نزرا قبّاني ... محاولة لقراءة كف معمر القذافي
صفحة 1 من اصل 1
نزرا قبّاني ... محاولة لقراءة كف معمر القذافي
مقال للشاعر الدمشقيّ الشهير "نزار قبّاني"
(محاولة لقراءة كف معمر القذافي)
العالم العربي دخل مرحلة الكهولة، لذلك فهو لا يفهم طفولة معمر القذافي، والعالم العربي متعصب للنثر، لذلك فهو لا يفهم شاعرية القائد الليبي.
يتصوره البعض شيخاً من مشايخ الطرق الصوفية، ويتصوره البعض واحداً من جماعة اخوان الصفاء، ويتصوره البعض تلميذاً مشاغباً يمد لسانه لجميع المدرسين، ويتصوره البعض مراهقاً سياسياً يرمي الحجارة على شبابيك كل المدن بما في ذلك ايرلندا والفيليبين، ويتصوره البعض ولداً خارجاً على طاعة أبويه وتقاليد القبيلة وآداب الأكل بالشوكة والسكين .
إن معمر القذافي ليس زعيماً كلاسيكياً ليناقش بطريقة النقد الكلاسيكي، وليس تمثالاً محدد القسمات في متحف الشمع العربي. إنه ظاهرة استثنائية، كالبرق، والرعد، ورياح الخماسين.. وعلى هذا الأساس يجب أن ندرسه.
وكتابتي عن القذافي لا تحمل أي معنى من معاني الرشوة، فأنا لا أحترف رشوة الحاكمين، ولا أتقن فن التبخير.. كل ما في الأمر أن الرجل يشغل بالي كما ينشغل بال المؤلف بمواقف أشخاص روايته، وسلوكهم وأبعادهم النفسية.
القذافي أشبه بممثل متميز الشخصية، رفض النص المكتوب في السيناريو، وبدأ يخترع كلاماًَ من عنده لأن الكلام القديم لا يعجبه. لذلك تخانق مع المنتج، والمخرج، ومهندسي الديكور، وصانعي الماكياج.. وطلب من الجمهور أن يسترد ثمن تذاكره، لأن السينما كلها.. أونطة.. بأونطه.
والقذافي حين يخالف تقاليد المسرح العربي، ويتخانق مع أفراد فرقة "حسب الله" ، فإنه لا يفعل ذلك بدافع المشاكسة، أو الرغبة في الشهرة، أو تأسيس فرقة مسرحية لحسابه. فزهده في الحكم معروف لدرجة أنه يهدد بالإستقالة من رئاسة الجمهورية بعد كل وجبة طعام يتناولها.
معمر القذافي يفكر بطريقة أخرى ، هذا كل ما في الأمر. وفي رأيي أن العرب في حاجة إلى "من يفكر بطريقة أخرى". المهم أن الرجل مقتنع بوجهة نظره، ومأخوذ بها كما يؤخذ المتصوف بكشوفاته ورؤاه الداخلية.
ثم إن الرجل لا يستحي بتفكيره، فهو مستعد، في أي وقت، أن يجادلك بوجهة نظره، ويستمع إلى وجهة نظرك، بروح رياضية نادرة، ورغبة في المعرفة لا ترتوي. وهذا العطش إلى المعرفة هو الذي دفع معمر القذافي إلى دعوة نخبة من المفكرين العرب إلى ليبيا ليناقشوه ويناقشهم في شؤون الفكر والسياسة، وهو الذي دفعه إلى الدخول في حوارات طويلة مع كل التنظيمات السياسية والشعبية والنسائية والنقابية في مصر.
طبعاً كان بإمكان القذافي أن يبقى في مكتبه في طرابلس، ويصنع الوحدة بالتلفون، ولكنه أراد أن "يسمع" و "يرى" قبل أن يقرر. وتلك هي طريقة الباحثين عن الحقيقة.
وبعد ...قد لا نلتقي مع الرئيس القذافي في فكره الديني، وفي عدائه الشديد لليسار، وفي تصوره الغريب للثورة الثقافية ، وفي قناعته بأن مكان المرأة هو البيت لأن تركيبها الفيزيولوجي لا يسمح لها بأن "تنط" من الطائرة بالباراشوت، ولكن هذا لا يمنعنا من عشق طفولته، وصدقه، وبراءته.
