فيه قومها تلفت نظر سليمان إلى أن في طريقه عالَماً هو أقل منه جسماً، وأضعف استعداداً، ولا يليق بسليمان وقد آتاه الله ما آتاه من الملك والسلطان أن يغفل عن ذلك العالم الصغير، فإنه خَلْقٌ مِن خَلْق الله، لا ذَنْبَ له في أنْ خلقه الله ضعيفاً لا يستطيع أن يكافح من هو أعظم منه، ولا حيلة له في تحويله من الصِّغر إلى الكِبَر، ومن الضعف إلى القوة، تلفته إلى أنه ينبغي للقوي أن يلحظ الضعيف، وللكبير أن يرحم الصغير.
قال أهل المعاني: في كلام هذه النملة أنواع من البلاغة، نادتْ، ونَبَّهتْ، وسَمَّتْ، وأَمَرتْ، ونَصَّتْ، وحَذَّرتْ، وخَصَّتْ، وعَمَّتْ، وأَشارتْ، وأَعْذرتْ.
نادتْ: (يا)، نبَّهتْ: (ها)، سَمَّتْ: (النمل)، أَمَرتْ: (ادخلوا)، نَصَّتْ: (مساكنكم)، حَذَّرتْ: (لا يحطمنكم)، خَصَّتْ: (سليمان)، عَمَّتْ: (وجنوده)، أشارت: (وهم)، أعذرتْ: (لا يشعرون)، وهذا أمر معجب لما فيه من جزالة الألفاظ وجلالة المعاني.
تسمية ووصف
قال القرطبي: سُمِّيتِ النملةُ نملةً لتنملها، وهو كثرة حركتها وقلة قرارها. وقال ابن عطية: والنمل حيوان فَطِنٌ قويٌ شَمَّام جداً، يَدَّخر، ويتخذ القُرى، ويَشُقُّ الحَبَّ قطعتين لِئلا ينبت، ويشق الكزبرة أربع قطع، لأنها تنبت إذا قسمت شقتين، ويأكل في عامه نِصف ما جَمع، ويستبقي سائره عُدَّةً.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34775
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
الإستبرق.. لباس الجنة
بقلم ـ أحمد خضير
ذُكرت في العديد من الآيات كلمة «إستبرق»، وقد ذكره الله سبحانه وتعالى في سورة الكهف «يحلَّوْن فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثياباً خضراً من سندس وإستبرق». والإستبرق هو لباس المؤمنين في الجنة، ولأهل الجنة عدة انواع لا تحصر ولكن اجملها واعلاها وافضلها هما السندس والاستبرق، وكل منهما من الحرير الأخضر، وتلك الثياب لم تنسج بل يأخذها اهل الجنة من اشجار على شكل ثمر فيتناولون منها الثياب وتكون على مقاسهم تماما وفيها بريق ولمعان.
الحرير الرقيق
وهذه الثياب في الجنة حريرية خضراء مزينة بأنواع الزينة، منها ما يكون من الحرير الرقيق وهو السندس ومنها ما يكون من الحرير الثخين وهو الاستبرق. ووصف بالخضرة لأنه اللون الوحيد الذي يجلب السرور على النفس والانتعاش في الفكر، وقيل؛ هي حكمة الله في خلق الاشجار والنباتات وليتناسب مع خضرة الجنة.
وهناك للمؤمنين من أنواع الحلي والزينة ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، يلبسون الأساور من الفضة والذهب واللؤلؤ على حسب ما يشتهون للزينة والتجمل تكريماً لهم كما كان الملوك في الدنيا تارة يلبسون الذهب وتارة يلبسون الفضة، ومن الممكن ان يجمعوا في زينتهم هذه الأنواع في وقت واحد.
والذهب والفضة محرم على الرجال لبسهما واستعمالهما في الدنيا، واما الاخرة فليس هناك شيء محرم لأنها دار تشريف كما ان الخمرة ابيحت لأهل الجنة، فكل ما تشتهيه نفوسهم يؤمن لهم من الشراب والطعام والمتعة الجنسية، كما قال تعالى «ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدَّعون، نُزُلا من غفور رحيم».
أهل الجنة
وقد وصفت سورة الإنسان نعيم اهل الجنة وما اعده الله للمؤمنين الابرار بسبب صبرهم على الطاعة وانفاقهم في سبيل الله ومراقبتهم لله تعالى في سرهم وعلنهم. وأعطاهم ما تشتهيه انفسهم والبسهم فيها ملابس الحرير. ونقف على بعض هذه النعم باختصار وإيجاز، «متكئين فيها على الارائك» اي الأسرة المزينة بفاخر الزينة من الدر والياقوت والستائر وبين الضلال الوارفة والقطوف الدانية والجو الرائق اللطيف.
دار السرور
وكذلك «لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا» لا يرون في الجنة حراً ولا برداً، لأن هواءها معتدل، فالجنة انوار تتلألأ، لا تحتاج الى شمس إو قمر إنما هي نسمات تهب من العرش تحيي النفوس وهي مزاج واحد دائم سرمدي لا يبغون عنها حولا لأنها دار السرور، وقد شبه ابن مسعود «رضي الله عنه» طقس الجنة كما بين طلوع الفجر والشمس.
