نفحة رمضان... مَن تغشاه؟

من طرف nabil الأحد 31 يوليو - 5:26

طريق الحياة محفوفة بالمشاق والمتاعب مجبولة على الأهوال، والمسافر فيها يحتاج كي يُكمِل مسيرته ويثبت تواجده إلى جملة أمور.
تحديد الهدف والثبات عليه بمعنى أن تعرف مَن أنت وماذا تريد؟ وإلى أين تريد الوصول؟ ومن تحديد الهدف إلى فقه الحياة ومعرفة طبيعة الطريق، ونعني بذلك أنّ حياة الإنسان مزيج من الأفراح والأقراح يتساوى في ذلك الغني والفقير والصغير والكبير. فالمسافر العارف بخبايا الطريق من منعرجات ومطبات سيكون ولا شك أشدّ حيطة وحذرًا، تمامًا كمَن يٌعِدُّ نفسه مسبقًا لتقبّل أسوأ الاحتمالات في حياته، قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثّمرات وبشّر الصّابرين}. وحراك الحياة وتدافع الخير والشرّ فيها، هو تمحيص لمعادن الرّجال ودرجات إيمانهم، قال تعالى: {أَحَسِبَ النّاس أنْ يُتْرَكوا أن يقولوا آمَنَّا وهُم لا يُفتنون}، ومن تحديد الهدف ثمّ فقه الحياة إلى الإلمام بالمحطات التي يتزوّد منها المسافر لإتمام طريقه وبلوغ هدفه، وإذا لم يكن للإنسان هدف في الحياة ولا معرفة مسبقة بطبيعة الحياة ومحطاتها، كان مثله مثل الهائم الذي لا يدري ولا يعقل وهم كالأنعام يأكلون ويتمتّعون.
ومن جملة المحطات التي تعين المؤمن على نوائب الحياة وإتمام المسير وتمتين صلة العبد بربّه، الصّلاة وما تحمله من طاقة إيمانية متجدّدة، يشعر بها مَن هُم في صلاتهم خاشعون ولعظمة ربّهم مستحضرون. ومنها كذلك الحج إلى بيت الله الحرام وما فيه من شحنات إيمانية، حيث تسكب العَبَرات وتستحضر الذكريات ومنها وهي ما نحن على عتباته وقد لاح في الأفق هلاله. ها قد أقبل إذًا أفضل الشّهور، حيث فيه أفضل اللّيالي وفيه القرآن الكريم تنزّل هُدًى للنّاس وبيِّنات من الهدى والفرقان، هي محطة الإيمان ومدرسة العارفين وربيع المؤمنين لو عَلِم النّاس ما فيه من خير لتمنوا العام كلّه رمضان. قال صلّى الله عليه وسلّم: ''إذا كان أوّل ليلة من رمضان غلقت أبواب النّار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنّة فلَم يغلق منها باب، وينادي مناد يا باغي الخير أقْبِل ويا باغي الشرّ أدْبِر، ولله من كلّ ليلة عتقاء من النّار حتّى ينقضي رمضان''.
هو شهر الإنابة والتوبة، ففيه تعود الطيور الضالة إلى عشّها، حيث يجب أن تكون طاعة لله وانقيادًا لأمره، ومنه يتحقّق قوله تعالى {لعلّكم تتّقون}، إنّها الحياة الإسلامية والمظاهر الإيمانية تلك التي يحدثها الصيام في جموع الصّائمين والصّائمات، تتجلّى تلك الصور والمظاهر في أمور، منها أنّ المساجد تتزيّن لروادها وتتجمّل لقاصديها حتّى تكون وكأنّها خلية نحل أو قُل روضة من رياض الجنّة، حلق للقرآن الكريم حفظًا وتلاوةً وصلوات وابتهالات باللّيل والنّهار، تتوهّج بها ألسنة الصّائمين وهم يقولون: ''اللّهمّ لك صُمنا وعلى رِزقك أفطرنا''.
فشهر تتجلّى فيه العبودية لله عزّ وجلّ ليصل بها العبد إلى مرتبة الإحسان وهي أن تَعبُد الله كأنّك تراه فإنْ لم تكن تراه فإنّه يراك، وذلك من خلال فعل الطاعات واجتناب المنكرات وحظوظ النّفس والانتصار على الذات، شعاره في ذلك: ''إنّي صائم إنّي صائم''. أمّا الرّحم في شهر الرّحمة، فهي أقوى من ذي قبل، حيث تلتقي الأسرة مرّتين على الأقل على مائدة واحدة عند السحر والفطر، ليبقَى حديث السّمر وزيارة الرّحم تجمعه سهرات رمضان المبارك.
هو إذًا محطة يتزود منها المؤمنون بالزاد الذي يوصلهم إلى جنّات النّعيم، وقد ظفروا بالرّحمة والمغفرة والعتق من النّار. فمَن صَلُحَت بدايته صلُحت نهايته، وبعُد عن رحمة الله مَن أدرك رمضان ولم يُغْفَر له، قال هذا جبريل وأمَّن على هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.