صحيح أن معمر القذافي يقود دراجته النارية بأقصى السرعة في شوارع المدن النائمة، ويستعمل "الكلاكسون" في الساعات المحظور استعماله فيها، ويكتب بالطباشير الملونة كلاماً غريباً على كل الأبواب...
كل هذا صحيح ، ولكن الصحيح أيضاً أن المدن العربية، التي لم تنجب منذ زمن بعيد أصبحت في حاجة إلى صوت يحمل إليها الفرح والمتاعب، ويرمي من النافذة نصف أثاث البيت العتيق الذي نخره السوس.
..
نزرا قبّاني / 1973
(محاولة لقراءة كف معمر القذافي)
العالم العربي دخل مرحلة الكهولة، لذلك فهو لا يفهم طفولة معمر القذافي، والعالم العربي متعصب للنثر، لذلك فهو لا يفهم شاعرية القائد الليبي.
يتصوره البعض شيخاً من مشايخ الطرق الصوفية، ويتصوره البعض واحداً من جماعة اخوان الصفاء، ويتصوره البعض تلميذاً مشاغباً يمد لسانه لجميع المدرسين، ويتصوره البعض مراهقاً سياسياً يرمي الحجارة على شبابيك كل المدن بما في ذلك ايرلندا والفيليبين، ويتصوره البعض ولداً خارجاً على طاعة أبويه وتقاليد القبيلة وآداب الأكل بالشوكة والسكين .
إن معمر القذافي ليس زعيماً كلاسيكياً ليناقش بطريقة النقد الكلاسيكي، وليس تمثالاً محدد القسمات في متحف الشمع العربي. إنه ظاهرة استثنائية، كالبرق، والرعد، ورياح الخماسين.. وعلى هذا الأساس يجب أن ندرسه.
وكتابتي عن القذافي لا تحمل أي معنى من معاني الرشوة، فأنا لا أحترف رشوة الحاكمين، ولا أتقن فن التبخير.. كل ما في الأمر أن الرجل يشغل بالي كما ينشغل بال المؤلف بمواقف أشخاص روايته، وسلوكهم وأبعادهم النفسية.
القذافي أشبه بممثل متميز الشخصية، رفض النص المكتوب في السيناريو، وبدأ يخترع كلاماًَ من عنده لأن الكلام القديم لا يعجبه. لذلك تخانق مع المنتج، والمخرج، ومهندسي الديكور، وصانعي الماكياج.. وطلب من الجمهور أن يسترد ثمن تذاكره، لأن السينما كلها.. أونطة.. بأونطه.
والقذافي حين يخالف تقاليد المسرح العربي، ويتخانق مع أفراد فرقة "حسب الله" ، فإنه لا يفعل ذلك بدافع المشاكسة، أو الرغبة في الشهرة، أو تأسيس فرقة مسرحية لحسابه. فزهده في الحكم معروف لدرجة أنه يهدد بالإستقالة من رئاسة الجمهورية بعد كل وجبة طعام يتناولها.
معمر القذافي يفكر بطريقة أخرى ، هذا كل ما في الأمر. وفي رأيي أن العرب في حاجة إلى "من يفكر بطريقة أخرى". المهم أن الرجل مقتنع بوجهة نظره، ومأخوذ بها كما يؤخذ المتصوف بكشوفاته ورؤاه الداخلية.
ثم إن الرجل لا يستحي بتفكيره، فهو مستعد، في أي وقت، أن يجادلك بوجهة نظره، ويستمع إلى وجهة نظرك، بروح رياضية نادرة، ورغبة في المعرفة لا ترتوي. وهذا العطش إلى المعرفة هو الذي دفع معمر القذافي إلى دعوة نخبة من المفكرين العرب إلى ليبيا ليناقشوه ويناقشهم في شؤون الفكر والسياسة، وهو الذي دفعه إلى الدخول في حوارات طويلة مع كل التنظيمات السياسية والشعبية والنسائية والنقابية في مصر.
طبعاً كان بإمكان القذافي أن يبقى في مكتبه في طرابلس، ويصنع الوحدة بالتلفون، ولكنه أراد أن "يسمع" و "يرى" قبل أن يقرر. وتلك هي طريقة الباحثين عن الحقيقة.
وبعد ...قد لا نلتقي مع الرئيس القذافي في فكره الديني، وفي عدائه الشديد لليسار، وفي تصوره الغريب للثورة الثقافية ، وفي قناعته بأن مكان المرأة هو البيت لأن تركيبها الفيزيولوجي لا يسمح لها بأن "تنط" من الطائرة بالباراشوت، ولكن هذا لا يمنعنا من عشق طفولته، وصدقه، وبراءته.