علاوة على ذلك، قال تعالى «ودانية عليهم ظلالها»، اي صارت الأشجار فوقهم كالمظلة زيادة في نعيمهم وكمالا في راحتهم. «وذللت قطوفها تذليلا» اي يقطفون ثمارها دون عناء وتعب وتسلق وتعرض للأخطار، فهم يتناولون من ثمارها وقد تذللت لهم حتى ينالوها وان كان مضطجعين وكلما قطفت ثمرة في الحال صار مكانها أخرى.
المسك الأظفر
ضرب الله الكثير من الأمثال والدلائل التي تشير إلى عظمة الجنة وجمالها، حيث تسر اشجارها واغصانها الناظرين، ويعتبر تراب الجنة المسك الأظفر، والأقداح التي تدار عليهم «ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا». ومن عجيب أمر هذه الأواني، انها تجمع بين بياض الفضة وصفاء الزجاج، فهي شفافة كالزجاج فقوارير الجنة من فضة لا تنكسر ولا تبلى.
كذلك شراب الجنة، يعد مذاقه رائعاً لا يمكن تخيل مدى لذته، وقال سبحانه وتعالى «ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا عينا فيها تسمى سلسبيلا». والسلسبيل هو الماء العذب السهل الجريان في الحلق في طعم الزنجبيل ولكن ليس فيه لذعته، فهم في اسعد حال، فشرابهم في انية الفضة غاية الصفاء شفافة لم تعهدها الأرض وهي بأحجام مقدرة تقديراً تحقق الجمال والمتعة ممزوجة بالزنجبيل كما مزجت بالكافور.
الشابي-
- الجنس :
عدد المساهمات : 10326
نقاط : 34775
تاريخ التسجيل : 29/04/2014
. :
. :
. :
صفحة 2 من اصل 3 • 1, 2, 3
مواضيع مماثلة
» الاعجاز العلمى فى القرآن: القرآن يتحدث عن خلق الكون قبل1400 سنة وجائزة نوبل تمنح عام 1973 لبحث علمى مطابق
» نحن نحتكم إلى القرآن
» تسليم البنادق يوم صاعب ذكره ::: نضايق ونزعل بعد ما نفتكره ....
» دعاء ختم القرآن
» القرآن المذهل
» نحن نحتكم إلى القرآن
» تسليم البنادق يوم صاعب ذكره ::: نضايق ونزعل بعد ما نفتكره ....
» دعاء ختم القرآن
» القرآن المذهل
منتديات زنقتنا-منتديات شباب ليبيا الأحرار :: المنتديات الإسلامية :: منتدي القرآن الكريم والسنة النبوية
صفحة 2 من اصل 3
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت 9 نوفمبر - 0:32 من طرف علي عبد الله البسامي
» تحية لفرسان لبنان
الجمعة 1 نوفمبر - 23:43 من طرف علي عبد الله البسامي
» أشجان عربية
الجمعة 25 أكتوبر - 22:54 من طرف علي عبد الله البسامي
» فلنحم وجودنا
الإثنين 21 أكتوبر - 22:13 من طرف علي عبد الله البسامي
» وداع الأبطال
الأحد 20 أكتوبر - 10:19 من طرف علي عبد الله البسامي
» بين الدين والاخلاق
الجمعة 18 أكتوبر - 10:36 من طرف علي عبد الله البسامي
» حول مفهوم الحضارة
الجمعة 18 أكتوبر - 10:33 من طرف علي عبد الله البسامي
» فيم تكمن قيمة الانسان ؟؟؟
الجمعة 18 أكتوبر - 10:30 من طرف علي عبد الله البسامي
» حزب المجد
الخميس 17 أكتوبر - 23:24 من طرف علي عبد الله البسامي
» نداء الإقدام
السبت 12 أكتوبر - 13:59 من طرف علي عبد الله البسامي
» نداء الى امّتنا
الخميس 10 أكتوبر - 16:49 من طرف علي عبد الله البسامي
» حقيقة الثقافة
الجمعة 20 سبتمبر - 14:56 من طرف علي عبد الله البسامي
» وجعٌ على وجع
الإثنين 16 سبتمبر - 17:28 من طرف علي عبد الله البسامي
» تعاظمت الجراح
الأحد 15 سبتمبر - 17:57 من طرف علي عبد الله البسامي
» بجلوا الابطال
الجمعة 13 سبتمبر - 17:37 من طرف علي عبد الله البسامي
» موقف عز وشرف
الثلاثاء 20 أغسطس - 0:19 من طرف علي عبد الله البسامي
» نداء الوفاق
الخميس 8 أغسطس - 18:27 من طرف علي عبد الله البسامي
» رثاء الشهيد اسماعيل هنية
الأربعاء 31 يوليو - 18:37 من طرف علي عبد الله البسامي
» هدهد الجنوب
الجمعة 26 يوليو - 20:41 من طرف علي عبد الله البسامي
» حماة العفن
الأربعاء 17 يوليو - 16:53 من طرف علي عبد الله البسامي