صحيح أن معمر القذافي يقود دراجته النارية بأقصى السرعة في شوارع المدن النائمة، ويستعمل "الكلاكسون" في الساعات المحظور استعماله فيها، ويكتب بالطباشير الملونة كلاماً غريباً على كل الأبواب...
كل هذا صحيح ، ولكن الصحيح أيضاً أن المدن العربية، التي لم تنجب منذ زمن بعيد أصبحت في حاجة إلى صوت يحمل إليها الفرح والمتاعب، ويرمي من النافذة نصف أثاث البيت العتيق الذي نخره السوس.
..
نزرا قبّاني / 1973
ـــــــ-ــــــ-ـــــ-ـــــ-ــــــ-ـــــــ-ـــــ-ــــ-ــــــ-ــــــ-ـــــــ-ـــــــ-ـــــــ-
التوقيع
ابن زليتن السيل العرم-
- الجنس :
عدد المساهمات : 1237
نقاط : 11973
تاريخ التسجيل : 24/05/2011
. :
. :
مواضيع مماثلة
» محاولة لقراءة كف معمر القذافي
» حصرياً من منتديات معمر القذافي أول خطاب للقائد معمر القذافي سنه 1969
» الفنان محيي اسماعيل يتحدث عن الشهيد معمر القذافي وقال انه يعد فيلم منذ عشر سنوات عن تاريخ الشهيد معمر القذافي
» دافعوا علي معمر القذافي ولكن .. بأخلاق معمر القذافي
» عاجل: انشقااق معمر القذافي عن نظام معمر القذافي
» حصرياً من منتديات معمر القذافي أول خطاب للقائد معمر القذافي سنه 1969
» الفنان محيي اسماعيل يتحدث عن الشهيد معمر القذافي وقال انه يعد فيلم منذ عشر سنوات عن تاريخ الشهيد معمر القذافي
» دافعوا علي معمر القذافي ولكن .. بأخلاق معمر القذافي
» عاجل: انشقااق معمر القذافي عن نظام معمر القذافي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 15:09 من طرف علي عبد الله البسامي
» تخاذل أمّة
الجمعة 15 نوفمبر - 20:46 من طرف علي عبد الله البسامي
» ترياق الهَذَر
السبت 9 نوفمبر - 0:32 من طرف علي عبد الله البسامي
» تحية لفرسان لبنان
الجمعة 1 نوفمبر - 23:43 من طرف علي عبد الله البسامي
» أشجان عربية
الجمعة 25 أكتوبر - 22:54 من طرف علي عبد الله البسامي
» فلنحم وجودنا
الإثنين 21 أكتوبر - 22:13 من طرف علي عبد الله البسامي
» وداع الأبطال
الأحد 20 أكتوبر - 10:19 من طرف علي عبد الله البسامي
» بين الدين والاخلاق
الجمعة 18 أكتوبر - 10:36 من طرف علي عبد الله البسامي
» حول مفهوم الحضارة
الجمعة 18 أكتوبر - 10:33 من طرف علي عبد الله البسامي
» فيم تكمن قيمة الانسان ؟؟؟
الجمعة 18 أكتوبر - 10:30 من طرف علي عبد الله البسامي
» حزب المجد
الخميس 17 أكتوبر - 23:24 من طرف علي عبد الله البسامي
» نداء الإقدام
السبت 12 أكتوبر - 13:59 من طرف علي عبد الله البسامي
» نداء الى امّتنا
الخميس 10 أكتوبر - 16:49 من طرف علي عبد الله البسامي
» حقيقة الثقافة
الجمعة 20 سبتمبر - 14:56 من طرف علي عبد الله البسامي
» وجعٌ على وجع
الإثنين 16 سبتمبر - 17:28 من طرف علي عبد الله البسامي
» تعاظمت الجراح
الأحد 15 سبتمبر - 17:57 من طرف علي عبد الله البسامي
» بجلوا الابطال
الجمعة 13 سبتمبر - 17:37 من طرف علي عبد الله البسامي
» موقف عز وشرف
الثلاثاء 20 أغسطس - 0:19 من طرف علي عبد الله البسامي
» نداء الوفاق
الخميس 8 أغسطس - 18:27 من طرف علي عبد الله البسامي
» رثاء الشهيد اسماعيل هنية
الأربعاء 31 يوليو - 18:37 من طرف علي عبد الله البسامي